إسرائيل وأمريكا ومنطقة الشرق الأوسط الهائجة (الجزء الثاني)
12 شباط/فبراير 2014
"في 4 شباط/فبراير 2014، تحدث السفير دينيس روس في منتدى سياسي في معهد واشنطن في أعقاب مشاركته في المؤتمر السنوي لـ "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب. وانضم إليه في هذا النقاش المدير التنفيذي لمعهد واشنطن روبرت ساتلوف ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ستيفن هادلي. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظات السيد روس؛ وكانت ملاحظات السيدان ساتلوف وهادلي قد نشرتا في المرصد السياسي 2204 و المرصد السياسي 2206 على التوالي."
هل يمكن أن تنجح المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية؟
هناك أسباب عديدة للاعتقاد بأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يستطيع تحقيق تقدم نحو السلام. أولاً، في الوقت الذي يركز فيه الإسرائيليون على القضية الفلسطينية، لا يوجد ثمة جهات أخرى في المنطقة تبدي الكثير من الاهتمام. وهذا يخلق مساحة مناورة سياسية لكلا الجانبين. ثانياً، تخلصت مصر من حكم «الإخوان المسلمين»، الأمر الذي جعل «حماس» في موقف ضعيف للغاية وعزز من قدرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اتخاذ قرارات بشأن السلام. ثالثاً، يوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تصبح دولة ثنائية القومية - مشيراً إلى أن بلاده تتعرض لخطر فقدان هويتها اليهودية إذا لم تفعل شيئاً. رابعاً، يتصرف الوزير كيري بقدر كبير من الحماس ويعمل مع كلا الجانبين بطريقة جعلتهم يترددون في الرفض. وهذا لا يعني أن هناك اتفاقاً وشيكاً، لكنه يزيد من احتمالية تحقيق شيء ما على أرض الواقع.
دور اتفاق الإطار الأمريكي
يتوقع الإسرائيليون والفلسطينيون تقديم وثيقة أمريكية في مرحلة ما تضع إطاراً للمفاوضات. وقد سعى الوزير كيري في البداية إلى الانخراط مع الطرفين للتعرف على ما يمكن أن يكون مقبولاً، حتى وإن كانت لديهما بعض التحفظات. ثم سيقدّم لاحقاً أساساً أو مجموعة من المبادئ التوجيهية لاجراء محادثات بشأن قضايا الوضع الدائم. وسوف يتم وضع هذه المبادئ التوجيهية بهدف تقليص الفجوات بين الجانبين بشأن الحدود والأمن واللاجئين والقدس، على نحو يوفر توجيهات حول الطريقة التي قد يمكن من خلالها تسوية تلك القضايا الجوهرية.
إن أحد التحديات الرئيسية التي يجب التعامل معه هو التشكك العام القائم لدى كلا الجانبين. إذ تتجلى تناقضات في الوقت الحالي: فالغالبية في كلا الجانبين تدعم حل الدولتين (على الرغم من أن الدعم الفلسطيني قد أخذ في التراجع على ما يبدو)، حتى في الوقت الذي لا تؤمن فيه الأغلبية الساحقة بإمكانية تحقيقه. وبعبارة أخرى، إذا لا يقترن اتفاق الإطار بحدوث تغيرات عملية كبرى على أرض الواقع من قبل كلا الجانبين، فمن غير المرجح أن يكون الأمر مقنعاً كما ينبغي.
فوائد النجاح
من الناحية التاريخية، يرى الكثيرون أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني هو العامل الرئيسي لحل مشاكل المنطقة الأوسع نطاقاً. ورغم أن تلك الفكرة لم تكن صحيحة على الإطلاق، إلا أنه ينبغي أن يكون من الواضح اليوم أن التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يكون له أي تأثير على الحرب الأهلية البشعة في سوريا أو الصراع في مصر أو رغبة إيران في مواصلة برنامجها النووي.
ومع ذلك، سيكون السلام - أو حتى التقدم الملموس - بين إسرائيل والفلسطينيين مهماً في حد ذاته ويستطيع القضاء على أي إحساس دائم بالظلم الذي يتردد صداه في جميع أنحاء المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، هناك قيمة في إظهار أن أي صراع صعب كالصراع الحالي يمكن حله أو التخفيف من حدته. وبالنسبة لواشنطن، هناك حاجة مُهمة بشكل متزايد إلى إظهار الفعالية في وقت يتشكك فيه كثيرون في المنطقة من القوة الأمريكية ويقنعون أنفسهم بأن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط.
مخاوف إقليمية من تراجع الولايات المتحدة
تبنى المراقبون بشكل متزايد في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فكرة مشتركة بشأن انسحاب الولايات المتحدة. فيُعتقد على نطاق واسع بأن أعداء أمريكا يعملون بنشاط على تغيير ميزان القوى ضد أصدقاء أمريكا - وضد مصالح أمريكا - في حين لا تفعل واشنطن شيئاً يذكر حيال ذلك. ويستشهد مؤيدو وجهة النظر هذه بإيران وسوريا ومصر كأمثلة على تردد الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات في مواجهة التحديات أو الاعتراف بوجود صراع وجودي يواجهه بعض الأصدقاء.
إن عجز واشنطن عن اتخاذ إجراء عند انتهاك خطها الأحمر بشأن الأسلحة الكيميائية السورية قد أثّر، أكثر من أي شيء آخر، على التصورات الإقليمية تجاه إدارة أوباما وعزز قيام أزمة ثقة واضحة. إن حجة الإدارة الأمريكية - بأن مبادرتها الدبلوماسية حققت أهداف خطها الأحمر، والتي كانت دائماً منع استخدام الأسلحة الكيميائية - لا تلقى آذاناً صاغية. وبدلاً من ذلك، يُنظر إلى الإدارة بأنها قد فشلت بمتابعة التزاماتها، الأمر الذي يثير تساؤلات حول استعدادها لاستخدام القوة الأمريكية لدعم أصدقائها.
والموضوع الآخر الذي طفا على السطح هو سعي الإدارة الأمريكية إلى التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران. ويرى السعوديون أن اتفاقاً كهذا يأتي على حسابهم، في حين يراه الكثير من الإسرائيليين بأنه مسترشداً برغبة في تجنب الصراع بأي ثمن. وتعتبر جميع هذه الجوانب جزءاً من تراجع الولايات المتحدة الشامل من الشرق الأوسط.
إن الإدارة الأمريكية ليست غير مبالية لهذا الاتجاه، حيث يقوم المسؤولون الأمريكيون بمعالجته. فقد أصر الوزير كيري في "المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس" و "مؤتمر الأمن في ميونيخ"، على أن الولايات المتحدة لا تنسحب من المنطقة، بإشارته إلى الدبلوماسية الأمريكية النشطة فيها. كما عرض وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل وجهات نظر مماثلة في ميونيخ، بإشارته إلى وجود 40,000 جندي أمريكي في المنطقة والتزام الولايات المتحدة المستمر بتعزيز بنية أمنية إقليمية موجهة نحو حماية البنية التحتية الحيوية، والدفاع البحري والصاروخي، والإنذار المبكر. ومن جانبه، يخطط الرئيس أوباما للقيام برحلة إلى المملكة العربية السعودية، بإدراكه دون شك إلى الحاجة إلى تقديم تطمينات حول التزامات الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
وفي حين أن هذه الخطوات ذات فائدة، إلا أن هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير إضافية في ضوء الشكوك العميقة التي يتم الإعراب عنها عبر أنحاء المنطقة. وفي سبيل تغيير هذه التصورات، ينبغي على الولايات المتحدة القيام بما يلي:
1. إجراء حوارات استراتيجية منهجية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. في الوقت الذي تجري فيه واشنطن بالفعل مشاورات منتظمة مع هؤلاء الحلفاء، تركز معظم المحادثات على قضايا محددة - فهي لا تضم مسؤولين كبار يجتمعون من أجل مناقشة مجموعة واسعة من التحديات الإقليمية وكيفية ترابطها مع بعضها البعض أو عدم ترابطها. ينبغي على واشنطن أن تخبر حلفاءها الإقليميين بأنها تشارك أهدافهم وهي: أنها لا تريد أن تكون مصر دولة فاشلة؛ ولا ترغب أن يخرج بشار الأسد أو "فيلق القدس" الإيراني منتصران في سوريا، أو أن تُرسخ «القاعدة» نفسها هناك؛ كما لا تريد أن تكون إيران دولة تمتلك أسلحة نووية. وفي مناقشاتها المركزة مع هؤلاء الحلفاء، تستطيع الإدارة الأمريكية أن تستكشف طريقة تعظيم جوانب الاتفاق بشكل ملموس، وتقلّل من مجالات الاختلاف، وتُجسّد إجراءات متضافرة وفقاً لذلك.
2. إظهار استعداد أمريكا للتنافس. يعتقد كثيرون في المنطقة أن واشنطن تميل جداً إلى تجنب [الإنخراط في أي] صراع إلى درجة أنها ليست على استعداد للتنافس مع إيران أو روسيا. ولا تشارك الادارة الأمريكية هذا التصور، بل تعتبر نفسها تتنافس بالفعل. لذا يجب عليها أن تقنع حلفاءها بأن النظرة الإقليمية غير صحيحة - ليس من خلال الكلمات، بل الإجراءات. وسوف يكون ذلك ذو أهمية خاصة خلال زيارة الرئيس أوباما إلى السعودية.
3. العمل مع السعوديين لتنسيق استراتيجية بشأن مصر. تشاطر واشنطن والرياض الهدف المشترك الذي لا يتمثل فقط في منع مصر من الانهيار، بل في رؤية البلاد مستقرة اقتصادياً أيضاً. ولا ترغب الرياض في أن تكون خزانة القاهرة إلى الأبد، وسوف يتم تقديم مصالحها على نحو أفضل إذا تعافت صناعة السياحة في مصر وعاود الاستثمار الأجنبي إلى الظهور مرة أخرى. وفي المرحلة القادمة، بإمكان واشنطن أن تؤكد بأنها لا تقطع المساعدات عن مصر وستواصل تقديم الدعم لها في مجال مكافحة الإرهاب التي تشتد الحاجة إليه. يتعين على الإدارة الأمريكية أن توضح أيضاً أنه لو واصل السعوديون تقديم الدعم الاقتصادي الهائل إلى القاهرة، فينبغي عليهم القيام بذلك بطريقة تدعم المصريين في اتخاذ القرارات الداخلية التي عليهم اتخاذها. وحالياً، لا تتخذ مصر قرارات تتعلق باقتصادها وبالتالي لا تمضي قدماً في أي وجه من الوجوه.
4. إظهار أن نظام العقوبات لا يزال دون أي تأثر. ينتاب الإسرائيليون القلق من أن الاتفاق المرحلي مع إيران سوف يفضي إلى تبوّؤ توجهات السوق وانهيار العقوبات تحت وطأتها. وإذا حدث ذلك، فسوف تنتصر طهران تلقائياً. ومن بين طرق منع هذا السيناريو - مع البقاء ضمن حدود خطة العمل المشتركة مع إيران - هو إصدار المزيد من التصنيفات لإبراز عدم تأثر نظام العقوبات.
ورغم توجه وفود من رجال الأعمال إلى إيران مؤخراً، إلا أنه لم يتم إبرام أي اتفاقات كبرى. سيتعين على واشنطن التركيز على أمرين: ما إذا كان قد تم التوصل فعلياً إلى أي اتفاقات، وما إذا كانت مبيعات النفط الإيرانية تتجاوز مليون برميل في اليوم. وإذا ظلت مبيعات النفط ثابتة، فسيبقى نظام العقوبات ثابتاً. أما إذا تغير أي من هذين المؤشرين، فستواجه واشنطن وضعاً مختلفاً.
5. طمأنة الحلفاء إلى أن واشنطن لا تقبل بكل بساطة أنشطة إيران التخريبية في المنطقة. ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تفعل كل ما بوسعها لإظهار أن الولايات المتحدة لا ترضخ للجهود الإيرانية الرامية إلى تغيير موازين القوى في المنطقة. على سبيل المثال، إن الإعاقة الفعالة لمسارات إمداد الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين في اليمن هو أمر يقع ضمن نفوذ واشنطن ومن شأنه أن يرسل إشارة واضحة جداً في منطقة ذات أهمية كبرى للسعوديين.
6. تحديد وتوفير مساعدات فتاكة مجدية لفصائل المعارضة السورية المستعدة لمحاربة تنظيم «القاعدة»، بقدر ما فعلت واشنطن مع "مجالس الصحوة" في العراق عام 2007. لدى سوريا أكبر الإمكانيات لإحداث تغيير في المفاهيم الإقليمية للولايات المتحدة. وفي الوقت الذي تواصل فيه إيران وروسيا مساندة نظام الأسد عسكرياً، فإن تردد الإدارة الأمريكية في العمل قد عزز من الصورة عن لا فعالية الولايات المتحدة. بيد أنه ينبغي أن يكون لدى واشنطن مخاوفها الخاصة بشأن التداعيات الاستراتيجية للاتجاه الجديد الذي أخذته الحرب. لقد أصبحت جماعات «القاعدة» متأصلة بشكل متزايد في سوريا، وطالما أن الأسد هناك، فسوف تظل الدولة قبلة للجهاديين من جميع أنحاء العالم. وإذا استمرت الولايات المتحدة على موقفها الراهن، فسوف يكون الأمر فقط مسألة وقت قبل أن تستطيع «القاعدة» ترسيخ تواجدها هناك بصورة أكبر. وفي ذلك السيناريو، لن تكتفي الجماعة بقتال النظام - بل ستستخدم سوريا أيضاً كقاعدة لتخطيط هجمات في أماكن أخرى وتنفيذها. وفي الوقت الراهن، تشن الولايات المتحدة غارات في اليمن باستخدامها طائرات بدون طيار تستهدف تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وستكون هناك مرحلة في المستقبل عندما ستمثل سوريا نفس النوع من التهديد، وعندما يحدث ذلك، سوف تحتاج واشنطن أن تفعل أكثر مما تقوم به الآن. وفي مواجهة هذا التهديد، ستكون لديها أيضاً فرصة للتأثير على موازين القوى في سوريا.
ونرى [حالياً] في بعض أنحاء سوريا، ما يعادل "مجالس الصحوة" التي شهدنها في العراق عام 2007. وقد كان دعم الراغبين في قتال تنظيم «القاعدة» حينها أمر ينطوي على قدر كبير من الذكاء، وينبغي على واشنطن أن تفعل الأمر ذاته في سوريا. ربما يقترح البعض الوقوف إلى جانب النظام لمجابهة «القاعدة»، لكن هذا من شأنه أن يمكِّن الجماعة فقط، ولا يشوه سمعتها. وبدلاً من ذلك، يتعين على الإدارة الأمريكية دعم قوى المعارضة العلمانية والإسلاميين المعتدلين نسبياً الذين هم على استعداد لمحاربة الجماعة. إذا كانت واشنطن تدرك بالفعل أنها تتجه نحو اتخاذ إجراء لمنع «القاعدة» من ترسيخ ذاتها في سوريا، فينبغي عليها دعم هذه القوى الآن.
0 comments: