جيش صغير وذكي
بقلم: عمير ربابورات
في الأسبوع الذي نشبت فيه حرب لبنان الثانية، قبل سبع سنوات بالضبط، كاد الجيش أن يصادق على خطة جديدة متعددة السنوات أسميت «كيلع». وكان رئيس الأركان حينها الجنرال دان حلوتس، وقائد الذراع البرية الجنرال بني غانتس. وكانت القصد في مركز الخطة تقليص عدد الدبابات في الجيش بشكل كبير. وقد ولدت الخطة في سلسلة ورش أركانية. وقد آمن غانتس في العام 2006 أن عهد الدبابات كقوة مركزية في القتال ولّى من العالم، ولكن الفشل في لبنان خلط الأوراق: خطة «كيلع» ألغيت قبل تنفيذها، وكل ما كان يتماثل مع مبادئها أدخل إلى الثلاجة. ومنذ ذلك الحين لم يقلص الجيش الإسرائيلي وحداته، بل زادها هنا وهناك.
ولاحقا غدا واضحا أن أي تقليص للقوات لو تم في العقد الماضي وفق خطة«كيلع» كان سيوفر على الجيش مليارات الشواقل، التي يفتقر إليها الآن افتقار التنفس للهواء. والتقليص لم يتم رغم أن الفرصة الضائعة في حرب لبنان الثانية لم تنبع من قلة الدبابات، وإنما من بؤس جاهزية معظم القوات المحاربة بعد سنوات من عدم التدريب والإدارة السيئة للمعركة. وحلوتس وأولمرت، الذي انجرّ خلفه، هما المسؤولان عن الإدارة الفاشلة ودفعا الثمن الشخصي.
وبعد سبع سنوات من الفشل في حرب لبنان الثانية ينفذ الجيش هذه الأيام مناورة لامعة. والهدف هذه المرة: وزارة المالية. وقد عملت أفضل العقول على هذه المناورة. وعندما يفهم وزير المالية الغر يائير لبيد ورجاله بعد أسبوع أو اسبوعين كل مكونات خطوة الجيش، سيضطرون لإعادة تخطيط ميزانية الدولة من جديد. وتقليص ميزانية الدفاع سيتقلص.
وهذا إيجاز الفصول السابقة: الجيش يحاول أن ينفذ خطة متعددة السنوات جديدة منذ نهاية 2011، حينما انتهت الخطة متعددة السنوات السابقة «تيفن» (وهي خطة حلت بعد حرب لبنان الثانية مكان «كيلع» الملغاة).
ولسوء حظ الجنرال بني غانتس، فإنه لم يفلح بعد في إطلاق خطة متعددة السنوات في ولايته. فالخطة الأولى التي أعدها، «حلميش»، كان يفترض أن تنطلق في 2012 لكنها ألغيت في صيف 2011 في أعقاب موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي غمرت البلاد. وفي تلك الأيام أعلن نتنياهو عن تقليص ميزانية الدفاع، رغم أن سنوات 2011-2012 كانت سنوات ازدهار للمؤسسة. في نهاية 2012 وقرب الانتخابات نفذ وزير الدفاع السابق إيهود باراك والصناعات الأمنية وقيادة الجيش عملية خاطفة (بمصادقة المالية). وانطلقوا في مشروع باهظ التكلفة، ينتهي في نهاية العقد.
وبدل «حلميش» أبصرت النور خطة «عوز»، التي لم تصادق عليها الحكومة بسبب الانتخابات. وأطلق الجيش هذا الأسبوع في وسائل الإعلام خطة جديدة للسنوات 2014-2018 تسمى «تعوزا». وهي تشبه جدا «عوز» بل و«كيلع» (وسواء تفاجأتم أم لا، فإن غانتس يصوب بالضبط نحو عدد الدبابات الذي أشار إليه قبل سبع سنوات)، ورغم ذلك فإن الخطة ثورية حقا.
مجازفة مدروسة
إن قسما من الإصلاحات يرتبط بعملية اجتازها الجيش في العامين أو الثلاثة الأخيرة: بواسطة ربط شبكات اتصال وحواسيب الاستخبارات، الجو والبر، والجمع المكثف للمعلومات، زادت بأضعاف قدرة معالجة الأهداف. ومعظم الهجمات تنفذ حاليا على أساس معلومات استخبارية في وقتها الحقيقي. وأشرف على هذه الخطوة الأولى من نوعها في العالم غانتش وسلفه أشكنازي ونائبي رئيس الأركان في الأعوام الأخيرة يائير نافيه وغادي آيزنكوت، ورئيس شعبة الاستخبارات آفيف كوخافي وقائد سلاح الجو أمير إيشل.
وتسمح الزيادة العظيمة في قوة النار للجيش الإسرائيلي بتقليص عديد القوات، غير أن التقليص الحاد في الميزانية هو ما أجبر رئيس الأركان على القطع في اللحم الحي: وعلى جدول الأعمال إغلاق جوهري لوحدات مدرعات، أسراب جوية، وحدات مدفعية وسفن حربية ومنظومات قديمة للدفاع الجوي. معظم الوحدات التي ستغلق في «تعوزا» كانت ستغلق في نهاية العقد وفق خطة «عوز». «تعوزا»فقط تسرع في إغلاقها.
ويفسر الجيش الإسرائيلي الفجوة بالمجازفة المدروسة: من جانب، الوحدات التي ستغلق حتى قبل حلول المنظومات البديلة المتقدمة. من جانب آخر في العامين أو الثلاثة القادمة ستكون مصر وسوريا منشغلتين بنفسيهما أساسا. واحتمال نشوب حرب شاملة، تجبر الجيش الإسرائيلي على تفعيل كل قواته حتى آخرها، يعتبر صفرا.
عموما، غانتس رئيس أركان من النوع المفكر والمحتار دائما (كما كان وزير الدفاع يعلون في ولايته) وأقل تنفيذية (مثل موفاز وأشكنازي). ووفقا لطباعه، فإن غانتس تحدى قيادة الجيش بأن تبلور كتابا يصف الرؤية العسكرية للعام 2025. ويجري غانتس وآيزنكوت مناورة تفكير تستمر أحيانا لساعات وراء ساعات. وحسب غانتس، فإن تغيير «تعوزا» لن يتم فقط في عديد القوات، وإنما أيضا في نمط تفعيل الجيش. وبين أمور أخرى، فإن إدارة مشاريع تعظيم القوة سيغدو أشد تركيزا وينفذ بأغلبه بواسطة نائب رئيس الأركان. ويمكن للأذرع والقيادات أن تنفذ مشاريع وخطط عملانية فقط إذا توافقت مع الرؤية العسكرية الشاملة.
ويستعدون في الجيش أيضا لسنوات قتال في هضبة الجولان وحدود مصر، وهذا سبب إنشاء فرقة مناطقية جديدة في هضبة الجولان. وسيتم تحويل جزء من القوات المدرعة إلى قوات أخف، مع مركبات بعجلات بدل الجنازير. وهذه الوحدات يمكنها أن تنتقل بشكل أسرع من جبهة إلى أخرى وتناور بسهولة أكبر في بيئات قتال تغدو أكثر مدينية.
تقليص ساموراي
وقد توجت المرحلة الأولى من مناورة الجيش هذا الأسبوع بنجاح كبير: إذ أطلقت خطة «تعوزا» في وسائل الإعلام بحماس هائل. والجيش لم يتباك هذا الأسبوع على الميزانية، كما لم يشدد في إعلامه على أن الخطة ستوفر على مدى السنوات الخمس المقبلة فقط 7.5 مليار شيكل، في حين أن هيكل ميزانية الدفاع الذي قررته الحكومة يتحدث عن تقليص 24.5 مليار شيكل على الأقل.
إذن كيف سيجسر الجيش على الفجوة؟ يبدو أنه لن يضطر للتجسير، إذ أنه في المرحلة المقبلة، قريبا، سيعرض أمام المجلس الوزاري المصغر جداول مفصلة عن خطة «تعوزا». وفي الوقت نفسه سيطلب من الوزراء اتخاذ القرار حول ما إذا كانوا يطلبون من الجيش تقليصا يزيد عن «تعوزا». وقد أعلن قادة في هيئة الأركان مؤخرا أن هيكل ميزانية الدفاع، الذي قررته الحكومة الجديدة عند بلورة ميزانية الدولة، «لا يسمح بتوفير الأمن لإسرائيل». وهم سيرددون أقوالا مشابهة في جلسات الحكومة المقبلة.
وستسخدم أجهزة التسجيل. كل كلمة ستسجل في المحضر. وظل لجنة فينوغراد سيحوم فوق رأس الحكومة، وزير المالية وباقي الوزراء. الأقوال ستصدر عن كبار قادة الجيش ووزير الدفاع في المداولات المصيرية، التي ستتقرر فيها ميزانية الدفاع للسنوات الخمس المقبلة، قد تستخدم مادة خام للجنة التحقيق المقبلة التي ستتشكل، لا سمح الله إن برزت الحاجة.
وسيحتاج نتنياهو ولبيد إلى شجاعة الساموراي للتمسك بالميزانية التي سبق وقرراها. ولن تتوفر لهما هذه الشجاعة. مقامرة مدروسة: ميزانية الدفاع في السنوات الخمس المقبلة ستكون بشكل أو بآخر وفق خطة «تعوزا». وسيطلب من وزارة المالية أن تعرض طرقا أخرى لسد الثغرة التي ستنشأ في ميزانية الدولة (الثغرة السنوية بين ميزانية الدولة المقرة وخطة الحد الأدنى لـ«تعوزا» أكبر مثلا من كل ميزانية وزارة الخارجية). ويمكن لمسؤولي وزارة المالية البدء بإعادة تخطيط الميزانية.
على شفير الحرب
وما قد يزيح تقليص ميزانية الدفاع عن جدول الأعمال في الصيف المقبل هي الحرب، والواقع أن صداما كبيرا في الشمال ليس مستحيلا. وكانت الفترة الأخــيرة مــتوترة خصــوصا: فقد أعلن عن تفجيرات فجر يوم الجمعة في مخازن ذخيرة قرب اللاذقية. وميناء اللاذقية يخدم الإيرانيين لنقل أسلحة لسوريا ولبنان، ولكن وفق ما نشر، كان الهدف مخزن صواريخ ياخونت. وإسرائيل لم تعلق على الهجوم. كما انفجرت سيارة ملغومة هذا الأســبوع في معــقل حزب الــله، وهو ما ينطوي على احتــمال تصعــيد: إذا أراد حــزب الله اتهام إسرائيل بالتفجير بدلا من المتمردين في سوريا، فبوسعه اعتبار ذلك ذريعة لإطلاق النار على الشمال. وهذا لم يحدث.
وفي هذه الأثناء، سيبقى صيف 2013 متوترا جدا في الشمال، فيما الأنظار تتجه إلى مصر أيضا. والتحذيرات الخطيرة التي أطلقها طاقم محاربة الإرهاب في ديوان رئاسة الحكومة لكل الإسرائيليين في سيناء (إن وجد هناك إسرائيليون) يمكنها أن تشير إلى معلومات استخبارية عن عملية مخطط لها. وبالفعل فإن لجهات إسلامية كثيرة في سيناء مصلحة بعملية في هذا التوقيت: عملية تحرج الجيش المصري المكروه وإسرائيل أيضا. عصفوران بحجر واحد. وبالتوازي يستمر التنسيق بين إسرائيل والجيش المصري في محاولة منع عملية كهذه وعرقلة نقل سلاح إستراتيجي من سيناء إلى حماس في غزة.
معاريف
0 comments: