اسرائيل دفعت الى معركة المصالح بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الاوسط
بقلم: عاموس هرئيل
تتميز الايام الاخيرة في سورية بعلامة صدام مصالح مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، تؤدي به اسرائيل ايضا دورا ثانويا لغير مصلحتها. ففي وقت ما زالت فيه واشنطن مترددة فيما يتعلق بقوة الخطوات المطلوبة لتغيير نظام الاسد، لا تؤمن روسيا بأن اسقاط الطاغية السوري سيفيد شعبه بالضرورة وتتابع التحذير من تولي نظام سني متطرف الحكم في مكانه.
تريد روسيا من جهة استراتيجية حتى بعد الصور الفظيعة الاخيرة التي تأتي من سورية، والاتهامات الجديدة باستعمال سلاح كيميائي، ان تحرز شيئين وهما الحفاظ أكبر وقت ممكن على النظام الذي ما زال يقوي من اجلها ميناء طرطوس ليكون مرسى خاصا في البحر المتوسط، وتريد الى ذلك ايضا وضع العصي في عجلة التأثير الامريكي في المنطقة.
في حين ما زالت روسيا تستعد للمؤتمر الدولي الذي يتناول الوضع في سورية والذي تنوي ان تستضيفه في الشهر القادم، يريحها أن تشد عضلاتها بعد الهجمات الجوية الثلاث المنسوبة الى اسرائيل في داخل سورية. وهذا هو سبب التصريحات التي لم تتحقق بعد كما نعلم، بشأن تزويد سورية الآن بمنظومة الدفاع الجوي ‘إس300′. إن فشل جهود رئيس الوزراء نتنياهو في اقناع الروس بوقف الصفقة كان علامة بدء حرب تسريب معلومات جديدة بين واشنطن وموسكو. ففي كل يوم تتلقى وسيلة اتصالات امريكية معلومة عن عمق المساعدة التي تعطيها روسيا لنظام الاسد. فلم توجد منظومة ‘إس300′ فقط، بل طراز مطور ايضا من صاروخ ساحل بحر الدقيق ‘يحونط’ الذي يقلق اسرائيل بصورة خاصة، والى جانب ذلك تعزيز وجود سفن حربية روسية حول طرطوس.
بيد أنه يُشك في ان تستطيع اسرائيل ان تعمل مباشرة على احباط صفقة روسية سورية. وبازاء افتراض ان تستمر ايران في حث الاسد على مساعدتها على نقل سلاح الى حزب الله قد تكون اسرائيل أطلقت أكثر الرصاصات التي كانت في مشط الرصاص. إن الاغراء العملياتي بالعمل على احباط تهريب السلاح كبير دائما لأن رجال الاستخبارات سيُبينون أنهم يملكون معلومات دقيقة ولا يستطيعون ضمان مستوى مشابه للمعلومات الاستخبارية بعد أن تجتاز منظومات السلاح المتقدم الحدود الى لبنان. وسيكون الضغط على القادة ملحوظا ليُوافقوا على عملية احباط اخرى. ويصعب في المقابل الاعتماد على ان يستمر الشلل الذي أصاب الاسد ازاء اعمال القصف السابقة، الى الأبد.
رد شخص اسرائيلي رفيع المستوى في صحيفة ‘نيويورك تايمز′ في عيد البواكير على تهديد سورية وحزب الله بالعمل على مواجهة اسرائيل بعد القصف الثالث في نهاية نيسان/ابريل بتهديد مباشر باسقاط نظام الاسد، لكن اسرائيل في واقع الامر ليست معنية بذلك لأن الوضع الحالي هناك بين شتى الامكانات غير المغرية في سورية مع جوانبه المقلقة، يمثل كما يبدو أقل الاحتمالات سوءا. وقد قال رجال استخبارات اسرائيليون في نهاية الاسبوع لصحيفة ‘التايمز′ اللندنية إن ‘الاسد أفضل من المتمردين’، بل إن رئيس الموساد في الماضي افرايم هليفي بالغ ووصف الاسد في مقالة في مجلة ‘فورين أفيرز′ بأنه ‘رجل اسرائيل في دمشق’.
هدوء الى الآن في الجبهة الايرانية.
إن الصراع السياسي المركب حول سورية يتصل اتصالا وثيقا بسؤال آخر يبدو أنه نزل شيئا ما عن مقدمة برنامج العمل العام في الشهور الاخيرة وهو برنامج ايران الذري. فلم تعد تُسمع منذ شهور تهديدات صريحة بالهجوم على ايران من قبل اسرائيل. وقد نبع الهدوء في جزء منه من الحالة الجوية في الشتاء التي تعتبر صعبة جدا لامكانية هجوم جوي. وربما كان متصلا ايضا بالتفاهمات التي توصل اليها الرئيس اوباما ورئيس الوزراء نتنياهو في زمن زيارة الرئيس لاسرائيل في آذار/مارس.
لكن هذا لا يعني ان الشأن الايراني أصبح وراءنا، لأن الحديث في واقع الامر عن تأجيل فقط الى موعد انتخابات الرئاسة في ايران في الشهر القادم. وقد قال الامريكيون للاسرائيليين تعالوا ننتظر الانتخابات، فاذا حاول نظام آيات الله مرة اخرى تزوير النتائج كما حدث في 2009 فقد تنشب في ايران ثورة خضراء اخرى، وقد تكون أشد فعلا هذه المرة بالهام مما يجري في العالم العربي. وحتى لو بقي النظام الايراني كما هو من المعقول ان نفترض، فقد يُقنع الضغط السياسي والاقتصادي آخر الامر الزعيم الروحي علي خامنئي بأن يزن على الأقل تجميدا مؤقتا لتقدم المشروع الذري مقابل تخفيف عبء العقوبات الدولية. واذا لم يحدث شيء فان الامريكيين يشيرون اشارة خفية الى أنهم قد يضطرون الى العمل هم أنفسهم بصورة مباشرة على ايران.
تشك اسرائيل في صدق الادعاء الامريكي، ولا سيما ازاء التردد المحرج الذي أخذ به البيت الابيض في قضية سورية والاستخذاء الذي أظهره في مواجهة برنامج كوريا الشمالية الذري. وقد دُفعت ادارة اوباما الى سلسلة كوارث على صورتها في بدء ولايته الثانية. ومن المؤكد ان كل ذلك يثير شك نتنياهو الذي بقي وحده مرة اخرى في حل المشكلة الذرية الايرانية.
ولن يشجع رئيس الوزراء ايضا التقرير الجديد الذي أصدره في الاسبوع الماضي معهد راند. إن هذا المعهد الامريكي القديم الذي يُكثر العمل من اجل الادارة، يتجرأ على اثارة السؤال الذي لا يُتحدث فيه في رفقة نزيهة وهو كيف ستبدو المنطقة بعد ان تصبح ايران ذرية؟ ويقول المعهد إن احراز سلاح ذري سيقوي أهداف الأمن القومي الايرانية وسيردع اسرائيل والولايات المتحدة عن مهاجمة ايران، ويشجع عدم الاستقرار في المنطقة ويزيد في خطر الحرب نتيجة سلسلة عدم تفاهم بين ايران واسرائيل، إما ذريعة وإما نتيجة لذلك.
إن جميع العوائق امام هجوم اسرائيلي على ايران في العام الماضي ستكون ذات صلة في هذه السنة ايضا: فادارة اوباما تعارض عملا اسرائيليا مستقلا، والمستوى المختص في اسرائيل يتحفظ، وقد أُضيف مؤخرا ايضا عائق سياسي وهو شريك نتنياهو المركزي في الحكومة الجديدة يئير لبيد الذي لا يشمل برنامج عمله المدني الاقتصادي حربا لايران. ومع ذلك أصبح ممكنا أن نُقدر بشيء من اليقين أنه في غضون شهر وبعد ان تتضح نتائج الانتخابات في ايران ستعود المسألة الذرية لآيات الله الى مركز المسرح.
المصدر:
- هآرتس
0 comments: