Thursday, November 22, 2018

هل يقود تقارب داعش والقاعدة إلى تحالف إرهابي جديد؟


التحليلات - الاتجاهات الأمنية

انكشاف متبادل:
هل يقود تقارب داعش والقاعدة إلى تحالف إرهابي جديد؟
انكشاف متبادل:
أدى انحسار المد الداعشي وهزيمة التنظيم في معاقله الأساسية في سوريا والعراق إلى بحث كوادره عن آليات للتكيف مع الأوضاع الضاغطة عبر البحث عن بؤر بديلة للتمركز، وتأسيس تحالفات مع التنظيمات الإرهابية الأخرى. وفي هذا الصدد، رصد مدير مصلحة الأمن الفيدرالية الروسية "ألكسندر بورتنيكوف" عدة مؤشرات على وجود تقارب بين "داعش" وتنظيم "القاعدة"، وذلك في ظل التشابه في أهداف التنظيمين، ورغبة "داعش" في استعادة مكانته. في المقابل، يواجه هذا التحالف عدة تحديات، يتمثل أهمها في: الانكشاف المتبادل، والجمود الداعشي، والتنافس القيادي.
مؤشرات التقارب:
أعلن مدير مصلحة الأمن الفيدرالية الروسية "ألكسندر بورتنيكوف"، في نوفمبر 2018، في افتتاح أعمال المؤتمر السابع عشر لقادة الأجهزة الأمنية في موسكو، أن هناك بوادر لبدء تقارب بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، مشيرًا إلى أن هناك حالات كثيرة لانضمام عناصر من كل منهما للآخر، وأن هزيمة الإرهابيين على ساحات القتال دفعتهم إلى البحث عن إمكانيات جديدة لمواصلة نشاطاتهم الدموية، بما في ذلك توسيع رقعة وجودهم في دول "آمنة" سابقًا، إضافة إلى رصد حوادث تنقل مسلحين إلى أوطانهم في دول أوروبا وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وكذلك إلى أفغانستان، مما يزيد من خطورة اختراقهم منطقة آسيا الوسطى.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُشير فيها أحد المسئولين إلى وجود احتمالات لهذا التحالف، حيث سبق وأعلن "إياد علاوي" (نائب الرئيس العراقي) في أبريل 2017: "أن تنظيم الدولة الإسلامية بدأ محادثات مع تنظيم القاعدة بشأن تحالف محتمل... المناقشات بين التنظيمين بدأت، حيث يدور حوار بين ممثلين لأبو بكر البغدادي زعيم الدولة الإسلامية وممثلين لأيمن الظواهري زعيم القاعدة".
كما أوضح تقرير جديد للأمم المتحدة رُفع إلى مجلس الأمن الدولي في فبراير 2018 "أن تنظيم القاعدة لا يزال صامدًا بشكل ملفت، ويُشكل خطرًا أكبر من تنظيم داعش في بعض المناطق، مثل الصومال واليمن، والدليل على ذلك الهجمات المتواصلة والعمليات التي يتم إفشالها باستمرار"، بيد أنه حذر -في الوقت نفسه- من إمكانية حدوث تعاون بين مجموعات مرتبطة بداعش وأخرى مرتبطة بالقاعدة، مما يمكن أن يشكل تهديدًا جديدًا.
محفّزات التحالف: 
يوجد عدد من العوامل التي قد تحفز "داعش" و"القاعدة" على التحالف، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
1- استعادة المكانة: تُعد التحالفات داعمة لعناصر القوة، ووسيلة لتوزيع عبء المخاطر، وبالتالي فهي أداة للحفاظ على الذات، فعلى سبيل المثال فَقَدَ "داعش" معظم مناطق سيطرته، وضعفت موارده المالية والبشرية، علاوة على مقتل كثير من قادته، فضلًا عن وحشية أساليبه ونفور المجتمعات المحلية منه. وعلى العكس من ذلك أصبح تنظيم "القاعدة" أكثر تنظيمًا ومرونة، مروّجًا لنفسه بأنه تنظيم معتدل وغير متوحش، فاستعاد كثيرًا من قوته التنظيمية والرمزية، وتوسعت حواضنه الاجتماعية، وبات قادرًا على استقطاب مئات الدواعش الذين عادوا من العراق وسوريا.
2- البؤر البديلة: تتحالف الجماعات مع بعضها للحصول على المساعدة فيما يتعلق بالإيواء أو التسليح أو التدريب أو غير ذلك، وهذا العامل مرجِّح لإمكانية التحالف بين الطرفين، لا سيما تنظيم "داعش" الذي يسعى لإيجاد بؤر جديدة، فالتحالف على المستوى الميداني يوسع دوائر نشاط التنظيمين. وبربط البؤر المتوفرة عند كل تنظيم ببعضها يتم تشكيل ما يشبه شبكة من النقاط المتقاربة تتيح إمكانيات أكبر للتحرك والمناورة، وبذلك يستفيد كل منهما من الخلايا النشطة والكامنة.
3- تشابه الأهداف: قد يكون التشابه الأيديولوجي في بعض النواحي فضلًا عن الأعداء المشتركين محفزًا لقيام التحالفات بين الجماعات الإرهابية في بعض الأحيان. وفي هذا الإطار، توجد بعض التشابهات الأيديولوجية بين "داعش" و"القاعدة"، حيث يرى كلٌّ منهما أنه يدافع عن المسلمين ضد الغرب الصليبي الكافر على حد تعبيرهما، وأن الدول الغربية معادية للشريعة، كما يتبنى التنظيمان نفس الاستراتيجية بغرض إعلان الخلافة، وإن كان "داعش" يحاول القفز على بعض المراحل والوصول إلى إعلان الخلافة مباشرة، فيما تُشير أدبيات "القاعدة" إلى أن هذه المرحلة هي إقامة حكم إسلامي على مساحات واسعة من العالم الإسلامي. ومن ثمّ فإن الهدف النهائي لتنظيمي "داعش" و"القاعدة" واحد، وإن اختلفت المراحل.
كما يُشير البعض إلى أن تنظيم "القاعدة" لديه استعداد لقبول هذه الاختلافات الأيديولوجية، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه من إعلان المنظّر المتشدد "أبي محمد المقدسي" في رسالة له في مارس 2016 تحفّظه على قتال "داعش" من قبل التحالف الدولي، ورفضه ترحيب بعض الفصائل لهذا الأمر، كما نفى وصفه لهم بأنهم خوارج جائز قتالهم، وأكد إمكانية إصلاحهم عبر غير المغالين في قواعدهم الرافضين لغلو قادتهم، وأنهم جماعة مسلمة ذات شوكة لا يجوز الاستعانة بغير المسلمين لقتالهم. وهو ما اعتُبر اختراقًا نظريًّا ناعمًا للتنظيم الفقير مرجعيًّا ونظريًّا.
4- العلاقات الشخصية: تُعد الثقة أحد شروط التحالف بين التنظيمات الإرهابية، حيث تساعد على التخفيف من حالة عدم اليقين، وتساعد على التنسيق بين أعضاء التنظيمات، ويمكن بناء الثقة من خلال التفاعل والتعاون بين التنظيمات، والعلاقات الشخصية بين الأعضاء، فيما تؤدي الصراعات الشخصية وسوء الفهم إلى تراجع الثقة.
وفي هذا الإطار، يشير البعض إلى أن العديد من أفراد "القاعدة" و"داعش" يرتبطون بعلاقات شخصية بسبب القتال المشترك في أفغانستان وغيرها من الجبهات، كما أن "داعش" يُصور نفسه على أنه التجسيد المخلص لرؤى "بن لادن"، ويؤكد أن "القاعدة" في ظل "الظواهري" انحرف عن مهمته التاريخية. 
من جانبه، أكد "الظواهري" إمكانية المصالحة، ففي بيانه في سبتمبر 2015 أكد: "أنه إذا كان هناك قتال بين الصليبيين والصفويين والعلمانيين، مع أي مجموعة من المسلمين والمجاهدين، بما في ذلك جماعة أبو بكر البغدادي والذين معه، فإن خيارنا الوحيد هو الوقوف مع المجاهدين المسلمين، حتى لو كانوا ظالمين لنا".
عوائق مانعة:
من ناحية أخرى، توجد مجموعة من المعوقات التي تقف أمام إتمام هذا التحالف، والتي يمكن عرضها فيما يلي: 
1- تقدم "القاعدة": قد لا يميل تنظيم "القاعدة" للتفاوض مع "داعش" في الوقت الحالي، لأنه في وضع ميداني أفضل، حيث تُشير بعض التقديرات إلى أن عدد فروع تنظيم "القاعدة" قد وصل إلى نحو 24 فرعًا مبايعًا للظواهري. فعلى سبيل المثال، أشار تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أغسطس 2018 إلى أن عدد عناصر "داعش" في اليمن يتراوح ما بين 250 إلى 500 عنصر، في مقابل 6 إلى 7 آلاف عنصر في تنظيم "القاعدة". وعلى عكس التفكك الذي أصاب تنظيم الدولة بشمال إفريقيا، جمع الزعيم الطارقي "إياد غالي"، في وحدة اندماجية، كلًّا من: "جماعة أنصار الدين"، و"جبهة تحرير ماسينا"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى"، و"تنظيم المرابطين"، في تنظيم جديد باسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" وقدم البيعة للظواهري.
2- انكشاف الخلايا النائمة: سوف يؤدي التحالف بين التنظيمين إلى الانكشاف المتبادل للخلايا النائمة، وهو ما يزيد من سهولة تعقبها والقضاء عليها، إذ يرجح أن يؤدي الاندماج إلى التواصل بين الخلايا التابعة للتنظيمين في الدول المختلفة، وهو ما يزيد من احتمالية أن يتم رصد وتعقب هذه الاتصالات والكشف عن الخرائط الكاملة لخلايا التنظيمين من جانب المؤسسات الأمنية.
3- صعود التيار الحازمي: على الرغم من أن موقف "القاعدة" المعلن رفض التعاون أو التنسيق في أي حرب ضد "داعش"، يُضاف إلى هذا أن "جبهة النصرة" لم تبادر بقتال "داعش"، بل دعته للتحكيم في البداية وهو ما رفضه الأخير؛ إلا أن الصراع بين التنظيمين اتخذ شكلًا هوياتيًّا متطرفًا حول تمثيل السلفية الجهادية، فـ"داعش" في نظر "القاعدة" خوارج، أما "جبهة النصرة" فتنتمي إلى تنظيم عميل في نظر "داعش". من جانب آخر، تزداد احتمالات سيطرة الاتجاه الحازمي على تنظيم الدولة بعد غياب "البغدادي"، وهو التيار الذي يُنسب إلى "أحمد بن عمر الحازمي" منظّر الجناح التكفيري الكلي، حيث يذهبون إلى القول بـ"عدم العذر بالجهل، وتكفير المعين والعامي، وتكفير من لم يكفره"، بالإضافة إلى تكفير عدد من أعضاء تنظيم "القاعدة" وعلى رأسهم "الظواهري"، وهو ما يقضي على أي أرضية مشتركة بين التنظيمين.
4- التنافس القيادي: تقوم القيادة في "داعش" على نمط الشخصية الكاريزمية، وهو ما يقلل من احتمالات تخليهم عن لقب الخليفة للظواهري، كما أن هناك حالة من الصراع بين التنظيمين على قيادة الحركة الجهادية الدولية، وهو ما أدى إلى حدوث قتال بينهما في عددٍ من الدول. لذا، من المرجّح أن ترى فصائل "القاعدة" أعضاء "داعش" (خاصة أولئك الذين كانوا أعضاء سابقين في "القاعدة") على أنهم خونة أخلّوا ببيعة الولاء لقيادة "القاعدة"، وبالتالي لا يمكن الوثوق بهم ويستحقون العقاب.
5- الجمود الداعشي: على النقيض من "القاعدة"، لا يتمتع "داعش" بالمرونة الكافية، وقد يرى البعض أن انضمام بعض مقاتليه لقوات "الحشد الشعبي" الشيعية دليل على القدرة على التكيف، إلا أن هذا يرجع إلى الرغبة في الحفاظ على حياتهم، والتخلص من تاريخهم، والحصول على رواتب بديلة، ورغبة الحشد الشعبي في العمل على اختراق المناطق ذات الأغلبية السنية. وبالتالي، فإن الجمود التنظيمي والأيديولوجي لتنظيم الدولة ربما يؤدي إلى تعثر التحالف.
تداعيات محتملة:
قد يؤدي التحالف بين "داعش" و"القاعدة"، في حال حدوثه، إلى العديد من التداعيات الخطرة بالنظر إلى ما سوف يمتلكه التنظيم الجديد من قدرات. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى هذه التداعيات فيما يلي:
1- تصاعد العمليات الإرهابية: قد ينشأ تنظيم جديد بقدرات مضاعفة، أو قد تتم تقوية تنظيم "القاعدة" بشكل كبير إذا تم دمج عناصر "داعش" بداخله، لا سيما وأنه سوف يمتلك دعمًا بشريًّا وماديًّا ولوجستيًّا مضاعفًا، وسوف تتصاعد العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة بعد أن تم التخلص من عبء التنافس مع تنظيم آخر على الموارد البشرية والمادية، ناهيك عن صراع تمثيل السلفية الجهادية.
2- مراجعة الأدبيات الجهادية: من المحتمل أن تحدث بعض المراجعات الجزئية للأدبيات الجهادية، لا سيما المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، لتُلائم المرونة التنظيمية والتوجه الجديد للتنظيم في فروعه المنتشرة.
3- انشقاقات تنظيمية: قد تحدث خلافات على زعامة فروع التنظيم الجديد بين قادة "القاعدة" و"داعش"، والفشل في إدارة هذه الصراعات قد يؤثر على تماسك التحالف، وتحدث العديد من الانشقاقات التنظيمية، بالإضافة إلى أن التيار الحازمي الأكثر تطرفًا داخل تنظيم "داعش" قد يرفض الانضمام لهذا التحالف في حال حدوثه.
ختاماً على الرغم من الخلافات بين التنظيمين ووجود العديد من نقاط الاختلاف بينهما، إلا أن السياقات الضاغطة وحالة الانكشاف المتبادل قد تؤدي إلى دفعهما للتقارب على المستوي العملياتي من أجل تأمين الموارد اللازمة، وهو ما قد يتطور ليصبح تحالف إرهابي جديد. 
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: