Saturday, April 20, 2013

نواف الزرو
كان الحلم الصهيوني التاريخي الذي دغدغ – ولا يزال- مؤسسي الدولة الصهيونية، أن يستيقظوا ذات صباح من نومهم ليجدوا أن "البيئة الاستراتيجية-العربية-المعادية لهم" وقد اختفت، وحلت محلها "بيئة صديقة آمنة لهم"، فكانت القيادات الصهيونية التاريخية -مثل بن غوريون وبيغن ودايان ومائير وشامير ورابين وغيرهم-، تتمنى دائما أن تستيقظ لترى فجرا جديدا وبيئة عربية جديدة غير معادية تستريح فيها "إسرائيل" لمدة أربعين عاما أو أكثر، ولذلك حرصت تلك الدولة على مواصلة حروبها العدوانية ضد العرب من أجل تكريس روح الهزيمة في وعيهم، وتدجينهم وإجبارهم على التأقلم مع الهزيمة لأطول فترة من الزمن، فالمؤسسة الصهيونية حرصت على مدى العقود الماضية على الادعاء بأن حروب "إسرائيل" مع العرب هي حروب وجود وبقاء، لذلك كانت "إسرائيل" في كل حروبها هي المبادرة والمعتدية، ولكنها كانت تزعم على الدوام أنها إنما تشن حروب "دفاع عن النفس" أو حروب "حياة أو موت في مواجهة الإرهاب" أو "حروب استمرار لحرب الاستقلال"...وغير ذلك الكثير من الادعاءات...!
لم يخطر ببال تلك القيادات على سبيل المثال أن يحقق العرب بأيديهم ذلك الحلم الصهيوني، فكان الانقلاب الذي قام به السادات على العهد الناصري العروبي المعادي للصهيونية والاستعمار، محطة ساهمت في تحول البيئة الاستراتيجية المحيطة إلى بيئة هادئة مدجنة بل وحامية للوجود الصهيوني، ما أسعد وأراح الدولة الصهيونية من الحروب لأربعين عاما، وفي أعقاب تفجر الغضب الشعبي العربي في تونس ومصر، أخذت تلك الدولة تبكي على فقدان حليفها الاستراتيجي في مصر، وسيطرت عليها الهواجس الوجودية مرة أخرى، من أن تتغير البيئة العربية الاستراتيجية إلى بيئة معادية، بل توقع عدد من كبار الباحثين الإسرائيليين حروبا تخلع "إسرائيل" من الوجود، إلى أن أخذت "ثورات الربيع العربي" تأكل بعضها، وتحولت إلى صراعات وحروب داخلية وأهلية لا تذر ولا تبقي، بل وأخذت المؤسسة الصهيونية تعتبر أن ما يجري في سورية من حرب داخلية ومن تدخلات عسكرية خارجية ستشكل نقطة تحول استراتيجي في الصراع، والمسألة لم تعد نظرية أو افتراضية أو إعلامية للاستهلاك العام، بل أخذت تتحول إلى واقع ملموس بفعل هذا التكالب الأمريكي الإسرائيلي التركي العربي على تدمير سورية، وتجزئتها وتحويلها إلى دويلات طائفية هزيلة ضعيفة، لا تخدم في الحاصل الاستراتيجي سوى الدولة الصهيونية، وفي ذلك، نقلت إذاعة جيش الاحتلال- أمس الأول عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها :" إن تقسيم سورية إلى دويلات أصبح واقعا"، مشيرة إلى " أن التقييمات الاستخبارية تؤكد إنشاء كانتونات كردية ودرزية وعلوية وسنية في سورية في ظل تناقص المساحة التي يسيطر عليها النظام في المناطق السنية ومناطق الأقليات الأخرى"، وأوضحت " أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل تجري اتصالات إقليمية على أعلى مستوى، بما في ذلك مع تركيا لضمان عدم انفلات الأوضاع على الحدود في الجولان"، موضحة " أن لا تهديد جديا سيكون خلال العشرين سنة القادمة على أمن إسرائيل من الجبهة السورية وأن الجهود تتركز الآن على تهديد حزب الله فقط"، وبينت " أن رسائل متعددة وتطمينات وصلت تل أبيب من أجنحة مختلفة في المعارضة السورية حول مستقبل التعاون والتهديدات التي تشهدها المنطقة وفق العلاقات في المستقبل".
في هذه المضامين الاستراتيجية، قال جنرالهم الأسبق موشيه ديان :"إننا/أي إسرائيل/ قلب مزروع في هذه المنطقة غير أن الأعضاء الأخرى /ويقصد العرب/ هناك ترفض قبول هذا القلب المزروع، ولذلك لا خيار أمامنا سوى حقن هذا القلب بالمزيد والمزيد من الحقن المنشطة من أجل التغلب على هذا الرفض"، أي العمل على تهيئة المناخات الفلسطينية العربية لتتأقلم مع القلب المزروع، وثبت ديان حقيقة كبيرة مؤكدا :" لقد زرعنا أنفسنا هنا عن وعي، وفعلنا ذلك مع علمنا بأن محيطنا لا يرغب بنا، ولكن الأمر بالنسبة لنا حتمية حياتية، لأن هذا القلب لا يمكنه أن يعيش في أي مكان آخر..."، فهل يا ترى أخذ حلم ديان يتحقق بفضل ثورات "الربيع العربي"...؟
يستخلص تقرير استراتيجي صادر عن هيئة الأركان العسكرية الإسرائيلية بالتعاون مع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي " أن سقوط النظام السوري وتجزئة سورية إلى دويلات طائفية ينهي الصراع العربي الإسرائيلي إلى إشعار آخر-لأطول فترة ممكنة"، ويبقى في ضوء كل ذلك، أن يعيد الكثيرون حساباتهم السورية، وأن يعتبروا مما جرى في العراق، وأن تكون فلسطين والصراع مع المشروع الصهيوني، البوصلة الحقيقية لتقييم الأحداث والمواقف...؟!
العرب اليوم، عمّان، 2/4/2013
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: