تنظيم «القاعدة» ينفصل عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»
4 شباط/فبراير 2014
في مساء 2 شباط/فبراير، أصدرت القيادة العامة لـ تنظيم «القاعدة» بياناً نأت فيه بنفسها عن جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [تنظيم «داعش»] بقولها: "«الدولة الإسلامية في العراق والشام» ليست فرعاً من جماعة «قاعدة الجهاد» [الإسم الرسمي لـ تنظيم «القاعدة»] وليست لنا أية علاقة مؤسسية معها، كما أن «التنظيم» ليس مسؤولاً عن تصرفاتها". وهذه هي المرة الأولى في تاريخ «القاعدة» التي تنأى فيها الجماعة بنفسها علناً عن فصيل يحمل اسمها - حتى وإن كان تنظيم «داعش» لم يستخدم اسم "«القاعدة»" منذ عام 2006. وفي حين أنه لا يزال من المبكر جداً معرفة آثار ذلك البيان في السياق السوري، إلا أنه يمثل أهمية كبرى - سواء من الناحية التاريخية أو من حيث تداعياته على الحركة الجهادية العالمية الأوسع نطاقاً.
إن تنكر تنظيم «القاعدة» لـ جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يذكرنا بقوة بسحب الدعم من قبل «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» و «الجهاد الإسلامي المصري» وأبو قتادة الفلسطيني و أبو مصعب السوري، من «الجماعة الإسلامية المسلحة» خلال الحرب الأهلية الجزائرية عام 1996. وقد كان أسامة بن لادن نفسه متشككاً جداً من «الجماعة الإسلامية المسلحة» عندما رفضت طلبه بإنشاء معسكرات تدريب في الجزائر، وشعر بالقلق من تبني الجماعة لأيديولوجية مزعجة. بل أن بن لادن لعب دوراً في إنشاء كيان جزائري منشق أقل تطرفاً يعرف باسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في عام 1998، التي غيرت اسمها لتصبح تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عام 2007.
وعلى غرار الوضع الراهن في سوريا، بدأت «الجماعة الإسلامية المسلحة» في مواجهة الإسلاميين الآخرين بدلاً من قتال النظام الجزائري. والشيء الأجدر بالملاحظة أن «الجماعة الإسلامية المسلحة» قتلت محمد سعيد وعبد الرازق رجام، قائدي فرع «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» التي اندمجت مع «الجماعة الإسلامية المسلحة» في عام 1994، إلى جانب قتل المتطوعين الليبيين من «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة». وعلى غرار «الجماعة الإسلامية المسلحة»، كان إفراط «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في استخدام منهج "التكفير" وتصفيتها للأعداء بأية وسيلة مصدراً لشكاوى مريرة من جماعات الثوار السورية الأخرى، وهو الأمر بالنسبة لعدم رغبة تنظيم «داعش» في المثول أمام محكمة شرعية مستقلة واعتقاده بأنه يمثل دولة ذات سيادة في أراضي محررة. واستناداً إلى هذا الاعتقاد، قامت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بقتل وسجن ومعاقبة ثوار ومدنيين آخرين في شمال سوريا خارج نطاق القضاء.
وقد لعبت الدروس المستفادة من الجزائر دوراً هاماً عندما استاءت «القاعدة» للمرة الأولى من تجاوزات تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» (المعروف بصورة أفضل باسم تنظيم «القاعدة في العراق» وهو أحد أوائل الأسماء لـ تنظيم «داعش» في العراق خلال العقد الماضي، عندما كان أبو مصعب الزرقاوي لا يزال قائداً للجماعة. ومن بين الخطابات التي أرسلتها «القاعدة» إلى الزرقاوي في عام 2005 خطاب من عطية الله عبد الرحمن الليبي، أحد الليبيين الذين ذهبوا إلى الجزائر ونجوا من هجمات «الجماعة الإسلامية المسلحة». وقد نصحت الرسالة الزرقاوي بأن لا يكون وحشياً جداً وأن يركز جهود الجماعة على القوات الأمريكية. وقد تَركز الدرس الذي تعلمه الليبي من التجربة الجزائرية على أهمية عدم سفك دم مسلم سني بريء والعواقب التي يمكن أن يسببها مثل هذا العمل.
ومنذ ذلك الحين، ناشدت القيادة العليا لـ تنظيم «القاعدة» في باكستان فروعها بالامتناع عن مهاجمة المدنيين من المسلمين السنة والتركيز على أفراد قوات الأمن والجيش وبنيتها العسكرية. وإجمالاً، التزم تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في اليمن و «جبهة النُصرة» (فرع تنظيم «القاعدة» المفضل في سوريا) بهذا الإطار، رغم وقوع بعض الأضرار الثانوية. وكانت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» استثناءً.
ورغم أن بيان تنظيم «القاعدة» ينهي رسمياً علاقة غير سوية بدأت في عام 2004، إلا أن مؤشرات الصدع تعود إلى أيار/مايو 2013. فبعد إعلان زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي في نيسان/أبريل 2013 عن تمديد «الدولة الإسلامية» إلى سوريا، حاول أيمن الظواهري إبطال محاولات البغدادي لزيادة سلطاته لكنه فشل في ذلك، حيث دعا «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى البقاء في العراق والسماح لـ «جبهة النُصرة» بأن تكون الفاعل المفضل في سوريا. وفي تحديه للظواهري أصدر البغدادي رسالة صوتية يذكر فيها أن تنظيم «داعش» سوف يبقى في سوريا ولن يلتزم بتقسيم يقوم على اتفاق سايكس بيكو الذي يعود إلى الحرب العالمية الأولى.
وقد ظهر الصدع بين تنظيم «القاعدة»/«جبهة النُصرة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في بداية الأمر على شكل انتقاد بين زعيمين. بيد أن الحرب المفتوحة بين الثوار - وتحديداً «جبهة ثوار سوريا» و «جيش المجاهدين» و «الجبهة الإسلامية» - وبين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» منذ أوائل كانون الثاني/يناير 2014 قد وسّعت الفجوة وكانت على الأرجح السبب الرئيسي وراء تخلي «القاعدة» في النهاية عن تنظيم «داعش». ورغم أن «جبهة النُصرة» أحجمت على العموم عن القتال الدائر بين الثوار، إلا أن بيان «القاعدة» يمكن أن يخلق سيناريو تكون فيه الحرب بين الطرفين أكثر احتمالاً، لا سيما وأن أحد كبار علماء «جبهة النُصرة»، سلطان بني عيسى العطوي، دعا أعضاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى الانضمام إلى «جبهة النُصرة». بل أن بيان «القاعدة» يحذر من المسؤولية الضخمة التي وقعت على عاتقها بشأن إيجاد حل للفتنة.
ورغم نبذ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وعزلتها، إلا أنها لم تضعف ولم تخرج من المشهد. فقد اتسمت الجماعة بالمرونة في مواجهة الهجمات ضدها في شمال سوريا. ورغم أن تنظيم «داعش» مُني بانتكاسات جراء الهجوم الأولي الخاطف الذي شنه «جيش المجاهدين» و «جبهة ثوار سوريا» و «الجبهة الإسلامية»، إلا أنه تمكن من العودة وإعادة الاستيلاء على بعض الأراضي. ويرجع ذلك في جزء منه إلى التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار وعدم رغبة بعض فصائل الثوار أو المقاتلين في حمل السلاح ضد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» والحصول على البيعة من عدد من الكتائب والمقاتلين والعشائر القبلية. كما أن لـ تنظيم «داعش» مصادره المستقلة للحصول على التمويل والخدمات اللوجستية، وهذا من شأنه أن يقلل تأثير الانفصال عن تنظيم «القاعدة».
وعلاوة على ذلك، فعلى الرغم من تخلي تنظيم «القاعدة» و «جبهة النُصرة» وعلماء الدين الرئيسيين في المجتمع الجهادي العالمي مثل أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، إلا أن آخرين أبقوا على دعمهم للجماعة، ومن بينهم «جماعة أنصار بيت المقدس» (مصر) و «أنصار الشريعة» (تونس) و أبو منذر الشنقيطي و أبو سعد العاملي وعدد من النشطاء الشعبيين. إن استمرار بقاء تنظيم «داعش» في مواجهة التهديدات الوجودية يمكن أن يفضي في نهاية المطاف إلى تقويض «القاعدة» عسكرياً وتنظيمياً. وإحدى النتائج المباشرة هي أنه لم يعد لـ تنظيم «القاعدة» وجود تنظيمي رسمي في العراق.
وكل هذا يسلط الضوء على الصراع الحالي والتنافس على مستقبل الحركة الجهادية العالمية. إن حركة «القاعدة» الموحدة تحت قيادتها المركزية في الفترة ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر تبدو أكثر انحرافاً من ساحة الجهاد متعددة الأطراف التي لاحظها المراقبون في أواخر ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وفي الحقبة التي أعقبت الانتفاضات العربية.
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن.
0 comments: