مأزق «حزب الله» في سوريا
منتدى فكرة
6 شباط/فبراير 2013
شنت الطائرات العسكرية الإسرائيلية الأسبوع الماضي هجوماً جوياً على ضواحي دمشق استهدفت فيه قافلة تنقل أسلحة مضادة للطائرات متجهة إلى «حزب الله». ويعد هذا الهجوم بمثابة المؤشر الأحدث على أن الأمر لم يقتصر على تورط «حزب الله» اللبناني بشكل مباشر في العنف داخل سوريا بل يتعداه إلى استغلاله للفوضى هناك من أجل دعم ترسانته من الأسلحة، الأمر الذي سيؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار سوريا. والظاهر أن «حزب الله» يقف بالفعل إلى جانب "المقاومة"، إلا أنها مقاومة الديمقراطية الحقيقية في كل من سوريا ولبنان.
وفي تصريح له أمام مؤتمر ميونيخ الأمني بعد أربعة أيام من الهجوم ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أن تلك الغارة كانت "دليلاً آخراً على أننا عندما نقول شيئاً فإننا نعنيه". ومنذ بداية الصراع، والجانب الإسرائيلي يعرب عن عزمه الحيلولة دون وصول أنظمة السلاح المتطورة إلى «حزب الله». وقد وجهت كل من دمشق وطهران تهديدات غامضة بالانتقام، وهو الأمر الذي يزيد من مخاوف استمرار انتقال عدوى الصراع السوري إلى الدول المجاورة. وفي غضون يوم من الغارة الإسرائيلية، حذر البيت الأبيض حكومة الأسد قائلاً "على سوريا عدم إحداث المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة بنقلها الأسلحة إلى «حزب الله»."
ونددت الحكومة السورية إلى جانب حليفيها الدائمين -- إيران و «حزب الله» -- بتلك الغارة الجوية الإسرائيلية. كما أعرب «حزب الله» في تصريح له عن "تضامنه الكامل مع سوريا قيادة وجيشاً وشعباً" ووصف تلك الغارة بأنها جزء من مؤامرة" تهدف إلى تدمير سوريا وجيشها ودورها الحيوي في صفوف المقاومة." كما اتهم الرئيس الأسد إسرائيل في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بالسعي نحو "زعزعة استقرار سوريا وإضعافها". غير أن المفارقة أن «حزب الله» حليف الأسد هو من أثبت أنه أكثر القوى المزعزعة للاستقرار في سوريا التي مزقتها الحرب.
ومع اقتراب الانتفاضة السورية من إتمام عامها الثاني، لا يزال النظام الحاكم يعتمد بصورة أكبر على «حزب الله» لقمع القوات الثورية والسكان المدنيين. ولطالما اتهم الثوار في سوريا «حزب الله» بتقديم المساعدات وإرسال المقاتلين دعماً لقوات النظام. فلم يكن المتظاهرون السوريون يتظاهرون في حزيران/يونيو 2011 لإسقاط الأسد فقط، بل كانت تظاهراتهم ضد «حزب الله» أيضاً. وفي الحقيقة -- ووفق ما ذكره أحد الصحفيين اللبنانيين -- كان نشاط «حزب الله» في سوريا هو الذي "أسقط قناع الفضيلة من على وجه الحزب."
وبعد أسابيع من اندلاع الثورة طالب نصر الله بنفسه من جميع السوريين مساندة النظام السوري. إلا أن «حزب الله» أنكر وجود "أي دور عسكري له في الدول العربية." ووفقاً لأحد كبار المسؤولين السوريين في شؤون الدفاع الذي انشق عن النظام فإن الأجهزة الأمنية السورية لم تستطع التعامل مع الثورة بمفردها. وقال موضحاً بأنه "لم يكن لديهم القناصة والمعدات المواتية". كما أضاف قائلاً: "لقد كانوا في حاجة إلى قناصة مدربين من «حزب الله» وإيران."
وفي آب/أغسطس 2012، وضعت وزارة الخزانة الأمريكية «حزب الله» مجدداً على القائمة السوداء وذلك لتقديمه "التدريب والمشورة والدعم اللوجستي المكثف لتحركات الحكومة السورية الوحشية" ضد المعارضة. وبعد شهر من ذلك، كشفت الحكومة الأمريكية عن مزيد من أنشطة «حزب الله» في سوريا عندما فرضت وزارة الخزانة عقوبات على الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله واثنين من كبار القادة هما مصطفى بدر الدين وطلال حمية لدعمهم نظام الأسد فعلياً. لقد كانت سوريا ولا تزال حليفاً دائماً لـ «حزب الله» -- حيث توفر له ملاذاً آمناً وتعمل كقناة لتوفير السلاح للجماعة. ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية فإن «حزب الله» الآن بقيادة نصر الله "يرد الجميل بتقديمه التدريب والمشورة والدعم اللوجستي المكثف" وذلك لتعزيز تحركات النظام العنيفة ضد المعارضة.
لقد بدأت الأنباء الخاصة بذلك الأمر تتسرب حتى من المصادر التابعة لـ «حزب الله» نفسه. ففي مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2012، لقي علي حسين ناصيف -- وهو قيادي عسكري كبير في «حزب الله» -- مصرعه في سوريا مع اثنين من الحراس الشخصيين "أثناء قيامه بواجبه الجهادي" وفقاً لإحدى صحف «حزب الله». كما أكد مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» -- السيد إبراهيم الموسوي -- مقتل ناصيف وأعضاء آخرين من «حزب الله» إلا أن الجماعة لا تزال تنفي أي ضلوع في الأزمة الداخلية في سوريا. وقبل ذلك بشهور وردت تقارير مفادها أن برلمانيين من «حزب الله» شاركوا في جنازة القائد العسكري موسى علي شحيمي الذي كان أيضاً قد "لقي مصرعه أثناء قيامه بواجبه الجهادي".
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2012 أخبر المسؤولون الأمريكيون مجلس الأمن الدولي بـ "أن الحقيقة واضحة جلية: فقد أصبح مقاتلو نصر الله الآن جزءً لا يتجزأ من أدوات القتل التي يستخدمها الأسد." هذا وقد أكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة بعد ذلك بشهرين على أن أعضاء من «حزب الله» كانوا يقاتلون في سوريا نيابة عن حكومة الأسد. وقد وصل الأمر بـ «حزب الله» إلى إقامة معسكرات تدريب بجوار مستودعات الأسلحة الكيميائية السورية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. ووفقاً لأحد كبار المسؤولين الأمريكيين، فإن "المخاوف من سقوط تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ هي أكثر ما يشغلنا الآن."
وبالنسبة لـ «حزب الله» الذي لطالما أظهر نفسه نصيراً للمقهورين في وجه الظلم ومقللاً من شأن هويته الطائفية المناصرة لإيران، فإن دعمه لنظام يسيطر عليه العلويون ضد المقاومة السورية التي أغلبها من السنة قد عرّض الصورة التي رسمها لنفسه على المدى الطويل للتشويه. وفي النهاية، فإن الحاجة الاستراتيجية إلى الوقوف أمام سقوط نظام الأسد -- والذي إذا اُستبدل بنظام يمثل الأغلبية السنية في البلاد فقد يكون أقل وداً بكثير مع «حزب الله» بل قد يكون مناهضاً له بالكلية -- قد سبقت الحفاظ على صورة «حزب الله» في قائمة أولوياته.
واليوم يدافع «حزب الله» بضراوة عن نظام الأسد بشكل لم يسبق له مثيل. ولم يوجه «حزب الله» "أسلحة المقاومة" لديه نحو إسرائيل، بل نحو رفقائه المسلمين. وهو ما أصبح يمثل تهديداً لموقف «حزب الله» كحزب سياسي لبناني وحركة اجتماعية على نحو يتجاوز التهديدات السابقة التي مثلتها إدانة الأمم المتحدة لأربعة من أعضائه باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وفضح عمليات «حزب الله» في مناطق مثل أذربيجان وقبرص وبلغاريا وتايلاند وتركيا. وسيكون الأمر بيد الشعبين اللبناني والسوري للرد بشكل مناسب إن كانا يريدان الديمقراطية بحق.
ماثيو ليفيت هو مدير برنامج ستاين للإستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.
0 comments: