الجيش المصري يفشل أمام العدو الذكي.. دلالات التطور النوعي للإرهاب في مصر
عبداللطيف التركي – التقرير
قبل أسبوع، وتحديدا صباح السبت الماضي، أطلق مجهولون النار على قائد الفرقة التاسعة مدرعات بالجيش المصري، العميد عادل رجائي، ليلقى مصرعه في الحال أمام منزله، في منطقة “العبور” شرق القاهرة، وأعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم “لواء الثورة”، في بيان عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، مسؤوليتها عن الهجوم، ونشرت صورا لسلاح “رجائي” وبعض متعلقاته قالت إنها اغتنمتها، وأمس -السبت- أعلن مقتل قائد كتيبة الصاعقة بشمال سيناء، المقدم رامي حسنين، وأصيب 3 جنود آخرين، إثر انفجار عبوة ناسفة خلال مرور السيارة المدرعة التي كانوا يستقلونها.
من “رجائي” إلى “حسنين”
“العميد رجائي”، يعد أرفع ضابط في الجيش المصري يتم اغتياله في مصر منذ الانقلاب العسكري، كما أنه لأول مرة يتم استهداف ضابط بهذه الرتبة، بعيدا عن محافظات سيناء، حيث تدور اشتباكات مستمرة بين الجيش ومسلحين منتسبين لـ”تنظيم الدولة”، وذكرت مصادر إعلامية أن “رجائي” كان المسؤول عن تنفيذ هدم الأنفاق، وإغراقها بالمياه أثناء خدمته في مدينة رفح الحدودية مع قطاع غزة.
الفرقة مدرعة والصاعقة
وتقع الفرقة التاسعة المصرية المدرعة داخل نطاق “قطاع دهشور العسكري” (جنوب غرب مُحافظة الجيزة)، الذي يتبع المنطقة المركزية العسكرية، ويضم القطاع بخلاف الفرقة التاسعة ثلاثة مراكز تدريبية (المشاة، والمشاة المتخصص، والدفاع الجوي)، إضافة إلى محطة مياه لخدمة القطاع ومحطة كهرباء، ويبلغ عمق القطاع من أول طريق الفيوم (جنوب القاهرة) ويمتد حتى هرم سقارة (على بعد 30 كيلومترا من الجهة الجنوبية للعاصمة المصرية)، وتقوم الفرقة التاسعة بتأمين كامل القطاع، وبسبب موقعها إلى جوار منطقة أهرامات الجيزة، عرفت الفرقة بـ”حُماة الأهرام”.
تصفية قيادات العنف
“المقدم رامي حسنين”، يعد أبرز ضحية للجيش يتم استهدافها في سيناء، ومنذ توليه قائدا للكتيبة 103 صاعقة بشمال سيناء، نجح “حسنين” في تنفيذ المهمات الموكلة إليه، وعلى رأسها ضبط عدد من قيادات تنظيم “ولاية سيناء”، الموالي لتنظيم “داعش” بسيناء، وطبقا لمصادر أمنية وقبلية، فإنه كان المسؤول عن ضبط وتصفية عدد كبير من قيادات التنظيم، وعلى رأسهم “حسين محرب” الشهير باسم “أبو منير”، وكريم أبو ركبة وأبوحمزه المهاجر وكمال علام وأحمد فياض وغيرهم.
“ولاية سيناء”
ومن ثم، فإن “حسنين”، كان مرصودا بدقة من قبل تنظيم “ولاية سيناء”، بل كان أحد أهم الأهداف بالنسبة للتنظيم، وفشلت عناصر التنظيم عدة مرات في تصفيته، بعد إصابته السابقة في الهجوم الكبير على الكتيبة 101 العسكرية بالعريش، حيث كان يتواجد بمقر مركز العمليات، الذي يدير العمليات العسكرية في شمال سيناء.
كمين بـ 5 عبوات ناسفة
وقتل قائد الكتيبة 103 صاعقة في منطقة جنوب الشيخ زويد، بعد إقامة كمين بنحو 5 عبوات ناسفة، تم زرعها متجاورة على جانبي طريق فرعي يمتد من قلب مدينة الشيخ زويد إلى منطقة الجورة، وخلال قيادته لمدرعة عسكرية ومروره على الطريق الفرعي، تم تفجير العبوات الخمس عن بعد، وقتل معه مجند كان بجواره، وإصابة 4 مجندين آخرين بإصابات بالغة ما بين بتر بالساق والذراعين، وتم نقل الجثتين والمصابين على متن سيارات إسعاف إلى المستشفى العسكري بالعريش، ووصفت مصادر طبية حالة المجندين المصابين العامة بأنها خطرة جدا.
قيود أمنية
ونقلت وكالة (رويترز) عن مصدرين أحدهما عسكري والآخر أمني، طلبا عدم نشر اسميهما، إن العقيد رامي حسنين قتل عندما انفجرت العبوة الناسفة في مدرعته قرب مدينة الشيخ زويد، وأضاف المصدران أن ثلاثة مجندين آخرين أصيبوا في الانفجار، وتحول قيود أمنية مشددة في شمال سيناء، دون التغطية الصحفية المباشرة.
وأعلنت جماعة ولاية سيناء التي تنشط في شمال سيناء البيعة لتنظيم الدولة في 2014، مسؤوليتها عن استهداف الشرطة والجيش، وتنشط في سيناء، عدة تنظيمات مسلحة أبرزها “أنصار بيت المقدس”، الذي أعلن في نوفمبر/تشرين ثان 2014، مبايعة تنظيم “داعش” الإرهابي، وغيّر اسمه لاحقًا إلى “ولاية سيناء”، وتنظيم “أجناد مصر”.
الجيش المصري لم يصدر بيانات
الجيش المصري لم يصدر بيانات بشأن مقتل “رجائي” أو “حسنين” ، ولم يصدر أي تصريحات عن المتحدث العسكري عبر صفحته الرسمية بـ”فيسبوك” عن الحادثين، وأخر بيان صادر عن المتحدث العسكري بتاريخ 27 أكتوبر، تحت عنوان “ضربة جديدة لفلول الإرهاب المحاصرة فى سيناء”، يتحدث عن “ضبط كميات كبيرة من الألغام والعبوات الناسفة المعدة للتفجير قبل وصولها إلى التكفيريين”، على حد وصف البيان.
(حق الشهيد)
وقال البيان إن “القوات المسلحة مدعومة بعناصر من الشرطة المدنية جهودها فى إستكمال العملية الشاملة (حق الشهيد) لفرض السيطرة الأمنية الكاملة على القرى والمدن في محيط مناطق مكافحة النشاط الإرهابي بالعريش ورفح والشيخ زويد ، والقبض على عدد من المطلوبين جنائيًا والمشتبه في تورطهم في العمليات الإجرامية ضد عناصر إنفاذ القانون، تم تسليمهم إلى الأجهزة الأمنية لفحص موقفهم الامني، وتمكنت قوات الجيش الثاني الميداني المشاركة من اكتشاف مخزن عثر داخله على كميات كبيرة من المواد المخدرة والعبوات الناسفة بدائية الصنع والمفجرات ودوائر النسف والتدمير والمواد الكيميائية التي تدخل فى صناعة العبوات شديدة الإنفجار، وتدمير العديد من العبوات الناسفة المعدة للتفجير، التي تم زراعتها لاستهداف القوات على محاور التحرك خلال المداهمات، واكتشاف وتدمير فتحة نفق وعدد من الخنادق التي تستخدمها العناصر الإرهابية ملاجئ للهروب من القوات ، يأتي ذلك مع الاستمرار فى فرض حصار بحري على إمتداد الشريط الساحلي بمناطق مكافحة النشاط الإرهابي لمنع وصول الإمدادات والدعم اللوجستي للعناصر الإرهابية المحاصرة فى سيناء.”
تساؤلات كبيرة
استهداف قيادتين عسكريتين كبيرتين من الجيش المصري، يثير تساؤلات كبيرة بشأن تطور عمليات العنف في مصر، وانتقالها من استهداف الشرطة والقضاة إلى قيادات عسكرية، ما يثير القلق الشديد بخصوص هذا المنحنى الخطير، فقيادة الجيش هي من أقدمت على إنهاء العملية الديمقراطية، ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي هو من قاد الانقلاب العسكري، في 3 يوليو، على أول رئيس مصري منتخب الدكتور محمد مرسي، والحرس الجمهوري هو من قبض على “مرسي”، وتم اعتقاله في ثكنة عسكرية بالإسكندرية، تحت حراسة القوات البحرية، لكن عمليات العنف التي اندلعت بعد الانقلاب استبعدت استهداف الجيش ، فما الذي حدث؟ وما هي المستجدات لتدرج قيادات عسكرية في قوائم الاستهداف؟
العمل في سيناء السبب
من الواضح، طبقا لمصادر إعلامية مصرية محلية أن اغتيال العميد رجائي، أمام منزله في مدينة العبور، جاء على خلفية عمله في سيناء، وتحديدا في منطقة رفح، وهدم الأنفاق، وإزالة شطر مدينة رفح بما فيها من منازل وسكنات وأسواق، لكن لم تظهر معلومات رسمية هذا الأمر، ولم تعلن أي تصريحات من أي جهة، حقيقة استهداف “رجائي”، سوى البيان الصادر عن منظمة “لواء الثورة”، التي تبنت عملية اغتيال “رجائي”، في بيان رسمي، مع صور لمتعلقاته، أما مقتل قائد كتيبة الصاعقة في سيناء، حيث مسرح عمليات الجيش والشرطة في مطاردة، فقد جاء في إطار عمليات الاستهداف التي تشنها التنظيمات المسلحة في سيناء.
“أنصار بيت المقدس”
وبدأ الجيش خلال الشهر الجاري، حملة موسعة بالتعاون مع الشرطة، لمطاردة مسلحين عقب هجوم استهدف حاجزا عسكريا يوم 14 أكتوبر الجاري، خلف 12 قتيلُا في صفوف العسكريين، وأعلن الجيش في أوقات مختلفة بعد الحادث عن حصيلة ضمت عشرات القتلي من المسلحين، خلال مداهمات عسكرية لعدة مناطق بسيناء، وفق بيانات رسمية.
تزايد المواجهات العسكرية
المحلل الإسرائيلي للشؤون العسكرية، “أمير بوحبوت” قال إن مصر بدأت في تكثيف أنظمتها الدفاعية بشمال سيناء، على خلفية تزايد المواجهات العسكرية مع التنظيمات الجهادية، مشيرا إلى أنه رغم تشييد مواقع جديدة، مد أسلاك الكهرباء في المنطقة، تبقى مشكلة نقص المعلومات الاستخبارية، في ظل تمتع المسلحين بحاضنة شعبية كبيرة، تمنحهم نقطة تفوق.
المواقع الجديدة
أضاف “بوحبوت”، في تقرير نشره موقع “walla” السبت 29 أكتوبر:”على خلفية تزايد حدة القتال مع (داعش) يعزز الجيش المصري قواته على طول الجزء الجنوبي للحدود مع إسرائيل، يشيد المواقع الجديدة، ويكثف من الأنظمة الدفاعية بالمواقع الموجودة ويمد خطوط الكهرباء. أوضحت مصادر أمنية (إسرائيلية) بالمنطقة الجنوبية أن النفقات الهائلة على طول الحدود الإسرائيلية تشهد على الوضع الأمني الإشكالي بسيناء”.
“جبل حزقياهو”
وقال :”تقع إحدى البؤر التي شهدت تلك التغيرات في الأراضي المصرية بين “وادي راحم” و “جبل حزقياهو”، على مسافة نحو 150 متر من المكان الذي قتل فيه قناص الوحدة الخاصة بحرس الحدود بسكول أفراهامي، بعد الهجوم الإرهابي عام 2011، الذي قتل خلاله 6 مواطنين ومقاتل من اللواء جولاني برصاص مخربين تسللوا من مصر، على مسافة نحو دقيقتين بالسيارة من جبل حزقياهو تجاه الجنوب، على طريق 12، يمكن أن ترى البنية التحتية الجديدة للكهرباء، التي أقامتها مصر في سيناء. يمكن للجيش المصري من خلال خطوط الكهرباء الجديدة تحسين أنظمته الدفاعية والاستخبارية بالمنطقة.”
العدو الذكي
المحلل الإسرائيلي، نقل عن مصدر عسكري إسرائيلي على الحدود مع مصر، قوله :”يواجه الجيش المصري بسيناء عدوا ذكيا للغاية، يعمل في إطارات صغيرة، تحت قيود من السرية. وعندما يضرب، يفعل ذلك بقوة كبيرة”، مشيرا إلى أحد أهم نقاط تفوق المتطرفين بسيناء هو “دعم السكان المحليين في غالبية المناطق”.
نقص المعلومات الاستخبارية
مصادر عسكرية إسرائيلية قالت إن “الجيش المصري يستثمر موارد كبيرة على الأرض وفي الجو لاستهداف البنى التحتية للإرهاب، التي تطورت بسيناء. في العام الماضي حقق الجيش نجاحات كبيرة، لكنها لا تزال غير مركزة. وبسبب نقص المعلومات الاستخبارية النوعية والدقيقة، ما زالت التنظيمات الإرهابية تنجح في شن هجمات فتاكة”.
وأشارت المصادر إلى أن “الحرب على التنظيمات الإرهابية بسيناء لن تنتهي خلال الأعوام القادمة”، لافتا إلى أنه “من أجل منع تصعيد القتال، يستثمر الجيش المصري في البنى التحتية، بما يتماشى والملحق العسكري لمعاهدة السلام مع إسرائيل”، وأضافت المصادر أنه بخلاف التنظيم المحلي الذي بايع داعش، هناك في سيناء تنظيمات إرهابية أخرى، تكبد القوات المصرية خسائر فادحة، على حد زعمه.
0 comments: