Wednesday, November 13, 2013

اسرائيلي في ايران

اسرائيلي في ايران

بقلم: إلداد باك
في الاسبوعين اللذين قطعت فيهما ايران من جنوبها الى شمالها، من شيراز الى تبريز مرورا بيزد وأصفهان وطهران، رأيت وجوها مبتسمة كثيرة جدا. فالايرانيون يوحون اليوم بتفاؤل كبير وكأنهم تحرروا. لقد انتهت سنوات احمدي نجاد الثماني السيئة.
قبل خمس سنوات، قُبيل نهاية فترة الرئاسة الاولى لاحمدي نجاد، زرت هذه الدولة الآسرة أول مرة. وقد امتنع ايرانيون في الشوارع من انشاء اتصال خشية أن يتضح أن السائح غير المعروف هو في واقع الامر عميل للسلطات المحلية. وكان يصعب ألا أشعر كما لو أنني في طنجرة ضغط تهدد بالانفجار.
إن ايران التي عدت إليها الآن مدة اسبوعين تغيرت تغييرا تاما تقريبا. لأن اشياء كثيرة كانت مُحرمة الى الفترة الاخيرة وكانت تتم فقط في الغرف المغلقة خشية عملاء شرطة الآداب، أصبحت تجري الآن في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد. فالأزواج يسيرون في الشوارع يُمسك بعضهم بأيدي بعض أو يعانق بعضهم بعضا دون أن يحاول أحد أن يفحص هل هم متزوجون زواجا شرعيا. والمقاهي مليئة بمجموعات مختلطة من الشباب من الشباب والشابات يدخنون النارجيلة معا بطعم النبيذ أو الويسكي وهم يلبسون أفضل طرز اللباس الغربية ويضحكون بلا توقف.
ولم يعد الناس يخشون التقدم مني والحديث إلي بصفتي أجنبيا بل بالعكس فقد بادروا طوعا الى أحاديث ولقاءات وكادوا يقفون صفا ليتم التقاط الصور لنا معا. وكان من المهم للجميع أن يؤكدوا أن ايران تتغير. إن الايرانيين الآن تواقون الى اتصال بالعالم الخارجي ولا سيما الغرب وضاقوا ذرعا بكونهم معزولين ومقطوعا معهم.
رفض باعة أن يأخذوا مني مالا في المخابز والمطاعم بل في حانوت أشرطة مسجلة طلبت فيها أن أشتري عددا من الأفلام الايرانية الجديدة. ورفض البائع في الحانوت بقوة أن يأخذ الثمن مني. ‘أنت خارجي (أجنبي)’، قال لي بابتسامة ضخمة، ‘أهلا وسهلا في ايران’.
وكان أكثر ما فاجأني في زيارتي الحالية عدم وجود شعور بالنقص. فقد طور الايرانيون سبلا كثيرة للالتفاف على العقوبات الكثيرة التي فُرضت عليهم. وتُدخل شبكات تهريب الى الدولة منتوجات تُعارض روح الاسلام وروح عقوبات الامم المتحدة. ويمكن أن تجد في الأسواق الشديدة الغليان وفي مراكز المشتريات الحديثة التي تُبنى بايقاع سريع سلعا من كل نوع ومنها أفضل منتوجات الكماليات والماركات الفخمة من الغرب. وفي أرجاء ايران كلها تنشأ بسرعة قصوى أحياء سكنية جديدة ومراكز شراء عصرية وفنادق خاصة بعضها بفخامة لا تخجل منها أية عاصمة اوروبية.
يصعب أن نرى تأثير العقوبات اليومي’، يُبين لي رجل اعمال ايراني، ‘لكن العقوبات مشعور بها جيدا لدى أجزاء واسعة من السكان. فالتضخم المالي يطغى وقيمة العملة المحلية في تهاوي والبطالة في ازدياد. وفي الأحياء الجنوبية الفقيرة من طهران التي كانت في الماضي قلاع تأييد احمدي نجاد، يشعرون جيدا بسوء ظروف العيش. فالناس هناك مستعدون لبيع كل شيء يملكونه لكسب شيء قليل من الطعام’.
الوضع الاقتصادي يظهر أثره هنا وهناك، فقد رأيت في مركز أصفهان مظاهرة لعمال مصنع محلي خرجوا الى الشوارع لأنهم لا يدفعون إليهم رواتبهم؛ ورأيت في مركز طهران أولادا يتسولون بين صفوف السيارات في الشوارع الرئيسة.
حرية اللباس
ومع كل ذلك تكررت كلمة واحدة مرة بعد اخرى في أحاديثي الى المحليين وهي ‘الأمل’. فبعد سنوات احمدي نجاد، أصبح ايرانيون كثيرون ولا سيما الشباب منهم يُبيحون لأنفسهم النظر الى الأمام في أمل.
حاولت في حديث لي مع طالبات جامعيات أن أقف على ماهية الأمل الجديد الذي يملؤهن. وهن متبرجات وشعورهن المصبوغة تنسل من غطاء الرأس الذي يتم تثبيته بدبوس على هيئة زهرة من القماش تظهر على رؤوسهن. وقد اختفى حرس الآداب الثوري الذي اعتاد في الماضي أن يُجبر النساء على إزالة أصباغ الوجه عن وجوههن بأوراق الزجاج أو طرحوا في السجون نساءا لم يلبسن الحجاب، اختفوا كأنهم لم يوجدوا.
وتلبس طالبات الجامعات تحت معاطف عصرية ملونة تغطي ثلثي أجسامهن، بنطالات الجينز الضيقة أو البنطالات الضيقة الشفافة. ‘إن أملي هو أن أعيش كما أريد’، تُجيبني احدى الطالبات. وأُصعب الامر عليها بسؤالي: ‘وكيف تريدين أن تعيشي؟’. فتجيب ‘أريد أن أكون قادرة على أن ألبس ما أشاء دون أن يرغمني أحد على شيء’.
وليس لها ولرفيقاتها مواقف سياسية قاطعة. فهن مثل غير قليل ممن في مثل أعمارهن من البنين والبنات في الغرب أكثر عناية بالامور المادية كالموضة والجمال والمنتوجات الحديثة.
إن شوارع طهران وشيراز وأصفهان غارقة بنساء ورجال أنوفهم مغطاة بلصقات الجروح؛ فان العمليات الجراحية التجميلية قد أصبحت الموضة الغالبة بين شباب ايران من الجنسين. فجميعهم يريدون أنفا صغيرا جذابا. وكذلك غرس الشعر الصناعي، وأصبحت حوانيت الملابس تعرض علنا ملابس نسائية شديدة الجرأة تكشف عن كثير. وتُعرض على رؤوس الأشهاد ايضا ملابس داخلية جذابة جنسيا.
في زيارتي لايران قبل خمس سنوات شعرت بخوف حقيقي من هجوم عسكري. ويبدو الآن أن الايرانيين لم يعد يقلقهم امكان هجوم اسرائيلي. إن أكثر الايرانيين في الحقيقة لا يعنيهم المحادثات الذرية، فهم مشغولون بالامور اليومية والمشكلات المالية ويتلذذون بجو الحرية النسبية المجددة التي تسود الدولة.
‘ ‘كل شيء أكاذيب
سارعت ادارة روحاني الجديدة الى الابتعاد، نحو الخارج على الأقل، عن تصريحات احمدي نجاد المعادية للسامية، لكن ريح معاداة السامية ما زالت تهب على أروقة المؤسسة الدينية الايرانية. فقد شاهدت في شبكة تلفاز رسمية الفيلم الايراني المعادي للسامية ‘صياد السبت’ الذي صدر قبل سنتين ولقي إقبالا واسعا عليه. إن ‘بطل’ الفيلم هو حاخام ‘صهيوني’ يعيش في اسرائيل ويُجري على ابنه الصغير غسل دماغ موجه على ‘غير اليهود’. ويتحول الابن الى آلة قتل تقتل كل من ليس يهوديا. وفي مساء الغد عُرض فيلم ‘شهادة’ أُجريت فيه لقاءات مع كل مُنكري المحرقة المعروفين الذين زعموا أن المحرقة لم تكن ولم توجد وأن ‘النازية كانت هي الممولة الرئيسة للحركة الصهيونية’.
لا يشاهد هذه ‘الاعمال’ أبناء الطبقات العليا من المجتمع الايراني. فهؤلاء يمتنعون عن مشاهدة التلفاز الرسمي في بلدهم، وهم متصلون بأقمار صناعية لمحطات مغتربين ايرانيين تبث من الولايات المتحدة أو بمحطات تلفاز أجنبية. وهذا محظور رسميا. لكن أكثر البيوت في المدن الكبيرة مزودة اليوم بصحون التقاط بث الاقمار الصناعية التي تُخفى عن عيون الاجانب إخفاءا جيدا. ‘ينبغي ألا نُقلل من تأثير الدعاية في الطبقات الضعيفة الممنوعة من صلة بالعالم الخارجي’، يقول طالب للهندسة ويضيف فورا: ‘برغم أن كل ما يُقال في وسائل اعلام المؤسسة أكاذيب’.
  المصدر:
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: