Wednesday, June 13, 2012


الاستخبارات الاسرائيلية تواجه صعوبات في تقدير “الربيع العربي”



موقع
NFC الاخباري ـ رفائل بوخنيك

شغلت التحولات في العالم العربي أجهزة الاستخبارات في إسرائيل والغرب بشكل مفاجئ. هذه حقيقة يصعب التسليم بها، خصوصاً حيال فرضية العمل بأن سهولة وصول الاستخبارات الإسرائيلية وفهم الواقع في الساحة العربية سيضعان علامات تدل على حدوث تغير مرحلي أو جذري. هذا البعد ليس مسألة ماذا يعني ذلك، على ضوء الدلالات الاستراتيجية المنبثقة عن "اليقظة العربية"، التي تتجسد حتى الآن في التطرّف الإسلامي وشدة العداوة لإسرائيل.
منذ أكثر من عام، ما زالت تواجه جهات التقدير تحديات كبيرة، وبالأخص لدى التطرق إلى الإجراءات الثورية التي لم تُستكمل بعد، مثل الأحداث في سوريا و/أو الصراع المتواصل لتشكيل أوجه النظام في مصر.
بطبيعة الحال، يتوقّع القادة الحصول على تقدير استخباراتي قوي يشكّل بنى تحتية لاتخاذ قرارات، لكن يبدو أنه عند التطرق إلى أحداث الثورات العربية، يتزايد مجال الشك حيال قيمة المعطيات القوية. لذلك، ثمة شك إن كان لدى أجهزة الاستخبارات مكانة أرفع من أجهزة التقدير الأكاديمية و/أو من المحللين في الوسائل الإعلامية.
عموماً، اتضح مجدداً أن المعلومات المتوفرة، وفي طليعتها الصحافة والانترنت، تحمل في طياتها رزمة زاخرة من الدلائل التحذيرية، بدرجة هامة وبشكل يعتّم على مصادر الاستخبارات السرية، التي يُفترض أن تشكل إمكانية وصول شخصية من طبقة متخذي القرارات. يبدو في هذه الحالة أن عدم التنبؤ بالأحداث في العالم العربي ينبغي أن يشكلّ إشارة تحذير حيث إن هدف أجهزة الاستخبارات ـ منح قيمة كبيرة وتشديد أكبر على تعقب مصادر المعلومات المعروفة، مع كل ما يعنيه ذلك.
يبدو أن أجهزة الاستخبارات الغربية لم تفهم كلياً بعد التحول الذي لا ينضب الذي تولّد في عصر الانترنت والشبكات الاجتماعية وتأثيره على الواقع العربي والإسلامي، وتراجع مكانة جمع المعلومات، في حين أن بصمة "الصحف الخاضعة لرقابة النظام" لا تُمحى من الذهن، بينما تعتبر المصادر "الحرة" بأنها تخدم مصالح وميول جهات متنوعة، ولذلك موثوقيتها مثيرة للريبة.
المعضلة الاستخباراتية حول التنبؤ بمصير نظام بشار الأسد في سوريا لفتت الأنظار مؤخراً وشكّلت مادة لحزمة من الانتقادات من قبل المحللين المختلفين لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ليس صدفة أنه سُحب مجدداً من غياهب القاموس مصطلح "تصوّر في محاولة للوقوف على جوهر عدم تحقق التنبؤات حيال السقوط المحتم للنظام في دمشق. عملياً يبدو أن هذه ليست صدفة محضة فيها اعتبار لكلمة تصوّر، أكثر مما لفكرة "غربية"، تأخذ في الحسبان ربطا منطقيا لعوامل مؤثرة ستؤدي حتماً إلى نهاية نظام الأسد. كما يتضح أن علامة الاستفهام الاستخبارية لم تعد إن كان الأسد سيصمد أمام الثورات في بلاده إنما إلى متى. إن مهاجمة الأجهزة الاستخباراتية واتهامها بـ "فشل" إضافي، مخالف للواقع ويعكس أسلوباً "غير مهني" وغير مسؤول، بمثابة "شماتة" وقراءة سطحية للخريطة.
الأسد اليوم ليس رئيساً شرعياً للدولة إنما وحش مليء بالغضب والكره، حتى إن صمد لعدة أشهر إضافية فإن مصيره محتوم، سواء الإعدام من دوم محاكمة مثل القذافي أو لجوء شخصي برعاية النظام الإيراني. احتواء الثورات في سوريا لم يعد خياراً منطقياً بالنسبة للأسد، لأن أبعاد الأحداث تخطت نقطة اللاعودة.
النموذج الآخر الذي يضع جهات التقدير الاستخباراتية أمام مشكلة صعبة هو الوضع الداخلي في مصر إثر سقوط النظام السابق. من جهة، تقود معظم المؤشرات إلى نتيجة أن صورة أوجه النظام الجديد في القاهرة ستأخذ طابعاً إسلامياً، حيث سيبقى سواء البرلمان أو الرئاسة على موجة واحدة. من جهة أخرى، نظراً لحقيقة أن التقدير الآنف الذكر يستند إلى انعكاسات المعطيات لا سيما من العاصمة القاهرة ومحيطها، هناك "منطقة وسطية" لا يمكن تجاهلها، تطال بالفعل معظم السكان المصريين في المناطق القروية والمدن الأساسية. لعل ذلك بإمكانه أن يكون عنصر مفاجأة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية؟
على أية حال، يبدو أن ذلك لن يكون مسؤولاً عن الالتزام بتقدير استخباراتي حاسم، رغم أنه من الواضح أن الأمر لن يكون كما عهدناه في العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية. السؤال المفتوح سيركز على عمق الضرر في جوهر اتفاقية السلام أو حتى على احتمال بقائها، على ضوء الاتجاهات الداخلية في مصر إثر سقوط نظام مبارك. المحللون في الوسائل الإعلامية حددوا مصير مصر للإخوان المسلمين، في الوقت الذي تميل فيه جهات التقدير الإسرائيلية إلى التقدير أن اتفاقية السلام مع إسرائيل هي مصلحة مصرية ولذا ستبقى رغم التغيير السياسي في القاهرة. من المنطقي الافتراض أن مجال الشك كبير جداً حيال التوصل سريعاً إلى نتائج تقديرية عملانية.
تجدر الإشارة إلى أن مؤسسات البحوث الأكاديمية في الولايات المتحدة وإسرائيل تنبأت في البداية "بمخيلتها" بتشكّل إجراءات ديمقراطية موالية للغرب في مصر مع سيل الإجراءات الثورية في هذ الدولة. هذا النهج الساذج كان لديه تأثير كما يبدو على قرار الرئيس أوباما في تنحية مبارك، حتى انطلاقاً من الوهم بأن حركة "الإخوان المسلمين" المصرية هي جهة لديها ميول معتدلة.
مؤخراً فقط عشنا مشكلة تقديرية من نوع آخر، قبيل جولة المحادثات النووية بين الدول العظمى الست وإيران (بغداد 23-24 أيار). تصدّرت الوسائل الإعلامية في إسرائيل والخارج عناوين بشّرت ببلورة اتفاق وشيك لتسوية قضية النووي الإيراني. إن تصريحات رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمانو، عززت هذا الانطباع. هذه العناوين كانت كافية لتستخدم بمثابة "وسيلة" من جانب المحللين والمؤثرين على الرأي العام، ومختلف السياسيين، الذين سارعوا إلى مدح فعالية سلسلة العقوبات لردع إيران، وبنفس الروحية إلى الشماتة برئيس الحكومة الذي لم يتوقف عن التحذير من تلاعب إيراني بالشأن النووي. الواقع كما هو معروف، شكّل صفعة للأخيرين. العبرة المستمدة من ذلك هي أنه في واقع الشرق الأوسط من الواجب الحفاظ على مزاج متفائل دوماً، وعلى أية حال ليس مطلوباً التوصل إلى نتائج تقديرية متهورة على قاعدة "التفكير الرغبي.   (
wishful thinking)".
التقديرات الاستخباراتية في ظروف الشك هي على أية حال وصفة مجربة للخطأ، وأحياناً مناقضة. في ظروف كهذه ينصح خبراء الاستخبارات باتباع نمط حذر ومسؤول، وبعدم الارتداع عن الإعراب عن الشك أو التأكيد أنه لا يمكن الإشارة إلى وجهة حاسمة ستتحقق كمصير محتوم. من الأفضل أن يعرض المقدِّر أمام القائد الوجهات الممكنة ويدرجها وفق المعيار المنطقي لتحققها. رغم ذلك، التجربة المتراكمة في الشرق الأوسط تؤدي حتماً إلى تحديد السيناريو الأسوأ".
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: