مشكلة أوروبا مع
«حزب الله» (الجزء الأول)
13 شباط/فبراير 2013
"في 8 شباط، 2013، خاطب دانييل بنجامين، كارين بيتس وماثيو ليفيت
منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد بنجامين كان يشغل منصب سفير متجول في وزارة
الخارجية الأمريكية ومنسق سابق لشؤون مكافحة الإرهاب في الوزارة. والسيدة بيتس
مستشارة سياسية وممثلة عن "لجنة الاستخبارات المشتركة" في السفارة
البريطانية في واشنطن. وفيما يلي ملخص ما كتبه المقرران عن ملاحظاتهما، وسيتم نشر
ملاحظات الدكتور ليفيت على حدة."
دانييل بنجامين
هناك انطباع سائد بأن حملة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب مرتبطة
حصراً بـ تنظيم «القاعدة». وفي الواقع، إن انبعاث إيران مؤخراً كدولة راعية
للإرهاب والأنشطة العالمية لـ «حزب الله» قد أصبحا قضية بارزة على أجندة السياسة
الخارجية الأمريكية.
وفي العام الماضي، أحبطت السلطات التايلندية مؤامرة لـ «حزب الله»
تستهدف السياح الإسرائيليين. وقد قادت التحقيقات الإضافية تلك السلطات نحو
مستودع معبأ بآلاف الكيلوغرامات من المتفجرات ومواد صنع القنابل، مما يثبت أن
تركيز هذه الجماعة لم يكن منصباً على شن هجمات معزولة، بل على التحضير للقيام
بحملة إرهابية. وقد وردت تقارير عن أنشطة أخرى في أذربيجان وكينيا، بالإضافة إلى
أماكن أخرى.
وفي تموز/يوليو 2012 ، تورطت هذه الجماعة أيضاً في عمل تفجيري في مطار
بورغاس البلغاري أسفر عن مقتل عدد من الإسرائيليين والبلغاريين. وفي الأسبوع
الماضي، وبعد الانتهاء من تحقيقات شاملة مكثفة، نسبت وزارة الداخلية البلغارية
مسؤولية القيام بالعمل التفجيري إلى «حزب الله». ويذكر أن هذه النتيجة أخذت قدراً
كبيراً من الحماسة السياسية -- حيث علمت الحكومة البلغارية بأنه كانت هناك مخاطر
متعلقة بإصدار مثل هذا الإعلان، ولكنها فضلت إعطاء الأولوية لواجبها في مكافحة
الإرهاب.
وقد تكون إحدى القوى الدافعة وراء النشاط المتزايد لـ «حزب الله» --
الذي بلغ مستوى لم يصل إليه منذ تسعينيات القرن الماضي -- هي الرغبة في إظهار
الانعكاسات المحتملة إذا ما قررت الدول الغربية مجابهة إيران بسبب برنامجها
النووي. ويبدو أن الجماعة طامحة إلى الانتقام من مقتل عماد مغنية، رئيس العمليات
العسكرية للحركة -- الذي شغل هذا المنصب فترة طويلة -- ومن وفاة العديد من علماء
الذرة الإيرانيين. و يرى أعضاء «حزب الله» أنفسهم بالفعل في حالة صراع مع الغرب
وهم يرغبون الآن في إثبات ما سوف يكون عليه الموقف من سوء إذا ما استمرت التوترات
تتراكم فوق بعضها البعض.
ولطالما طالبت الولايات المتحدة من أوروبا بإدراج «حزب الله» كمنظمة
إرهابية. ومن شأن هذه الخطوة أن تحمل في طياتها مضامين هامة تتعدى قيمتها الرمزية:
وسوف يُجرِّم ذلك عمليات جمع الأموال والعمليات اللوجستية ويساعد في نزع الشرعية
عن هذه الجماعة كفاعل سياسي. حتى إن قادة «حزب الله» أقروا علناً بالضرر الذي
ستلحقه تلك التسمية بالمنظمة [أي إدراج «حزب الله» كحركة إرهابية]. والأمل منعقد
على أن يكون البيان البلغاري نقطة تحول في المناقشات المتوقفة منذ فترة طويلة بشأن
تواجد «حزب الله» في أوروبا. إن واقع شن هجوم إرهابي على التراب الأوروبي سوف يصعب
على صناع السياسة الأوروبيين تجاهله.
وكانت المعارضة الأوروبية للتسمية تُعزى بشكل جزئي إلى المخاوف من
الانتقام (على سبيل المثال، استهداف "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في
لبنان" - "اليونيفيل" - سابقاً). وحتى أن الأهم من ذلك هو أن صناع
السياسة الأوروبيين قد أكدوا على مصلحتهم في الإبقاء على تأثريهم في لبنان،
وكثيراً ما كانوا يشيرون إلى أن استقرار هذه الدولة يُعتبر ذا أهمية بالغة. إن هذا
التخوف ليس بالأمر الهين نظراً لتاريخ لبنان، وخصوصاً الخسائر الفادحة في الأرواح
خلال الحرب الأهلية.
ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه المخاوف المشروعة، قد يكون المنطق الأوروبي
حيال هذه القضية مخلاً. فالضغط الذي مارسته أوروبا على «حزب الله» في الأعوام
الأخيرة لم يفضِ إلى زعزعة الاستقرار في لبنان -- انظر مثلاً إلى رد الفعل الصامت
نسبياً من قبل الجماعة تجاه الأنباء التي تفيد بأنه قد تم اتهام ناشطيها بقتل رئيس
الوزراء السابق رفيق الحريري. وعلاوة على ذلك، يعتبر «حزب الله» في حد ذاته
مُساهماً كبيراً في الاضطرابات المحلية -- كما رأينا في اغتيال الحريري الذي هو
محاولة لإسقاط الحكومة من خلال القيام بعمل مسلح، وكذلك عملية القتل الواضحة لرئيس
المخابرات [اللبناني وسام الحسن] في العام الماضي.
وفي المرحلة القادمة، على أوروبا أن تتساءل عما إذا كانت هناك أي مصلحة
لـ «حزب الله» في العمل بفعالية من أجل زعزعة استقرار لبنان. فرغم الأعمال
العدوانية التي تقوم بها هذه الجماعة في وطنها، يبدو أنها حريصة على حماية ما بقي
من صورتها كبطل في الدفاع عن المصالح اللبنانية وكقوة وطنية تشد أزر لبنان القوي.
وبذلك فلا يبدو أنها بصدد اتخاذ خطوات تهدد بشكل خطير ذلك الهدف. ورغم التصور بأن
إدراج «حزب الله» [في قائمة إرهابية خاصة] قد تقدح شرارة انتقام ضد قوات
"اليونيفيل"، إلا أن احتمالية اندلاع حرب أهلية جديدة ضئيلة جداً.
وأخيراً، فإن قصة أنشطة «حزب الله» الإرهابية في أوروبا لا تنتهي عند
بلغاريا، ففي قبرص، على سبيل المثال، هناك محاكمة جارية ترتبط بمشتبه به اعتُقل في
تموز/يوليو 2012 وكان قد أقر بمراقبة السياح الإسرائيليين باعتبارهم أهدافاً
محتملة. وسوف تفعل المقاضاة والإدانة الشاملة الكثير لتلبية متطلبات بعض الدول
الأوروبية بتقديم دليل ضد «حزب الله» يمكن أن تكتمل أركانه في عملية التدقيق
القضائي. وسوف يكون من الصعب على صناع السياسة تجاهل ذلك الدليل.
وعلى أي حال، سوف تعكف أوروبا على دراسة قضية الإدراج بشكل مكثف في
المستقبل القريب. وقد أشارت عدد من البلدان بأنها سوف تغير سياستها إذا ما نسبت
بلغاريا مسؤولية تفجير بورغاس لنشطاء «حزب الله» -- وستكشف لنا الأيام إذا ما زال
هذا هو الحال.
كيرن بيتس
يشكل «حزب الله» مشكلة إقليمية، وعلى الأرجح أنها تتنامى على الصعيد
الدولي. وقد كشفت التحقيقات البلغارية عن أن هذه الجماعة تعتبر أيضاً مشكلة
أوروبية. وقد اتهم وزير الداخلية البلغاري عضوين من الجناح العسكري لـ «حزب الله»
بتورطهم في الهجوم المروع الذي وقع في تموز/يوليو وأسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين
وسائق حافلة بلغاري بينما أصاب ثلاثين شخصاً آخر بجراح. وترى المملكة المتحدة أن
الرد الصحيح هو قيام أوروبا بإدراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» كمنظمة إرهابية.
وليس لدى المملكة المتحدة شك بشأن تورط «حزب الله» في الإرهاب -- كانت قد أدرجت
"منظمة الأمن الخارجي" التابعة للجماعة [كحركة إرهابية] في عام 2001، ثم
وسعت هذه التسمية في عام 2008 لتشمل الجناح العسكري لـ «حزب الله» بأكمله.
ولن تزعزع التسمية الأوروبية استقرار لبنان، كما أنها لن تؤثر على
الدور المشروع الذي يلعبه الجناح السياسي لـ «حزب الله» في السياسات اللبنانية. بل
إن القيام بهذا الإدراج عبر برنامج تجميد الأصول الإرهابية الأوروبي سوف يُثمر
عدداً من الآثار الإيجابية: فبالإضافة إلى أنه سيرسل رسالة واضحة بأن أوروبا لن
تتسامح في أي أعمال إرهابية تُرتكب على التراب الأوروبي، فسوف يخفض الدعم عن أنشطة
«حزب الله» ويشكل ضغطاً على الجماعة للابتعاد عن العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها ويضع
حداً لقدرتها على جمع الأموال ونقلها، مما يقلم أظافر الجماعة من حيث العمل في
أوروبا. كذلك سيكون للتسمية آثار رمزية، حيث ستلحق الضرر بشعبية «حزب الله» وتحد
من شرعيته.
وتميز المملكة المتحدة بين جناحي «حزب الله» العسكري والسياسي مستندة
في ذلك على خبرتها في التعامل مع الإرهاب، وعلى وجه الخصوص في إيرلندا الشمالية.
وتتمثل رؤية المملكة المتحدة بأنه -- حتى في أفضل الأحوال -- لا يُمكن حل المشكلة
الإرهابية إلا عن طريق الضغط الدائم والمستمر (على سبيل المثال، تعزيز الأمن
الدفاعي، وحفظ الأمن والنظام العام، وتنفيذ عمليات بقيادة الاستخبارات، وزيادة
الضغوط المالية، والعقوبات) إلى جانب اتخاذ التدابير السياسية. ومن المهم ترك
مساحة للمحادثات السياسية اللازمة للوصول إلى حل مستدام؛ وتأمل المملكة المتحدة أن
يسعى «حزب الله» يوماً ما إلى تحقيق أهدافه فقط عبر السياسة. وتقر المملكة المتحدة
بأن «حزب الله» هو قوة سياسة مؤثرة في لبنان ويتمتع بدعم كبير من المجتمع الشيعي
اللبناني. والجماعة جزء من الحكومة اللبنانية ويمكن أن تكون يوماً ما قوة داعمة
للاستقرار في البلاد.
وأخيراً، إن المملكة المتحدة قد أُعجبت من التحقيقات المضنية التي قامت
بها الحكومة البلغارية حول هجوم بورغاس وتعتقد أنه تم الكشف عن أدلة كافية للاتحاد
الأوروبي لإدراج الجناح العسكري لـ «حزب الله» كـ "منظمة إرهابية".
وتدرك المملكة المتحدة أيضاً أن لدى أوروبا قاعدة تشريعية مختلفة عن تلك القائمة
في الولايات المتحدة بشأن العقوبات وأنه يمكن الطعن في العقوبات الأوروبية أمام
المحاكم.
0 comments: