"هآرتس"، 28/3/2022
عاموس هرئيل - محلل عسكري
- في غضون أقل من أسبوع قُتل ستة إسرائيليين في هجومين في قلب المدن؛ في البداية قُتل أربعة إسرائيليين دهساً وطعناً في بئر السبع، وفي الأمس سقط قتيلان في إطلاق نار نفذه "مخربان" في الخضيرة. فخلال الأسبوع الذي أحيت فيه المؤسسة الأمنية ذكرى مرور عشرة أعوام على عملية "السور الواقي"، ظهرت مجدداً في نشرات الأخبار صور تذكر بتلك الأيام الفظيعة، وحتى الأهداف بقيت على حالها: مراكز المدن ضمن حدود الخط الأخضر.
- "المخربان" في الخضيرة قُتلا خلال تبادل إطلاق نار مع الشرطة التي هرعت إلى المكان فور سماع صوت إطلاق النار، وهما مواطنان عربيان إسرائيليان من سكان أم الفحم في وادي عارة، أمّا القاتل في بئر السبع فهو بدوي من النقب ومواطن إسرائيلي أمضى عقوبة في السجن لعلاقته بداعش، وحتى الآن يُعتبر هجومه عملاً منفرداً. وفي الفيديوهات التي صورتها كاميرات المراقبة في الخضيرة يظهر "المخربان" ملتحيَين، ويبدو أحدهما على الأقل كناشط إسلامي.
- في الأمس جرى فحص إمكان أن يكون لدى القاتلَين من الخضيرة خلفية أيديولوجية مشابهة لـ"المخرب" الذي نفذ هجوم بئر السبع، إذ قد يكونا مثله معروفَين من الشاباك على خلفية نشاطات مشابهة. بعد الهجوم الأول قدرت المؤسسة الأمنية أن ما يجري له علاقة بالصحوة العالمية لتنظيم داعش، والذي عاود أنصاره نشاطهم مؤخراً على خلفية الشعور بالانتصار الإسلامي في أعقاب الانسحاب الأميركي المذعور من أفغانستان في العام الماضي.
- وتُظهر الفيديوهات الطويلة والتفصيلية التي نُشرت أمس أن "المخربَيْ"ن مدربان نسبياً على استخدام السلاح منذ سنوات، ويُظهران هدوءاً خلال إطلاق النار. وفي البداية شوهد أحدهما يطلق النار من مسدس، ولاحقاً ظهر الاثنان يطلقان النار من بندقية إم 16، كما عُثر في سيارتهما على كمية كبيرة من الذخيرة، وعلى أكثر من 1100 رصاصة بندقية.
- ووفق التقارير الأولية من ساحة الهجوم، فإن أول من أطلق النار على "المخربين" عناصر من شرطة "يماس" [وحدة خاصة تابعة لشرطة الحدود لمكافحة الإرهاب] كانوا موجودين في مطعم قريب، ومن الواضح أن التدخل السريع من جانب الشرطة أدى إلى وقف عملية القتل. وكما في الهجمات خلال الانتفاضة الثانية و"انتفاضة هجمات الأفراد" القصيرة سنة 2015، تظهر الحاجة مرة أُخرى إلى حَمَلة سلاح ماهرين، من رجال شرطة أو مدنيين، لوقف مثل هذه الهجمات. ففي معظم الأحيان يمر وقت قبل وصول دورية الشرطة الموجودة في المدينة، مع أن إيقاف الهجوم مرتبط بالرد المباشر والسريع.
- إن على التحقيق الذي يجريه الشاباك والشرطة توضيح ما إذا كان ما جرى عبارة عن عملية محاكاة من وحي الهجوم في بئر السبع، أو هو مبادرة أكثر تنظيماً من جانب تنظيم "إرهابي". وفي الوقت عينه هناك حاجة أيضاً إلى توضيح لماذا، وللمرة الثانية على التوالي، لم يكن هناك إنذار مسبق. وهذه المرة ليس المقصود عمل شخص واحد، ونظراً إلى أن "المخربَين" وصلا مسلحَيْن بمسدس، على الأقل، فمن المحتمل أن يكون هناك من باعه لهما أو زودهما به. وهذه سلسلة عمليات غالباً ما تترك وراءها آثاراً، ومن المفترض أن تظهر على رادارات أجهزة الاستخبارات. وفي إطار التحقيق يجب فحص ما إذا كان أفراد عائلتي "المخربَيْن" على علم بنواياهما.
- بعد الهجوم في بئر السبع قام الوسط السياسي، وبتوصية من الأذرع الأمنية، بتمييز مقصود بين الهجوم وبين ما يجري على الساحة الفلسطينية، وقرر عدم فرض قيود في المناطق، على الرغم من اقتراب شهر رمضان، ومن التخوف من أن يساهم التطرف الديني في التشجيع على القيام بهجمات. وفقط صباح أمس قررت الحكومة زيادة عدد أذونات العمل المعطاة إلى العمال في قطاع غزة من 12.000 إلى 20.000. وبعد جلسة تقدير للوضع تقرَّر الليلة زيادة قوات الجيش الإسرائيلي والشرطة وحرس الحدود في منطقة التماس وفي الضفة.
- سيكون من الصعب المحافظة على هذا الخط المنضبط لوقت طويل، ولا سيما بعد قفز المعارضة على المناسبة واتهامها الحكومة بالتخلي عن أمن المواطنين. وفي الوقت عينه ستزداد مناورة القائمة العربية الموحدة داخل الائتلاف صعوبة، في ضوء حقيقة أن ما يجري يتعلق بناشطين إسلاميين من داخل الخط الأخضر.
- على الهامش، لا مفر من الحديث عن أن توقيت الهجوم، الذي يمكن جداً أن يكون مقصوداً، قد عطّل تماماً الزخم الإيجابي الذي أرادت أن تخلقه قمة النقب أمس، والتي استضاف فيها وزير الخارجية يائير لبيد نظراءه من الولايات المتحدة وأربع دول عربية. لقد أراد الأميركيون استغلال القمة من أجل تهدئة أصدقائهم في المنطقة الذين يشعرون بالإحباط والقلق إزاء توجه اهتمام الإدارة الأميركية نحو روسيا والصين، وإزاء النوايا الأميركية بتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران في وقت قريب.
- لقد جرى التخطيط للمؤتمر كاستمرار للانعطافة التي أحدثتها اتفاقيات أبراهام التي وُقّعت قبل عام ونصف العام، لكن الخلافات في الرأي مع الأميركيين والرفض الإسرائيلي لانضمام السلطة الفلسطينية إلى المؤتمر، وقرار الأردن عدم المشاركة، كلها أمور طغت مسبقاً على الجانب الاحتفالي.
- وليل أمس جاء "المخربان" من الخضيرة للتذكير بأنه، ومع كل الاحترام للحديث عن شرق أوسط جديد وتحالفات شجاعة، ما زال هناك كثير من القوى العنيفة التي تسعى إلى تخريب هذه الإنجازات، وهي مستعدة لاستخدام السلاح من أجل توصيل رسالتها.
0 comments: