Thursday, November 21, 2013

تاريخ السلب الاسرائيلي في قشرة جوز…

تاريخ السلب الاسرائيلي في قشرة جوز…


بقلم: جدعون ليفي
وُلد أول أمس حمَل في القرية البدوية غير المعترف بها أم الحيران في شمال شرق النقب، وحاول هذا المخلوق الصغير الضعيف أن يقف على قوائمه ويخطو خطواته الاولى، لكنه خطا وسقط، وخطا وتعثر في حين كانت أمه النعجة تلعق جسمه في رحمة، وكانت ما زالت تقطر الدم من الخلف. كان هذا المشهد مؤثرا في القلب. وأشك كثيرا في أن يستطيع هذا الحمَل قضاء ايامه في هذه القرية التي يغطيها خطر الهدم والطرد: فاليوم ستبحث المحكمة العليا، في جلستها بصفتها محكمة للاستئنافات، في طلب اثنين من سكان القرية وهما ابراهيم فرهود وعطوة أبو القيعان، بواسطة محامي منظمة ‘عدالة’، للاعتراض على أوامر الهدم والاخلاء التي صدرت عليهما. وفي ذلك الوقت حقا وفي تزامن غير عرضي، ستبحث لجنة الداخلية في الكنيست في قانون براور.
كان الوقت ظهرا في أم الحيران، وتلبدت السماء وعاد الاولاد من مدرستهم في البلدة البدوية المجاورة حورة، منحدرين في الطريق الرملي المؤدي الى بيوتهم، وحقائبهم على ظهورهم وسكاكر على عصي زهيدة السعر في أفواههم. قد لا يترعرعون هم ايضا هنا اذا ما تحققت نية دولتهم الآثمة. إن الشارع المؤدي الى القرية بُثت فيه الكتل الاسمنتية الموضوعة بالقرب من كل مجموعة رُعاة وتُحذر من منطقة نيران، فالدخول ممنوع بالعبرية والانجليزية من اجل خريجي أوكسفورد الذين ربما يسكنون هنا لكن لا بالعربية لغة المكان.
وانبعثت من الشارع ذي الندوب الذي تكثر الحفر فيه رائحة عفن فظيعة من قمامة حورة؛ ويؤدي هذا الشارع من منطقة ظلم هي ارض البدو في النقب الى منطقة ظلم اخرى هي جنوب جبل الخليل. فهناك وهناك ايضا عن جانبي الخط الاخضر يحدث الآن جهد اسرائيلي منهجي لاخلاء المكان من سكانه غير اليهود ولتخريب قرى وطرد مجموعات رُعاة الى الغابات. وتصرخ هذه المظلمة بصورة خاصة في أم الحيران، فهنا تريد الحكومة أن تخرب القرية التي يعيش فيها سكانها منذ 1956 بعد أن طردتهم إليها السلطات من اراضيهم بالقرب من كيبوتس شوفال، وأن تنشيء بدلا منها بلدة يهودية متدينة اسمها حيران.
إن تاريخ أم الحيران هو تاريخ السلب في قشرة جوزة فهم أولا يطردون أول مرة ويطردون بعد ذلك مرة ثانية. والسكان المطرودون هنا للمرة الثانية خرجوا للنضال وهم يحملون الآن صبغة قانونية لكنه قد تتحول الى نضال عنيف ايضا. وقد سمى في هذه الاثناء وزير تطوير النقب والجليل سلفان شالوم، السكان الذين طردتهم السلطات الى هنا قبل أكثر من يوبيل، سماهم ‘غُزاة’.
واليكم ما كُتب في موقع الانترنت لنواة حيران الذي ينتظر أن يرتفع على الأنقاض: ‘حيران بلدة شابة متطورة قامت في مكان ما في جنوب شرق النقب، بين متار وعراد، غير بعيدة عن حفيف أوراق اشجار الصنوبر في غابة يتير’. ولم نسمع ‘حفيف اشجار الصنوبر’ حقا أول أمس في أم حيران، بل سمعنا فقط اصوات الظهيرة لنساء واولاد في البلدة التي فيها حياة وليس فيها كهرباء أو ماء جارٍ، على مبعدة ربع ساعة عن بئر السبع. لكن نواة حيران مستمرة تقول: ‘والنواة مؤلفة من عائلات تدرك روح العصر… فهي تريد أن تسهم اسهاما كبيرا في التوازن السكاني يبعثها على ذلك شعور برسالة صهيونية… وفي ضوء ذلك جعلت النواة غايتها أن تنشيء مجتمعا ايمانيا يطمح الى الامتلاء والتعزيز والتقوي بالروح والمادة’. روح العصر والرسالة الصهيونية والتوازن السكاني هذا أفضل ما في المعجم القومي الديني. وقد أصبح يوجد حاخام للبلدة القادمة.

إن أطباق الاقمار الصناعية والألواح الشمسية ومولدات الكهرباء وحاويات الماء التي يشترونها بأسعار عالية تُمكّن هنا على نحو ما نحوا من 600 نسمة من العيش. وتوجد مبان ثابتة وأكواخ صفيح مبعثرة وحظائر غنم وبيوت سكنية، وهياكل سيارات وقمامة متناثرة، وقطة على صفيح ساخن ايضا، مع جهد ما لاعطاء هذا المكان منظر شبه مرعي. وإن أكثر السكان هنا أجراء من خارجه، عدد منهم اكاديميون منهم غير قليل من المعلمين وثلاثة محامين وهم يريدون بيتا في القرية لا بيتا في بلدة ضعيفة، وهم مستعدون للجلاء الى اراضيهم الأصلية، بالقرب من شوفال، لا الى حورة المكتظة كما تريد السلطات. ‘اذا كانت الدولة تأسف لأنها جاءت بنا الى هنا، واذا كانت تريد أن تعلن الغاء الصفقة التي أتمتها معنا في 1956، فلتُعدنا الى اراضينا في شوفال’، يقول زعيم النضال في القرية سليم أبو القيعان.
إن أبو القيعان الذي يسوق سيارة جيب مرسيدس صغيرة نسبيا هو تاجر وصانع أثاث، يوجد مشغله في حورة لأنه لا توجد كهرباء في قريته. وهو في الرابعة والخمسين من عمره يتكلم لغة عبرية اسرائيلية خالصة وعنده 11 ولدا، وله في القرية ثلاثة بيوت لنسائه الثلاث. وهو يسكن مع أفتاهن ختام ابنة الثامنة والعشرين في بيت أحلام كثير الدمى، يسيطر اللون الوردي في غرفة الضيوف عليه، وهو مغلف بالزينة وما لا يحصى من صور الزوجين الشابين على جدران غرفة النوم البيضاء، عش الغرام. تزوج أبو القيعان اول مرة في سن الخامسة عشرة والنصف، وولد إبنه البكر بعد ذلك بسنة. وخدم الابن رائد ثلاث سنوات في جفعاتي، في قطاع غزة أكثر الوقت. وجاء مرة الى الكنيست مع أمر تجنيد وأمر هدم في يده.
طُرد والدا سليم الى هنا في 1956 وولد في أم الحيران. وأُنشئت المحطة عند المفترق بيت كاما على اراضي أبيه. ولم يُسمح لهم منذ ثمانينيات القرن الماضي بفلاحة اراضيهم الضائعة. وفي شتاء 1997، حدثت عاصفة هوجاء في النقب وسُحب ثلاثة من أبناء القرية فماتوا في الوادي وهُدمت أكثر بيوت القرية. ويقول أبو القيعان إنه زار المكان بعد الكارثة الوزير اريئيل شارون ودعا السكان ‘الى اقامة بيوتهم من جديد’. وقدمت الدولة ايضا مساعدة مالية. وبعد ذلك ببضع سنين في بداية الألفية الثالثة بدأت تلك الدولة توزع أوامر الهدم والاخلاء. ‘قالوا إننا غُزاة وإنه لا حق لنا في أن نكون هنا. وأصدروا أوامر وطرحوها في يد شيخ هو محمد أبو القيعان، ولم يُبينوا له لمَ وعلام’. وبعد ذلك ببضعة اشهر فقط فهموا من الشرطة أن مصيرهم قد بُت. فتوجه سكان القرية الى منظمة عدالة التي هبت لمساعدتهم في نضالهم القانوني اعتراضا على اجلائهم.
صدرت الأوامر الى الآن في نحو من 30 عائلة، وستبحث المحكمة العليا في مصير اثنتين منها اليوم. وقد أجاز جهازا القضاء السابقان وهما محكمة الصلح في كريات غات واللوائية في بئر السبع، أجازتا الهدم والاخلاء. ويريد السكان الآن الاستئناف الى العليا. ولا استئناف على الحقائق. فقد جاء في قرار المحكمة اللوائية في بئر السبع أن ‘منظومة الحقائق البادية هي نقل مكان سكن العائلات الى الموقع المذكور قبل عشرات السنين باذن من السلطات المخولة بل بطلب منها. وتقرر بعد ذلك لاعتبارات مختلفة الغاء الاذن والافضاء الى اخلاء المنطقة’. فهل يوجد علم باستيطان يهودي في المنطقة السيادية لدولة اسرائيل استعملوا فيه ذلك ‘لاعتبارات مختلفة’؟. يقول سليم ‘إننا عاجزون في وجه الجهاز القضائي، كنت أستطيع أن أكتب قرار حكم كريات غات قبل أن يكتبه القاضي. يؤسفني أن الجهاز القضائي لا يعترف بوجودي. لكن الامر ليس في يد القضاة، فهذه مسألة سياسية لا قضائية. والامر واضح لكل واحد وهو أنهم يريدون طردنا لأننا بدو لا يهود. قلت للقاضي: هل تريد أن أُغير اسمي الى ابراهيم أو اسحق؟ إننا نسكن في المحكمة في السنوات الاخيرة. وتبحث السلطات عما تكسرنا به. وهي تعرض على المحكمة بديلا في حورة لكن لا يوجد في حورة قسيمة واحدة خالية. وفي الحي 12 ينتظر 350 انسان قسيمة. وهم مستحقون يقولون لهم: إنتظروا، وهذا يعني أنه لا يوجد أي بديل في حورة كما تزعم الدولة’.
لا نريد الانتقال الى حورة. يوجد هناك عملية قتل في كل اسبوع وفوضى بين الحمائل. فلماذا أمضي الى كارثة؟ شم رائحة القمامة في حورة. إن حورة مدينة. ونحن ولدنا في قرية ونريد الاستمرار في العيش في قرية قروية. تقول الدولة إنها تريد أن تجعل قريتنا قرية يهودية. فلينشئوا قرية يهودية، فلا تعوزهم الاراضي لذلك، لكن ليعترفوا بنا ايضا. أعطونا قطرة ماء وسنهتم بما عدا ذلك. إعترفوا بنا فقط ودعونا نبقى. لسنا ضد الدولة ولن نحاربها. فنحن مواطنو الدولة. نريد فقط مواطنة مساوية. ولا نريد عنصرية وكراهية أكثر. اختطف متسللون من الاردن أختي فاطمة في 1968. وخدم إبني في الجيش الاسرائيلي، ونحن دافعنا عن الدولة’.
آنتفاضة؟ ‘لا أريد أن أسمي ابني باسمه قبل أن يولد. آمل ألا يكون ذلك. لكن اذا فكروا في اخلاء القرية فسيأتي العالم كله الى هنا. في 2003 جاء 850 انسانا من البلاد كلها بسبب أمر هدم مسجد. إن أم الحيران الآن هي حديث الوسط العربي. هل تريدون أن تقتلوا الأم، وأن تأتوا بالولد، غرعين حيران. أنتم جئتم بنا الى هنا فما الذي تريدونه الآن اذا؟’.
وفي ذلك الوقت بالضبط سُمع صوت المؤذن الذي أذن لصلاة العصر، وهو صوت حزين لذيذ انتقل من طرف القرية الى طرفها الآخر.
هآرتس
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: