Tuesday, May 21, 2013


عشر نقاط للتفكير بعد الغارة في دمشق


بقلم: عاموس يدلين
مر أكثر من اسبوع على الغارات في منطقة دمشق، التي حسب مصادر امريكية، اصابت صواريخ أرض أرض متطورة من طراز ‘فاتح 110′ كانت في طريقها من ايران الى حزب الله في لبنان. بعد أن ترسب الغبار وبدا أن الحدث احتوي، ولم يكن هناك رد فوري من جانب سورية أو حزب الله يمكن الاشارة الى استنتاجات أولية، وان كان يحتمل بالتأكيد اننا لا نزال في ذروة أزمة اوسع حتى من زاوية نظر احتمال الرد المتأخر، ولا سيما حيال احتمال استمرار اجتياز الخطوط الحمراء ومزيد من الغارات الكفيلة بان تؤدي الى تصعيد في الساحة الشمالية. هذا المقال يفترض، حسب منشورات اجنبية، ان الغارة في دمشق كانت اسرائيلية.
من المهم الفهم بان اسرائيل عملت في المرة الاولى منذ عقد حيال مسار توريد السلاح الى حزب الله، المسار الذي استخدمته ايران وسورية. لقد قيد الاسد الاب حتى العام 2000 توريد السلاح الى حزب الله والوسائل القتالية الاهم التي وردها أو سمح للايرانيين بتوريدها كان الكاتيوشا قصيرة المدى. اما ابنه بشار، بالمقابل، فقد حطم كل الحدود وورد لحزب الله بتمويل ايراني منظومات من الاسلحة حديثة ومتطورة. التمويل، العمل والتدريب، مصدره في معظمه في طهران منظومات السلاح بعضها ايرانية، بعضها تنتج في سورية (مثل صواريخ مختلفة وصواريخ ام 600 التي هي طراز سوري من ‘فاتح 110′) وبعضها مصدره روسي. وقد وصل السلاح الذي جاء من ايران في رحلة جوية الى المطار الدولي في دمشق، ومن هناك نقل الى لبنان. ورغم قرار مجلس الامن 1701 في العام 2006، الذي يحظر توريد السلاح الى جهة ليست حكومة لبنان، لم تعمل اسرائيل في الماضي ضد هذه الارساليات على ما يبدو لاعتبارات الكلفة المنفعة وبالاساس الفهم بان احتمال التصعيد مع سورية (التي توجد معها حتى الان عشرات السنين من الحدود الهادئة) وحيال حزب الله عالٍ ولا يبرر المنفعة. ومع ذلك، عندما تبين في نهاية العقد الماضي انه اخترقت كل حواجز نقل السلاح الى حزب الله، حددت اسرائيل أربع منظومات سلاح تلزمها بالعمل على وقف نقلها الى حزب الله، حتى بثمن خطر التصعيد: منظومات الدفاع الجوي المتطورة، صواريخ أرض أرض بعيدة المدى، صواريخ شاطئ بحر ياخنت والسلاح الكيميائي.
وافترض العمل الاسرائيلي قدرات استخبارية وعملياتية كبيرة تسلل استخباري كبير نحو اسرار ايران وحزب الله وهجوم في المنطقة المحمية بمنظومات الدفاع الجوي، التي تعد من أكثرها في العالم كثافة وتقدما. في هذه اللحظة كان يبدو أن التقديرات الاستخبارية والاستراتيجية الاسرائيلية بالنسبة لرد العدو كانت سليمة. فالمخاطرة المحسوبة التي أخذتها اسرائيل على عاتقها أثبتت نفسها. يبدو أن الفرضية في اسرائيل بانه يوجد ردع اسرائيلي قوي جدا تجاه كل اللاعبين في الوضع الذي يوجد فيه للسوريين، لحزب الله وايران سلم أولويات مختلف من أجله لن يخاطروا بمواجهة عسكرية فورية كانت صحيحة. كما أن اسرائيل تبنت طريقة العمل التي اثبتت نفسها في سنتي 2007 2008، لم تأخذ المسؤولية عن العملية وتركت للطرف الذي تعرض للهجوم ‘مساحة نفي’، اضافة الى ذلك، فان الاهداف التي تعرضت للهجوم لم تكن أملاكا سورية وهذا يسهل على السوريين احتواء الضربة. كما أن الهجوم لم يكن في الاراضي الايرانية واللبنانية، وهكذا يمكن لهذين الطرفين ايضا ‘المورد’ و’الزبون’ لمنظومات السلاح ان يكونا معفيين من الرد الفوري.
من المهم أن نفهم ان كل واحد من خصوم اسرائيل يركز ويعمل حيال التحديات المهمة له اكثر في هذا الوقت، من أن يرد على هجوم اسرائيلي. فالنظام السوري يقاتل على حياته أمام معارضة داخلية باتت تسيطر منذ الان على 50 في المئة من الاراضي السورية. وفي الشهر الماضي حقق النظام انجازات حيال المسلحين وهو يتمكن من الحفاظ على المواجهة كمواجهة داخلية يوجد له فيها تفوق عسكري بنيوي، تجاه الثوار وهو غير معني بفقدان هذه الانجازات. فالتدخل الخارجي والمواجهة مع اسرائيل خطيران جدا بالنسبة للنظام ويمكن لهما أن يؤديا الى نهايته. حزب الله هو الاخر يعطي أولوية لبقاء النظام السوري، الذي يشكل بالنسبة له جسرا لايران وجبهة داخلية استراتيجية. مقاتلوه مشاركون في القتال في سورية، وفتح جبهة اخرى مع اسرائيل ليس بديلا جذابا للمنظمة، وسيمس ايضا بشرعيتها في لبنان الشرعية التي تضررت منذ الكشف عن دورها في اغتيال الحريري، جر لبنان الى حرب مع اسرائيل في 2006 والان، دعمها النشيط لنظام الاسد. الايرانيون ايضا سيجدون صعوبة في الرد إذ أنهم لم يعترفوا ابدا بتوريد السلاح المتطور الى حزب الله، وبقاء نظام الاسد مهم لهم جدا وفوق كل شيء هم معنيون بحماية البرنامج النووي العسكري، كمصلحة عليا والحفاظ على حزب الله كذراع للرد في حالة تعرض البرنامج النووي للهجوم.
ومع ذلك يجدر بالذكر أنه حتى لو لم يتم رد فوري وكثيف، فان حزب الله، ايران، بل واحيانا سورية، يبدون كثيرا من الصبر، ويبقون على ‘حساب مفتوح’ ويختارون الرد المتأخر الذي يفضلون أن يكون بعيدا عن الساحة المحلية، التي يخاطرون فيها بالتصعيد، وتوجد لاسرائيل قدرات دفاع جيدة. نوع آخر من الرد هو استخدام منظمات ارهاب صغيرة، او تنفيذ عملية محدودة في الساحة الاسرائيلية اللبنانية السورية من دون أخذ المسؤولية عنها. ويمكن لاسرائيل أن تحتوي مثل هذه الاعمال والا ترد، وذلك لان العمل الاسرائيلي الذي بدأ دائرة الفعل ورد الفعل كان جد ناجحا والرد لم يجب ثمنا يستدعي مواصلة التصعيد.
يتمتع الهجوم الاسرائيلي بشرعية عالية نسبيا. بدءا باعتراف الغرب بهذا الهجوم كخطوة للدفاع عن النفس (الرئيس اوباما) وحتى الشماتة بالنظام السوري، النظام الايراني وحزب الله، في العالم السني. فالرضى الجم في الخليج وفي السعودية من الهجوم يصعب اخفاؤه، بل ان دولا كمصر والاردن رفعت العتب بشجب دبلوماسي من الشفة الى الخارج. فالهجوم على المحور الراديكالي، بكل عناصره، المحور الذي ينشغل هذه الايام بذبح المواطنين السوريين بحجم عشرات الاف القتلى، شرعي مثلما لم يكن ابدا. ومع ذلك، من المهم الانتباه الى أن اسرائيل لم تتدخل في الحرب الاهلية، بل ونقلت رسالة الى سورية في أنه ليس في نيتها الوقوف الى جانب المعارضة ضد النظام. اسرائيل لم تضرب مباشرة أملاكا سورية، بل فقط أملاكا لحزب الله وايران تعرض أمنها للخطر.
الزاوية الامريكية ـ اسرائيل لم تطلب ‘ضوءا أخضر’ من الولايات المتحدة للهجوم. ومع ذلك فان مستوى التنسيق والتفاهم الاستراتيجيين بين الدولتين عال، ولا ريب أن كل طرف أوضح مصالحه الحيوية للطرف الاخر، ووصف له الاسباب التي تستوجب العمل، حدود العمل وقيوده. ثمة من يدعي بان اسرائيل، بعملها هذا، تحاول أن تدفع الولايات المتحدة الى التدخل في سورية. هذا ادعاء غير مسنود. فاسرائيل، كما أسلفنا، عملت ضد العناصر الايرانية وعناصر حزب الله في سورية، التي تعرض امنها للخطر بشكل مباشر. وفضلا عن ذلك، فلا تأكيد للانباء عن عشرات المصابين من الوحدات العليا للنظام. ومع ذلك فان منتقدي الرئيس اوباما يمكنهم أن يشيروا الى العملية الاسرائيلية كمثال على الرد المناسب على اجتياز الخطوط الحمراء، وضعف الادعاء الذي يطرح في الناتو وفي البنتاغون بان انظمة الدفاع السورية أقوى من تلك الليبية أو العراقية.
الزاوية الروسية: الروس وليس الايرانيين، هم الموردون لاثنين من اربعة منظومات اعتبرت خطا أحمر: منظومات الدفاع الجوي المتطورة مثل SA17وصواريخ شاطئ بحر متطورة ‘ياخنت’. ولو كانت هذه المنظومات الروسية، التي وردت لسورية مع الالتزام بالا تنتقل الى مستخدم نهائي آخر، تعرضت للهجوم في الطرف اللبناني، لوقع للروس حرج كبير. بين المخاطر من الهجوم في سورية يمكن أن نحصي امكانية أن يطلق الروس، الذين لم يستطيبوا الهجوم، منظومات دفاع جوي بعيدة المدى مثل S 300 للتصدير الى سورية.
أحد الادعاءات ضد الهجوم في سورية هو أن قسما من منظومات السلاح، التي تشكل خطا أحمر، سبق أن انتقلت على ما يبدو الى حزب الله وتوجد في حوزته، ولكن الكميات مهمة. الصواريخ بعيدة المدى لا توجد بالالاف، وبالتأكيد ليس بعشرات الالاف. وعندما يدور الحديث عن عدد من العشرات او بضع مئات فثمة معنى لتخفيض عدد الصواريخ في أيدي العدو الى الحد الادنى. ومثلما حصل في الحملة الاخيرة مع حماس في غزة ‘عمود السحاب’، فان قسما كبيرا من صواريخ العدو يدمر قبل أن يطلق وبعضه الاخر يدمر من منظومات الدفاع المضادة للصواريخ. عدد كبير من الصواريخ لدى العدو يسمح بالضغط على منظومات الدفاع ضد الصواريخ لدى اسرائيل ويمنح حزب الله طول نفس اكبر. ما ضرب في سورية سيسهل التصدي في معركة واسعة حيال حزب الله في المستقبل. كما أن الكلفة المستقبلية لاعادة تفعيل مسار التهريب ستلقي بثقلها اللوجستي، العملياتي والاستخباري على ايران وحزب الله، وهكذا يتم ابطاء وتيرة التعاظم وبناء القوة.
ما هو تأثير الهجوم في سورية على المواجهة مع ايران؟ توجد مدرستان استراتيجيتان بالنسبة للتصدي للتهديد النووي الايراني: الاولى تعتقد ‘ايران أولا’ وكل الاولويات والمقدرات توجه نحو هذا الجهد في ظل الاستعداد لدفع اثمان استراتيجية في ساحات اخرى. مدرسة اخرى تعتقد ‘سورية وحزب الله أولا’ وذلك انطلاقا من الفهم بانه يمكن ردع ايران والتجسيد لها للتصميم والقدرة الاسرائيلية في مواجهة اجتياز الخطوط الحمراء وكذا اضعاف قدرة الرد الايرانية من خلال ضرب حلفائها، الذين يشكلون قوة النار المتقدمة لها. ليس واضحا اذا كانت هذه الاعتبارات الاستراتيجية قد درست في السياق الذي سبق الهجوم ولكن عمليا، كنتيجة للعملية في سورية، فان اصحاب المدرسة الثانية تفوقوا على الاولى وبقي أن نرى اذا كانت ايران استوعبت رسالة التصميم الاسرائيلية من جهة وضعف حلفاء ايران من جهة اخرى.
في السطر الاخير، يصح الافتراض باحتمالية عالية بان الحدث لم ينتهِ، لا تكتيكيا ولا استراتيجيا. في المدى القصير المطلوب يقظة اعلى تجاه امكانية تصفية ‘الحساب المفتوح’ برد محدود و/أو متأخر، في الساحة الشمالية وفي الساحات الخارجية على حد سواء. استراتيجيا سيكون اصحاب القرار في اسرائيل مطالبين في المستقبل بان يقرروا هل سيواصلون العمل حيال تعاظم حزب الله بمنظومات سلاح متطورة وحرجة. عندما سيفكرون في اسرائيل في العملية التالية يجب أن تدرس المسألة، هي لا تزال الشروط الاسرائيلية تسمح بحرية العمل بمخاطرة متدنية لاسرائيل، أم أن تراكم الاحداث سيؤدي بالضرورة الى تصعيد غير مرغوب فيه. فرضية حرية العمل النسبية هي وهم لان هذه ذخر متآكل. فرضية تقول إنه اذا لم يكن رد مرتين فهذا سيكون في المرات التالية، قد تتبين خاطئة. ثمة ضغط متراكم على القيادات في الطرف الاخر للرد، الضغط الذي يمكن أن يدفعهم الى نقطة انكسار والى رد واسع وفي أعقابه يحتمل تصعيد خطير.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: