Wednesday, November 6, 2013

لقاء المالكي: فرصة لإعادة هيكلة سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق

لقاء المالكي: فرصة لإعادة هيكلة سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق

 30 تشرين الأول/أكتوبر 2013
عندما يلتقي الرئيس أوباما مع رئيس الوزراء نوري المالكي في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، سوف تتاح له فرصة نادرة لنقل رسائل قوية إلى كل من القائد العراقي وشعبه. وسوف ينصت الكثير من العراقيين ويترقبون عن كثب أي إشارة تدل على أن الحكومة الأمريكية لا تزال قوة اعتدال في دولتهم وثقل موازنة ضد التدخل المتصور لإيران الشيعية ودول الخليج السنية وتركيا. وإذا لم يُسمع صوت قوي للولايات المتحدة، فسوف تكون الرسالة واضحة: أن الدول الأخرى الأقل حيادية والجماعات العسكرية العابرة للحدود سوف تكون أمامها فرصة لتشكيل التأثيرات الخارجية الرئيسية على العراق، وهو الاتجاه الآخذ في الترسخ بالفعل بصورة تدريجية.
دعم الاستقرار
في يوم الجمعة وما بعده، سوف تستمر بعض المناقشات الأمريكية العراقية في التركيز على التعاون الضعيف في مجالي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب. وهذا أمر حيوي لأن العراق يبدو المكان الوحيد في المنطقة الذي يستطيع فيه عضو من جماعة كبرى منتسبة لـ تنظيم «القاعدة» السير في الشوارع أو طرق الصحراء الخالية وهو آمن لعلمه أنه لن يُقتل عن طريق غارة تشنها الطائرات الأمريكية بدون طيار.
لكن حتى إن عرض الرئيس أوباما مساعدة أمريكية أكبر للقوات الخاصة وأجهزة الاستخبارات العراقية المنهكة، فينبغي له أن يؤكد للمالكي أن بغداد لا تستطيع الخروج من الأزمة الحالية عن طريق العنف. كما لا يمكن لقوات الأمن التي تقودها حكومة شيعية أن تمنع المشكلة من خلال عزل السنة في مناطق وأحياء منفصلة، وهو ما يحدث حالياً ببطء. إن جهود مكافحة التمرد التدريجية المعتمدة على السكان - حيث تكون الولايات المتحدة مؤهلة بشكل فريد لإعادة تعليم الجيش العراقي - هي فقط يمكنها أن تغير الوضع الأمني ولن تستطيع إنجاز ذلك إلا بمساندة من جهود المصالحة الطائفية الحقيقية التي يصوغوها العراقيون ويدعمها المجتمع الدولي بقوة.
على سبيل المثال، من بين أبرز التهديدات المحلية لـ تنظيم «القاعدة» هي جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المنتسبة إليه، والذي لا تزال لأنشطته الجهادية في سوريا آثار غير مباشرة على العراق. وفي حين أن لدى الولايات المتحدة مصالح قوية في استئصال هذه الجماعة السنية المتطرفة، إلا أن أي جهود من هذا القبيل يجب أن يصاحبها تدابير أمريكية أخرى، حيث إن تركيا ودول الخليج السنية ستنظر إلى الإجراءات المنفصلة ضد جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على أنها خطوة أمريكية أخرى "تجاه" بشار الأسد وإيران و"الجانب الشيعي" من الصراع الطائفي في المنطقة. ولذا ينبغي على الرئيس أوباما أن يربط المساعدات الأمنية بتواصل واضح من الحكومة العراقية مع السنّة (على سبيل المثال، عن طريق عكس سياسة عزل السنة المذكورة آنفاً). ينبغي على الإدارة الأمريكية أيضاً أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في دعم المتمردين السنة غير المتطرفين وأن تعيق طموحات إيران الإقليمية، كل ذلك مع توضيح عدم تورط الولايات المتحدة في أي صراع بين السنة والشيعة. وفي المقابل، يجب على المالكي أن يفعل ما هو أكثر من ذلك لوقف عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى سوريا، والتي تتم حالياً عبر الأراضي العراقية مع قدر قليل من التدخل. وفضلاً عن التداعيات الإقليمية السلبية، فإن عمليات نقل الأسلحة هذه تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي.
وعلى الساحة السياسية، سوف تمثل الانتخابات القومية العراقية في عام 2014 خطوة كبيرة أخرى على طريق العودة من الانهيار أو ستكون عامل مفاقم يعمل على التعجيل بتدهور الأوضاع في البلاد. وهنا أيضاً، توجد أمام واشنطن فرصة نادرة أخرى لممارسة قدر من النفوذ الإيجابي في العراق، لكن فقط إذا أعرب الرئيس أوباما بوضوح بأن الولايات المتحدة تقف وراء العملية الديمقراطية بدلاً من أي نتيجة محددة. وبدون هذه الرسالة الواضحة، سوف ينظر الكثير من العراقيين إلى زيارة البيت الأبيض يوم الجمعة على أنها دعم للمالكي قبل الانتخابات، وهو ما يريده تماماً القائد العراقي. لقد حان الوقت لبدء التأكيد - بشكل متسق وعلني - على أن الانتخابات القادمة ستكون حرة ونزيهة وسوف تجرى في موعدها المحدد. وليس هناك الكثير مما يخسره الرئيس أوباما إذا صرح أن الولايات المتحدة تتطلع للعمل مع الحكومة العراقية عقب الانتخابات، بغض النظر عن قائدها وعن تشكيلها.
ويستطيع الرئيس الأمريكي كذلك أن يؤكد على إنصاف الولايات المتحدة والوحدة العراقية بالحديث عن أهمية إجراء الانتخابات الإقليمية لـ "حكومة إقليم كردستان" التي جرى تعليقها لأن الأحزاب الكبرى تخشى من ألا تروق لها النتائج. إن توضيح أن واشنطن تكرس اهتماماً رفيع المستوى لمثل هذه التفاصيل قد يساعد على تحسين التطورات السلبية في العراق. ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي على سبيل المثال، أقنع التدخل الأمريكي بغداد بعدم اعتقال السياسي السني الرائد رافع العيساوي، وهي خطوة كان من الممكن أن تعمق الأزمة الأمنية القائمة منذ فترة. ينبغي ألا ننسى هذه الممارسة المتواضعة للنفوذ الأمريكي.
مثلث العراق- "حكومة إقليم كردستان" - تركيا
يرجح أن يكون إنتاج النفط المصلحة الأمريكية المباشرة الأكثر وضوحاً في العراق، لأسباب اقتصادية واستراتيجية على حد سواء. ورغم التعقيدات الروتينية الكثيرة والقدرة المنهكة على إدارة المشاريع، إلا أن الحكومة العراقية تزيد ببطء من صادراتها النفطية، وهذا عامل حيوي في تعويض الأثر العالمي للعقوبات النووية التي ساعدت على جلب إيران إلى طاولة المفاوضات. ينبغي على واشنطن أن تواصل توسيع نطاق دعمها (الفني وخلافه) لهذا القطاع.
لقد تبنت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة موقفاً يقوم على ضرورة بيع جميع النفط العراقي من قبل "مؤسسة تسويق النفط العراقية"، مع توزيع المبالغ المستلمة من خلال الخزانة الفيدرالية. وقد جعل هذا الموقف واشنطن في صراع مع "حكومة إقليم كردستان"، التي تفسر الدستور على نحو مختلف. ويرى الأكراد أن التسويق والتسييل المستقل للنفط الذي تنتجه "حكومة إقليم كردستان" ينبغي أن يكون مقبولاً لبغداد وواشنطن طالما أن المنطقة الشمالية تتلقى في النهاية أموالاً تعادل تلك التي كانت ستحصل عليها من ممارسات مشاركة العائدات الفيدرالية المعتادة. وقد أعربت تركيا عن دعمها الفعلي لوجهة نظر "حكومة إقليم كردستان"، علماً بأن البنية التحتية المطلوبة للصادرات في المنطقة قد اكتملت تقريباً، الأمر الذي يجعل من المحتمل جداً أن تمضي "حكومة كردستان العراق" في مبيعات النفط الأجنبية المستقلة بأحجام مرتفعة في العام المقبل سواء بموافقة عن بعد من واشنطن أو بدونها.
وبناءً عليه، يتعين على الرئيس أوباما أن يحث المالكي على تنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه مع رئيس "حكومة إقليم كردستان" مسعود برزاني في نيسان/أبريل (لا سيما فيما يتعلق بتعويض شركات النفط عن تكاليف الإنتاج من الميزانية الفيدرالية) من أجل السماح للأكراد بتجديد الصادرات بموافقة من بغداد. يجب أن يشير الرئيس الأمريكي أيضاً إلى أن واشنطن ليست معادية لصادرات "حكومة إقليم كردستان" ما لم يتضح أن الأكراد يرفضون نهجاً منطقياً للحكومة العراقية.
وفي غضون ذلك، ينبغي أن يركز المسؤولون الأمريكيون على المساعدة في تدقيق المزاعم المرتبطة بإنتاج النفط والإيرادات الفيدرالية لـ "حكومة إقليم كردستان"، حيث يُنظر إلى واشنطن على أنها أكثر موضوعية في هذه المجالات. كما يتعين على الإدارة أن تحسن من علاقات العمل مع "حكومة إقليم كردستان"، وأن توضح للمالكي أنه رغم رغبة الولايات المتحدة في قيام تنسيق كردي مع بغداد، إلا أن الشمال سوف ينتج النفط (وكذلك الغاز الطبيعي في النهاية) ويصدره بطريقة أو بأخرى.
وبالنسبة لأنقرة، فعلى الرغم من أن وجود قدر من التعاون في قطاع النفط والغاز بين "حكومة إقليم كردستان" وتركيا أصبح حتمياً في هذه المرحلة، إلا أنه لا يزال بوسع المسؤولين الأمريكيين توجيه كلا الطرفين إلى الشراكة مع الحكومة العراقية. ينبغي على واشنطن أن تكون قادرة على مساعدة بغداد في إيجاد تسوية تحفظ ماء الوجه وتضع الأساس لاتفاق كبير حول مشاركة الإيرادات وتصاريح التعاقدات النفطية في منتصف المدة خلال فترة الحكومة التي تستمر من 2014 إلى 2018. إن اجتماع الرئيس الأمريكي مع المالكي يعد فرصة لإجراء مراجعة رسمية لموقف الولايات المتحدة العتيق تجاه هذه القضية: وعلى أي حال، تراجع المالكي نفسه إلى حد كبير عن تهديد "حكومة إقليم كردستان" بشأن الصادرات. ولا ينبغي أن تكون واشنطن آخر من يظل واقفاً في لعبة الكراسي الموسيقية هذه، بمعارضتها شيء كانت بغداد قد رضخت له إلى حد بعيد من الناحية العملية. ولا تستطيع واشنطن أن تتحمل خسارة مزيد من النفوذ أو السمعة لدى "حكومة إقليم كردستان"، وكلاهما في أدنى مستوياته حالياً.
إعادة تنشيط نهج الولايات المتحدة
يحتل العراق حالياً وضعاً استثنائياً وبائساً في عملية صنع القرارات الإقليمية الأمريكية. وأي دولة أخرى تملك نفس الموارد الاستراتيجية وتواجه تلك التحديات الهائلة سوف تحظى بمزيد من المساعدات المباشرة، لا سيما من حيث الدعم في مكافحة الإرهاب. بيد، أن الوصمة التي لحقت بالاحتلال العسكري السابق حالت دون نظر واشنطن إلى العراق من منظور جديد، استناداً إلى أهميته الاستراتيجية. وحتى مع تحول تركيز الإدارة الأمريكية تجاه آسيا، فإن دولاً مثل الصين والهند تحوّل تركيزها باتجاه العراق، حيث تعترف بأهميته وتضخ الكثير من الاستثمارات هناك. وباختصار، لا يمكن التقليل من أهمية العراق. والسبيل الوحيد لإبعاد هذه الدولة المضطربة عن شاشات التلفزيون الأمريكية هو من خلال توسيع الانخراط الأمريكي على المدى القريب، لا سيما أثناء الانتخابات الهامة التي ستُجرى العام القادم - وهي الانتخابات الوطنية الأولى منذ الانسحاب العسكري الأمريكي ومرحلة فارقة يمكن من خلالها الحكم على التزام واشنطن بديمقراطية العراق وازدهاره.

مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: