40 سنة وكل شيء تغير
بقلم: غي بخور
تكثر وسائل الاعلام هذه الأيام من وصف حرب يوم الغفران وكأنها وقعت أول أمس فقط، وليس قبل 40 سنة، وبصفتها درسا ما لاسرائيل. كدرس لاسرائيل على قصوراتها المزعومة، عدم اكتراثها المزعوم أو رفضها السلام المزعوم. ولكن لا يوجد عرض أشوه اكثر من هذا، وذلك لأن الواقع الاسرائيلي في حينه يختلف تماما عن واقع اليوم.
في حينه كانت اسرائيل دولة متعلقة اقتصاديا، مع عدد من السكان اليهود قليل يبلغ 2.7 مليون نسمة، اما اليوم فيبلغ عدد السكان 6.5 مليون نسمة، مع وتيرة ارتفاع سريعة. اليهود بصعوبة ملأوا في حينه البلاد، أما اليوم فالاستيطان في بلاد اسرائيل كلها مكثف، جذري، من الشمال وحتى الجنوب، في شرقي القدس وفي قطاعات "يهودا السامرة".
حول اسرائيل كانت في حينه دول عربية مرتبة وقوية، الى هذا الحد او ذاك، بالاساس الدول التي هاجمتها – مصر وسوريا. لا حاجة لوصف وضع هاتين الدولتين البائستين اليوم حيث تدور عمليا فيهما حرب أهلية، بهذا المستوى او ذاك، مثلما في العراق وفي لبنان ايضا. منذ أن تنازلت اسرائيل عن ارض هائلة، صحراء سيناء، مقابل سلام ليس واضحا مدى صموده، ولحظها لم تتنازل عن أراض في الجولان والا فان الحرب الاهلية هناك كانت ستصل اليها مباشرة الى الجليل. في حينه كانت حكومات عربية كان يمكن التوصل معها الى اتفاقات موقعة، واليوم هذه انظمة عسكرية مترنحة، عديمة الشرعية الدولية.
الجيوش العربية، تلك التي هددت دوما اسرائيل منذ قيامها، اختفت. الجيش السوري تفكك، غارق حتى الرقبة في حرب داخلية ليس لها نهاية. وكذا ايضا الجيش المصري، الذي يدير دولة من 90 مليون نسمة، وغارق في حرب أهلية نشطة في صحراء سيناء. منذئذ وحتى اليوم تبين أن الدول العربية ما كانت قادرة على الاستمرار والمواجهة الاقتصادية مع اسرائيل وحيال سباق التسلح، وكذا لهذا السبب اختفت جيوشها. هكذا حصل للجيش الأردني، الذي كان ذات مرة أهم الجيوش العربية، وهكذا ايضا اللبناني.
قبل أربعين سنة كان الحديث عن "النزاع الاسرائيلي – العربي"، ولكن في هذه الاثناء غرق العرب انفسهم في حروبهم الداخلية، ولم يتبق لهم زمن لاسرائيل، ولهذا فقد أصبح هذا اليوم النزاع "الاسرائيلي – الفلسطيني"، بمعنى أن النزاع تقلص. وذات العرب الذين يسمون فلسطينيين؟ ممزقون بأنفسهم بين "يهودا والسامرة" وبين غزة، لا توجد أي صلة بين هاتين المجموعتين السكانيتين المعاديتين والمختلفتين، وفي "يهودا والسامرة" نفسها منقسمون وممزقون، متأثرون بالربيع الفتاك من حولهم. ولحظهم، يحميهم الجيش الاسرائيلي واسرائيل من مصير الحرب الاهلية التي تعصف بالمناطق العربية الاخرى. وقد بات الكثيرون يفهمون بان دولة عربية في "يهودا والسامرة" هي وهم آخر، واحد بين كثر.
لسنوات رووا لنا عن السلام المنشود، وهذا، كما يخيل، "ارث" حرب يوم الغفران على وسائل الاعلام. فالسلام بالطبع لم يندلع هنا، ولا حتى بين العرب وبين أنفسهم، ولكن اسرائيل الواقعية، عديمة الأوهام، تحولت منذئذ الى دولة كثيرة السلام، قوة عظمى اقتصادية، هي حقيقة اقليمية لا جدال فيها. 40 سنة بالاجمال، والعرب كقوة اقليمية اختفوا، مثلما اختفت الأوهام بشأنهم. كم غريب أن القوى الثلاثة الاقليمية الكبرى اليوم ليست عربية: ايران، تركيا واسرائيل.
حرب يوم الغفران لم تكن عبثا. كانت، كما نفهم نحن اليوم، حلقة مهمة في بناء القوة الاسرائيلية بصفتها القوة العسكرية الاقوى في منطقتنا، وهذا هو إرثها الحقيقي، الواقعي، في بناء أمتنا المتجددة.
المصدر:
يديعوت أحرونوت
0 comments: