المرصد السياسي 2081
الأصدقاء الأعداء اللدودين: الصراع والتعاون بين السنة والشيعة
30 أيار/مايو 2013
في خطابه في 25 أيار/مايو، وصف زعيم «حزب الله» الشيعي اللبناني، حسن نصر الله، المنظمة السنية تنظيم «القاعدة» بأنها جزء من "محور" تقوده الولايات المتحدة داخل سوريا. وعلى مدى العامين الماضيين، أصبحت سوريا ساحة قتال طائفي من خلال تأليب سكان الأكثرية السنية -- إلى جانب مئات الجهاديين الإقليميين والمملكة العربية السعودية وقطر وهما دولتان تحت الحكم السني -- ضد نظام بشار الأسد العلوي الشيعي اسماً ومؤيديه الشيعة إيران و «حزب الله». وفي الوقت ذاته، تقوم الرياض بإلقاء القبض على رجال الدين الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة بتهمة التجسس لصالح إيران. وفي الأردن، توقع الملك عبد الله أن "الصراع الطائفي الطويل" في سوريا ستكون له "عواقب كارثية على المنطقة لأجيال قادمة". وقد رأت دراسة أصدرتها "مؤسسة بروكينغز" في نيسان/أبريل، أن الطائفية تحل محل الصراع العربي الإسرائيلي كجانب التعبئة الأبرز بالنسبة للعرب.
وفي الواقع، ربما تكون السمة المميزة للصحوة العربية منذ عام 2011 هي عودة التوترات بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط. وقد ظل هذان الفرعان من الإسلام يتقاتلان من أجل الهيمنة السياسية والدينية منذ القرن السابع، واليوم، نجد العنف يثبت أقدامه بين طوائف المسلمين وينتشر من سوريا إلى العراق والبحرين والمملكة العربية السعودية وباكستان وأماكن أخرى. بيد، على الرغم من العداءات العميقة والصراعات والمنافسات، فقد أظهر السنة والشيعة قدرة على التعاون فيما بينهم، لاسيّما ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
التعاون الإسلامي
في السنوات الأخيرة، وجد الإسلاميون والحكومات من السنة والشيعة بعض القضايا المشتركة في عدد من المناسبات.
إيران و تنظيم «القاعدة». منذ عقد مضى، كان المتطرفون السنة والشيعة يعملون معاً بنشاط لاستهداف الولايات المتحدة. وقد عَبَر العديد من منفذي هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر التسعة عشر من إيران في طريقهم إلى أمريكا، ولاحقاً -- حتى مع قيام تنظيم «القاعدة» السني بتنفيذ أعمال تطهير تستهدف "الكفار" الشيعة في العراق -- كانت طهران توفر الملاذ الآمن لمئات من عاملي «التنظيم» وقادته. وقد تأكد أن هذه العلاقات كانت حاسمة في مساعدة إيران على تقويض الاحتلال الأمريكي في العراق المجاور. وبالمثل، أقامت طهران علاقة مع حركة الطالبان السنية في أفغانستان بهدف تخريب الجهود الأمريكية لإرساء الاستقرار خلال فترة ما بعد الحرب.
«حماس» وإيران. كوّنت الأطراف الفاعلة المتطرفة من السنة والشيعة أيضاً تحالفات مناهضة لإسرائيل. فقد جمعت العداوة المتأصلة تجاه الدولة اليهودية بين إيران الشيعية والمنظمة الإرهابية السنية «حماس» على مدار سنوات، حيث قامت طهران بتوفير التدريب والدعم اللوجستي ومئات الملايين من الدولارات إلى الجماعة الفلسطينية، على الأقل منذ عام 1995. ويقيناً أن العلاقات بينهما قد شهدت بعض مؤشرات الشد والجذب في الآونة الأخيرة. ففي عام 2011، قامت «حماس» بإخلاء مكاتبها في دمشق احتجاجاً على قتل نظام الأسد المدعوم من إيران لآلاف السوريين أغلبهم من السنة. ولكن بمعرفة مدى البغض المشترك والدائم الذي يكنه الطرفان لإسرائيل، يمكن القول إن هذا الوضع ربما لا يكون سوى خلاف مؤقت.
وفي الواقع، قبل عام فقط من اندلاع القتال في سوريا، شرع مفكرون من حركة «حماس» -- في جوهرها الفرع الفلسطيني لـ جماعة «الإخوان المسلمين» -- في مسعى لتذليل الحواجز الأيديولوجية التي تقوِّض العلاقات السنية الشيعية. وفي عام 2010، أصدر وزير خارجية «حماس» أحمد يوسف كتيباً بعنوان "«الإخوان المسلمون» والثورة الإسلامية في إيران" سعى فيه إلى التوفيق بين رؤى مؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا وزعيم الثورة الإيرانية في عام 1979 آية الله روح الله الخميني. وقد أبرز البحث الإعجاب المتبادل الذي يكنه «الإخوان المسلمون» وطهران لمهندس الحركة الجهادية العصرية، سيد قطب، بالإضافة إلى هدفهما المشترك المتمثل في تأسيس دولة إسلامية عليا تقوم على مبادئ الشريعة. وقد كتب يوسف بأنه "ليس هناك مفر من التغلب على الصراعات بين السنة والشيعة"، مضيفاً بأن "هذه الصراعات لا ترقى إلى أن تمثل تناقضاً دينياً".
مصر وإيران. لم تغب رسالة يوسف أيضاً عن الرئيس المصري محمد مرسي وإدارته من جماعة «الإخوان المسلمين». فعلى الرغم من الحرب الباردة القائمة منذ حين بين مصر وإيران -- والتي تعود إلى معاهدة السلام التي وقعتها القاهرة مع إسرائيل عام 1979، وأعقبها بعد ذلك بعامين احتفال طهران باغتيال الرئيس السابق أنور السادات الذي وقع على معاهدة السلام -- اختار مرسي التوجه إلى إيران في زيارته الثانية لدولة غير عربية. ولم يكن مرسي مهتماً بشكل واضح من مضيفيه الشيعة؛ وكان الغرض الظاهري من جولته السريعة في آب/أغسطس 2012 هو تسليم رئاسة "حركة عدم الانحياز" إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. إلا أن الرسالة الواضحة من تلك الزيارة هي الزيارة نفسها. وكما ذكر مستشار مرسي جهاد الحداد في وقت لاحق، فإن مصر تحت حكم «الإخوان المسلمين» ستقوم بـ "بناء علاقات جديدة وتحديد أدوار جديدة" مع إيران.
مصر و «حزب الله». ينطبق هذا المسار أيضاً على الميليشيا الشيعية «حزب الله» في لبنان، التي أسستها إيران في أوائل الثمانينات. وخلال الأعوام الأخيرة، انخرطت الجماعة في أعمال عنف طائفي تمثلت باغتيال الزعيم السني اللبناني رفيق الحريري عام 2005، وإلقاء القبض على تسعة وأربعين من عناصرها العاملة في سيناء في أواخر 2008. ومع ذلك، فقد قلَب مرسي سياسة مصر القائمة منذ فترة طويلة، ويعمل حالياً على بناء "علاقة" مع هذا التنظيم المسلح، وفقاً لمبعوث القاهرة في بيروت.
وفي نظر «الإخوان»، كان تعهد «حزب الله» بمواجهة إسرائيل سبباً لتصنيف الحزب ضمن فئة فريدة من الشيعة على مدار فترة طويلة. وفي عام 2006، عندما هاجم «حزب الله» إسرائيل أثناء شن الأخيرة غارة على قطاع غزة، عرض المرشد العام لـ «الإخوان» محمد مهدي عاكف نشر المقاتلين إلى جانب أفراد التنظيم المسلح في لبنان. وفي عام 2009، بعد أشهر قليلة من القبض على أعضاء تابعين لـ «حزب الله» على الأراضي المصرية أثناء تهريبهم الأسلحة إلى «حماس»، أشاد عاكف علناً بزعيم الجماعة حسن نصر الله لـ "دعمه المقاومة..... ومساعدته الفلسطينيين".
وعلى الرغم من ذلك، فإن الكراهية القديمة لا تزول بسهولة. فعندما زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد القاهرة في شباط/فبراير، تم استقباله برشق الأحذية من جانب مجموعة من المحتجين الغاضبين من دعم طهران القوي لنظام الأسد. وبعد ذلك، خلال مقابلة بالأزهر، تلك المؤسسة البارزة التي ترعى التعليم الديني على المذهب السني، وجَّه رجال الدين النقد علناً لإيران لتدخلها في البحرين وتشجيعها على نشر المذهب الشيعي في مصر. وفي الآونة الأخيرة، في 15 آذار/مارس، أقام السلفيون المصريون مظاهرة كبيرة في "ميدان التحرير" لاستنكار "التطبيع" مع إيران والإسلام الشيعي، والتهديد بـ"تصعيد الأمر" إذا استمر «الإخوان المسلمون» في تطوير هذه العلاقة.
ومن غير الواضح إذا ما كان تقارب مرسي مع إيران هو بدافع الميل نحو معاداة إسرائيل أم بسبب عوامل أخرى. فعلى غرار زيارته إلى الصين، يمكن أن يمثل تقاربه مع الجمهورية الإسلامية رغبة في تنويع مصادر المساعدة الأجنبية من خلال إبعاد مصر عن تحالفها الاستراتيجي على مدار ثلاثة عقود مع واشنطن.
المصالح الدائمة لإيران
على الرغم من أن الأيديولوجية المعادية لـ الولايات المتحدة/إسرائيل كانت توفر تاريخياً الكثير من الزخم للتعاون بين الأصوليين من السنة والشيعة، إلا أن ثمة دافع آخر لا يقل أهمية لطالما كان -- وسوف يظل -- واقعاً براغماتياً جيداً وقديم الطراز. فبالنسبة لطهران على وجه الخصوص، يشكل موضوع استقطاب السنة تحوطاً استراتيجياً ووسيلة لنشر الثورة الإسلامية.
ولنتذكر أنه أثناء الحرب الإيرانية- العراقية خلال فترة الثمانينات -- في الوقت الذي كانت فيه إيران تقوم بتأسيس «حزب الله» وسط تزايد التوتر بين السنة والشيعة في المنطقة -- كانت طهران تدعم أيضاً الميليشيا السنية اللبنانية "حركة التوحيد الإسلامي". وكان ذلك القرار يستند في جانب منه إلى الاتفاق الواضح في المصالح: فلقد كان التنظيم المسلح يتواجد في طرابلس التي تشكل معقلاً من معاقل السنة، ولذا سعى التنظيم لتوحيد السنة والشيعة بتوجيههم نحو وضع هدف إعادة بناء دولة إسلامية عليا نصب أعينهم وفق النمط الذي انتهى مع سقوط الإمبراطورية العثمانية. وفي الوقت ذاته، كانت إيران تأمل في توسيع شبكة عملائها في لبنان من غير الشيعة.
تعد المخاوف المحلية الإيرانية من بين العوامل الأخرى المؤثرة أيضاً. فاليوم، يشكل السنة 10 في المائة من تعداد السكان، وهي الطائفة الأسرع نمواً في إيران، حيث يقدَّر معدل الإنجاب لديهم إلى سبعة أطفال لكل أسرة مقارنة بمعدل يقل عن طفلين لدى الأسر الشيعية. ولا شك في أن النظام ينظر إلى الإيرانيين السنة كمصدر تهديد ديموغرافي على المدى الطويل، بحيث ربما يكون عليهم التحرك بشكل استباقي لمواجهته عن طريق عقد مصالحة مذهبية كبرى. إلا أن أي جهود للتواصل من هذا القبيل تُركز حالياً على خارج الجمهورية الإسلامية بدلاً من داخل إيران، حيث لا يزال يُنظر إلى السنة بعين الشك والسخرية (على سبيل المثال، ليس لدى ما يقرب من مليوني سني في طهران مسجد خاص بهم).
الخلاصة
يركز العديد من الإسلاميين في الشرق الأوسط، حتى في ذروة الصراعات الطائفية، على السيطرة على الاختلافات المذهبية من أجل تحقيق الهدف صعب المنال المتمثل في إعادة إقامة دولة إسلامية عليا. إذ لا يزال هناك عدد من العقبات الكبيرة التي تحول دون تحقيق هذا الحلم، من بينها الحركة السلفية المتطرفة المزدهرة في المنطقة والسؤال عما إذا كان الفقه السني أم الشيعي هو الذي سيسود في نهاية الأمر داخل تلك الدولة. وعلى أي حال، فإن الفرص بعيدة لظهور مرحلة تاريخية تجمع شمل السنة والشيعة على المدى القريب نظراً للديناميات الإقليمية الحالية.
ومن جانبها فإن إدارة أوباما، العازمة على إعادة التوازن إلى سياسة الولايات المتحدة تجاه آسيا، من المرجح أن تختار مشاهدة تدهور العلاقة بين السنة والشيعة من بعيد. لكن على واشنطن ألا تندهش إذا ما خرجت فصائل معادية من بين هؤلاء الأصدقاء الأعداء اللدودين ووجدت أرضية مشتركة كافية لإشهار التحدي مرة أخرى ضد مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكما يقول المثل العربي -- وتشير السوابق التاريخية -- عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين السنة والشيعة، فإن الأوضاع تشبه المقولة "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب".
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
0 comments: