"هآرتس"، 15/1/2019
عاموس هرئيل - محلل عسكري
- ولايات رؤساء هيئة الأركان تتحرك دائماً بين بناء القوة واستخدامها، وبين ما خُطط له مسبقاً لمواجهة الظروف المتطورة غير المتوقعة. عندما تولى أيزنكوت منصبه في شباط/فبراير 2015، بدا أنه حظي بفرصة جيدة. ففي ذلك الصيف جرى توقيع الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران، والحرب الأهلية الدموية في سورية أنهكت فلول جيش الأسد.
- هذه المهلة الزمنية سمحت له في بداية سنة 2016 إطلاق خطة جدعون المتعددة السنوات، بعد خمس سنوات من صوغ وحفظ خطط أخرى. لكن على الرغم من أنه خلال ولاية أيزنكوت لم تحدث حرب أو عملية عسكرية واسعة، فإنه استُخدمت فيها قوة كبيرة. المعركة بين الحروب، هذه السلسلة الواسعة من الهجمات ما وراء الحدود، توسعت من مجموعة قصف جوي ليلي إلى عقيدة عسكرية كاملة.
- بقي لخطة جدعون المتعددة السنوات قرابة عامين، لكنها، عملياً، تقترب من نهاية طريقها. بواسطتها فرض أيزنكوت تغييرات كثيرة في بنية الجيش وسلم أولوياته. ليس كل ما خطط له مسبقاً تمكن من إنجازه. لكن مبادىء عقيدة جدعون بدأت تتفكك على خلفية التغييرات الإقليمية: خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الوجود الروسي في سورية (بالإضافة إلى الانسحاب الأميركي)، انتصار نظام الأسد في الحرب الأهلية وبداية عمليات إعادة بناء جيشه.
- في هذه الأثناء يرسم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رؤية "الجيش الإسرائيلي في 2030". يختلف الجيش الذي يتصوره نتنياهو عن ذلك الذي خطط له أيزنكوت، الذي دفع القوات البرية إلى مرتبة متدنية في سلم الأولويات. نتنياهو أيضاً مستعد لأن يوظف في السنوات القادمة كثيراً جداً من المال في الجيش، الاقتراح الذي رفضه أيزنكوت بتهذيب لكن بعناد طوال السنة الأخيرة.
- المطلوب من كوخافي حالياً أن يقوم بتعديلات سريعة للغاية. في جميع المناصب التي تولاها اعتُبر رئيس هيئة الأركان الجديد ثورياً، قائداً خبيراً في تفكيك التشكيلات التي يترأسها وإعادة تركيبها. إن حجم التحدي ومعه المشكلات التي يجب عليه حلها هذه المرة كبيرة جداً. وهذه هي القضايا المركزية التي سيواجهها في الفترة القريبة:
- الوضع الإقليمي. تميزت السنوات الأخيرة بحدوث تغيرات متلاحقة ومفاجئة في الشرق الأوسط. حالياً الساحة المحيطة بإسرائيل أيضاً غير مستقرة. وبخلاف الانطباع الذي من المحتمل أن يتكوّن من جرّاء مقابلات أيزنكوت الوداعية، لم تُحسم أي معركة. حتى الآن، إسرائيل كبحت جهود التمركز الإيراني في سورية، لكن هذا لا يعني أن الحرس الثوري استسلم وتخلى عن الصراع. احتمال أن يعود حزب الله إلى إقامة مصانع للسلاح في لبنان ما يزال مفتوحاً. عمليات التسوية في قطاع غزة أثمرت فقط ثماراً موقتة. وثمة شك في أن تكون شحنات الغذاء والوقود الممول قطرياً كافية لضمان الهدوء في مواجهة "حماس" فترة طويلة. أيضاً عهد محمود عباس في السلطة سينتهي على ما يبدو خلال فترة ولاية رئيس هيئة الأركان الجديد.
كوخافي كان قريباً من اعتبارات أيزنكوت لاستخدام القوة، ومن المعقول أن يحرص في هذا المجال على التمسك بسياسة سلفه: عمليات عسكرية فوق الرادار وتحته ، لكن من دون جر الدولة إلى حروب لا لزوم لها.
- الحساسية السياسية. جمع نتنياهو رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، يجعل رئيس هيئة الأركان تابعاً لشخص واحد فقط [رئيس الحكومة] المشغول كلياً بصراع بقاء سياسي وقضائي. الفرص والصور المتلاحقة مع ضباط وجنود تُستغَل منذ الآن في حملة نتنياهو الانتخابية. من المحتمل أيضاً أن تصريحات نتنياهو الأخيرة التي أنهت الغموض بشأن الهجمات في سورية لها علاقة بذلك. سيكون على كوخافي المحافظة على عدم غرق الجيش في المستنقع السياسي. مع انتخابات في نيسان/أبريل، ومفاوضات ائتلافية حتى حزيران/يونيو، ومواجهة مستمرة مع المستشار القانوني للحكومة، ليس واضحاً إذا كان رئيس الحكومة مستعداً للإصغاء إلى خطط رئيس هيئة الأركان الجديد الثورية، الذي لا يقدر على السماح لنفسه بالانتظار مدة طويلة.
- ورطة سلاح البر. رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته كان من المؤمنين بشدة بضرورة المناورة البرية في حسم حرب مستقبلية. عملياً، وعلى الرغم من قيام أيزنكوت بعمليات مهمة، بقي هناك فجوات كثيرة في قدرة القوات البرية، بين القوات النظامية وأفراد الاحتياط وبين فرق الاحتياط المتعددة. سيفهمون في الجيش بسرعة ما إذا كان كوخافي ينوي القيام جدياً بجهد لتحسين القوات البرية وجهاز الاحتياط، أو أن الحديث عنه مجرد كلام لفظي موجّه إلى الخارج. تطرق رئيس هيئة الأركان إلى هذا الموضوع اليوم ووعد: "أعد بتكريس كل طاقتي لتعزيز الجدار الواقي، وملاءمته مع تحديات الحاضر والمستقبل، بهدف زيادة القدرة على إلحاق الضرر بالعدو، وقيام جيش فتاك، كفء، وحديث".
في الخلاصة، وعلى الرغم من تحسن وضع المخازن وقطع الغيار، وتحديث الخطط العملانية في قطاعات متعددة وإحراز تقدم معين في مجال التدريبات، ما زالت هناك علامات استفهام كثيرة بشأن قدرة الجيش عند الحاجة على تحقيق انتصار حاسم على حزب الله. هذه المسألة مرتبطة بمسألة التعيينات الرفيعة المستوى. أهم تعيين سيُطلب من كوخافي في المرحلة الأولى سيكون قرار تعيين قائد لذراع البر.
- أزمة القوة البشرية. يواصل الجيش إنكاره خطورة المشكلة التي تبدأ من جيل المجندين الذين انخفضت حوافزهم للخدمة القتالية بصورة كبيرة، مروراً بعناصر الجيش النظامي الذين يقل عددهم في التسجيل في الخدمة المستمرة، وصولاً إلى الهرب الصامت للمقاتلين الاحتياطيين من الخدمة في الوحدات الرمادية. ما زال الجيش يعاني جرّاء موجة التسريحات الواسعة التي قام بها في صفوفه (نحو 5000 من أفراد الجيش النظامي) ولم يتوقف كي يحلل دلالاتها حتى النهاية. هناك قضايا تدحرجت في العقد الأخير من ولاية رئيس هيئة الأركان إلى الذي خلفه- المحافظة على نموذج جيش الشعب، تغييرات في مساقات الخدمة، حجم انضمام النساء إلى قوة المقاتلين، وكل ذلك سيقوم كوخافي بحسمه في السنوات القادمة. ثمة شك فيما إذا كان من الممكن تأجيلها.
- رؤساء هيئة الأركان السابقون أنجروا رغماً عنهم إلى نقاشات أخلاقية- تأثير الحاخامين، قضية الجندي أزرايا - التي قسمت المجتمع الإسرائيلي. هناك أزمة حقيقية تتطلب معالجة من قبل كوخافي وقرارات مهمة يجب عليه أن يتخذها؛ وكلما قلل من انجراره إلى داخل الحروب الثقافية والنفوذ التي تدور على حساب الجيش كلما كان هذا أفضل.
- من المفهوم أن ليس كل شيء يتعلق به. والمطلوب من رئيس هيئة الأركان الجديد أكثر ممن سبقوه المناورة في بيئة تجمع بين تغطية إعلامية طفولية (قطع البث الحي في أحد الاستديوهات اليوم من أجل عرض قالب حلوى فيه صورة رئيس هيئة الأركان)، وساحة سياسية انتقامية، ووسائل تواصل اجتماعي هستيرية.
- ليس هناك أي سبب للافتراض بأن الوضع سيكون مختلفاً. يجب ألاّ ننسى أن كوخافي لم يكن الاختيار الأول لنتنياهو، وأن تعيينه فرضه وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان. من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت بلاغة رئيس هيئة الأركان الجديد كما ظهرت في خطابه اليوم، والتي تنافس تقريباً بلاغة نتنياهو، ستظل تحظى طويلاً بتأييد الجالسين في المقاعد الخلفية لحزب السلطة.
0 comments: