السياسة الملكية البحرينية وقاعدة البحرية الأمريكية
12 آذار/مارس 2013
في 11 آذار/مارس، أعلن الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة عن تعيين أكبر
أبنائه -- ولي العهد سلمان -- في منصب جديد وهو النائب الأول لرئيس
الوزراء مع اضطلاعه بمسؤولية مراقبة أداء العديد من الوكالات الحكومية.
واعتبرت هذه الخطوة كإشارة إلى المعارضة السياسية بأن القصر الملكي يرغب في
تسوية الأزمة التي بدأت منذ عامين عندما أخذت قوات الحكومة في قمع
[المعارضين] البحرينيين الذين ينتمون إلى الشيعة في الغالب والمطالبين
بزيادة مشاركتهم في الحياة السياسية. ويُنظر إلى ولي العهد بأنه أكثر
تقبلاً من غيره من أفراد العائلة المالكة لجهود المصالحة التي قد تنزع فتيل
التوترات الجارية. وبينما تواصل واشنطن البحث عن سبل للمساعدة في التوسط
لحل الأزمة، ينبغي عليها أن تتجنب الخطوات السريعة غير المدروسة التي ستزيد
فقط من تعنت سكان الجزيرة من المتشددين وتعرض مقر الأسطول البحري الأمريكي
الخامس في العاصمة إلى الخطر.
الخلفية
تعصف بالبحرين أعمال عنف شبه يومية منذ مطلع 2011، ورغم أن الأمر كان في
الأساس تقليداً لمظاهرات "الربيع العربي" في تونس ومصر إلا أن احتجاجات
الجزيرة أخذت صبغة طائفية بشكل سريع. فغالبية سكان البحرين الذين يبلغ
تعدادهم نحو مليون نسمة ينتمون إلى الشيعة، بينما أسرة آل خليفة المالكة
وكذلك غالبية أفراد الجيش وقوات الأمن هم من السنة. وفي 14 شباط/فبراير
2011، تعاملت القوات بصورة عينفة مع المتظاهرين وقامت باحتلال "ميدان
اللؤلؤة" الأثري وهو دائرة مرور في وسط مدينة المنامة، بينما أرسلت
السعودية والإمارات المجاورتان قوات إضافية لحماية المنشآت الإستراتيجية.
وقد استمرت المصادمات منذ ذلك القمع وتباطأت خطى المصالحة بل وأصبحت
متقطعة. وفي حزيران/يونيو 2011، أصدر الملك أمراً تحت ضغط من الولايات
المتحدة وغيرها من الدول الغربية (بما في ذلك بريطانيا، القوة الاستعمارية
السابقة) بتشكيل لجنة تحقيق دولية، وهذه أصدرت سلسلة من التوصيات بهدف
تخفيف حدة التوتر. وبعد مرور عام على ذلك، أعرب رئيس اللجنة -- رجل القانون
المصري الأمريكي شريف بسيوني -- عن خيبة أمله من التقدم في تنفيذ تلك
الإصلاحات التي اقترحها. وفي غضون ذلك، حل أعضاء آخرون محل أعضاء البرلمان
الشيعة -- الذين استقالوا من البرلمان احتجاجاً على أعمال القمع التي جرت
في 2011 -- في انتخابات تكميلية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، عُقد حوار وطني قومي لجمع ممثلين عن الحكومة
والبرلمان والجماعات السياسية السنية الموالية للحكومة وجماعات المعارضة
الشيعية الرئيسية. (وتعارض بعض الجماعات الشيعية هذه المحادثات باعتبارها
مضيعة للوقت وهي تدعم الشباب -- المجتمعين بشكل غير مترابط تحت أسم "حركة
14 شباط/فبراير" الذين يدخلون في مناوشات منتظمة مع الشرطة). وعقدت الجلسة
السابعة من الحوار في 10 آذار/مارس، ومن المقرر عقد الجلسة الثامنة في 13
آذار/مارس. إلا أن المشاورات كانت مقصورة على التفاوض بشأن جدول الأعمال.
التدخل السعودي
يبدو أن أعمال القمع في 2011 كانت نتيجة للمخاوف السعودية فيما يتعلق
باحتمالية الإطاحة بالعائلة المالكة البحرينية على يد الغوغاء الموالين
للنظام الإيراني. هذا فضلاً عن القلق الذي تملك الرياض بشان احتمالية تقديم
المنامة العديد من التنازلات للشيعة وهو الأمر الذي قد يثير اضطرابات بين
إخوانهم في الدين في الدولة المجاورة (حيث يشكل الشيعة غالبية السكان
المحليين في "المحافظة الشرقية" السعودية الغنية بالنفط والتي لا يفصلها عن
البحرين سوى ممر يبلغ طوله ستة عشر ميلاً). والمفارقة العجيبة أن الرياض
حالياً واحدة من الأطراف الأساسية التي تدعم أحدث المناقشات السياسية
البحرينية. ويبدو أن السعوديين قد بدأوا يدركون أن غياب الحوار سوف يترتب
عليه المزيد من التبعات الخطيرة إلى جانب "حفلات قنابل المولوتوف" شبة
الليلية (وهي المصادمات بين شباب "حركة 14 شباط/فبراير" وقوات الأمن،
وتُعرف بهذا الإسم للمغتربين القاطنين في الجزيرة).
وتمارس الرياض حالياً الضغط على الجانبين؛ فمن جهة تطالب الأسرة الملكية
البحرينية بتقديم تنازلات ومن جهة أخرى تطالب ائتلاف المعارضة الشيعي
الرئيسي ("الوفاق") بأن تكون مطالباته معقولة. وفي 8 آذار/مارس، نشرت صحيفة
فاينانشال تايمز تقريراً مفاده أن "سياسياً سعودياً" غير معروف (وهو تعبير
ينطوي على تناقض لفظي، إن كان ذلك قد حدث من الأساس) قد أجرى اتصالاً
مباشراً وغير رسمي مع ائتلاف "الوفاق". ويُعتقد أن المسؤول المشار إليه هو
مستشار الأمير متعب بن عبدالله -- أحد أبناء الملك وقائد الحرس الوطني
السعودي -- الذي تشكل قواته شبه العسكرية غالبية الوحدات السعودية التي
تدخلت في البحرين في 2011، ومنذ ذلك الحين زاد تأثير الرياض على الأسرة
الملكية البحرينية حتى وصل إلى التحكم في العوائد المشتركة المُدرة من حقل
نفط سعودي بحري.
الخلافات بين العائلة الملكية البحرينية
تقدم التطورات السياسية الأخيرة رؤى نادرة حول الخلافات بين أفراد العائلة
المالكة البحرينية. ففي 20 شباط/فبراير، نشرت مجلة "وول ستريت جورنال"
تقريراً مفاده أن العديد من "رموز القصر" أشاروا إلى وجود انقسامات داخلية
حول وضع جهود المصالحة. وقد ألقت هذه الأخبار المُسربة -- التي يبدو أن
مصدرها معسكر ولي العهد ووُصفت بأنها "انتهاك غير مسبوق لنظام العائلة
المالكة" -- باللوم في عدم تقدم عملية المصالحة على "الخوالد" -- وهي
مجموعة من أفراد العائلة المالكة تتمتع بتأييد قاعدة من الإسلاميين
المتشددين وسيطرة كبيرة على "قوات الأمن والاستخبارات البحرينية، وكذلك
القضاء وبلاط الملك".
وقد يبدو الواقع أكثر تعقيداً من ذلك، حيث حدد بعض المراقبين المحليين ما
لا يقل عن أربعة فصائل للعائلة المالكة. فعلى اليسار يوجد ولي العهد سلمان
-- وهو الأكثر استعداداً لإجراء محادثات مع سياسيي المعارضة. وعلى يمينه
يوجد الملك حمد، الذي يعترف بالحاجة إلى التوصل لحل سياسي ولكنه معروف
بتردده. وعلى يمينهما يوجد عم الملك ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان وهو
شخصية مهمة جداً ذات نفوذ هائل كما أنه يعتبر الأب الروحي للمتشددين (يمكن
رؤية صور متجاورة له وللملك ولولي العهد في جميع أنحاء البحرين وعلى
اللوحات الإعلانية وفي المكاتب الحكومية والفنادق). ويشغل الشيخ خليفة منصب
رئيس الوزراء منذ أكثر من أربعين عاماً وقد يشعر بأن تعيين ولي العهد
الجديد يشكل تقويضاً لسلطاته. في الوقت نفسه، يقع "الخوالد" في أقصى اليمين
منهم، وهم -- كما يعتقد الكثيرون -- يتبنون آراءً معادية للشيعة ويعارضون
تقديم أي تنازلات سياسية.
ورغم حديث الملك وولي العهد في الماضي عن إنشاء ملكية دستورية تشبه
الملكية البريطانية إلا أنهما على ما يبدو مترددان في التنازل عن سلطات
حقيقية. وقد اقترح البعض ضرورة عرض أي صيغة يتم التوصل إليها في الحوار
الوطني على الاستفتاء الشعبي إلا أن ذلك قد يتطلب الموافقة على حقوق
التصويت، وهي قضية أخرى تشوبها المرارة الطائفية. فقد اتهم الشيعة الحكومة
بمنح الذكور الأجانب وعائلاتهم من السَّنة طريقاً سريعاً بشكل غير عادل
للحصول على المواطنة عن طريق الخدمة في قوات الأمن. ونتيجة لمثل هذه
الإجراءات، تغيرت نسبة السَّنة إلى الشيعة بين مواطني الجزيرة لتصل إلى
حوالي 45 إلى 55 في السنوات الأخيرة بعد أن كانت 30 إلى 70.
الانقسامات السعودية
تشير التطورات في البحرين أيضاً إلى وجود خلافات سياسية في منزل آل سعود،
حيث أن الحالة الصحية للملك عبدلله (90) تزداد ضعفاً بينما يعاني ولي العهد
الأمير سلمان (77) من العته الذهني. وتأخذ إحدى فصائل الأسرة الملكية
السعودية -- التي تضم الأمير متعب وعمه، الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذين
عُين مؤخراً في منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء -- شكلاً إصلاحياً على
عكس العديد من أبناء الأمير الراحل نايف الذين يشتهرون بالاستبدادية
المفرطة وهم: وزير الداخلية الأمير محمد وأخوه الأكبر الأمير سعود الذي عين
مؤخراً حاكماً لـ "المحافظة الشرقية". وهذان الأخيران يشتهران بتفضيلهما
للأسلوب الحازم في الحكم تماماً مثلما كان والدهما، إلا أنهما ربما يكونا
أكثر اعتدالاً. كما يستمد متعب الدعم من خالد التويجري وهو شخصية رئيسية
غير منتسبة للعائلة المالكة يتولى إدارة شؤون بلاط الملك.
دور الولايات المتحدة
تحرص واشنطن دائماً على تشجيع أي مناقشات سياسية قد تؤدي إلى الخروج من
هذا الطريق المسدود الذي كان سيد الموقف خلال العامين الماضيين. وتدعم
الولايات المتحدة فعلياً عملية التدريب على مهارات التفاوض والمصالحة
لشخصيات من المعارضة البحرينية، ويشمل ذلك القيام بزيارات إلى أيرلندا
الشمالية حيث تُدار عملية التعلم على يد جوناثان باول -- رئيس الموظفين
السابق لمكتب توني بلير.
ويعد التحدي الأكثر خطورة أمام الولايات المتحدة هو تشجيع العائلة المالكة
على تقديم تنازلات سياسية دون تعريض مقر الأسطول البحري الأمريكي الخامس
للخطر -- وهي منشأة إقليمية أكثر حيوية لا يمكن الاستغناء عنها على الأرجح
لأنها تساعد على حماية طرق نقل الطاقة إلى خارج الخليج العربي. وفي بعض
الأحيان، يقترح الساسة والمثقفون والنقاد في واشنطن أن التهديد بغلق هذه
القاعدة سوف يجبر آل خليفة على الوصول إلى حل وسط جاد مع المعارضة. إلا أن
هذا رأي خاطئ، حيث إن شباب "حركة 14 شباط/فبراير" الشيعة هم الذين يريدون
رحيل القوات الأمريكية. ورغم حدة المظاهرات الحالية وما تسببه من مشكلات
إلا أنها لا تستهدف المواطنين الأمريكيين، بل إن المعارضة الشيعية الرئيسية
تود في الواقع بقاء الأسطول الأمريكي -- حيث أن أعضاءها يعتبرون الوجود
الأمريكي تقييداً مقبولاً لأي تجاوز محتمل يصدر عن قوات الأمن الملكية.
وعلى الرغم من ضرورة قيام واشنطن بتشجيع استمرار الحوار الذي لا يزال يسير
بخطى بطيئة، إلا أن التفاؤل الأخير يجب أن يكون مصحوباً بالحذر في ضوء
الخلافات السياسية الجارية بين أفراد العائلتين الملكيتين في البحرين
والسعودية، لا سيما مع احتمال استغلال إيران لأي أزمة جديدة. ويمكن لفصيل
"الخوالد" في المنامة أن يتقبل هذا الاحتمال كوسيلة لتوضيح مأزق العائلة
المالكة ومبرراً للمسار المتشدد. ولتجنب اكتساب هذا الفصيل المزيد من
الجرأة، ينبغي على واشنطن مقاومة إغراء المناقشة العلنية لمقر قيادة
الأسطول الخامس.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
0 comments: