Wednesday, November 6, 2013

جلاّدو النظام السوري المستعدّون

جلاّدو النظام السوري المستعدّون

1 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني/أكتوبر أصدرت "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" تقريراً جاء فيه أن الحكومة السورية دمّرت المعدات التي استخدمتها في إنتاج ترسانتها الكيماوية، مما يعني وفائها بأحد التزاماتها بموجب العملية التي أُعِدّت في أيلول/سبتمبر لإخلاء البلاد من مثل هذه الأسلحة. ومع ذلك، فللأسف بالنسبة للشعب السوري، لا يزال النظام يمتلك الوسائل للقتل وسوف يستمر في ذلك على نطاق مروع. وعلى مدى العامين ونصف العام التي مضت، تحولت قوات بشار الأسد النظامية وغير النظامية إلى آلة قتل فعالة ضارية تتمتع بالموارد الكافية وتضم عشرات الآلاف من السوريين في لباس رسمي أو غير رسمي يشاركون في ذبح أبناء وطنهم سواء من قُرب أو من بُعد.
مسار القتل
منذ اندلاع الثورة، أثبت النظام السوري بأنه لن يتورع عن اللجوء لأي مستوى ضروري من العنف لسحق المعارضة. وقد كانت السمة الغالبة للحرب هي التصعيد المطرد لقوة النظام النيرانية. فحيث بدأت بالضرب وقامت بحملة اعتقالات جماعية واستعملت الأسلحة الخفيفة، انتقلت قوات الأسد بسرعة إلى استخدام الدبابات ومركبات المشاة القتالية والمدافع المضادة للطائرات ومدافع الهاون الثقيلة ومدفعية الميدان وصواريخ المدفعية والحوامات القتالية المزودة بقنابل برميلية والطائرات المقاتلة ذات الجناح الثابت المزودة بأسلحة حارقة وانشطارية وصواريخ أرض- أرض، وأخيراً الأسلحة الكيماوية. وصاحب هذا التصعيد حملة اعتقالات وتعذيب وإعدامات ميدانية وجهود لحرمان أفراد ومجتمعات كاملة من الطعام والماء والخدمات الطبية. وباختصار، شن الأسد حرباً داخلية شاملة ضد المعارضة المسلحة وغير المسلحة أفضت إلى نتائج مروعة من حيث الإصابات، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنشاط الاقتصادي وتشريد السكان. وقد أصبحت معظم سوريا فعلياً منطقة يُسمح فيها لقوات النظام بإطلاق النار.
إن الهدف الاستراتيجي من القتل واضح وهو: تدمير قوات الثوار والقضاء على قاعدة دعمهم المدنية أو تشريدها وإنشاء مناطق آمنة تحت سيطرة النظام وتهيئة جو من الإرهاب والذعر. وعلى الرغم من أن الدوافع هي أكثر تعقيداً على المستويين المحلي والفردي، نجح النظام في تجريد معارضيه من صفة الإنسانية وأثار أكثر المشاعر والعواطف البدائية بين مؤيديه، بمن فيهم السوريين "العاديين" والجلادين المستعدّين على حد سواء.
منظمات القتل
انخرطت مجموعة واسعة من المنظمات والقوات في قتل المدنيين على أساس روتيني - ولم تشمل هذه وحدات أساسية قليلة مقربة من مركز النظام فحسب، بل تضمنت أيضاً وحدات نظامية عديدة من الجيش، والقوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي، ومجموعة واسعة من القوات غير النظامية، وأجهزة المخابرات والشرطة، والقوات الأجنبية الحليفة (على سبيل المثال، «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية). وعلاوة على ذلك، لا تعمل هذه القوات في معزل عن بعضها البعض. بل تتعاون وتنسق؛ وهناك تضافر في عملياتها.
القوات النظامية: انغمست القوات المسلحة السورية النظامية في الحرب الأهلية منذ البداية. فقد كانت حاسمة بالنسبة لقدرة النظام على البقاء في السلطة وشكلت قاعدة ردّ الأسد على الثورة. وعلى هذا النحو اشتركت على نطاق واسع في جرائم العنف ضد المدنيين. وقد أفادت تقارير المعارضة عن اشتراك ما يزيد عن ستين لواءاً نظامياً وتشكيلات على مستوى الأفواج في الحرب. وعلى الرغم من أن الأخطاء في تسمية الوحدات والعدّ المزدوج قد ضخّما هذا الرقم إلى حد ما، فمن الواضح أن جزءاً كبيراً من الجيش النظامي يشارك في المعركة. وشملت معظم أنشطة التشكيلات المبلغ عنها القصف أو إطلاق النار المباشر ضد قوات الثوار ومناطق المدنيين.
وأظهرت مقاطع فيديو قيام وحدات جوية بقصف أهداف المعارضة بمروحيات Mi-8/17 وMi-25 والطائرات القتالية ميغ 21 وميغ 23 وميغ 29 وسوخوي 22 وطائرات التدريب L-39 ذات القدرة على القتال. هذا بالإضافة إلى ورود تقارير عن اشتراك طائرات النقل العسكري والطائرات المدنية في نقل الذخائر والقوات في جميع أنحاء البلاد.
وقد لعبت صواريخ النظام بر- بر دوراً فعالاً في الحرب - على الأقل منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2012، عندما بدأت الضربات المستمرة على أهداف في منطقة واسعة. وأغلب ما تم التعرف عليه من وحدات الصواريخ بر- بر في تقارير المعارضة هو لواء صواريخ سكود رقم 155 العامل من منطقة القلمون شمال شرق دمشق. ولكن هناك وحدات أخرى تستخدم أنظمة صواريخ SS-21وصواريخ فاتح-110 يظهر اشتراكها أيضاً في عمليات القصف. وحالياً، أفادت مصادر المعارضة عن ضربات صواريخ بر- بر على أساس شبه يومي مع شن هجمات متعددة في بعض الأيام.
كذلك اشتركت قوات الدفاع الجوي النظامية في عمليات القصف وإطلاق النار. وكثيراً ما تشير تقارير المعارضة إلى شن هجمات على مناطق مدنية باستخدام أسلحة مضادة للطائرات، يُقال إن بعضاً منها على الأقل أُطلِق من مرافق للدفاع الجوي. وانطوت معظم الحوادث على استخدام المدافع المضادة للطائرات في دور إطلاق النار المباشر، رغم ورود تقارير أيضاً عن استخدم صواريخ أرض - جو في دور سطح إلى سطح.
القوات غير النظامية: يعوّل النظام بشكل متزايد على القوات غير النظامية في مواصلته للحرب. وقد دفعت الخسائر والانشقاقات والهروب من الخدمة بين القوات النظامية هذا التحول وكذلك التعويل المحدود المُفترض على بعض الأفراد. وهذه العناصر غير النظامية قادرة على أية أعمال وحشية ومسؤولة عن بعض من أسوأ الحوادث في هذه الحرب. وفي حين أن جنود القوات النظامية هم قتلة تقليديون بدرجات متباينة، إلا أن القوات غير النظامية كانت من بين القتلة "عن قرب وعلى مستوى شخصي" في الصراع.
واليوم، تتكون معظم القوات غير النظامية من مجموعات غير منضبطة تعمل تحت قيادة "قوات الدفاع الوطني" وهي منظمة نشأت لتنظيم صفوف مجموعة غير متراصة من مؤيدي النظام المتشددين وزيادة كفاءتهم من الناحية العسكرية وربطهم بعمليات القوات النظامية. وتشمل عناصر "قوات الدفاع الوطني" مقاتلي الشبيحة و"اللجان الشعبية" والميليشيات المحلية. وينحدر هؤلاء الأفراد من طيف واسع من المجتمع السوري بمن فيهم العلويين وغيرهم من مجتمعات الأقلية والقطاعات الحضرية والريفية. وخلال تقدم الحرب، لعبت "قوات الدفاع الوطني" دوراً أكبر، حيث تعمل القوات غير النظامية جنباً إلى جنب مع القوات النظامية وخصوصاً وحدات المدرعات والمدفعية. واستناداً إلى تقارير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تشكل "قوات الدفاع الوطني" نحو 30 في المائة من قتلى قوات النظام يومياً.
وقد أدى العدد المتنامي في الخسائر والتهديد المستمر للنظام إلى قيام حلفاء الأسد أيضاً بدفع قوات كبيرة إلى المعركة. وقد أصبح المقاتلون من «حزب الله» والشيعة العراقيين وربما بعض الإيرانيين بصورة تدريجية عنصراً أكثر أهمية بين قوات النظام وخاصة خلال الهجمات في محافظة حمص وضواحي دمشق. وقامت هذه العناصر بعمليات مشتركة إلى جانب القوات النظامية والقوات غير النظامية التابعة لها؛ وفي الواقع أصبح أفراد «حزب الله» صفوة المشاة لدى النظام.
ويشارك جهاز الأمن الداخلي التابع للأسد في عمليات القتل الروتيني. وتشمل هذه خدمات المخابرات والشرطة، التي تواصل احتجاز المدنيين وتعذيبهم وإعدامهم.
كما اشتركت المنظمات والوحدات التي تُنتج وتنشر أسلحة النظام الكيماوية في أعمال القتل. ومنها "مركز الأبحاث والدراسات العلمية" (المسؤول عن البحث والتطوير والإنتاج)، والوحدة 450 (المسؤولة عن أمن ونقل الذخائر الكيميائية)، وبعض وحدات المدفعية والجو من القوات النظامية. ورغم تقيُد هذا الجمع الآن - الذي هو ضحية نجاحه - إلا أن له بصمة كبيرة في الخسائر بين المدنيين في هذه الحرب.
وأخيراً، هناك عدة آليات داعمة تُمكن النظام من ارتكاب العنف على مثل هذا النطاق الضخم. وتشمل هذه أجهزة القيادة والسيطرة ومنظمات الخدمات اللوجستية المسؤولة عن استمرار الدعم بالمعدات والسلاح وكذلك نقل القوات والذخائر.
وسائل القتل
يتبع النظام بشكل روتيني مجموعة واسعة من التدابير ضد معارضيه، تتراوح ما بين الأسلحة التقليدية المعقدة وإلى حرمان السجناء الأفراد أو قطاعاً كاملاً من السكان من ضروريات الحياة. وقد أدت هذه المجموعة، وبشكل يزيد عن أي نظام تسليح فردي، إلى حدوث عشرات الآلاف من حالات الوفاة في الحرب حتى الآن.
وبناء على البيانات الصادرة عن "لجان التنسيق المحلية" للمعارضة، يشن النظام ما معدله 440 غارة جوية ومدفعية وصاروخية في اليوم. ويأتي ما يزيد عن 90 في المائة من النيران من المدافع والصواريخ وقذائف الهاون. وفي الواقع، ظل إطلاق النار المباشر والقصف بأسلحة المدفعية آلية القتل الرئيسية. ووفقاً لبيانات "مركز توثيق الانتهاكات في سوريا" من شهر شهر أيلول/سبتمبر يؤدي إطلاق النار المباشر - أي إطلاق النار مباشرة على الأهداف بأسلحة خفيفة وأسلحة خفيفة مضادة للطائرات وأسلحة متطورة أخرى - إلى قتل نحو 320 شخصاً في الأسبوع. كما يؤدي القصف بالأسلحة الثقيلة المضادة للطائرات وأسلحة مدفعية الميدان والصواريخ وقذائف الهاون ومدافع الدبابات إلى قتل 174 شخصاً في الأسبوع.
ووفقاً لبيانات "لجنة التنسيق المحلية"، يقوم النظام أيضاً بشن ما معدله 41 ضربة جوية في اليوم، بما في ذلك القصف بذخائر حارقة فراغية انشطارية شديدة الانفجار. ووفقاً لبيانات "مركز توثيق الانتهاكات" يؤدي القصف بطائرات هليكوبتر والطائرات المقاتلة ذات الجناح الثابت إلى قتل حوالي 52 شخصاً في الأسبوع. وعلى الرغم من أن الهجمات الجوية تمثل نسبة صغيرة نوعاً ما من نشاط هجمات النظام، إلا أنها تسبب خسائر فادحة نظراً لحجم ونوع الذخائر التي يتم قصفها.
كما عدد الصواريخ بر- بر لا يزال يشكل نسبة قليلة من الهجمات (حوالي خمسة عشر في الأسبوع) ولكن يمكن أن تُحدِث أيضاً خسائر فادحة. على سبيل المثال: وردت تقارير من منظمة "هيومان رايتس ووتش" بأن أربع هجمات بصواريخ باليستية قد أسفرت عن مقتل 141 سورياً خلال أسبوع 22 شباط/فبراير وحده. وغالباً ما تُستخدم صواريخ بر- بر ضد أهداف مناطقية وضواحي حضرية، رغم أن بعضها له تطبيقات عسكرية مباشرة مثل ضرب مراكز مقاومة الثوار ومقار إدارتهم.
كما أن القوات النظامية وغير النظامية التابعة للنظام تقتل السوريين وجهاً لوجه. ويشمل ذلك مذابح المدنيين وسجناء الحرب والإعدامات الميدانية وغيرها من عمليات القتل الخارجة عن اختصاص المحاكم وحالات الوفاة أثناء الاحتجاز وتحت وطأة التعذيب والإعدامات المباشرة في السجن. ووفقاً لـ "مركز توثيق الانتهاكات"، مات نحو 300 سوري من هذه الوسائل مجتمعة في شهر أيلول/سبتمبر أو حوالي 12 في المائة من عدد الضحايا شهرياً.
كما كان للحرمان الممنهج من الغذاء والمأوى والرعاية الطبية نصيب في عدد الضحايا. وقد حاصرت قوات النظام المناطق الحضرية التي يسيطر عليها الثوار في مدينة القصير وحمص وضواحي معينة من دمشق، من بين مناطق أخرى. كما دمروا المحاصيل وقتلوا المواشي وضربوا الأفران واستهدفوا المرافق الصحية في مناطق المعارضة. وقد وردت تقارير أيضاً عن تسميم إمدادات المياه. وأسفرت هذه الأنشطة عن حدوث مجاعة وجعلت من الصعب الحصول على العلاج الطبي - ويأتي كل ذلك كجزء من خطة النظام التي تهدف إلى تقليل الدعم للمعارضة وإجبار السكان على الرحيل من المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار.
وأخيراً، بينما سببت الأسلحة الكيماوية إلى إحداث خسائر مروعة، إلا أنها لم تؤدي سوى إلى قتل شريحة صغيرة من إجمالي عدد الضحايا ربما تقل عن 2 في المائة. إن القضاء على قدرة الأسلحة الكيماوية عند النظام أمر هام لضمان عدم زيادة هذا العدد، ولكنه يجعل قوات الأسد من الناحية العملية غير مقيدة في استخدام وسائل القتل الأخرى.
الخاتمة
في سياق الجهود التي يقوم بها النظام لقمع ثورة شعبية بشكل عنيف، سحب هذا جزءاً كبيراً من المجتمع السوري وأدخله في منظمات وعمليات القتل التي يقوم بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد قابل ثورة الأغلبية السنية بثورة أقلية علوية/شيعية مضادة. إن ذلك يوسع نطاق التعقيد بشكل كبير ويعتم على أي فكرة تُفيد بأنه بإمكان إعادة بناء الدولة على أسس نُظُمها القديمة. وبالنظر إلى حجم الدم الذي أراقته قوات النظام، فمن غير المرجح أن يقبل إولئك الذين يقاتلون ضدها بأن تلعب دوراً مستمراً في سوريا ما بعد الحرب.
ومن جانبهم، لم يبدي الأسد ودائرته أي علامة في التفكير في مسار مختلف - فقد كانوا مستهترين وقساة بكل ما في الكلمة من معنى بشأن إدارة الحرب بهذه الطريقة، ويساندهم دعم سياسي وعسكري واقتصادي ثابت من حلفائهم في الخارج. ولذلك فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن يُنظر إلى النظام باعتباره مشاركاً شرعياً في أي عملية تفاوض في المستقبل. وحتى لو كان الشعب السوري والمجتمع الدولي راغبين في تشجيع هذا السيناريو، فبالكاد يمكن توقّع مشاركة النظام بشكل فعال في التفاوض مع نفسه خارج الوجود.

جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: