Thursday, December 13, 2012


سقوط الأسد... نهاية الأزمة السورية أم بداية لأزمات أعمق؟

سقوط الأسد... نهاية الأزمة السورية أم بداية لأزمات أعمق؟
سقوط الأسد... نهاية الأزمة السورية أم بداية لأزمات أعمق؟
يزداد الحديث في الأيام الأخيرة عن قرب سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد مع اشتداد المعارك في ريف دمشق، وبسط المعارضة سيطرتها على مناطق واسعة في مختلف المناطق السورية. الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي توقع منذ أيام أن يسقط نظام الاسد "في أي وقت". وأشار إلى أن "المعارك تدور الآن في دمشق". وتعزز التحذيرات الأمريكية والأوروبية من استخدام السلاح الكيماوي والقلق من نقله أو وقوعه في قبضة أياد "شريرة" إمكانية التدخل العسكري.

ضبابية تشتد كل يوم

وتسود حالة من الضبابية المشهد السوري. المعارضة تؤكد تقدم الجيش الحر والكتائب المسلحة على الأرض وتحقيق انتصارات ملموسة. فيما تتحدث وسائل الإعلام الرسمية في دمشق يوميا عن تصفية عشرات "الإرهابيين" وأن الأوضاع تقترب من الحسم في هذه المنطقة وتلك. الحقيقة تنقلها مقاطع فيديو تنشرها القنوات الرسمية عن "تطهير" و"تحرير مناطق" للمرة الثانية أو الثالثة وربما العاشرة، وتبدو في خلفيتها مشاهد الدمار ورائحة القتل المنتشرة في كل مكان. ونفس المشهد يتكرر في مقاطع لهواة تظهر حجم الدمار الكبير ومناظر استهداف المدنيين. ويلتقي النظام والمعارضة في نقل الوضع المأسوي الذي وصلت إليه الأمور في سورية من استهداف البنية التحتية، وطوابير انتظار الخبز والغاز والمازوت، والموت المترصد بالناس في الشوارع.
 وتزيد التحركات الدولية حول سورية الضبابية وتعقد المشهد. تركيا تنشر صواريخ باتريوت على حدودها، بوارج وحاملات طائرات أمريكية وروسية تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط قرب الشواطئ السورية. ويزداد الحديث عن مصير الأسلحة الكيماوية، وفيما إذا كان التحذير من استخدامها مقدمة لتدخل خارجي، أم محاولة لقطف ثمار الحراك إثر تقارير عن تقدم المعارضة المسلحة وتصميمها على استكمال معركة دمشق بأي ثمن، مقابل حشد النظام أكثر من 80 ألف مقاتل للدفاع عن المدينة حتى النهاية. ولا يرشح الكثير عن اللقاءات بين المسؤولين الغربيين والروس في الشأن السوري. وكما هو الحال في كل مرحلة حرجة من المراحل التي شهدها الحراك في سورية منذ 15 مارس/ آذار 2011 يكثر الحديث عن بوادر تغير في الموقف الروسي. لكن التصريحات الرسمية المعلنة لا تشي بوجود توافق أمريكي روسي حتى الآن على سبل الحل للأزمة السورية التي تزداد مأساوية في كل يوم وتنذر بسيناريوات مخيفة داخلية وإقليمية.

أوضاع مأسوية في أنحاء البلاد

تتحدث التقارير الدولية عن أوضاع مأسوية يعيشها اللاجئون السوريون في بلدان الجوار مع حلول فصل الشتاء. وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع أعداد اللاجئين المسجلين إلى نحو 700 ألف مع نهاية العام الحالي. ووصل عدد النازحين في الداخل إلى أكثر من أربعة ملايين نازح. وتزداد المعاناة في ظل نية عدد من المنظمات الدولية سحب موظفيها وايقاف خدماتها بسبب الأوضاع الأمنية المتردية. وتعاني معظم أرجاء البلاد من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، وتزداد الطوابير من أجل الحصول على المازوت اللازم للتدفئة إن وجد، ويواجه المواطنون الأمرين من أجل توفير رغيف الخبز، إضافة إلى شح المنتجات الزراعية.
ولعل الأهم أن الصراع أسفر حتى الآن عن حصد حياة 40 ألف سوري على الأقل، إضافة إلى عشرات الألوف من الجرحى والأسرى والمفقودين. وتواصل آلة الموت حصد أرواح عشرات السوريين يوميا بفعل اشتداد المعارك بين المعارضة والنظام.

دولة فاشلة وحرب أهلية بمكونات طائفية...

منذ أشهر يزداد الحديث عن قرب سقوط نظام الرئيس الأسد، أو احتمال سقوط مفاجئ للنظام. وصاغ المجلس الوطني السوري المعارض مشروع "اليوم التالي" لبحث الانتقال الديمقراطي بعد انهيار النظام الذي يصر أنصاره أن القتال سوف يستمر حتى "إسقاط المؤامرة الكونية".
وفيما تعيش سورية حربا أهلية ضروسا تفقد فيها يوميا المزيد من أبنائها فإن سقوط النظام لن يضع حدا لهذه الحرب، وربما يدفع إلى مزيد من التدهور.
وتنذر الأوضاع بتحول سورية إلى دولة فاشلة في حال استمرار المعارك. إذ تزداد المساحات التي تفقدها الحكومة المركزية في الشمال الغربي والشرق، ويتواصل القتال والتفجيرات في دمشق وريفها منذ أشهر. ويغلب التشاؤم على معظم التوقعات المستقبلية التي لا ترى في المدى المنظور أي تغير في حال حافظ النظام على الحكم في دمشق أو انزوى إلى المناطق الشمالية الغربية الساحلية من البلاد، أو سقط في دمشق وفقد السيطرة على كامل البلاد. وتتراوح التوقعات بين انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية تجمع بين مكونات الحرب اللبنانية والعراقية، وإمكانية الصوملة والأفغنة للصراع.
ومع أن معظم المراقبين يؤكدون أن الحرب لم تتحول بعد إلى حرب طائفية،  فإنه لا يمكن ضبط المزاج العام إلى النهاية. وحتى الآن لم تسجل حوادث كبيرة على أساس طائفي من قبل الأغلبية "السنية" بحق المناطق "العلوية" أو غيرها ، لكن لا يمكن استبعاد دخول العامل الطائفي على خط الصراع في حال استمرار القتال لفترة أطول أو سقوط النظام المفاجئ.

جيب علوي وعدم استقرار لفترة طويلة

حذر الملك الأردني الملك عبد الله الثاني منذ مدة من احتمال لجوء الرئيس الأسد إلى منطقة الساحل لإقامة جيب علوي. ونظريا يمكن أن تدعم إيران هذا الخيار من أجل المحافظة على نفوذ لها في منطقة البحر المتوسط، وضمان التواصل مع حزب الله في لبنان. كما يمكن ان تعيش "الدويلة الجيب" على رسوم الترانزيت والشحن من مينائي طرطوس واللاذقية. ويثير هذا الاحتمال مخاوف كثيرة رغم الاجماع بأنه لا يملك حظوظا واقعية، كما لا يمكنه الاستمرار لمدة طويلة. فالتجارب التاريخية تؤكد أنه لا يمكن لمنطقة ساحلية أن تتحكم بمساحات داخلية في بلاد الشام. وتنبع المخاوف من أن تشكيل جيب علوي أو دويلة يبدأ بعمليات تطهير عرقي واسعة في المنطقة الممتدة من اللاذقية إلى طرطوس وفي منطقة الجبال الساحلية للتجمعات السنية الرئيسية، وكذلك اشتعال جبهة على طول خط الغاب وحتى حمص. كما يمكن أن تفتح إقامة "دويلة علوية" على انقسام أجزاء من سورية على أساس طائفي وعرقي.

الأكراد وسيناريوات متعددة

ومن المؤكد أن أي حكم مستقبلي سوف يجد صعوبة بالتعامل مع القضية الكردية. فالأكراد الذين عانوا كثيرا من النظام القومي العربي وجدوا متنفسا لهم مع ضعف الحكومة المركزية. وتتراوح مواقف الأحزاب الكردية بين توسيع الحقوق الثقافية وتحقيق المساواة على أساس المواطنة إلى الحكم الذاتي، ويذهب بعضهم الى القول بضرورة التحالف مع أكراد الجوار لإنشاء وطن كردي ينهي مظالم اتفاق سايكس بيكو. كما يناصر حزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي) نظام الرئيس الأسد، وقام بالاستيلاء على بعض المناطق ونشر لجان شعبية مسلحة. ويتوزع الأكراد في مناطق تمتد من عفرين إلى الحدود العراقية التركية، وتوجد مناطق يقطنها الأكراد بالكامل، فيما يتعايشون في جزء واسع من الجزيرة وشمال حلب مع العرب، ويمكن أن تتفجر الأوضاع مع السكان العرب في أي لحظة. ولا يمكن استبعاد سيناريو الاتفاق بين الأغلبية الكردية وتركيا ، كما فعل الأكراد في العراق بعد إنهيار نظام الرئيس صدام حسين، بما يضمن مناطق حكم ذاتي مستقرة.  

أمراء الحرب وسحب السلاح...

رغم الحديث عن توحيد الكتائب والألوية التي تحارب النظام السوري ، ووجود الجيش الحر فإن الغالب هو وجود  مئات الفصائل والتنظيمات المحلية  الصغيرة في مناطق مختلفة من سورية. ولا توجد أدلة قوية على وجود تنسيق وإدارة من قبل المعارضة الخارجية في عمل هذه المجموعات المسلحة. وفي الآونة الأخيرة تزداد قوة الجماعات المسلحة على الأرض عبر سيطرتها على مخازن أسلحة للقوات النظامية. وفي حال انهيار النظام فإن الخوف ينبع من سيطرة مجموعات محلية على كميات كبيرة من أسلحة الجيش النظامي يصعب جمعها لاحقا. وهو ما ظهر واضحا في التجربة الليبية. ويبرز خوف من استعمال هذه الأسلحة في عمليات انتقام ضد أنصار النظام السابق، أو على أساسي طائفي وعرقي. ناهيك عن إمكانية استخدامها في عمليات السلب والنهب لأغراض اقتصادية. ويمكن ان تواجه أي حكومة مركزية جديدة صعوبة في فرض هيبتها وسيطرتها على مناطق واسعة من سورية لعدة سنوات.

سقوط الأسد وقعر الهاوية

أحد المستشرقين الذين عملوا لفترة طويلة في الشرق الأوسط أكد أن سقوط الأسد لا يحل الأزمة السورية، ولن يكون بمثابة قعر الهاوية بالنسبة للأزمة. الخبير الذي قضى أشهرا في سورية في أثناء الأزمة الحالية أعرب، في لقاء مع كاتب هذه المقالة منذ أيام، عن أسفه لتطور الأوضاع في سورية، وأبدى تشاؤما من مستقبل البلاد وفق أي من السيناريوات الممكنة، ورأى أن البلاد دخلت في أتون حرب أهلية طويلة تخسر فيها سورية ولا يوجد رابح داخلي من مكونات المجتمع المختلفة. واعتبر أن الحديث عن إصلاحات أو صيغة وفق اتفاق جنيف أو غيرها باتت وراء الأطراف المتحاربة في سورية، وأن الأحداث على الأرض تفرض معادلات جديدة.
وترى مديرة معهد آسيا والشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية يلينا سبونينا أن "سقوط الأسد لا يعني تلقائيا عودة الإستقرار"، وفي اتصال مع موقع "روسيا اليوم" أشارت الخبيرة الروسية إلى أن "النزاعات بين القوى على الأرض حادة، وهناك مخاوف جدية من استمرار الصراع بسبب تشتت المعارضة السورية". ورغم تأكيدها على أن "الحرب الأهلية في سورية لم تتحول إلى طائفية"، إلا أن سبونينا اعتبرت أن هناك خطرا قائما من أن تحمل صبغة طائفية في المستقبل. وتوضح سبونينا أن أهم المخاطر التي تواجه سورية في حال سقوط الأسد هي "المعارضة المشتتة، والدمار الكبير الذي لحق بمؤسسات الدولة، وبروز مجموعات إجرامية بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، إضافة إلى زيادة الهجمات الانتقامية بين أنصار النظام والجماعات المسلحة".

أنقذوا سورية والمنطقة

لعبت عوامل داخلية وإقليمية ودولية دورا هداما في بلوغ سورية إلى أوضاع غاية في السوء. ورغم الاختلاف في التوصيفات فإن ما نشاهده هو حرب أهلية تنذر بتحولها إلى حرب طائفية. وتتعاظم المخاوف من انتقال شرارة الأحداث في سورية إلى كل المنطقة. ويرى معارضون أن إمعان النظام في الحل الأمني، واللجوء إلى سياسة الأرض المحروقة جر البلاد إلى الحرب الأهلية. ويرى آخرون أن إصرار المعارضة على عدم الحوار يغلق أي أفق لحل سياسي.
ومما لا شك فيه أن العالم تأخر كثيرا، ولم يكن مستعجلا في أمره للتوافق على أسس لحل الأزمة السورية. ورغم أن كثيرين يرون أن الوقت أصبح متأخرا جدا، فإن المخاطر المحدقة بسورية والمنطقة في حال سقط نظام الرئيس الأسد سريعا أو بقي أشهرا أو سنوات تستحق بذل جهود كبيرة لحقن دماء السوريين، والتخفيف عنهم في فترة انتقالية سوف يدخلونها وسط دمار كبير في الاقتصاد والبنية التحتية بأطفال عذبتهم مشاهد الدماء وأعيتهم صرخات الخوف. وتستحق البلاد التي نشرت المسيحية إلى العالم، وحكمت في عهد بني أمية ما بين الصين وإسبانيا ونشرت العلم في أوروبا أن تتكاتف الجهود لانقاذ هذه البلاد التي يؤكد علماء التاريخ والآثار أنها الوطن الثاني لكل إنسان على وجه المعمورة، بعد وطنه الأصلي.
وأخيرا فإن الدبلوماسية العالمية دخلت في مأزق خطير نتيجة الأزمة السورية، ويجب على صناع القرار الانطلاق من أن عامل الوقت مهم جدا بالنسبة للصراع في داخل سورية، أو دول الإقليم، فكل ساعة يزداد عدد الضحايا، وينذر استمرار تدفق اللاجئين بانزلاق البلدان  المجاورة في الصراع، ولهذا فإن العالم مطالب بالتحرك بأقصى سرعة لانقاذ سورية والمنطقة مما هو أعظم.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: