Menu

Sunday, May 20, 2018

كيف نفهم انتصار الصدر؟



كيف نفهم انتصار الصدر؟

 





أثارت النتائج الأولية للانتخابات النيابية العراقية في 12 أيار/مايو، والتي حلّ فيها ائتلاف مدعوم من الإمام الشيعي مقتدى الصدر في المرتبة الأولى، صدمةً في أوساط المؤسسة الحاكمة، وأحدثت تبدّلاً في التوقعات بشأن تشكيل الحكومة العتيدة. كان يُتوقَّع على نطاق واسع أن يفوز رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بأكثرية المقاعد، لكن بسبب النتائج السيئة التي حققها ائتلاف النصر بزعامته في بغداد، التي تنتخب أكثر من خُمس النواب البالغ عددهم 329، يبدو أن النصر حل ثانياً بعد ائتلاف "سائرون" المدعوم من الصدر – ونظراً إلى عدم الانتهاء بعد من توزيع المقاعد، ليس واضحاً إذا كان ائتلاف النصر سيأتي أيضاً بعد تحالف الفتح برئاسة هادي العامري، وهو الائتلاف الأساسي المدعوم من إيران. يعود فوز الصدر، في شكل خاص، إلى إقبال قاعدته على التصويت مع العلم بأن نسبة الاقتراع كانت متدنّية في البلاد بصورة عامة.
في 17 أيار/مايو، نشرت هيئة الانتخابات في العراق مجموع الأصوات في كل محافظة فقط، ولم تكشف عن توزيع المقاعد، التي تُحدَّد وفقاً لصيغة حسابية شبه نسبية. ولا يزال هناك خلافٌ أيضاً حول تعداد الأصوات في كركوك، حيث اتّهم الناخبون العرب والتركمان الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الكردي الأساسي في المحافظة، بممارسة التزوير على نطاق واسع. بيد أن القادة السياسيين، ومنهم العبادي نفسه، توجّهوا بتهنئة علنية إلى الصدر لحلول ائتلافه في المرتبة الأولى. 
المفاجأة الأساسية كانت في بغداد، التي كانت أوضاعها جيدة، في بعض النواحي، في عهد العبادي. فقد شهد الوضع الأمني تحسناً كبيراً: في حين كانت العاصمة تتعرض باستمرار لهجمات إرهابية كثيفة قبل العام 2014، تراجعت وتيرة هذه الهجمات وأصبحت أكثر ندرة. وقد أتاح ذلك أيضاً عودة النشاط الاقتصادي. لكن خلال الحملة الانتخابية، نُظِّمت تظاهرات تصاعدية احتجاجاً على الخدمات العامة غير المناسبة في العاصمة، وبدأت هذه الاحتجاجات العفوية التي عمّت أنحاء بغداد بسلوك مسار تصاعدي في آذار/مارس، بمعزل عن الاحتجاجات التي كان الصدريون ينظّمونها في ميدان التحرير في العاصمة.
نظراً إلى حجم التدهور في الأوضاع الاقتصادية والأمنية جنوب البلاد – حيث اندلعت احتجاجات ضد الحكومة في الجنوب على مدار عام ونيف قبل الانتخابات، ولذلك لم يكن مفاجئاً حصول العبادي على نسبة متدنّية من الأصوات هناك – بذل العبادي جهوداً من أجل تحقيق نتائج جيدة في بغداد. وقد استخدم منصبه في موقع رئاسة الوزراء لإصدار مرسوم تنفيذي دراماتيكي في الأول من نيسان/أبريل نصَّ على إطلاق "مجهود وطني" تتولّى بموجبه الوزارات الحكومية استكمال تنفيذ مشاريع الخدمات التي لم ينتهِ المتعاقدون من إنجازها. على الرغم من أن هذه المبادرة طغت على دورة الأخبار المحلية لبضعة أيام بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده العبادي في ذلك التاريخ، إلا أنها اختفت في الأيام الثلاثين الأخيرة من الحملة، ما ساهم في تعزيز الانطباع لدى الرأي العام بأنه لن يفيَ بوعوده.
قد يكون السبب وراء النتيجة السيئة التي مُني بها العبادي، بطريقة مفاجئة، في بغداد، تراكُم مشاعر الغضب والإحباط لدى السكان جراء رداءة الخدمات الحكومية والآمال الخاطئة التي أحياها العبادي من خلال المرسوم الآنف الذكر. في بغداد، عادت خسائر العبادي في شكل أساسي بالمنافع على الصدر. وحلّ ائتلاف الفتح برئاسة العامري في المرتبة الثانية، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في المرتبة الثالثة، ما يؤشّر إلى صمود قواعدهما الناخبة، في حين أن الاحتجاجات المدعومة من الصدر وجّهت انتقادات لاذعة إلى الحكومة على خلفية غياب الإجراءات القضائية لمكافحة الفساد، والتلكؤ المستمر في الخدمات العامة.
بيد أن نجاح الصدر مردّه إلى آليات تعبئة القاعدة الشعبية وإدارة الائتلاف أكثر منه إلى أي زيادة كبيرة في الدعم بذاته. فعلى مستوى البلاد، تراجعت نسبة الاقتراع من 62 في المئة في العام 2014 إلى أقل من 45 في المئة في العام 2018. تُظهر نتائج بغداد الثمار التي حصدها الصدر من التحالف مع أحزاب علمانية تُعتبَر ضعيفة على صعيد البلاد ككل لكنها منظَّمة جيداً في العاصمة.
في العام 2014، بلغ مجموع المقترعين في بغداد 2821919 ناخباً، في حين أنه في العام 2018، وبعد فرز 95 في المئة من الأصوات، لا يزال مجموع المقترعين دون 1.8 مليون ناخب، أي أقل بنحو مليون صوت. لكن في حين نال ائتلاف "سائرون" برئاسة الصدر، 413638 صوتاً – بفارق كبير عن ائتلاف الفتح الذي حلّ في المرتبة الثانية مع 233298 صوتاً – لم تسجّل أصوات الصدريين زيادة كبيرة. ففي العام 2014، نالت قائمتان إسلاميتان تابعتان للصدريين، ائتلاف الأحرار وتجمع نخب، ما مجموعه 352815 صوتاً. وعلى نحو منفصل، حصلت القائمة العلمانية الأساسية، التحالف المدني الديمقراطي، على 112563 صوتاً. في الانتخابات الأخيرة، انقسم التحالف المدني الديمقراطي إلى ثلاث قوائم شاركت إحداها، الحزب الشيوعي العراقي، في الاحتجاجات التي قادها الصدريون، وترشّحت مع ائتلاف "سائرون". تُظهر النتائج الأولية أن الفصيلَين الآخرين في التحالف المدني الديمقراطي، نالا منفصلَين 61000 صوت، ما يعني أن ما تبقى من الأصوات العلمانية، وعددها 61000، صبّت في مصلحة ائتلاف "سائرون" – في حال افترضنا مستوى ثابتاً من المشاركة.
يبلغ مجموع أصوات الصدريين في العام 2014 والحصة التي حصلوا عليها، وفق التقديرات، من عدد الأصوات التي نالها التحالف المدني الديمقراطي، نحو 413000 صوت، ما يعني أن عدد الناخبين في بغداد الذين يدعمون الصدريين أو حلفاءهم العلمانيين ظلّ على حاله في الدورتَين الانتخابيتين. لكن نظراً إلى أن مجموع الأصوات في بغداد تراجع بمعدل نحو 36 في المئة، سيحصل الصدر على حصة أكبر بكثير من المقاعد التسعة التي نالها في العام 2014، من أصل 69 مقعداً مخصصاً لبغداد. وقد تكرر النمط نفسه في المحافظات ذات الأكثرية الشيعية، ولذلك يُتوقَّع أن يزيد عدد مقاعد كتلة الصدر من 34 مقعداً في برلمان 2014 إلى 55 في البرلمان الجديد.
إذاً بدلاً من أن ينطلق العبادي من موقع قوة مع أكثرية ناخبة إلى جانبه، سيجد نفسه مضطراً إلى تقديم تنازلات مهمة من أجل الفوز بولاية جديدة. في أحد السيناريوات، يمكن أن يُعاد انتخاب العبادي عبر تحالفه مع الصدر، شرط أن يكون مستعداً لتقديم التنازلات الملائمة. قبل الانتخابات، أعلن الصدر على الملأ عن تأييده لفوز العبادي بولاية ثانية، ويبدو أن الصدريين تعلّموا درساً من أخطائهم في العام 2016، عندما حاولوا استخدام الاحتجاجات الحاشدة من أجل فرض تغيير في التركيبة الحكومية، وانتهى الأمر بتكتّل الفصائل الشيعية الأخرى ضدهم. فمنذ انتهاء الانتخابات، يشدّد المتحدث باسم الصدر، صلاح العبيدي، على أنه لم تحقق أي كتلة الفوز بفارق كبير، ما يؤشّر إلى أن الصدريين يدركون أنه ليس بإمكانهم السيطرة على عملية تشكيل الحكومة. في حين طرح بعض الصدريين اسم محافظ ميسان، علي دواي لازم، لمنصب رئاسة الوزراء، قال العبيدي لشبكة "إن آر تي" في 15 أيار/مايو، إنهم يعتبرون لازم بمثابة نموذج عما يجب أن يكون عليه رئيس الوزراء – لناحية التركيز على احتياجات الشعب – ولا ينظرون إليه بالضرورة كمرشح سوف يتمسّك به ائتلاف "سائرون".
كذلك يصطف تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم إلى جانب العبادي، وفي حال الانضمام إلى الصدر، سوف يزيد عدد مقاعدهم مجتمعين عن مئة مقعد. نظراً إلى مقبولية العبادي في أوساط السنة، غالب الظن أنه سيتمكّن من جذب عدد كافٍ من الأحزاب السنية الصغيرة إلى ائتلافه للحصول على أكثرية برلمانية من 165 مقعداً. إنما على الأرجح أن الصدريين سيفرضون شرطاً أساسياً، وهو أن ينسحب العبادي من حزب الدعوة ويؤدّي دوره كرئيس وزراء غير حزبي. سبق أن عبّر الصدريون عن هذا المطلب في الماضي في إطار النداء الأوسع الذي أطلقوه من أجل تشكيل حكومة تكنوقراطية غير حزبية، وهم الآن في موقع يخوّلهم الإصرار على هذا المطلب.
في سيناريو ثانٍ، قد يتحوّل العبادي نحو العامري والمالكي لتشكيل أكثرية شيعية. لن يكون ذلك ممكناً إلا إذا حصل العبادي على عدد من المقاعد يفوق ما ناله العامري، فإذا حدث العكس، لن تكون هناك أسباب منطقية تدفعهما إلى إشراك العبادي. لقد توقّعت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقرَّبة من الشيعة وقناة "الشرقية" التلفزيونية السنية العراقي، أن يتفوق العبادي على العامري بفارق ضئيل، مع 51 مقعداً للأول مقابل 50 للثاني، وتقدُّم الصدر عليهما ببضعة مقاعد من خلال نيله 55 مقعداً. غير أنه للعبادي علاقات سيئة مع العامري والمالكي، ما قد يلقي بضغوط على أي تحالف محتمل. في حين يتراشق العبادي والمالكي بالكلام والاتهامات منذ حلول الأول مكان الثاني في منصب رئيس الوزراء في العام 2014، شهدت علاقة العبادي مع العامري تقلبات، لكنها انقطعت عندما لمّح العبادي في العلن، خلال الحملة، إلى أن أشخاصاً مقرّبين من العامري ضالعون في مقتل مسؤول أمني رفيع في نيسان/أبريل على خلفية قضية فساد. إذا ظهر أن العبادي ينظر في هذا الخيار، فقد يكون السبب فقط السعي إلى الحفاظ على ورقة ضاغطة في مواجهة الصدر.
في السيناريو الثالث، يُنشئ العامري والمالكي تحالفاً مدعوماً من إيران يُشكّل تكتلاً مع أحزاب كردية كبرى بغية إقصاء الصدر والعبادي على السواء. إنما يُتوقَّع أن يحصل العامري والمالكي معاً على 75 مقعداً فقط، أي أقل بكثير من الكتل التي يقودها الشيعة وتروّج لبرامج قومية. وحتى لو نجحا في استقطاب عمار الحكيم وكسب الدعم من الأحزاب الكردية الأساسية، سيظلّ ينقصهما نحو 40 صوتاً للحصول على أكثرية من المقاعد، ومن المستبعد أن يتمكّنا من حشد دعم كافٍ من القوائم العربية السنّية، التي لن تؤازر على الأرجح مرشحاً مدعوماً من إيران، من أجل التعويض عن الفارق.
سيولّد السيناريو الأكثر ترجيحاً، أي انتخاب العبادي لولاية جديدة بدعم من الصدر، دينامية سياسية مختلفة بالمقارنة مع ولاية العبادي الأولى، إنما لن يقود إلى مجموعة من السياسات مختلفة اختلافاً جذرياً. كما في السابق، سوف يفتقر العبادي إلى أكثرية ثابتة في البرلمان من شأنها تسهيل إقرار التشريعات. ونظراً إلى النزعة الشعبوية لحلفائه الجدد، سيصبح إقرار الموازنة والإصلاحات الاقتصادية ذات الصلة، أشدّ صعوبة.
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
كيرك سويل محلل للمخاطر السياسية وناشر الرسالة الإخبارية Inside Iraqi Politics التي تصدر كل أسبوعين. لمتابعته عبر تويتر uticarisk@
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: