فشل الاستراتيجية الرابعة
بقلم: يحزقيل درور
اسرائيل، مثل الكثير من دول اخرى، تكثر من استخدام مفهوم ‘المصالح الحيوية’. غير أن هذا تعبير غامض قسم من مضمونه موضع خلاف. هذا بالضبط هو السبب في أنه مناسب للاغراض الدبلوماسية والاعلامية، ولكن عندما يستخدم كاساس للسياسة ينبغي الايضاح بالضبط ما المقصود عند استخدامه، في ظل التركيز على المصالح الحرجة.
المصلحة الحرجة العليا، وان لم تكن الوحيدة هي منع اوضاع تعرض للخطر وجود دولة اسرائيل بحد ذاته. اسرائيل هي من الدول القليلة في العالم التي يحدق بها خطر وجودي. بسبب المقاومة العميقة لمعظم الجهات في اوساط العرب والمسلمين لمجرد وجودها هجوم فتاك عليها، في حالة نجاح عدو متزمت في تحقيق سلاح نووي او بيولوجي حديث، هو سيناريو ممكن. تقليص هذا الخطر الى الحد الادنى هو بالتالي مصلحة اسرائيلية عليا.
من هنا تفترض أربع استراتيجيات كبرى: منع الجهات المعادية من تحقيق وسائل من شأنها أن تعرض وجودنا للخطر؛ الابقاء على الردع الشامل الذي يعني رسالة قاطعة وبموجبها كل من يحاول المس بشكل وجودي لاسرائيل سيدمر تماما بالتأكيد؛ الحفاظ والتعزيز للعلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة؛ تقليص الاسباب لابادة اسرائيل، ولا سيما من خلال الدفع الى الامام بسلام حقيقي ليس في شروطه ما يعرض وجودنا المادي او قيمنا للخطر.
بالنسبة للاستراتيجيات الثلاثة الاولى يمكن بالاجمال تقدير نشاط اسرائيل بشكل ايجابي. وهي تبذل جهودا هامة لمنع قدرات نووية لايران (حتى وان كان من الافضل ربما مهاجمة منشآتها قبل نحو سنة، بالتداخل مع مبادرة سلام شاملة). ولكن يوجد للباكستان سلاح نووي، وفي ظل غياب نظام أمن عالمي مناسب لا يوجد يقين بانه يمكن أن نمنع على مدى الزمن شراء سلاح يعرض وجودنا للخطر من قبل دول وربما منظمات ارهابية متزمتة.
من هنا الاهمية الكبيرة للردع. فالغموض الاسرائيلي في مجال القدرة النووية هو سياسة سليمة وتخلق صورة ردعية ذات مصداقية. ولكن امام اعداء مستعدين ربما لعمليات انتحارية على مبدا ‘علي وعلى اعدائي اليهود’ لا يوجد يقين تام في نجاعة الردع.
العلاقات الخاصة التي تقيمها اسرائيل مع الولايات المتحدة وان كانت متينة، الا انه لا يمكن الضمان بان تستمر في كل الاحوال. مصالح الولايات المتحدة ليست بالضرورة مشابهة دوما لمصالحنا، مثلما تشهد الخلافات في مسألة التحول النووي الايراني ودعمها لاسرائيل من شأنه أن يقل بسبب تغييرات في مكانتها العالمية، التحولات في سياستها الداخلية ومعارضتها لسياستنا. وبالتالي فان علينا أن نعترف بتعلقنا بالولايات المتحدة والاجتهاد لتعزيز علاقاتنا معها، حتى وان كان الامر يستوجب خطوات لا تروق لنا طالما لا تعرض هذه وجودنا وقيمنا الاساس للخطر. وبالاجمال، اذا لم يغرينا اتخاذ سياسة عابثة، يمكننا ان نعتمد على دعم الولايات المتحدة.
وهنا نصل الى الاستراتيجية الرابعة تقدم السلام الشامل وهنا العلامة التي تتلقاها اسرائيل سلبية أكثر. مع ان الاتفاقات مع مصر والاردن اثبتت نفسها في كل ما يتعلق بالمواضيع الامنية الاساسية، فان اسرائيل لا تعترف بما فيه الكفاية باهمية السلام الشرق اوسطي الشامل كعنصر حيوي في رزمة الامن القومي، حتى وان لم يكن هناك يقين بشأن استقراره في ضوء التغييرات في المنطقة.
يوجد شك كبير في مسألة اذا كانت اسرائيل مستعدة لان تدفع ثمن اتفاق معقول مع الفلسطينيين، حتى لو تراجعوا عن مطالبهم غير المناسبة. ولكن المسألة الفلسطينية بحد ذاتها، مع كل أهميتها، ليست حرجة لامن اسرائيل الوجودي. أخطر بكثير هو غياب استراتيجية شاملة اسرائيلية للدفع الى الامام باتفاق سلام اقليمي وتحسين علاقاتها مع المحافل الاسلامية بعمومها. جرت أعمال في الاتجاه اللازم، ولكنها بعيدة جدا عن الكتلة الحرجة الحيوية بتقليص الخطر بعيد المدى الكامن في مجرد المعارضة المستمرة وذات الجذور العميقة لوجودنا في ‘دار الاسلام’.
هذا الاخفاق الخطير في السياسة الاسرائيلية ينبع من خلافات في الرأي حول مصالح قيمية تعتبر كحرجة لمستقبلنا. فالكثيرون يرون في الاستيطان في يهودا والسامرة وفي الحكم الاسرائيلي الحصري على القدس الموسعة مصلحة وجودية مقابل كثيرين يعتقدون بان تقدم السلام أفضل.
ان عدم القدرة الاجتماعية، السياسية والزعامية لحسم المعاضل القيمية الصعبة هذه هو نقطة ضعف اسرائيل ومن شأنه أن يعرض وجودنا للخطر اكثر من اي تهديد آخر. وهو يؤدي الى المراوحة السياسية بدلا من اتخاذ مبادرة حقيقية للتقدم نحو سلام شامل هو حيوي للامن الوجودي بعيد المدى. والتغلب على ‘الثقب الاسود’ الخطير هذا في سياسة اسرائيل منوط أولا وقبل كل شيء بزعامة رئيس الوزراء.
0 comments: