Monday, June 25, 2012



إدموند ساندرز

ترجمة: رائد عوض قدورة.

بضع سنواتٍ مضت، أُرغم فيها قادة حماس في قطاع غزة على أن يكونوا أكثر اعتدالاً لكي تقلّ وطأة الحصار الاقتصادي ولتجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل في الوقت الذي يعيش فيه زعماء الحركة الذين يمتلكون زمام قرار الحركة في دمشق في هدوءٍ تام.

لكن مفاجآت الربيع العربي قلبت المعادلة رأساً على عقب، وأصبحت قيادة حماس في سوريا تبحث عن خطوط للمصالحة لرأب الصدع بين غزة والضفة الغربية كي لا تخسر الحركة حكماً لغزة استمر خمسة أعوام.

فالصراع على السلطة أصبح أحد ملامح سياسات حماس خلال الأعوام المقبلة وتحديداً نجاح المصالحة الوطنية مع حركة فتح أو العودة إلى الصراع والعنف مع إسرائيل.

يقول مايكل برونينغ، الخبير في شئون حركة حماس ومدير معهد فريدريتش آبيرت " تغيرت الأدوار".

من المتوقع أن تفرز انتخابات مجلس الشورى في حماس قيادة جديدة يرأسها خالد مشعل، على الرغم من أنه أعلن مراراً وتكراراً عدم نيته الترشح لولاية جديدة. لكن، يبدو أن مشعل مرشح بقوة لتولي المنصب لولاية جديدة مدتها أربعة أعوام. وكان ما ساعد مشعل شعبيته الجارفة في الشتات والضفة الغربية والتي تفوق عدد مؤيديه في قطاع غزة، بالإضافة إلى توقيعه على ورقة المصالحة الفلسطينية مع حركة فتح.

لكن مشعل يواجه منافسةً شرسة من زعيم حماس في غزة إسماعيل هنية الذي يبدو أنه كسب تأييد العديد من الأنصار خصوصاً بعد الجولات المكوكية التي قام بها لعددٍ من الدول مثل إيران وتركيا ومصر. ناهيك عن خطاباته القوية التي يؤكد فيها على مواصلة المقاومة المسلحة وعدم الاعتراف بإسرائيل. وعندما قتلت الولايات المتحدة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ترحّم عليه واعتبره من "المقاتلين الأبطال".

لكن بالمقابل، استخدم مشعل السياسة السلمية في خطاباته. حيث دعا في أكثر من مناسبة للجوء إلى المقاومة السلمية ودعم رئيس السلطة محمود عباس في التوصل إلى سلام مع إسرائيل. ووافق أيضاً على دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

وفي مقابلة أٌجريت معه في منزله في غزة، اعترف القيادي في حماس محمود الزهار "بوجود خلافات داخل الحركة، لكنه استهجن في نفس الوقت تضخيم حجم الخلافات لاستخدامها لصالح الأعداء والخصوم".

وأضاف الزهار "الخلافات ليست على الأفكار والمبادئ، بل على الطرق والوسائل، الجميع يختلفون فيما بينهم. لكن في النهاية، حكم الأغلبية يسري على الجميع".

إن الاختلاف في الآراء وهجوم الزهار على مشعل العام الماضي لتوقيعه اتفاق المصالحة مع حركة فتح أمراً نادر الحدوث في حركة حماس التي يُعرف عنها الانضباط واحتفاظها بالأسرار وراء أبوابٍ موصدة.

ويقول المحلل السياسي في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة بأن " خطاب حماس القديم يجب أن يتغير إذا أرادت أن تبحث لها عن موطأ قدمٍ في الأردن أو مصر أو قطر".

وبعد انتقادها رسمياً النظام السوري بسبب الجرائم التي يرتكبها في سوريا، قلصت إيران الدعم المالي لحركة حماس كون سوريا وإيران حليفتان، وهو ما يعكس خوف الحركة من تزايد قوة حركة الجهاد الإسلامي المنافسة القوية لها في غزة.

يقول القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش "على مدى العامين الماضيين، ارتفعت نسبة المنافسة بين حماس والجهاد الإسلامي، لكن هذا التنافس إيجابي. يجب على حركة حماس أن تهتم أكثر بالمقاومة المسلحة وأن تتجنب المحادثات السلمية الغير مجدية".

قادة حماس في غزة يعلمون تماماً بأن المصالحة مع حركة فتح تعتبر تهديداً لسلطتهم، وتثبيت عباس رئيساً للوزراء يجعل هنية يعود أدراج الرياح.

هناك شيء واحد يتفق عليه الجميع أن مصر ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل حركة حماس وخصوصاً بعد سقوط الخصم الأزلي للحركة: محمد حسني مبارك، وصعود الحليف الأول: جماعة الإخوان المسلمين.

يرى مشعل في المصالحة بأنها وسيلة لإرضاء جماعة الإخوان المسلمين التي قالت بأنها ترغب في وضه نهاية للانقسام الفلسطيني.

ويختم أبو سعدة تصريحه بالقول" الجميع ينظر لمصر باعتبارها مفتاح الحل".

The Los Angles Times

مركز الدراسات السياسية والتنموية، 18/6/2012

2.          ماذا وراء أكمة "الأفكار" الأمريكية الجديدة؟!

 عريب الرنتاوي

سراً وعلانية، يجري الحديث عن “أفكار” أمريكية جديدة لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي...سلفاً ومقدماً نقول، ومن دون تردد للحظة واحدة، بأننا أمام “عملية خداع” جديدة و”لعبة تقطيع وقت” إضافية...المسألة الفلسطينية تشغل أسفل قائمة اهتمامات واشنطن، وليس في الأفقين الفلسطيني والإسرائيلي ما يبرر الثقة المتجددة بأن جولة جديدة من المفاوضات ستأتي بما لم تأت به الجولات السابقة.

لماذا تفعلها واشنطن إذن؟

الجواب باختصار يكمن في أمرين اثنين: الأول، قطع الطريق على “مسار المصالحة” من خلال بعث الأوهام من جديد بأن خيار “المفاوضات حياة” لم يستنفد أغراضه بعد...والثاني، قطع الطريق على أية تطورات غير مرغوب فيها، قد تشوش على إدارة الرئيس أوباما حملاتها الانتخابية أو تعكر صفو حملتها المركّزة على سوريا وإيران، سيما إن لجأت السلطة إلى الأمم المتحدة طلباً لمكانة “الدولة غير العضو” وردت إسرائيل بإجراء أحادي الجانب كضم الكتل الاستيطانية على سبيل المثال لا الحصر.

إنهم يبيعون الوهم من جديد، وسيأتينا ديفيد هيل مُحملاً ببضاعته القديمة الكاسدة، بحثاً عن أسواق ومتسوقين....والمؤسف حقاً، أن لدينا من هم على أتم الاستعداد لشراء هذه “الأوهام”، بل وللترويج لها وتسويقها، هم الذين قرروا أن لا بديل عن المفاوضات إلا المزيد منها...ما يدفعنا للاعتقاد بأننا سندخل من جديد في دوّامة عبثية من اللقاءات والجولات والانقطاعات والاستئنافات، فيما الأنياب الحادة لجرافات الاستيطان تواصل قضمها المتدرج للأرض والحقوق، والحصار الجائر على غزة، يواصل قصف أعمار أبنائه وبناته، وبكل قسوة وهمجية.

ولا نريد أن نذهب أن نذهب بعيداً في التشاؤم و”التبشير” بسيناريوهات أكثر سوداوية...فقد اعتدنا في هذه المنطقة، وطوال عشرين عاماً من عمر عملية السلام، أن نشهد انتعاشاً للمفاوضات وموائدها، كلما لاحت في الأفق بوادر حرب كبرى في المنطقة...لقد فعلوها في العام 1991 وكان مؤتمر مدريد جائزة الترضية لفلسطيني الاعتدال...وفعلوها عشية الحرب على أفغانسان والعراق، فكانت “خريطة الطريق” وما سبقها ورافقها وأعقبها من مبادرات واجتماعات ومفاوضات، وليس مستبعداً أن تكون “الأفكار” الأمريكية الجديدة لإحياء عملية السلام، توطئة لخطوات دراماتيكية (عسكرية بالطبع) على المسارين الإيراني والسوري، تنتهي مفاعيلها (الأفكار) ما أن تركد غبار المعارك وتنطفئ ألسنة لهيبها.

كيف ستنعكس هذه “الأفكار” على مسار المصالحة؟.

لا جواب نهائي بعد على هذا السؤال الآن، فثمة مؤشرات متناقضة تصدر عن الطرف الثاني في عملية المصالحة (حماس)...تارة تشعر بأن الحركة تقيم جداراً شاهقاً بين مساري التفاوض والمصالحة، فتقرر السير في الثاني وكأن الأول لا يعنيها بتاتاً إلا ما اختص منه بالاعتقالات المترتبة على مقتضيات التنسيق الأمني...وتارة أخرى ترى أن الحركة ما زالت تتحدث بـ”لسانٍ مقاومٍ مبين”، يربط الأمرين (المسارين) معاً، مع أن الوجهة العامة للتيار الإخواني في عموم المنطقة العربية، يميل لنقل البندقية من كتف إلى كتف، من “التهدئة” التي ترتفع أحياناً إلى مصاف الاستراتيجية، مروراً بكتب الضمانات والتطمينات الصادرة بكثافة من القاهرة وتونس، وانتهاء بصيحات “العتب” على حلف “الناتو” الذي تأخر بأكثر مما ينبغي في الاستجابة لنداءات التدخل العسكري في الأزمة السورية.

هذه الأجواء، سيكون لها إنعكاساتها المباشرة على خطاب حماس وأدائها...إن لم يكن من منطلق القناعة بجدوى هذه السياسة الجديدة، التي تعيد التذكير بسياسات الحرب الباردة وتحالفاتها ضد الخطر الشيوعي (هذه المرة ضد الخطر الشيعي وامتداداته)، فمن باب رغبة الحركة في تفادي الاصطدام مع الوجهة العامة لتيار الإخوان المسلمين.

مشكلة فلسطين، ساحة وقضية وفصائل كبرى، تتجلى في شطرها الأول، بكون التيار الممسك بمقاليد القرار الرسمي (الخيار التفاوضي) مسكون بهاجس انعدام البدائل والخيارات التي يمكنه اللجوء إليها...أما الشطر الثاني من المشكلة، فيتجلى في إنعدام البدائل الواقعية لدى الممسكين بزمام ما يسمى “الخيار المقاوم” في مواجهة التيار الأول...فتكون النتيجة، نحن نفعل ما نشاء وأنتم تقولون ما تشاؤؤن...قد لا نلتقي في السياسة والبرامج في نقطة وسط (لفظياً على الأقل)، بيد أننا قد نلتقي في “مسار المصالحة” في منتصف الطريق إن أمكن الوصول إلى صفقة مرضية (رابح – رابح)، نتقاسم بموجبها “الكعكة المفخخة”، نقيم “مصالحة فوقية” تبقي القديم على قديمه، عملاً بما وصفناه “سيناريو كردستان العراق”، فيما البنى التحتية للإنقسام تبقى على حالها، وللمفاوضات بقية...أو بالأحرى للإنقسام بقية.

الدستور، عمان، 19/6/2012

3.          الظروف مواتية لـ"تسوية مؤقتة" في الضفة

موشيه العاد

يُعلمنا الاشتغال الدائم بأراضي الضفة الغربية وبالقضية الفلسطينية أنه لن يُحرز اتفاق سلام حقيقي بيننا وبين جيراننا لا غداً ولا في الأسبوع القادم. في حزيران 1967 قبل ان تثور قضايا الاستيطان الجوهرية وشرقي القدس والتسويات الحدودية، أعلن أنور نسيبة، وهو ممن اشتهر بصدقه من الفلسطينيين، أنه لن ينشأ أبدا سلام حقيقي بين إسرائيل والعرب. وحينما سُئل نسيبة ما الذي يمكن ان ينجح، أجاب: السلام العادي، أي تسوية سلام لا يصاحبها اتفاق سلام رسمي بين الحركة الصهيونية والحركة القومية العربية.

مرت منذ ذلك الحين 45 سنة، وأصبح عرب الضفة الغربية في السنين الاخيرة سجناء بين ذلك الحظر الصريح للمصالحة التاريخية وبين الرغبة في جعل مكانتهم مؤسسية ليحسنوا عيشهم.

هناك دلائل على تغيير يجري في الجانب الفلسطيني يقتضي ردا إسرائيليا مناسبا. أولا، لا يوجد منذ ثلاث سنين تقريبا احتجاج في الضفة الغربية، فسكان الضفة، وبخاصة الشباب، ينظرون الى قطاع غزة وليبيا ومصر وسورية، ويشهدون انتقاض عُرى الأمة العربية وأفعالها واخفاقاتها الفظيعة. وينظرون مرة اخرى الى الجارة من الغرب ويسألون أنفسهم: من نريد ان نشبه؟.

ثانيا، حال الاقتصاد الفلسطيني في الضفة أفضل من حاله في القطاع وفي أكثر الدول العربية، ولا سيما تلك التي جربت "الربيع العربي". وتشير مئات مشروعات البناء والتجارة والبنى التحتية الصناعية التي تفخر بها السلطة الفلسطينية الى الرغبة في تحسين حال سكان جنين ونابلس ورام الله.

ثالثا، يُثنون في الجانبين على التنسيق الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين الذي لم يكن قط أفضل مما هو الآن. ويعود سكان في الضفة ويؤكدون انه توجد يقظة، ويذكرون جمهور الإسرائيليين الذين عادوا ليزوروا مدن الضفة في أيام السبت والتعاون بين جهات مختلفة من الطرفين.

يجدر ان نتذكر في الحقيقة ان الحديث لا يدور هنا عن قصة غرام بل عن التقاء مصالح، لكن ماذا يعني كل ذلك؟ لا أعلم ما الذي يشير اليه خبراء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنني أعتقد باعتباري صاحبت "المناطق" منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي أن تآلف هذه الظروف، الذي لا يُتذكر مثله، يقتضي توجها مختلفا يجب ان يُفصح عنه اقتراح إسرائيلي على محمود عباس.

يجب على نتنياهو ان يستخدم الظروف القائمة، وان يبادر الى اقتراح يقوم على صيغة باراك – عرفات في كامب ديفيد سنة 2000 وتبناه ايضا اولمرت وأبو مازن، وان يعرض على الفلسطينيين اتفاق سلام لسنين طويلة. ينبغي ألا نوهم أنفسنا، فالحديث عن اتفاق مصلحي يكون أشبه باتفاق طلاق في عقد زواج، اتفاق يجعل الانفصال كريما.

يُعلمنا تاريخ علاقاتنا مع الفلسطينيين ان قادتنا مصابون بقصر النظر، فقد انتظروا دائما آملين "شيئا أفضل"، وحصلوا على نحو عام على شيء اسوأ.

لا تنتظر يا نتنياهو. استغل الظروف لتسوية علاقاتنا مع عرب الضفة الغربية ولو لمدة 15 – 20 سنة مع خيار التمديد لأنه يبدو أنه لن تكون لك فرصة مشابهة في القريب.

هآرتس

الأيام، رام الله، 20/6/2012


باراك رابيد

قلة في اسرائيل يتذكرون وعلى ما يبدو لا أحد ينتبه، ولكن يوم الخميس الماضي، 14 حزيران، مرت ثلاث سنوات على خطاب بار ايلان الذي اعلن فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمرة الاولى عن استعداده "لحل دولة فلسطينية مجردة الى جانب الدولة اليهودية".

الغالبية الساحقة من الأسرة الدولية واجزاء واسعة من الجمهور الاسرائيلي، الذين لسنوات طويلة يقبلون حل الدولتين، لم يروا في ذلك بشرى جديدة. اما نتنياهو، الذي على مدى السنين عارض الدولة الفلسطينية – فقد كان هذا تصريحا شديد المعنى.

نتنياهو وصل الى خطاب بار ايلان بعد "إعادة تقويم" الموضوع الفلسطيني، والذي في ختامه توصل الى هذا الحد او ذاك الى ذات الاستنتاج الذي توصل اليه رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي لفني. وفي الطريق أغضب نتنياهو الاميركيين، أثار شكوك الفلسطينيين والعرب وحاول استئناف المفاوضات من نقطة أصعب بكثير، حيث يتمترس الفلسطينيون في شروطهم المسبقة لتجميد البناء في المستوطنات والمفاوضات على اساس خطوط 1967.

في السنوات الثلاث منذ خطاب بار ايلان يجري جدال في واشنطن، في رام الله، في عواصم اوروبا وفي القدس ايضا على مسألة – هل نتنياهو قصد حقا ما قاله؟. هل يدور الحديث عن قرار استراتيجي وسياسة حكومة اسرائيل أم مجرد ورقة رسائل لأغراض الدعاية كتبت كنتيجة لضغط اميركي؟.

محافل من اليسار ومن اليمين تدعي أن نتنياهو لا يؤمن حقا بما قاله في الخطاب، يشيرون الى حقيقة انه حتى اليوم لم يتخذ قرار حكومي يتبنى رسميا مضمون الخطاب. وبذات القدر لم يتغير برنامج الليكود السياسي بشكل يتضمن الاستعداد لإقامة دولة فلسطينية.

تصريح الوزير بيني بيغن قبل ثلاثة اشهر في مؤتمر في الجامعة العبرية زاد أكثر فأكثر من علامات الاستفهام بشأن صلة الخطاب بالأمر. "ليس صدفة أنه لا يوجد قرار حكومي كهذا"، قال في حينه بيغن حسب التسجيل الذي كشفت عنه النقاب صحيفة "مكور ريشون". "اقول هذا في اعقاب الخطاب. فهو لم يطرح على البحث في الحكومة ولن يطرح على البحث في الحكومة. ليس هذا موقف الحكومة وعليه فإنه يسمح لشخص مثلي بأن يكون عضوا في الحكومة انطلاقا من الفهم بأنه لا يوجد واقع دولتين كهذا".

وزير التعليم جدعون ساعر تحدث هو أيضا بشكل يتناقض تماما مع الخطاب. "اسرائيل يجب أن تطرح علامات استفهام على الاستعداد لإقامة دولة فلسطينية"، قال في اريئيل في كانون الاول 2011. "إقامة دولة فلسطينية ستكون خطوة شديدة المخاطر... لن نخاطر بأمن اسرائيل على اساس اماني غير واقعية".

المستشارون المقربون من نتنياهو ممن كانوا شركاء في كتابة الخطاب يردون علامات الاستفهام. كان هناك من اقترح على نتنياهو طرح الخطاب على التصويت في الحكومة. كما يدعون، ولكنه لم يرَ حاجة الى ذلك. "لا ريب أن خطاب بار ايلان كان تغييرا في الاتجاه جد هام بالنسبة لنتنياهو"، قال مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء. "لم يقل الامور فقط لأغراض الدعاية. كل كلمة قالها في حينه يقف خلفها اليوم ايضا".

في محيط نتنياهو يشيرون الى أنه في تصريحاته منذ خطاب بار ايلان – مثل خطاب افتتاح الدورة الصيفية للكنيست في 17 ايار 2011، وذاك الذي في الكونغرس الاميركي بعد ثمانية ايام من ذلك – انتقل أكثر فأكثر الى اتجاه تقسيم البلاد. في الكنيست تحدث نتنياهو عن استعداد عن تواجد عسكري فقط على طول نهر الاردن وفي الكونغرس صرح بان قسما من المستوطنات سيبقى خارج حدود اسرائيل.

في بداية نيسان، في المؤتمر الصحفي الاحتفالي الذي عقده بمناسبة بداية السنة الرابعة لولايته، واصل نتنياهو التحرك في ذات الاتجاه وأوضح أنه يخشى من تحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية. قبل ثلاثة اسابيع، في خطاب في معهد بحوث الأمن القومي أكد نتنياهو الرسالة. "التسوية السلمية بيننا وبين الفلسطينيين ضرورية لنا اولا وقبل كل شيء كي نمنع دولة ثنائية القومية وكي نعزز مستقبل اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية"، قال. "نحن لا نريد الفلسطينيين كمواطني دولة اسرائيل".

رغم التحول الذي يجتازه نتنياهو في المسألة الفلسطينية، فإن تصريحاته لا تتهم تقريبا الى أفعال. نتنياهو يفهم بأن الانفصال عن الفلسطينيين هو مصلحة اسرائيلية، ولكنه أحيانا يعمل العكس، مثلما في موضوع البناء في المستوطنات. مصدر اسرائيلي يتشاور نتنياهو معه في الموضوع الفلسطيني شدد على أن الاخير يفهم الضرر الاستراتيجي الذي يلحقه الجمود السياسي بإسرائيل، ويرغب في التقدم بالمسيرة السلمية ولكن بالشروط التي تجعل ذلك غير قابلا للتطبيق.

"توجد قطيعة بين ما يفهمه بيبي من ناحية تحليلية بالنسبة للموضوع الفلسطيني وبين الاستيعاب والعمل"، قال المصدر الاسرائيلي. "اذا لم يكن له سيف على الرقبة فإنه لن يتحرك. بيبي يريد ان يكون واثقا من كل الاتجاهات – الائتلاف، شبكة امان اميركية، تعهد فلسطيني – ولكن في السياسة انت لا يمكنك ان تنتظر الى أن تنتظم كل النجوم في السماء".

قسم لا بأس به من المسؤولية عن الجمود يقع على كاهل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) الذي وصف هذا الاسبوع حالة المسيرة السلمية "بالموت السريري". وقد القى على نتنياهو بالمسؤولية عن دفن حل الدولتين، ولكنه هو ايضا ليست لديه سياسة واضحة. في يوم ما يتسلى بإقامة حكومة وحدة مع حماس، وفي آخر باستئناف المسيرة أحادية الجانب في الامم المتحدة بل واحيانا يعود الى النظر في استئناف المفاوضات مع اسرائيل اذا ما استوفيت شروطه. ومثل نتنياهو، هو ايضا يمتنع عن اتخاذ القرارات ويفضل الوضع الراهن. "لم ندخل الى المفاوضات حتى اليوم بسبب شروط ابو مازن المسبقة"، يقول احد مستشاري نتنياهو. "كل مرة اقتربنا فيها كان يهرب اكثر".

تبادل الرسائل بين نتنياهو وعباس قبل شهر لم ينجح في إعادة تحريك استئناف المفاوضات، ولكن في الأيام الاخيرة، بعد انضمام كديما الى الحكومة وإقامة ائتلاف ضخم من 94 نائبا، تحاول الولايات المتحدة والاردن إعطاء الاكسجين للمسيرة السلمية التي تنازع الحياة.

وزير الخارجية الاردني، ناصر جودة، التقى الاسبوع الماضي في واشنطن مع وزيرة الخارجية كلينتون وطلب منها بذل جهد اضافي في الموضوع الاسرائيلي - الفلسطيني قبل انتخابات الرئاسة الاميركية في تشرين الثاني. بعد اللقاء القى جودة خطابا في معهد كرنيجي في المدينة وتحدث بشكل مفاجئ عن نتنياهو. قال. "يمكنه ان يفعل شيئا – ولديه تفويض".

رغم ان الاميركيين شكاكون بالنسبة لاستعداد الطرفين للتقدم، استدعت كلينتون الى واشنطن المحامي اسحق مولخو وصائب عريقات. مع مولخو التقت في نهاية الاسبوع ومع عريقات أمس. اضافة الى ذلك، تحدثت هاتفيا مع نتنياهو وابو مازن. حتى الآن بدون نتائج.

في سياق الاسبوع ستلتقي كلينتون في واشنطن مع النائب الاول لرئيس الوزراء شاؤول موفاز، الذي يحاول أن ينظم لنفسه لقاء مع ابو مازن. موفاز يريد أن يري بأن انضمام كديما أدى الى حراك سياسي.

"التصويت على الاولبانه يظهر أنه يمكن إقرار خطوة سياسية في الكنيست حتى مع 30 اصبعا ضد"، يقول موفاز. "الزمن لا يعمل في صالحنا. دولة ثنائية القومية أخطر من ايران. لا يمكن الاستمرار مع الاحتلال والتجول في العالم والقول اننا نريد السلام".

رغم المحاولات الاخيرة لإحياء المسيرة السلمية، يوجد اتفاق شبه كامل في القدس وفي رام الله ايضا على أن الحديث يدور عن زمن ضائع. التغيير، اذا كان سيحصل على الاطلاق، لن يحصل الا بعد انتخابات الرئاسة الاميركية في تشرين الثاني. براك اوباما معني بدفع المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين من جديد اذا ما انتخب لولاية ثانية، ولكنه لن يتدخل بشكل شخصي في الموضوع الا اذا كان واثقا من أن نتنياهو يريد صفقة.

هآرتس 19/6/2012

الغد، عمّان، 20/6/2012
















فهمي هويدي

لم ينتبه كثيرون إلى أصداء الانتخابات الرئاسية المصرية في إسرائيل، أو في العالم العربي، وقد أشرت قبلا إلى بعض هذه الأصداء الأخيرة، في حين لاحظت أن صحفنا عنيت بإبراز ما نشرته الصحافة العالمية حول الحدث الكبير. إلا أن أغلب الظن أن المصريين الذين سهروا يتابعون النتائج حتى فجر أمس الأول (الاثنين 18/6) لم يخطر على بالهم أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لم يغمض له جفن في تلك الليلة، وإنما ظل ساهرا يتابع النتائج حتى أدرك مع طلوع شمس الاثنين أن الفوز كان من نصيب الدكتور محمد مرسي، وأن الفريق أحمد شفيق، خياره الذي تمناه، لم يحالفه التوفيق في المعركة.

ليس ذلك استنتاجا من عندي، ولكنه خبر بثه التليفزيون الإسرائيلي في نشرة أخبار الساعة السابعة صباح الاثنين، إذ ذكر أن نتنياهو ظل إلى ساعة الفجر الأولى يتابع نتائج الانتخابات المصرية، وأنه أجرى مشاورات عاجلة مع مستشاريه بعد إعلان فوز الدكتور مرسي.

لم يكن ذلك هو الصدى الوحيد، لأن وسائل الإعلام الإسرائيلية أبرزت الحدث في اليوم ذاته (الاثنين) على صدر صفحاتها الأولى وفي مقدمة عناوينها. ومما قالته قناة التلفزة الثانية في نشرة أخبار السابعة صباحا أن نتنياهو كان قد حث الرئيس الأمريكي أوباما على قيادة حملة دولية تشارك فيها بعض الدول العربية لمساندة الفريق شفيق وإنجاحه في مهمته إذا فاز في الانتخابات. وكان مراسل التليفزيون الإسرائيلي في واشنطن قد ذكر أن العديد من الدول بذلت جهودا هائلة من وراء الكواليس لإنجاح الفريق شفيق في الانتخابات. (هل يستدعي ذلك العديد من الأسئلة المثارة حول حملته الانتخابية الباذخة، والتفاف عدد من شخصيات النظام السابق حوله).

في نشرة الساعة السابعة صباحا من ذات اليوم (الاثنين) ذكرت الإذاعة العبرية أن الأوساط السياسية الإسرائيلية أصيبت بصدمة كبيرة، بعدما توالت الأنباء التي رجحت فوز الدكتور مرسي، خصوصا أن التقييمات المسبقة التي نقلتها واشنطن إلى تل أبيب كانت تؤكد أن فوز الفريق شفيق حتمي، وأنه سيصبح رئيس مصر المنتخب.

معلق الإذاعة العبرية ذكر صبيحة اليوم ذاته (18/6) أنه يجب رفع القبعة تقديرا للشعب المصري، لإصراره على التحول الديمقراطي، «رغم شعورنا بالمرارة لاختياره مرسي تحديدا». إلا أن إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلت في نشرة الثانية عشرة ظهرا تصريحا لوزير الخارجية أفيجدور ليبرمان قال فيه إن: «مصر أصبحت أخطر مئات المرات من إيران، ويجب على إسرائيل أن تستعد لمواجهة الواقع الجديد».

الوزير الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن أليعازر (مهندس العلاقات مع مبارك) قال للإذاعة العبرية، في تصريح بثته في الساعة الحادية عشرة صباحا إن: مصالح إسرائيل والغرب باتت متعلقة بمدى قدرة المجلس العسكري في مصر على الحفاظ على صلاحياته، لذلك فإن احتفاظ المجلس بمعظم الصلاحيات يمثل مصلحة قومية لنا، وإضعافهم يضر بنا. وأضاف قوله إن فوز الدكتور مرسي يعني تغيير البيئة الاستراتيجية بشكل كارثي لإسرائيل، وعليها الاستعداد لمواجهة أسوأ السيناريوهات.

رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا ايلاند صرح للإذاعة العبرية في نشرة الساعة الثانية بعد ظهر الإثنين بأن فوز مرسي سيفاقم المخاطر الاستراتيجية على إسرائيل، خصوصا في حال سقوط نظام الأسد في المستقبل.

وسط هذه الأجواء التي خيمت على إسرائيل، تناقلت وكالات الأنباء في نفس اليوم (18/6) أن مواطنا إسرائيليا قتل جراء إطلاق النار عليه في منطقة نيتسانا في النقب الغربي، على امتداد الحدود الإسرائيلية المصرية، وعلى الفور خرج وزير الدفاع إيهود باراك ليصرح من خلال راديو «صوت إسرائيل» بأن الحادث «مؤشر على تصعيد خطير وتدهور في السيطرة المصرية على الأوضاع الأمنية في سيناء» ثم استطرد موجها حديثه إلى الرئيس المصري الذي أسفرت نتائج الانتخابات عن نجاحه قائلا إنه يتعين «العمل على استعادة السيطرة الأمنية على شبه جزيرة سيناء لوضع حد للهجمات الموجهة ضد إسرائيل. «وفي الوقت ذاته دعاه إلى الالتزام بجميع التعهدات الدولية بما فيها اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين والترتيبات الأمنية المترتبة عليها».

الرسالة واضحة. فإسرائيل التي صدمت بإسقاط مبارك كانت مطمئنة إلى فوز الفريق شفيق وثقتها كبيرة في أنه سيعود بمصر إلى سياسة حليفها وكنزها الاستراتيجي السابق. وحين خاب أملها فإنها لجأت إلى الابتزاز وبدأت التلويح بضعف السيطرة الأمنية على سيناء، بما يهدد أمن إسرائيل، ولوحت بالضغط على الرئيس المصري الجديد لكي يقوم بدور الحارس لأمنها والمدافع عنها، بصرف النظر عما تفعله هي من جرائم يومية ترتكب بحق الفلسطينيين تستهدف تصفية القضية وتهدد الأمن القومي المصري.

لقد كنت وما زلت أدعو إلى ترحيل ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية في الوقت الراهن. والتركيز على استعادة عافية الوضع الداخلي أولا، لكننا أحيانا نصادف موقفا نصبر فيه على الهم، لكنه يصر على أن يلاحقنا ويفرض نفسه علينا. ولست أدعو في هذه الحالة إلى الاستسلام إلى هذه الملاحقة الخبيثة، لكنني أدعو فقط إلى فهم ما يجري والانشغال باستعادة العافية المصرية، وليس بالأمن الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه، أرجو أن ينتبه الذين أيدوا الفريق شفيق إلى حقيقة المعسكر الذي انضموا إليه والصف الذي التحقوا به.

السبيل، عمّان، 20/6/2012




6.          لماذا غيرت "إسرائيل" موقفها من سوريا؟

عدنان أبو عامر

حافظت إسرائيل منذ اندلاع الثورة السورية على موقف "النأي بالنفس" وعدم التدخل، الظاهري على الأقل، لكنها في الأيام الأخيرة أجرت انقلاباً في نظرتها، وبدأت تعلي صوتها بضرورة التدخل لإسقاط النظام السوري، مما يطرح جملة من التساؤلات والأبعاد التي تقف خلف مثل هذا التغير المفاجئ في الموقف.

انقضاء الحاجة للنظام

ليس سراً أن حاجة إسرائيل للنظام السوري طوال العقود الأربعة الماضية لم تضاهيها حاجتها لأنظمة عربية عديدة، وقعت معها اتفاقيات تسوية، وتبادلت السفراء، ليس بالضرورة لأن حكام دمشق مرتبطون بتل أبيب وفق الصورة النمطية بين أجهزة استخبارات متبادلة، لكن الطرفين أقاما بينهما عقداً غير مكتوب، يقضي بإستراتيجية "البقاء مقابل البقاء"!

بمعنى الرضا الإسرائيلي بـ"بقاء" الأقلية الطائفية تحكم الأغلبية السورية، مقابل "بقاء" الهدوء مخيما على هضبة الجولان، بحيث لا يسمح لطائر أن يغرد في سمائها دون أخذ الإذن من القصر الجمهوري، وقد قرأ الساسة والعسكر في الجانبين هذه الإستراتيجية، وارتضياها لأنفسهما.

صحيح أن دمشق أزعجت تل أبيب كثيراً باحتضانها حركات المقاومة الفلسطينية، ووفرت لها ما لم توفره عاصمة عربية، ومنحت حزب الله أنبوب أوكسجين عزّ نظيره، لكن ذلك لم يكن يضاهي أن تعود جبهة الجولان لتشتعل من جديد، وهو سيناريو يجتهد الإسرائيليون في عدم تخيله، لأنه حينها سيصبح كابوساً لا يطاق!

إذن، ما الذي حصل: هل أن حاجة إسرائيل لدمشق تراجعت، أم أن إستراتيجية البقاء انتهت صلاحيتها، ولا بد من البحث عن إستراتيجية بديلة، أم إن تغييرات إقليمية ودولية باتت تحتم الحاجة لنظام آخر في سوريا، قد لا يكون بذات الحديدية التي التزم بها آل الأسد في حفظ هدوء الجولان، لكنه قد يخدم أغراضاً وترتيبات أخرى يعد لها أرباب القرار في العالم؟

وما الذي دعا حكام إسرائيل لإبداء قدر "غير مسبوق" من الشفقة على الضحايا السوريين، وهم المذبوحون من الوريد إلى الوريد منذ 16 شهراً، وتل أبيب صامتة، كأن على رأسها الطير، وفجأة، وبدون مقدمات، باتت تدعو جهاراً نهاراً إلى تدخل دولي لإسقاط النظام السوري، لا لشيء إلا لوقف نزيف الدم المسفوح!

وفي ظل التشبث الذي يبديه الأسد بالسلطة، تعتقد تل أبيب أن الخطوات العربية والغربية بطرد السفراء السوريين مهمة لكنها غير كافية، لأن الجميع يدرك أن الأسد لن يألو جهداً للاحتفاظ بقبضته على النظام.

وهنا، يمكن متابعة الحراك السياسي الإسرائيلي السائر على "نار هادئة"، في سعي منها لاستكشاف ما لدى العواصم المساندة للنظام السوري من تقديرات وتوقعات، حيث أرسلت رئيس مجلس الأمن القومي يعقوب عميدرور إلى موسكو، لاستشراف الموقف الروسي، وهو ما قام به رئيس هيئة الأركان العامة بيني غانتس في حديثه مع المسؤولين الصينيين خلال زيارته الأخيرة إلى بكين.

رغم ثقة تل أبيب في أن مشاهد الذبح التي تصل من سوريا لن تبعث على إجراء ناجع يضائل تيار الدم السوري، لأن رئيساً أميركياً ضعيفاً مشغولاً بانتخابات داخلية، وأوروبا في تهاو، وتناضل ضد الأزمات الاقتصادية، والقيادتين الروسية والصينية تبحثان عن طرق لتعظيم أرباحهما السياسية والاقتصادية، كل ذلك يُفسد احتمال عمل حازم موجه ضد الأسد.

خسارة إيران

في زحمة هذه التقديرات، يأتي تغير الموقف الإسرائيلي من الأحداث السورية في ضوء اعتبارات جيوإستراتيجية غاية في الأهمية والخطورة، تتمثل بضرب المحور المعادي لها، البادئ بطهران والمنتهي ببيروت مروراً بدمشق، وهو ما اعتبرته تل أبيب مقدمة أساسية لتوجيه الضربة المفترضة للبرنامج النووي الإيراني.

ويمكن إجمال محددات الموقف الإسرائيلي من الخسارة الفادحة المتوقعة لإيران من سقوط النظام السوري على النحو التالي:

1- ما يجري في سوريا هو إضعاف للمحور الإيراني بالدرجة الأولى، لأن الأولى "حليف وزبون مركزي" للثانية، و"رأس جسر" منحها القدرة على وصول البحر المتوسط، وبينما خدم سقوط مبارك وبن علي طهران، فإن إضعاف الأسد مكسب نقي لتل أبيب.

2- الوضع السوري الحالي يضر بحزب الله حليف سوريا، باعتبار أن الأخيرة قناة السلاح للأول القادم من طهران، براً وبحراً وجواً.

3- الأزمة الراهنة في الوقت الذي ستضعف فيه سوريا، لكنها ستؤدي إلى انعدام الاستقرار الإقليمي، واستعداد حكامها لاتخاذ خطوات بعيدة المدى محتملة تجاه إسرائيل للإبقاء على حكمهم.

ولذلك، فإن القلق الإسرائيلي من تبعات التطورات السورية على الحدود في هضبة الجولان، وعدم معرفة أحد بما سيكون عليه الحال إذا تغير النظام، يقابله قناعة راسخة مفادها بأن انهيار النظام السوري سيوجه ضربة لإيران وحلفائها في المنطقة، لاسيما حزب الله.

مع العلم أن المزاعم الإسرائيلية في جزء منها صحيح، بتوصيف أن جزءاً أصيلاً مما يحصل داخلها هو "حرب إقليمية بالوكالة"، بدعم مباشر يومي على الأرض من إيران والحزب، وهو ما قد تسفر عنه فوضى حقيقية تستمر سنوات.

بعبارة أخرى، ستجد إسرائيل نفسها في آن واحد "رابحة وخاسرة"، وهو ما دعا محافل سياسية مطلعة في تل أبيب للضغط على واشنطن باستغلال الأزمة السورية لتغيير التوازن، بإخراج دمشق من حلفها مع الحزب وإيران، وتقديم عرض للأسد لا يمكن أن يرفضه، عبر دعم سياسي واقتصادي يعيد الاستقرار لنظامه.

أكثر من ذلك، ترى إسرائيل أن وصول الثورة في سوريا إلى نهاياتها المفترضة، سواء بسقوط النظام أو عقد صفقة غربية معه، مستبعدة حالياً، فإنه سيوجه ضربة لإيران على الصعيد الإستراتيجي، مما سيمثّل تطوراً إيجابياً، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل، بل للأردن ودول أخرى عربية موالية للغرب.

بل إن ذلك سيعتبر بمثابة إشارة للشعب الإيراني إلى أنه يستطيع فعلاً القيام ضد نظامه وإسقاطه، مما يجعل طهران قلقة جداً من سقوط حاكم دمشق.

ما بعد سقوط الأسد

ما زالت دوائر صنع القرار، ومراكز البحث والدراسات الإسرائيلية، منشغلة على مدار الساعة بإعداد سيناريوهات وتقديرات موقف لما بات يسمى "اليوم التالي لسقوط الأسد"، بعد أن كان الموقف السائد لدى أجهزة الاستخبارات بصموده طويلاً في مواجهة الثورة القائمة ضده.

لكن السؤال المفصلي الذي بات الإسرائيليون يبحثون له عن إجابة شافية، ليس هل سيسقط أم لا؟ بل متى سيسقط الأسد؟ وما هي السيناريوهات التي بانتظارنا؟ وكيف سيتعاملون مع حكام سوريا الجدد؟

وهذا يوصلنا إلى وضع جملة من التقديرات، والتفضيلات، والسيناريوهات، تطرحها إسرائيل لمثل ذلك اليوم، المتمثل بسقوط الأسد، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- السيناريو الأفضل هو بقاء الوضع على ما هو عليه الآن أطول فترة ممكنة، لأنه في حال سقوط النظام، وصعود الإسلاميين إلى الحكم، فمن الواضح ماذا سيكون تأثيره السلبي على إسرائيل.

2- تعتبر إسرائيل أن عدداً من العوامل القوية تهيئ المسرح السوري لاضطرابات ستستمر فترة طويلة، مع تزايد وحشية الدولة ووكلائها، وتحسن تنظيم وتسليح المعارضة، والهجمات الانتحارية التي تشنها جماعات مسلحة، وتزايد اهتمام دول مجاورة بتسليح الأطراف المختلفة، دون وضوح ما إذا كان ذلك سيترجم إلى صراع عسكري تقليدي بين أطراف متنافسة، تسيطر على مناطق مختلفة، أم إلى شكل من أشكال التمرد المكثف.

3- ازدياد الوضع في سوريا خطورة، واستمرار القتل لأشهر طويلة، إلا إذا حصل اغتيال للأسد وشخصيات أخرى، مع أن التقدير يستبعد اضطراره للتنازل عن الحكم بصورة أو بأخرى.

4- رغم تغير الموقف الإسرائيلي من تطور الأحداث السورية، لكنها في الوقت ذاته تتخوف من تبعات ونتائج التدخل العسكري الدولي، أو المبادرة لحملة عسكرية لإسقاط الأسد، لأن التجربة المريرة للأميركيين والغرب في العراق، حين نصبوا قادة المعارضة المنفية إلى مناصب أساسية في بغداد، وفككوا الجيش وأجهزة الأمن، علمتهم درساً هاماً في تحضير مؤسسة الحكم السورية لليوم التالي بعد بشار.

إلى جانب ذلك، فإن دمشق في أيامها وأشهرها القادمة مقدمة بنظر تل أبيب على عدّة سيناريوهات محتملة، أثرت جميعها في تغيير الموقف من تطور الثورة هناك، ومن بينها:

أ‌- الحفاظ على الدولة بقيادة أخرى: بحيث يقوم مسؤول بمستوى رئيس الأركان، أو رئيس المخابرات، بـ"إلقاء عظمة سمينة" للجمهور، باعتقال عائلة الأسد، ومحاكمتها، للحصول على الهدوء، ويعلن عن تغييرات في الدستور، إصلاحات اقتصادية، وانتخابات.

ب‌- انشقاق الحكم: إذا ما نشبت خلافات في أذرع الأمن، بحيث يغير بعضها ولاءه من الحكم إلى الشارع، كما حصل في ليبيا واليمن، لتبدأ حرب شاملة بين القسم المؤيد للثوار، وذاك الموالي للحكم، أما إذا تكرر السيناريو اليمني، فسيشعر الجيش بالشلل لوقوف جزء منه ضد جزئه الآخر.

ت‌- سيناريو بطعم سوري يمكن أن يؤدي لتقسيم الدولة إلى قسمين، يعكسان الانقسام الجغرافي للقوة، ويحتمل رؤية حرب بين الطرفين كالتي اندلعت في ليبيا، مما سيخلق عدم استقرار، لأن كل جزء سيواصل وقوعه تحت سيطرة نخبة عسكرية، والمشاكل الأساسية لسوريا لن تحل، بل ستتفاقم، وستدعم إيران الحكم، في حين سيدعم الغرب الثوار.

ث‌- انهيار الدولة: إذا خسرت المجموعة العلوية السيطرة على الحكم، فمن المتوقع أن يبسط السنة سيطرتهم على أجزاء واسعة من البلاد، ويعلن أكراد الشمال عن دولة، كإخوانهم في العراق، ويستعيد دروز الجنوب الحكم الذاتي، وبدو الشرق سيقيمون كياناً مستقلاً، ويستغل الحلبيون الفرصة لينفضوا عن أنفسهم إلى الأبد سيطرة الدمشقيين، لتقوم على خرائب سوريا ست دول.

ج‌- تسخين الحدود مع إسرائيل: وهي ممارسة عادية في كل مرة يقف فيها الحكم السوري أمام مشاكل داخلية، ليخلق وضعاً يسمح له بالقول للجماهير الغاضبة: "الصهاينة يتصدون للقضاء علينا، ولهذا عليكم أن تدعوا كل الخلافات، وتتحدوا تحت علم الرئيس المنقذ".

الخلاصة، إن قراءة في تقدير تغير الموقف الإسرائيلي من الأحداث السورية، يمكن استنباطها بالوصف الإسرائيلي للحدود السورية بـ"غير الهادئة"، مما يستوجب استعداد الجيش، الذي يراقب عن كثب تطورات الأحداث، خشية نقل أسلحة متطورة أو غير تقليدية من الأراضي السورية أو إليها.

ولهذا تعتبر تل أبيب أي تطور يحصل في دمشق خسارة لها، لأن سقوط الأسد سينشئ حالة من عدم الاستقرار، رغم أنه سيحدث شرخاً في المحور المعادي، وإن بقي سيكون ضعيفاً، وهو ما يعني نشاطاً مسلحاً على طول الحدود معها.

الجزيرة نت، الدوحة، 20/6/2012
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: