إسرائيل" وجبهتا الشمال
والجنوب: تآكل .. انزلاق .. وحرب!
حلمي موسى
أطلقت
الدبابات الإسرائيلية قذائفها مساء أمس الأول باتجاه موقع عسكري سوري، قالت إن
قذائف هاون أطلقت منه باتجاه المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في هضبة الجولان
السورية المحتلة. وفي الوقت ذاته تقريباً أغارت طائرات إسرائيلية على مواقع فلسطينية
في قطاع غزة، في أعقاب ما وصفته إسرائيل بانتهاك الفلسطينيين لاتفاق وقف إطلاق
النار الأخير بإطلاقهم قذائف على مستوطنات إسرائيلية محاذية للقطاع. وليس صدفة أن
هذين الحدثين جاءا في أعقاب جولة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد الجنرال
موشي يعلون إلى الهضبة المحتلة، وإطلاقه سيلاً من التهديدات التي تنذر بانتهاج
سياسة عسكرية جديدة إزاء الأوضاع غير المستقرة في المنطقة العربية خلف الحدود.
وتراقب إسرائيل تطورات الوضع في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في أعقاب هبّة
التضامن مع الأسرى، التي أعقبت استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية.
وكانت
إسرائيل الرسمية قد أعلنت أنها تتابع باهتمام شديد ما يجري في كل من سوريا ولبنان
وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنها تؤمن بأن تغييرات جوهرية تحدث في المنطقة
ستؤثر على استراتيجيتها العامة. وتنطلق إسرائيل حالياً من فرضية أن الاستقرار الذي
وسم العقود الأخيرة في ظل النظام العربي الذي كان قائماً انتهى وحل مكانه غموض لا
يحمل أي بشارة، وأنها لذلك الغرض مضطرة للتعاطي بحكمة. وقد حاولت إظهار تكيفها مع
هذا التغيير في حرب «عمود السحاب» حينما اضطرت لقبول اتفاق وقف إطلاق نار حمل
الكثير من تراجعات الموقف الإسرائيلي الأصلي القديم تجاه حكومة حماس.
ومن
الجائز أن إغارة الطائرات الإسرائيلية على نفقين يربطان غزة برفح المصرية والحديث
عن جولة تصعيد جديدة دفع البعض، خصوصاً في إسرائيل، للاعتقاد بأن ما سمي بـ«الردع
الإسرائيلي» تآكل بسرعة كبيرة هذه المرة في قطاع غزة. وقد أطلق رئيس الحكومة
الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تهديدات باتجاه القطاع أثناء لقائه وزير الخارجية
النرويجي أسبين آيده، قال فيها «إذا انتهكت التهدئة، فسوف نرد بشدة. إن أمن مواطني
إسرائيل يقع على رأس أولوياتي وسنعرف كيف نحمي أمن مواطنينا».
ومع
ذلك فإن ما يمنع التصعيد حالياً، هو عدم توفر رغبة لا عند إسرائيل ولا عند حركة
حماس في قطاع غزة بالتصعيد. ولذلك يعتقد أن الوضع على جبهة القطاع يميل إلى
التهدئة حالياً بسبب تقاطع المصالح بين إسرائيل وحكومة حماس ومصر من جهة أخرى.
وبالرغم من ذلك، تحاول مصادر إسرائيلية الإيحاء بأن توقف التصعيد نبع من ضغوط
مصرية أكثر مما نبع من إدراك حماس لمصالحها.
ولكن
هذا ليس الحال على الجبهة الشمالية، حيث بادر الجيش الإسرائيلي، بتعليمات من موشي
يعلون، إلى انتهاج سياسة جديدة تقضي بالرد فوراً ومن دون تردد على كل إطلاق للنار
من الجانب السوري. وبحسب المعطيات الإسرائيلية، فإن الأشهر الأخيرة شهدت ما لا يقل
عن عشر محاولات لإطلاق النار على أهداف إسرائيلية، سواء كان ذلك بالرشاشات أم
بقذائف الهاون. وقاد هذا الوضع القيادة العسكرية الإسرائيلية للتفكير في أمر نصب
منظومة إنذار من القذائف والصواريخ «تسيفع أدوم»، كتلك القائمة قرب الحدود مع
لبنان وقطاع غزة، في مستوطنات هضبة الجولان.
ولا
يزال الجيش الإسرائيلي يعتبر النيران التي تطلق من الجانب السوري نوعاً من
«الانزلاق» غير المقصود وغير الخطير. ولكن ذلك لم يمنع القيادة الإسرائيلية من
اتخاذ قرار بالرد الفوري والحاسم على كل نيران تأتي من الجانب السوري. وبديهي أن
هذا القرار يعيد إلى الأذهان القرارات والتهديدات، التي دأبت إسرائيل على إطلاقها
عندما بدأت تسخن أي من الجبهات المعروفة. فمقابل لبنان كانت هذه التهديدات واسعة
جداً في البداية، ثم صارت تعلو وترتفع وقت الحاجة في إطار ما كان يعرف بـ«سياسة
الردع» و«جباية الأثمان». ومن المنطقي الافتراض أن سياسة الردع غابت تقريباً عن
جبهة الجولان منذ عقود، ولكنها اليوم تعود بشكل متقطع، ومن الواضح أنه ذلك بسبب
إيمان الجيش الإسرائيلي بانهيار للقوات النظامية السورية في الجبهة المقابلة.
وكان
وزير الدفاع الإسرائيلي قد أعلن، في زيارة قام بها أمس الأول مع رئيس الأركان
الجنرال بني غانتس إلى هضبة الجولان المحتلة، أنه «خلف الحدود تدور حرب أهلية
دامية منذ عامين، ولكننا لا نتدخل ما دام أن هذا لا يضر بمصالحنا. ولكن عندما
تتضرر هذه المصالح، سواء عن طريق نيران متفرقة مقصودة أو غير مقصودة، فإننا سنرد
لإسكات مصادر النيران كما حدث». وأضاف أن «هناك مصلحة أخرى وهي ألا ينزلق سلاح
يمكن أن يهددنا إلى منظمات غير مسؤولة، من حزب الله في لبنان مروراً بتنظيمات تعمل
هنا في سوريا. وقد عملنا في الماضي أيضاً وسنعمل مستقبلاً لعدم السماح بوصول أسلحة
كهذه إلى هذه الجهات».
وأشار
المعلق السياسي لـ«يديعوت أحرونوت» شمعون شيفر إلى أن الواقع الراهن قد يلطم
الإسرائيليين لأنه «أكثر تعقيداً وخطراً مما نحن على استعداد للتفكير فيه». وقال
إن الهدوء الذي يشعر به الإسرائيليون هو نوع من «الوقت المستقطع». وفي نظره فإن
«سوريا تتشرذم وتسيطر مجموعات إرهابية إسلامية على أجزاء من الدولة، وهي تملك
وسائل قتال بعيدة المدى. وفي لبنان ما زال حزب الله يتسلح ويستعد لإمكانية إطلاق
صواريخ قد تلحق ضرراً فظيعاً في الأرواح والممتلكات على مراكزنا السكانية. وتقوم
فوق كل هذه المشكلات المعركة الأكثر تعقيداً وهي سباق إيران للتسلح بسلاح ذري».
وأضاف
شيفر «ويجب أن يقضّ مضاجع كل من يخشى على أمن الاسرائيليين، ما يحدث بين الكوريتين
في هذه الايام. ولم نقل حتى الآن كلمة واحدة عن الفلسطينيين. اعتاد اسحق رابين أن
يقول إن كل اسرائيلي لديه حلم يتخيل فيه أن يستيقظ ذات صباح من نومه ليرى أن
الفلسطينيين قد غابوا عن النظر. وكان رابين يتنهد ويضيف بنوع من الاعتراف قائلاً
لكن هذا الحلم لا يوشك ان يتحقق، ولهذا يجب ان توجد طريقة للعيش المشترك مع
جيراننا الفلسطينيين».
من
جهة أخرى استشهد الفتى الفلسطيني عامر نصار (17 عاما) من بلدة عنبتا، أمس، وأصيب
اثنان خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال بالقرب من حاجز عناب في شرق طولكرم في
شمال غرب الضفة الغربية.
السفير،
بيروت، 4/4/2013
0 comments: