Saturday, April 2, 2022

ساعة طوارئ: يجب منع "عاصفة ممتازة" للإرهاب

 موقع "N12"، 30/3/2022

ساعة طوارئ: يجب منع "عاصفة ممتازة" للإرهاب




عاموس يادلين - باحث، عسكري ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق - وأودي أفنطال - عسكري وباحث في معهد هرتسيليا لدراسات السياسات والاستراتيجيا
  • موجة العمليات القاتلة التي اجتاحت المدن الإسرائيلية في الشهر الماضي، التي بدأت من الجنوب، مروراً بالقدس، وصولاً إلى غوش دان، جاءت في وقت لم تكن إسرائيل جاهزة، وبعد فترة من الهدوء النسبي. الحديث يدور عن التقاء عدة جبهات وعدة مناسبات حساسة، من شأنها تحويل هذه الموجة إلى "عاصفة ممتازة" للإرهاب. هذه ساعة طوارئ، والمهمة الملقاة على الحكومة الإسرائيلية معقدة جداً، فيها تحديات كثيرة على المستوى العملياتي، والسياسي الداخلي والخارجي.

لا توجد "ضربة وانتهينا"

  • من المهم التشديد منذ البداية - على أن موجة العمليات هذه لا يوجد رد فوري عليها على نمط "ضربة وانتهينا". في مواجهة مشكلة مركّبة كهذه، المطلوب حل مركّب يمزج ما بين التفكير السياسي والعسكري، وخطوات دفاعية، وأُخرى هجومية، وعمليات جسدية، وأُخرى نظامية، وتغييرات في القوانين، وصراع على السردية.
  • محاربة العمليات الانتحارية في الانتفاضة الثانية استمرت أعواماً، وشملت عملية "السور الواقي" لتفكيك البنى التحتية للإرهاب، وبناء الجدار الفاصل بتكلفة مليارات، وعزل ياسر عرفات سياسياً، بالإضافة إلى العديد من الخطوات الأُخرى. عملية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، على سبيل المثال، فتحت الباب على عملية استمرت 20 عاماً، وفي نهايتها لم يتم إنهاء ظاهرة الإرهاب العالمي أيضاً. الحديث يدور عن عمليتين طويلتين ومكلفتين تدللان على الأبعاد الكثيرة والمركّبة لمعالجة تهديد الإرهاب.
  • يتوجب على إسرائيل في المستوى الآني تقوية خطوطها الدفاعية، في الأساس عبر نشر قوات إضافية من الشرطة والجيش، وإغلاق جدار الفصل، وبكلمات أُخرى، الفتحات الموجودة فيه. من المهم وقف الموجة الحالية، ومنع وإحباط عملية إضافية لوقف الحالة التي بدأت والتوتر الموجود أصلاً.
  • أمّا على الصعيد السياسي، فمن المهم دراسة كيفية فصل الجبهات، الواحدة عن الأُخرى، بهدف معالجة كل منها على حدة: إرهاب مصدره عرب إسرائيل المقربين من داعش؛ "إرهاب" من مناطق السلطة الفلسطينية؛ "إرهاب" من غزة وتحريض من تركيا حتى قطر. أمّا في المدى البعيد، فهناك حاجة إلى خطوات ممأسسة، تُضاف إلى الخطوات التي تم اتخاذها فعلاً، لمعالجة جذر المشكلة الذي يسمح بخلق الأرض الخصبة للمنظمات الإرهابية.
  • موجة عمليات الشهر الماضي تعكس حجم تركيب المشكلة: منفّذو عمليات الطعن في القدس هم من حَمَلة الهويات الزرقاء في شرقي القدس؛ منفّذو العمليات في بئر السبع والخضيرة مقرّبون من داعش، خرجوا من التجمعات البدوية، ومن قلب المجتمع العربي الإسرائيلي في أم الفحم؛ أمّا منفّذ العملية في بني براك، فهو فلسطيني من قرية يعبد القريبة من جنين، "عاصمة الفدائيين" في الانتفاضة الثانية.
  • هؤلاء المنفّذون تأثروا بأيديولوجيات متطرفة خرجت من مدرسة الدولة الإسلامية، الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في إسرائيل؛ والجهاد الإسلامي و"حماس" يريدان إشعال "المناطق" والقدس من دون توريط غزة في المواجهة. هذا بالإضافة إلى أن "حماس" وحزب الله لم يترددا في التهليل للمنفّذين، على الرغم من انتمائهم إلى داعش - العدو اللدود بالنسبة إليهما، والذي نفّذ عمليات كبيرة في مناطق الشيعة في بيروت، وأعلن الحرب على "حماس" في غزة.

 

المواجهة في وقت حساس

  • بدأت موجة العمليات في وقت استثنائي وحساس. إذ يلتقي في هذا العام شهر رمضان، وعيد الفصح اليهودي وعيد الفصح لدى المسيحيين، وبعدها يوم "الاستقلال" الإسرائيلي الذي، كالعادة، يُحتفل فيه في وقت يحيي الفلسطينيون يوم النكبة. وبعد عامين مُنع خلالهما الفلسطينيون من الدخول إلى المسجد الأقصى بسبب الكورونا، من المتوقع أن يكون هناك ضغوط كثيرة على جميع أماكن العبادة في القدس، في ذات الفترة الحساسة. بالنسبة إلى قوات الأمن، كان هناك توقعات بازدياد العمليات، لكنهم وفي امتحان الواقع لم يكونوا مستعدين كما يجب.
  • الأحداث المتطرفة التي حدثت خلال العام الأخير، والأزمة في العلاقات العربية - اليهودية، تلقي بظلالها على الوضع الحالي، وتشير إلى الأزمة العميقة- التي على حكومة إسرائيل تخطّيها. فالتوتر البنيوي بين مركّبات الحكومة من جهة، وجهود اليمين المتطرف لرفع مستوى التوتر من جهة أُخرى، يثقل على قدرة الحكومة في التعامل مع التحديات الجدية المطروحة أمامنا.
  • وحتى على المستوى العملياتي، فإن العمليات الأخيرة استثنائية، وتشكل مرحلة جديدة مقابل "انتفاضة السكاكين" في سنة 2015، عندما نُفِّذت عمليات طعن فردية بالسكاكين والأسلحة البيضاء، بالإضافة إلى استعمال قليل للأسلحة النارية المصنعة بشكل مرتجل.
  • هذا بعكس الموجة الحالية من العمليات التي تتميز بالتخطيط المسبق والأسلحة الحديثة. وعلى ما يبدو، في عملية بني براك، كان هناك حاجة إلى بنية مساندة تربط ما بين المنفّذ الذي تسلل من شمال الضفة إلى إسرائيل، وما بين المركبة والسلاح. أمّا في عملية الخضيرة، فاستعمل المنفّذان مسدسات للحصول على سلاح أكبر، وكان لديهم ذخيرة كثيرة جداً، بالإضافة إلى سترات واقية من الرصاص. وما منع عملية أوسع بكثير، كان وجود قوة مستعربين مدربة نجحت في تحييدهم، من خلال إصابة مباشرة. وعلى الرغم من التدريبات الكثيرة التي قامت بها أجهزة الأمن للتعامل مع عمليات إطلاق نار من أسلحة أوتوماتيكية في مراكز ذات كثافة سكانية عالية، فإن التوقيت كان مفاجئاً بالنسبة إليهم، على ما يبدو.

المعضلة المركزية

  • في هذه الظروف الاستثنائية، يتوجب على الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الأمن العمل في جوّ مشحون من التوترات والقيود. على الصعيد المباشر، كما في موجة العمليات الفدائية قبل 20 عاماً، يتوجب على إسرائيل أخذ زمام المبادرة والقيام بعمليات استباقية مستندة إلى معلومات استخباراتية وقائية لإحباط العمليات والبنى التي تدفع بالإرهاب. كما كان حينها، كذلك اليوم، على إسرائيل أيضاً الاستناد إلى الجدار العازل ما بين "المناطق" وإسرائيل. هذا العائق الذي أرغم، حينها، كل مَن يريد تنفيذ عملية على الالتفاف حول القدس للدخول إلى إسرائيل، ومنح قوات الأمن وقتاً من ذهب، هو الآن مخترَق في أكثر من مكان بشكل يسمح بالدخول إلى إسرائيل بسيارة، حتى في ضوء النهار.
  • المعضلة الأساسية التي ستكون أمام مُتخذي القرار هي بين الرغبة في تهدئة الأمور من خلال منح حرية الصلاة والحفاظ على روتين العمل والحياة للفلسطينيين، وبين الحاجة الأمنية إلى فرض حظر تجول طويل على الفلسطينيين. إطفاء نار الإرهاب في الضفة الغربية من خلال انتشار واسع للقوات هو أمر ضروري، لكنه في الوقت ذاته ينطوي على احتمالات اشتباك واحتكاك عالية جداً. هذا في الوقت الذي تشكل العمليات الانتقامية التي يقوم بها المستوطنون تحدياً إضافياً يجعل الأزمة أكثر تركيباً.
  • أمّا داخل الخط الأخضر، فالأمور أكثر تعقيداً وحساسية. والمعضلة التي تواجهها الشرطة هي بين الحاجة إلى الانتشار بشكل أوسع في المدن، وبين الحاجة إلى علاج موضعي أكثر يحتاج هو الآخر إلى موارد كثيرة في مناطق الإرهاب، وفي الكشف عنها وعن بنى إرهابية. و"غطاء" قوات الشرطة أقصر من أن يكون كافياً للتعامل مع هذه المهام جميعها في ذات الوقت، إلى جانب معالجة التحديات اليومية الكثيرة جداً، ومن ضمنها الإجرام المنظم في المجتمعين العربي واليهودي. ويبدو أن لا مناص من تعزيز الشرطة والتغيير في القوانين - خطوات من شأنها أن تغيّر إمكانيات الشرطة بصورة جذرية، إلى جانب قدرة استخباراتية أقوى بكثير من تلك الموجودة لديها اليوم.
  • وعلى الجبهة السياسية، على حكومة إسرائيل العمل على تعزيز التنسيق والتعاون مع الجبهة الإقليمية: مقابل مصر بهدف احتواء غزة، ومقابل السلطة والأردن بهدف إغلاق الحدود ومنع تهريب السلاح، وفي الأساس بهدف منع التصعيد في الضفة وغزة والأماكن المقدسة.

التغيير يجب أن يكون من الجذور

  • على إسرائيل استغلال العلاقات الوطيدة مع دول الخليج، كما انعكست في "قمة النقب"، بهدف استمرارها في إدانة الإرهاب ودعم خطواتنا لتهدئة الأوضاع. هذا بالإضافة إلى أن "التقارب" في العلاقات مع تركيا مهم، لقدرتها على المطالبة بهدوء واستقرار في القدس، أو على الأقل من أجل عدم قيامها بإشعال الأمور من خلال تصريحات تحريضية. فتجنيد الساحة الدولية لدعم إسرائيل يُعتبر هدفاً لا يقل أهمية، لكنه أيضاً تحدٍّ، وخصوصاً في ظل ظرف يتوجه فيه انتباه العالم كلياً إلى الأزمة الأوكرانية.
  • بعد الأعياد، سيكون على إسرائيل تعزيز معالجة "برميل المتفجرات" الذي نجلس عليه. التحديات الجدية التي علينا التركيز عليها هي: الإجرام المنظّم المسلح، والتهميش المتصاعد لجيل محبَط في المجتمع العربي، والتهميش الخطِر في التجمعات البدوية، ووضع السيادة الخطِر، وانعدام الثقة بمؤسسات الدولة، وضعف السلطة الفلسطينية وانعدام الأفق السياسي.
  • هذه المشاكل الاستراتيجية تحتاج إلى موارد كثيرة في التعليم أولاً، والمجتمع، والأمن، وتطبيق القانون. وترغم الحكومة على العمل بالتنسيق بين قوات الأمن، ومكاتب الحكومة المختلفة، وصولاً إلى المركّبات السياسية، واستغلال وجود حزب عربي معتدل في صفوفها.
  • وفي السطر الأخير، عادت هذه الموجة من العمليات لتوضح لمن احتاج إلى ذلك أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو تحدٍّ سياسي - أمني من الدرجة الأولى، ولا يقلّ خطورة عن التهديدات الاستراتيجية، كالنووي الإيراني وتعاظُم قدرات الأعداء في المنطقة. هذا تحدٍّ لن يختفي، حتى لو كانت في إسرائيل حكومة تحاول الحفاظ على الوضع القائم في الجبهة الفلسطينية. لا يوجد حلّ سحري للصراع الطويل مع الفلسطينيين، وصحيح أن دولة إسرائيل لا تستطيع السماح لنفسها بالعودة إلى أيام انتشار الإرهاب في شوارعها. لذلك، خلال انعقاد مؤتمرات إقليمية مقبلة، يجب أن يكون هناك سياسات، ودبلوماسية، وقيادة، ومسؤولية من الدرجة الأولى.

 

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: