قراءة صهيونية في الوضع الاستراتيجي لـ”إسرائيل” في ضوء الصراعات الناشبة في المنطقة
مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية، 1/10/2013
ترجمة مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية: كشف الكاتب اليهودي، ونائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن، والمستشار السابق للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، إيلان بيرمان، عن تحوّل في رؤية المسؤولين الصهاينة التي كانت تُعبر عن قلق عميق إزاء موقف “إسرائيل” الاستراتيجي في خضم الهياج المستمر لما يُسمى بـ “الربيع العربي”، واحتمال نشوب صراع على جبهات مُتعدّدة، واصفاً وضع المؤسسة الأمنية الصهيونية بأنّها مُتفائلة بحذر حول الوضع الجيو – سياسي، ولأسباب وجيهة:
1- في مصر: أعادت الإطاحة بحكومة “مرسي” التي يُهيمن عليها “الإخوان المسلمون” قدراً من الحياة الطبيعية على الحدود الجنوبية الغربية لـ”إسرائيل”، رغم التشنجات السياسية الراهنة في البلاد، وكانت نتيجة إسقاط “مرسي” مكسباً صافياً لـ “إسرائيل”، لأنّه خلال الفترة التي تولت فيها حكومته منصبها راهنت على موقف علني جداً مُعاد لـ”إسرائيل” وللغرب، ومع انهيارها واستبدالها لاحقاً بنظام يسيطر عليه الجيش، يرى واضعو السياسات الصهيونية الآن إمكانيات متجددة للمشاركة، والحوار الاستراتيجي مع القاهرة. وأشار “بيرمان” إلى أنّه ورغم اعتبار شبه جزيرة سيناء مصدر قلق مستمر بسبب عدم استقرار الأوضاع هناك وانتشار الفوضى والاجرام مع نهاية نظام مبارك عام 2011، إلا أنّ الحكومة الصهيونية تبدو عموماً مرتاحة لكيفية تعامل الجيش المصري مع الوضع، وعلى استعداد للسماح للقاهرة بأخذ زمام المبادرة لإعادة النظام في سيناء، وسمحت “إسرائيل” لمصر بإعادة قواتها للمنطقة منزوعة السلاح، حيث تشن الآن هذه القوات معركة ضارية ضد العناصر المتطرفة غير النظامية.
2- في الأردن: اعتبر “بيرمان” أنّ فشل “جماعة الإخوان المسلمين” في مصر أدى لتضاؤل جاذبية القوى الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، لافتاً إلى أنّ حكم الملك عبد الله في الأردن أصبح أكثر استقراراً مما كان عليه قبل فترة قصيرة، كما أنّ العناصر الإسلامية داخل المملكة اضطروا للحد والتخفيف من طموحاتهم السياسية في ضوء انهيار “جماعة الإخوان المسلمين”، وفي شمال أفريقيا، حدثت تغيرات صحية مفيدة في النظرة السياسية وطموحات الأحزاب الإسلامية في تونس والجزائر.
3- في إيران وتركيا: أكّد “بيرمان” أنّ التحول الملحوظ في اتجاه “الربيع العربي” المتمثل بانهيار حكومة “الإخوان المسلمين في مصر”، أدّى لفقدان إيران للشرعية نتيجة دعمها العنيد للنظام السوري، كما أنّ المشاكل المحلية الحالية السائدة في تركيا تركت بلدان المنطقة في وضع دون نموذج سياسي وإيديولوجي يُحتذى، ومن غير الواضح ما الذي سيأتي بعد. ولفت إلى أنّ “تل أبيب” تشعر بالأمل وتترقب الفرصة لانتقالها لبيئة إستراتيجية أصبحت تدريجياً مضيافة أكثر مما كانت عليه سابقاً.
4- في سوريا: اعتبر “بيرمان” أنّ الحرب الأهلية السورية، يمكن أن تتحول لتكون في صالح “إسرائيل”، ففي الظاهر، يعرض عامان ونصف من النزاع الجاري بين نظام “الأسد” والمعارضة الداخلية إلى مشكلتين تكتيكيتين لجارتها الجنوبية “إسرائيل”، وهما:
أ- الأول: احتمال الانتشار المحتمل للاضطرابات في سوريا، واختراقها الحدود الشمالية لـ”إسرائيل”.
ب- الثاني: أنّ استخدام النظام للترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية يمكن أن يستمر، أو يتم توزيعها على أطراف ثالثة كـ “حزب الله” في لبنان، أو تستولي عليها قوات المعارضة.
وأشار “بيرمان” إلى أنّ الإجرءات الصهيونية عملت على الحد من أنشطة زعزعة الاستقرار التي تستهدف “إسرائيل” تحديداً، واحتوائها، بدءاً من التعزيزات الجارية من جانب قيادة الجيش شمالاً وصولاً للقصف الاستراتيجي لمستودعات الأسلحة المشتبه بها في سوريا، وفي الوقت نفسه، ساعدت الأعمال الجارية هناك على تآكل القدرات الإستراتيجية للطرفين المعاديين للدولة اليهودية: نظام “الأسد” نفسه، والعناصر الإسلامية من المعارضة، مما يعزز الأمن في “إسرائيل” في هذه العملية.
5- في فلسطين: اعتبر “بيرمان” أنّه يمكن للتحرك المتجدد على الجبهة الفلسطينية أن يُزوّد “إسرائيل” بمزيد من حرية الحركة والمصداقية في العالم الإسلامي، فقد أصبحت إعادة تشغيل المفاوضات المتوقفة مع السلطة الفلسطينية على رأس أولويات إدارة “أوباما” في ولايتها الثانية، لافتاً إلى أنّه ورغم أنّ هذا الجهد، لاقى انتقادات كبيرة في واشنطن أو الخارج، إلا أنّ بدايات مسار الدبلوماسية الجديدة واضحة الآن، حيث أنّ دوافع “إسرائيل” للمشاركة في هذه المحادثات بسيطة ومفهومة على حد سواء، ولا يحمل صناع القرار في “تل أبيب” أي أوهام حول فرص النجاح، لأنّ حكومة “محمود عباس” تفتقر الآن للأهمية والشرعية للانخراط في المفاوضات. واعتبر أنّه من الواضح رغم كل شيء أنّ صدى القضية الفلسطينية لا يزال يتردد في المنطقة، وينبغي التصدي لها، ومعالجتها لدفع الفلسطينيين لإحراز تقدم على جبهات أخرى، مشيراً إلى أنّ مشاركة “إسرائيل” مصمَّمة لإزالة مظهر التعنت، وتسهيل الحوار مع دول المنطقة بشأن القضايا الأخرى في مصر وسوريا وإيران.
6- يرى “بيرمان” أنّ هناك أمراً واحداً لم يتغير، إذ لا يزال البرنامج النووي لإيران يُشكل قلقاً استراتيجياً بالغ الأهمية، ويُشغل بال صناع القرار في “تل أبيب”، فالمسؤولون الصهاينة متحدون في تقييمهم بأنّه رغم العقوبات الاقتصادية الآخذة بالاتساع، وتمّ تحصيلها حتى الآن من قبل الولايات المتحدة وأوروبا ضد إيران، فلا يزال التطور النووي يتسارع وينضج على حد سواء. ورجّح “بيرمان”، نتيجة لذلك، أن تدخل “إسرائيل” منطقة قرار أواخر 2013 أو أوائل 2014 فيما يتعلق بالخطوات القادمة في مواجهة طهران، بما في ذلك، الاستخدام المحتمل للقوة لتحييد برنامجها النووي، مُستبعداً أن يحصل أي تقدّم في الحوار الدبلوماسي بين إيران والغرب، لأنّ “روحاني” يفتقر للقوة اللازمة لإحداث تغيير حقيقي بشأن أي مسألة من المسائل الثلاث التي يمكن أن تُؤثّر فعلياً وبشكل ملموس في علاقة إيران مع الغرب:
أ- طموحات إيران النووية.
ب- الدعم الإيراني للنظام السوري.
ت- دعم إيران لـ “حزب الله” في لبنان.
وختم “بيرمان” قوله بأنّ موقف “إسرائيل” المحسّن، بحكم طبيعته، يُمكن أن يكون أي شيء دائماً، ما عدا التطورات المُزعزِعة للاستقرار، مثل تكثيف المواجهة الحالية بين الحكومة المصرية والقوى الإسلامية أكثر، أو الاستخدام السوري الواسع النطاق على نحو متزايد للأسلحة الكيميائية، ما قد يُؤثّر سلباً، وبسرعة، في الأمن الصهيوني، لاسيما مع تآكل الموقف الأمريكي في المنطقة، وعدم وضوح الاستراتيجية الأميركية وتأثيرها على متانة شراكاتها مع الحلفاء الإقليميين، وإمكانية أن يشمل ذلك “إسرائيل”. واعتبر “بيرمان” أنّه ورغم ذلك، وفي الوقت الراهن، فإنّ الوضع الاستراتيجي لـ”إسرائيل” أفضل بكثير مما كان عليه في أي وقت في الماضي القريب، وحيث أنّ هذا هو الحال فإنّه يشهد على الجمع بين المهارة والحظ اللذين تمكّنت بهما من الإبحار في خضم الاضطرابات التي تحيط الآن بالمنطقة التي تستوطنها، على الأقل حتى الآن.
معهد هرتسيليا متعدد المجالات
0 comments: