بيرغمان يكشف رواية تل أبيب للمفاعل السوري.. أين رواية دمشق؟
صدرت قبل أيام في باريس النسخة الفرنسية من كتاب قُم وأقتل أولا) وفيه يكشف د. رونين بيرغمان ) “Rise and kill first”وهو كاتب في "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية و"نيويورك تايم ماغازين" الأميركية، معلومات كثيرة حول مئات الاغتيالات او محاولات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل عبر تاريخها، كما يكشف عن كيفية وتخطيط وتنفيذ عملية تدمير المصنع النووي في دير الزور السورية ويؤكد ان الرئيس بشار الأسد كان ينوي الوصول الى القنبلة الذريّة لإحداث توازن مع عدوه الأول. هذه المعلومات الموثّقة تطرح في الواقع ثلاثة أسئلة: أولها، هل فعلا كان الأسد يريد تصنيع قنبلة ذريّة، وثانيها، لماذا لا تكشف سورية عن مخزون معلوماتها لتنقض كثيرا من الروايات الإسرائيلية، وثالثها، هل أن الحرب الكونية على سوريا وفيها وحولها، وقعت بعد أن تأكد الإسرائيليون بأن الأسد انخرط فعلا في محور المقاومة وأنه لن يتردد في الحرب كما نفهم في الكتاب؟
يقول المؤلف رونين بيرغمان ان الرئيس السوري بشار الأسد “قرّر أن يربط مصيره ومن دون أي تحفظ بالمتدينين (الايرانيين والفلسطينيين وحزب الله) والجهاديين، ووضع كل امكانياته بتصرفهم، ومنذ مطلع العام ٢٠٠٢، قدّم مخازن أسلحته لحزب الله وذلك عبر إعطاء هذه المنظمة الإرهابية أسلحة سوفياتية حديثة لم تكن موجودة في ايران نفسها، وكذلك صواريخ أرض – ارض بعيدة المدى، وفتح أبواب قصره لحسن نصرالله الذي كان يعتبره مثالا. وهكذا وجدت الدولة العبرية نفسها محاطة وللمرة الاولى بجبهة واحدة تضم، حزب الله في لبنان، والجهاد الإسلامي الفلسطيني في الداخل، وسوريا في الشمال، وجميع هؤلاء كانوا ممولين من ايران ومجهّزين بأسلحة إيرانية”.
إبراهيم عثمان والقنبلة السورية
تبدو قصة المهندس السوري إبراهيم عثمان في كتاب بيرغمان كأنها خارجة لتوّها من فيلم سينمائي حيكت تفاصيله بدقة متناهية. لكن الكاتب يؤكد بالوثائق والمقابلات أنها حصلت فعلا.
عثمان هو مدير اللجنة السورية للطاقة الذرّية. يقول الكاتب أن القصة حصلت في فيينا، فقد كان “إبراهيم عثمان يجالس فتاة جميلة في الفندق، وهو متوسط العمر أجلح الشعر، حاجباه ينزلان فوق عينيه، كان يتحدث مع الفتاة بالفرنسية ويحدثها عن كلابه في بيته الدمشقي” وهو لم يعرف طبعا أن الجميلة الجالسة أمامه هي عميلة “موساد” زُرعت هناك لإغرائه حتى يفتش رجال “الموساد” حقيبته المقفلة في شقة الفندق.
لم يكن الإسرائيليون يعلمون تماما ماذا يحمل عثمان من أسرار لكنهم وفق رواية الكاتب:”كانوا يعرفون تماما أنه سيصل الى فيينا في شهر كانون الثاني/يناير ٢٠٠٧”، وحين كان يتمتع المسؤول السوري بالحديث مع الفتاة في بار الفندق، فوجئ عملاء “الموساد” بأن حقيبته الثقيلة في الغرفة مقفلة بإحكام، ولم يكن أمامهم سوى ٤ دقائق قبل عودته اليها حيث بدأوا بمحاولة فتحها وهو يدفع الحساب.
فعلا فتح عملاء “الموساد” الحقيبة ونجحوا بتصوير كل ما في داخلها بأقل من دقيقتين، وكانت المفاجأة بعد أسبوعين من فحص الصور. تبيّن أن سوريا “تسعى لتصنيع قنبلة، وحققت تقدما كبيرا في هذا المجال، ونجحت في إبقاء الأمر سرا، الأمر الذي يتطلب عملا جبّاراً لمنع ذلك”.
“ابراهيم عثمان كان يخبئ في حقيبته وثائق تتعلق بالمصنع الذرّي الذي تمّ إنشاؤه سرّا في منطقة دير الزور في الشمال السوري على بُعد كيلومترات قليلة من نهر الفرات، وهو مصنع اشترته سوريا من كوريا الشمالية بتمويل إيراني منذ العام ٢٠٠١”، وكان الجنرال السوري محمد سليمان هو المشرف عليه.
هنا الرواية مشكوك بأمرها، فهل يُعقل ان سوريا المعروفة بشدة سريتها كما يعترف الكاتب نفسه، ستضع في حقيبة موظف حكومي صورا عن أخطر مفاعل؟ ربما يكون الأمر مثيرا للعجب او الضحك.
بيرغمان: فتح عملاء “الموساد” الحقيبة ونجحوا بتصوير كل ما في داخلها بأقل من دقيقتين، وكانت المفاجأة بعد أسبوعين من فحص الصور. تبيّن أن سوريا “تسعى لتصنيع قنبلة، وحققت تقدما كبيرا في هذا المجال، ونجحت في إبقاء الأمر سرا، الأمر الذي يتطلب عملا جبّاراً لمنع ذلك”!
يتابع الكاتب:”حين وضع الموساد اليد على هذه الوثائق، في كانون الثاني/يناير ٢٠٠٧، كان مديره مئير داغان سيصبح المستشار الأول في مجال الدفاع والاستراتيجيا لرئيس الوزراء ايهود أولمرت حين قرّر هذا الأخير شن حرب على حزب الله في تموز/يوليو ٢٠٠٦، لكن داغان كان معارضا لتلك الحرب، وقال لرئيس الأركان دان حالوتس: أنا اعرف لبنان، واعرف حزب الله، وبدون قوات على الأرض وبشكل كبير، لن تنجحوا”.
المهم أن الإسرائيليين أطلعوا نظراءهم الأميركيين على المعلومات، لكن جورج بوش الإبن لم يكن متحمسا للقيام بضرب المفاعل ذلك أنه لم يكن يعتبر أن ثمة خطرا محدق بإسرائيل، لكن المسؤولين الإسرائيليين قدموا معلومات تفيد بأن القنبلة قد تخرج الى النور خلال ٦ أشهر، ما يعني أن قصف المفاعل لاحقا سيؤدي الى انتشار كارثة بيئية وصحية. لكن مايكل هايدن المسؤول الاول للاستخبارات الاميركية آنذاك قال:”بشار الأسد، وبعد انسحابه من لبنان (٢٠٠٥) لا يستطيع القبول بتحدٍ جديد، وبسبب ضعفه، قد يُضطر لنشر قواته وإعلان الحرب انتقاما”. أما مسؤول “الموساد” داغان، فشرح أن الأسد لن يرد خصوصا إذا أبقت إسرائيل العملية سرية، وذلك لان الرئيس السوري لا يريد كشف ما يفعل على هذا المستوى وثانيا لكي لا يكتشف العالم انه تعرّض لهكذا ضربة.
بعد هذا النقاش اتُخذ القرار بضرب المفاعل السوري في اجتماع سرّي جدا عقده المسؤولون الاميركيون والإسرائيليون في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، وكان نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الأكثر حماسة للضربة (تماما كما كان شأنه سابقا في العراق)، وكان يريد ان تقوم أميركا بهذا العمل لبعث رسالتين ليس فقط لسوريا وانما ايضا لكوريا الشمالية وايران. لكن بوش عارض ذلك.
بعد ذلك، يشرح بريغمان كيف ان ٧ مقاتلات إسرائيلية ناورت فوق البحر، وحلقت على نحو منخفض فوق المتوسط وفي الأجواء التركية وأطلقت ٢٢ صاروخا عن بعد ٤٠ كيلومترا ودمرت المنشآت الثلاث للمفاعل النووي. فوجئ السوريون بذلك وأطلقوا صواريخ مضادة بعد ان كانت الطائرات قد غادرت. والتقطت أقمار التجسس الاميركية والإسرائيلية صورا لعملية التدمير الكاملة.
أولمرت ـ الأسد: اين الحقيقة؟
المعلومة اللافتة للإنتباه في رواية بريغمان تقول ان ايهود أولمرت “بعث برسالة سرية الى الأسد عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، تقول انه إذا تصرّف بضبط النفس، فان إسرائيل لن تكشف عن العملية، وان هذا سيجنّب سوريا الاحراج لجهة عدم احترامها لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وانه لن يكون في مصلحة دمشق ان يعرف العالم ان كل جهودها لسنوات في بناء هذا المفاعل قد تحوّلت الى رماد دون ان تستطيع الانتقام، وبالتالي فان الصمت سيكون في مصلحة الجميع”.
لم يذكر الكاتب ماذا كان ردّ الأسد على هذه الرسالة، واكتفى بالقول في ختام الرواية:”الرابح الاول من هذ العملية التي أسميّت بـ”خارج الصندوق”، هو لا شك مئير داغان رئيس الموساد وهو ما جعل أولمرت يصادق على أكبر تمويل للموساد”.
خلاصة:
أمام هذه المعلومات، أليس من واجب دمشق الكشف عن روايتها لما حصل؟
فما نشره مثلا فاروق الشرع وبثينة شعبان من وثائق عن المفاوضات السرية الأميركية – السورية، خدم كثيرا سوريا في تصحيح الروايات الاميركية والإسرائيلية عن تلك المفاوضات.
ربما يحتاج الأمر الى إعادة نظر عميقة في تقديم الرواية السورية بالكتب والوثائق والاعلام، ونحن في أوج عصر التواصل الاجتماعي، وانتهاء عصر السرّية. لا بد من فتح الأرشيف السوري، طالما ان جزءا كبيرا من الحرب اليوم هي إعلامية.
0 comments: