جيش الشعب المصري
بقلم: عاموس هارئيل
أثارت مشاهد ميدان التحرير ليلة أمس الأول تعاطفاً شبه غريزي، بل حماسياً في أوساط المراقبين من الخارج. فللمرة الثانية خلال أقل من عامين ونصف ينتفض الشعب المصري ويلقي مَن عليه، وهذه المرة في المرحلة التي بدا فيها أن الرئيس ينوي السير على طريق سلفه المستبد. وكما في كانون الثاني 2011، ارتدت الثورة هذا الأسبوع لباساً يرتاح له الغرب: ديموقراطي، ليبرالي نسبيا، غير ديني بشكل واضح.
وفي الجولة السابقة، هزمت النيات الطيبة لليبراليين في صراع القوى مع القوة المنظمة للإخوان المسلمين. وهذه المرة، يتخذ الجيش المصري خطاً أشد فعلاً مما في الانقلاب السابق ولكن يستحيل في هذه المرحلة بوضوح معرفة إن كان اتحاد القوى المؤقت بين الجيش والمعسكر الليبرالي مؤهلاً فعلاً للتغلب في المدى البعيد على الإسلاميين، وأن يتم ذلك من دون أن تنزلق الدولة لحرب أهلية دموية.
وكما في شتاء 2011 أيضاً في صيف 2013 يحتل الجيش المصري، على الأقل إعلانياً، موقع الناضج المسؤول: الذي عندما يبلغ السيل الزبى من الرئيس ويكرهه الناخبون، يقول للرئيس «كفى». ولكن سهل نسيان أن الخطوة العسكرية انتهت في المرة السابقة بفشل ذريع من ناحية العسكر. ليس فقط أن الأحزاب الإسلامية فازت في الانتخابات الحرة الأولى، الإخوان المسلمون السلفيون بأغلبية ساحقة، وإنما أفلح الرئيس محمد مرسي في التخلّص بسرعة من قائد الجيش المخضرم محمد طنطاوي وإجراء تطهير فعال في قيادة أجهزة الأمن، فيما يلوح بذريعة الفوضى في سيناء بعد قتل سلفيين متطرفين لـ 16 جندياً مصرياً في آب الفائت.
ومن الجائز أن ربّ البيت المؤقت الجديد، وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، ليس فقط أكثر شباباً وإنما أشد عزماً من المشير طنطاوي العجوز. وتجاه الخارج انتهج خط أسلافه: كما في تركيا قبل عقد، الجيش عرض نفسه كرسول الشعب المصري وحامي ديموقراطيته.
لقد تم عزل مرسي لأن طبخته احترقت، سواء بمحاولته الإمساك بصلاحيات مبالغ فيها أو لإدارته اقتصاد الدولة، لكن الجيش أيضاً أعلن فوراً عن بديل مؤقت لمرسي، هو رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور. ولا أحد يعرف بداهة كم أن الأمر مؤقت، لكن بوسع الجنرالات صدّ قسم من الاتهامات ضدهم بالانقلاب العسكري. فمن خلف الستار هناك مصالح للجيش: الحفاظ على ممتلكاته الاقتصادية، صيانة العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة (وأيضاً استمرار السلام البارد مع إسرائيل) وضمان استمرار المعونة العسكرية الأميركية.
وفي انقلابي 2011 و2013 بدا وكأن مصر تقترب من حرب أهلية، قد تسفك فيها دماء كثيرة. في 2011 عندما فهمت استحالة الحفاظ على الحكم من دون مجزرة ضد المتظاهرين، تراجع الرئيس حسني مبارك ومعه الجنرالات أيضاً.
والرئيس السوري، الذي شهد ما حدث، استخلص النتائج المعاكسة وجسّدها في آذار عندما نشبت الحرب الأهلية في بلاده بعد شهر. وتدور في سوريا معركة بقاء الطائفة العلوية بأسرها، وليس فقط النظام، وكل الوسائل مسموحة. والنتيجة، بعد أكثر من عامين سوريا باتت دولة مهدومة كلفتها الحرب أكثر من 100 ألف قتيل.
فهل يمكن حدوث شبيه لذلك في مصر أيضاً؟ ليس في مصر شرخ طائفي ولا تحالف طوائف ضد السنة، كما في سوريا، لكن التظاهرات الهائلة في الأسبوع الأخير علمتنا أيضاً أن مصر أيضاً ممزقة بين معسكرين كبيرين متساويين تقريبا، الإسلاميين وخصومهم. ولا تزال قائمة إمكانية أن يواصل الوضع التدهور نحو عنف أشد. ينبغي أيضاً الأخذ بالحسبان أن إبعاد الإخوان المسلمين عن الحكم لا يحلّ ولا مشكلة واحدة من مشاكل مصر، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية الشديدة وتدهور الشعور بالأمن الشخصي للمواطنين. فالانقلاب وقع في الأيام الأولى للصيف وقبل أسبوع من بدء شهر رمضان. وبانتظار مصر صيف لاهب وطويل.
ومن المؤكد أن سرعة وشدة تحرك الجيش لإبعاد مرسي عن الحكم فاجأت الإخوان المسلمين. وحتى وصولهم إلى الحكم خططوا خطواتهم بإمعان. وتبين لهم أن إدارة الدولة أمر بالغ الصعوبة. ولكن من رأى في سيطرة الحركات الإسلامية على دول عربية كتذكرة باتجاه واحد، خابت الآن. تبين أن في مصر، على الأقل، قوى قوية بما يكفي للردّ. ولا يزال بالانتظار رؤية عواقب هذه الهزيمة على المكانة الإقليمية لحلفاء الإخوان المصريين، في دول كتركيا وقطر، وعلى دور الإخوان المسلمين في الصراع لإسقاط نظام الأسد في سوريا.
وتأثير ذلك على إسرائيل في هذه المرحلة ليس مباشراً ولا بعيد المدى. فالتنسيق الأمني تحسن في عهد مرسي، الذي أغمض عينيه عن العلاقات الفعالة بين أجهزته الأمنية والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ولا مبرر لتغيير هذا الواقع، مع الإطاحة العنيفة بالرئيس. ويمكن الافتراض أن النظام المصري المقبل سوف يندد بإسرائيل علناً وينسق المواقف معها سراً.
ومَن يُصغ أكثر للتطورات في مصر فهو حكم حماس في غزة. وفي العام الأخير راهن رؤساء التنظيم الفلسطيني على التحالف مع الحركة الأم في القاهرة، التي وفرت لهم عمقاً استراتيجياً. واتخذت حماس موقفا ضد الأسد في الصراع في سوريا، رغم الدعم المتعدد السنوات الذي منحه الحاكم السوري وأبوه للتنظيم، وابتعد واعياً عن عناق الدب الإيراني.
وارتبط التنظيم بمصر، تركيا وقطر (الأخيرة وفرت له دعماً اقتصادياً ملموساً)، لكن كان ثمن ذلك أن: إيران قلصت جدا تهريب السلاح لغزة، لأسباب بينها أن جهود تهريب السلاح اصطدمت بتفجيرات غامضة في السودان وإحباط مصري أشد فعالية في سيناء، وفرضت مصر على حماس تهدئة كاملة مع إسرائيل على حدود القطاع. في إسرائيل ينتظرون حالياً رؤية إذا كان هذا التوازن الدقيق سيختل في ضوء الانقلاب في القاهرة.
وفي أيام ما قبل عزل الرئيس، طلبت الأجهزة الأمنية المصرية من حماس إغلاق الطريق أمام انتقال النشطاء من غزة إلى سيناء. وخشي المصريون أن فلسطينيين إسلاميين من القطاع سيرتبطون مع عمليات إرهابية لتنظيمات بدوية متطرفة في سيناء أو حتى يحاولون التدخل في ما يجري في القاهرة نفسها. حماس نفذت الطلب بكامله.
شهر عسل غير رسمي
للأزمة المصرية عواقب اقتصادية صارت ملموسة في القطاع. في أسبوع ما قبل الانقلاب عزز الجيش المصري حواجز الطرق في سيناء ما زاد مصاعب تهريب البضائع في الأنفاق. وشعر الناس في القطاع، كما مصر، بأزمة الوقود. والغزيون يخشون الاضطرار للعودة لاستيراد الوقود بشكل مؤقت من إسرائيل، بأسعار أعلى من مصر. وغزة حالياً معلقة جزئياً بواردات الغذاء من مصر، وعدم الاستقرار هناك قد يستدعي توسيع استيراد الغذاء من إسرائيل. وخلال أسابيع عدة قد يجد رئيس الحكومة نفسه عاقداً مشاورات بشأن مساعدة حماس على إطعام الجمهور في غزة.
وحالياً لإسرائيل مصلحة في مساعدة حماس للحفاظ على الاستقرار. ومنذ انتهاء عملية «عمود السحاب» في تشرين الثاني الفائت، يسود شهر عسل غير رسمي بين الطرفين. المعطيات مذهلة: في نصف العام التالي للعملية أطلق 24 صاروخاً فقط على إسرائيل من القطاع، مقابل 171 في الفترة الموازية بعد عملية «الرصاص المسكوب» العام 2009. لقد أنشأت حماس جهازاً أمنياً خاصاً، يضم المئات، مهمته الأساسية كبح التنظيمات الصغيرة ومنع إطلاق الصواريخ.
وقد استجابت حماس بذلك لضغط مصري، لكن يبدو أن الهدوء يعبر عن مقاربة أوسع من جانبه: الحفاظ على الحكم في غزة وتحسين الاقتصاد هما أولوية أعلى. صحيح أن رئيس حكومة حماس، اسماعيل هنية، تحدث الأسبوع الفائت عن «مفاجآت» تنتظر إسرائيل إن هاجمت القطاع، لكن يبدو أن حماس معنية الآن باستمرار التهدئة.
ويستثمر الذراع العسكري لحماس حالياً جهده الأساس في تحضير «عمليات أرفف» خطط لهجمات معقدة نسبياً، لاستخدامها وقت الحاجة، وإجراء تجارب على الصواريخ. ويمكن الافتراض أن عشرات التجارب كهذه أجريت في القطاع منذ انتهاء «عمود السحاب» وأن التنظيم يحسن قدرات إطلاقها لمدى 75 كيلومتراً، تشمل أيضاً أغلبية محيط تل أبيب، كبديل لوقف تهريب صواريخ «فجر 5» من إيران.
هآرتس
0 comments: