على ماذا إتفق أوباما ونتانياهو سرّياً بشأن سوريا وإيران؟
الجمعة 22 آذار 2013، آخر تحديث 09:25ناجي س. البستاني - مقالات النشرة

إذا كان العطل الذي لحق بسيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الملقبّة بإسم "الوحش"، نتيجة تزويدها بالديزل بدلاً من البنزين، قد إستحوذ على إهتمام وسائل الإعلام في إسرائيل والعالم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قيام وزارة الزراعة الإسرائيلية بنزع الشجرة التي زرعها أوباما في حديقة مقرّ نظيره الإسرائيلي شيمون بيريز، لإجراء كشف عليها والتأكّد من خلوّها من الأمراض، فإنّ ذلك لا يعني أنّ المحادثات التي أجراها أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم تكن مهمّة. فعلى ماذا كان التركيز، وماذا تسرّب عن النتائج؟
أولاً: طغى الطابع الأمني على المحادثات الثنائية بدل أن تتركّز على الملفّات السياسية. والسبب أنّ مخاطر الملف النووي الإيراني على اسرائيل، والصورة المُبهمة لمستقبل سوريا ولتأثيرها على إسرائيل، طغيا على مسألة إعادة إطلاق مفاوضات السلام المتوقّفة منذ فترة طويلة. إشارة إلى أنّ سيطرة اليمين الإسرائيلي المتشدّد على الحكومة في تل أبيب، لا يُساعد إطلاقاً على التفاؤل بشأن إحتمال إعادة إطلاق هذه المفاوضات في المستقبل القريب، خاصة في ظلّ إستمرار الإسرائيليّين بإستفزاز الجانب الفلسطيني عبر المضيّ قدماً بالسياسة الإستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ثانياً: تفقّد الرئيس أوباما منظومة الصواريخ الدفاعية، بإسم "القبّة الحديديّة" (Iron Dome) المموّلة بجزء كبير منها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، يؤكّد بدوره إلتزام واشنطن الدائم إزاء أمن تل أبيب، وذلك في خطوة رمزيّة تعبّر عن إستمرار تأكيد أميركا أنّها في خندق واحد مع إسرائيل. وتزامنت هذه الخطوة مع قرار أميركي-إسرائيلي بتمديد المساعدات العسكريّة الأميركيّة لإسرائيل لمدّة لا تقلّ عن عشر سنوات. ووراء الكواليس جرى البحث في سبل التعامل مع مخاطر تعرّض إسرائيل لهجمات صاروخيّة، في ظلّ إرتفاع عدد الأطراف المناهضين لها والذين يملكون ترسانات من الصواريخ. كما جرى البحث في سبل تأمين تدخّل أميركي سريع في حال تعرّض إسرائيل لخطر صواريخ باليستيّة.
ثالثاً: مَنَح الرئيس أوباما إسرائيل الحريّة بالتحرّك ضد إيران من دون الرجوع إلى أميركا، معتبراً أنّ القرب الجغرافي لتل أبيب من طهران يجعلها تقيّم الخطر المُحدق بها بشكل مختلف عن تقييم واشنطن له. وقال إنّ كل الخيارات تبقى مفتوحة وأنّ من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها. وعلم أنّ هذا الموقف العلني المتشدّد لأوباما يهدف إلى رفع الضغط أكثر على المسؤولين الإيرانيّين لا أكثر، علماً أنّ الرد جاء سريعاً بتهديد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي بتدمير كل من تل أبيب وحيفا كلياً في حال مهاجمة إيران. وفي كل الأحوال، أجمع المحلّلون الغربيّون على التأكيد أنّ أوباما طلب من نتانياهو في الكواليس، المزيد من الوقت لحلّ الأزمة النوويّة مع إيران بالوسائل الدبلوماسيّة، مشدّداً خلال إجتماعه به على أنّ الوقت لم يحن بعد للتحرّك عسكرياً، لا بشكل إفرادي من قبل إسرائيل، ولا بشكل جَماعي من قبل المجموعة الدوليّة.

رابعاً: بالنسبة إلى الملف السوري، تصاريح أوباما العلنيّة تركّزت على قضيّة الأسلحة الكيماويّة، مع إطلاق تحذيرات من أنّ أيّ إستخدام لهذا النوع من الأسلحة من قبل النظام السوري سيكون تجاوزاً للخط الأحمر. وعُلم أنّ كلاً من أوباما ونتانياهو تدارسا الوضع العسكري في سوريا بعمق، ووضعا سلسلة من الخيارات والتي تتراوح ما بين البقاء بموقع المتفرّج، مروراً بموقع الداعم اللوجستي للمعارضة، وصولاً إلى موقع التدخّل العسكري المباشر المحدّد الأهداف. وكان توافق على أنّ إعتماد أيّ من الخيارات المتاحة مرتبط كلياً بتطوّر الوضع الميداني في سوريا، وخصوصاً بمدى تعرّض إسرائيل لأي خطر فعلي من وراء التغييرات على الأرض نتيجة المعارك الشرسة المفتوحة بين الجيش السوري وقوى المعارضة المسلّحة.
خامساً: لقاءات الرئيس أوباما مع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس والملك الأردني عبد الله الثاني لم تؤمّن التوازن المطلوب لزيارة الرئيس الأميركي التي وُصِفَت تصاريحه بالمنحازة بشكل فاضح لصالح إسرائيل. وأسوأ من ذلك، لم يقدّم أوباما أي مبادرة سلام، ولو شكليّة لإنقاذ ماء الوجه، حيث كانت تصاريحه عموميّة بالنسبة إلى حقوق الفلسطينيّين وعمليّة السلام في الشرق الأوسط. وقد حاول أوباما تبرير ذلك بقوله إنّه تعمّد عدم المجيء إلى المنطقة مع وعود مهمّة، خوفاً من أن لا تتطابق هذه الوعود مع الواقع على الأرض! وهو كان مستمعاً إن في الضفّة الغربيّة أو في الأردن، الأمر الذي أثار إنتقادات كبيرة له، من منطلق أنّ زيارة أيّ شخصيّة عالميّة مهمّة، من وزن الرئيس الأميركي، لا معنى لها ما لم تقترن بمبادرة ما أو بخطّة معيّنة!
في الختام، تذكير أنّه منذ تأسيس اسرائيل زارها أربع رؤساء أميركيون فقط أثناء ممارستهم الحكم في واشنطن، وهم كل من ريتشارد نيكسون، وجيمي كارتر، وبيل كلينتون، وجورج بوش. واليوم، ومع زيارة باراك أوباما في بداية ولايته الثانية، لا أمل بتحقيق إنجاز مهمّ على غرار إتفاق السلام المصري-الإسرائيلي كما في عهد كارتر، ولا على غرار إتفاق التسوية الفلسطيني-الإسرائيلي كما حصل في عهد كلينتون. والزيارة المذكورة هي مجرّد تعزيز للتنسيق الأميركي-الإسرائيلي عشيّة تغييرات كبرى منطقة في الشرق الأوسط، وهي تدخل أيضاً في سياق محاولة الرئيس أوباما إظهار نفسه كرئيس بثقل عالمي كبير، وليس مجرّد رئيس تغييري على المستوى الأميركي الداخلي.
0 comments: