تداعيات رئاسة ترامب على الشرق الأوسط
يولّد الانتخاب الاستثنائي لدونالد ترامب قدراً كبيراً من الالتباس، بما في ذلك في مايتعلق بالتداعيات بالنسبة إلى الشرق الأوسط. يتشارك الكتّاب المساهمون في صدى آراءهم عن التداعيات على المنطقة التي ترزح تحت وطأة الاضطرابات، في مجموعة مساهمات تغطّي بلدان عدة من المغرب إلى إيران ومسائل مختلفة من اللاجئين إلى الطاقة. ندعوكم للانضمام إلى النقاش عبر مشاركتنا أفكاركم.
سيف يتم إضافة باقي التعليقات إلى الصفحة قريبا.
-
ترامب والقضية الفلسطينية
في استطلاع للرأي العام الفلسطيني أجري قبل الانتخابات الأمريكية بثلاثة أشهر، أعربت الغالبية العظمى (70 في المئة) من الفلسطينيين بأنه لا يوجد فارق ما بين المرشحة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب تجاه تحقيق المصالح الفلسطينية. ومع ذلك، فإن فوز ترامب في هذا التوقيت يمكن أن يشكل فارقا كبيرا. فعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالخطوط العريضة لسياسة ترامب تجاه الصراع العربي الإسرائيلي حاليا، إلا أن الخطوط العامة لحملته الانتخابية أثارت الكثير من التخوفات لدى الشارع الفلسطيني لأن تنفيذ الرئيس الأمريكي الجديد لتهديداته المتعلقة بالدعم اللامحدود لإسرائيل لن تنهي فقط الآمال بإمكانية إقامة دولتين لشعبين بل يمكن أن تعجل في انهيار الأوضاع الفلسطينية الداخلية الهشة أصلا. فعلى أغلب تقدير، فإن ترامب سوف يسعى خلال الفترة القادمة إلى غض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق بالاستيطان، أو ربما يقدم على تنفيذ وعده الانتخابي بنقل السفارة الأمريكية من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس، وفي هذه الحالة، ربما تنفجر دورة جديدة من العنف وعدم الاستقرار.
وفي ظل صعوبة التنبؤ أو توقع سياسات ترامب، الجديد على مضمار السياسة والذي يفتقد للخبرة الكافية على الصعيد الدولي أيضا، تبقى كافة الخيارات مفتوحة بما فيها التعجيل بتفكك السلطة الفلسطينية واحتمال انهيارها. ففي نهاية الشهر الجاري، تستعد حركة لعقد مؤتمرها العام السابع والذي من المتوقع أن يفرز قيادة جديدة للحركة وبرنامج سياسي يحدد العلاقة مع إسرائيل ويعيد تعريفها. وعلى أغلب تقدير، فإن الرسالة قد وصلت بالفعل إلى أعضاء فتح وقياداتها، الذين سيجتمعون نهاية هذا الشهر، بأن التعويل على حل الدولتين لم يعد مجدي وأن الوقت قد حان للبحث في خيارات أخرى بما فيها تفعيل الخيارات الدبلوماسية ضمن المؤسسات الدولية أو الضغط من الداخل من خلال العمل على تحريك الشارع ضمن حلقة جديدة من النضال الفلسطيني.
-
تأثير ترامب على الأسواق المالية العالمية: زيادة الهشاشة
ساهم فوز ترامب في تأجيج النيران التي تجتاح أسواق الطاقة في العالم. فقد شهدت أسعار النفط تقلبات شديدة خلال العام المنصرم؛ ومع الالتباسات الجيوساسية والتنظيمية التي يثيرها فوز ترامب واكتساح الجمهوريين للكونغرس، سوف تزداد الهشاشة. أولاً، مما لاشك فيه أن موقفه من إبطال الاتفاق النووي الإيراني سوف يؤدّي إلى تأخير عودة إيران إلى أسواق النفط الدولية والتسبب بنفور الاستثمارات الجديدة وابتعادها عن القطاع النفطي الإيراني. قد يكون ذلك مصدر سرور لبعض خصوم إيران في الشرق الأوسط، لكنه يؤدّي إلى تفاقم هشاشة الأسواق مايدفع بالأسعار نحو تسجيل أعلى مستوياتها على الإطلاق.
بيد أن موقف الجمهوريين من رفع الضوابط عن أسواق الطاقة في الولايات المتحدة ومعارضتهم المديدة لأي اتفاق حول التغيير المناخي – والوعود التي أطلقها ترامب في الحملة بالانسحاب من اتفاق باريس حول المناخ، وتقديم الدعم الكامل لزيادة إنتاج النفط الصخري والغاز، ورفع القيود عن التنقيب في خليج المكسيك والقطب الشمالي، وتعزيز استقلالية الولايات المتحدة وصادراتها في مجال الطاقة – سوف يفضيان إلى تدفق مزيد من المواد الهيدروكربونية إلى الأسواق الدولية. وسوف يؤدّي ذلك بدوره إلى مزيد من التخمة النفطية العالمية، ويتسبّب بهبوط شديد في أسعار النفط في المدى الطويل، الأمر الذي سيشكل محنة عصيبة للدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبيك)، لاسيما السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي التي تدفع باتجاه وقف إنتاج النفط مؤقتاً في العالم من أجل إعادة إرساء توازن في العرض والطلب وتحقيق ارتفاع في الأسعار.
صدرت عن ترامب، خلال حملته الانتخابية، تعليقات هجومية عن قصف حقول النفط في الشرق الأوسط والسيطرة عليها. يبدو من ظاهر الأمور أن سياسة ترامب الخارجية في التعامل مع البلدان العربية المنتجة للنفط، والأزمتَين السورية والعراقية، وإيران وروسيا، ستزيد من المخاطر السياسية في سوق النفط التي تعاني أصلاً من الاهتزاز.
-
تعزيز نظريات المؤامرة في العراق
كيرك سويل
في حين أن السياسة الأميركية تمارس بالضرورة تأثيراً على العراق أكبر منه على معظم البلدان الأخرى، يولي العراقيون نسبياً اهتماماً أقل بها، لأسباب واضحة في معظمها. فإلى جانب الحرب الدائرة على أراضيهم، استنفدت الأزمة الخارجية مع تركيا الكثير من الوقت الذي كان يمكن تخصيصه للاهتمام بأمور أخرى. باستثناء النخبة التي تجيد اللغة الإنجليزية وتتابع الانتخابات مباشرةً عبر وسائل الإعلام الأميركية، تابعت البقية الحملة الانتخابية من خلال التغطية المتقطعة عبر وسائل الإعلام العراقية، لاسيما من خلال تصريحات ترامب عن مصادرة النفط العراقي، و"الحظر على المسلمين"، والمزاعم عن أن الرئيس أوباما هو "مؤسس الدولة الإسلامية" أو مرتبط بطريقة ما بالتنظيم. ربما لم يكن ترامب يقصد تماماً ماقاله في هذه التصريحات، غير أنها تعزّز الاعتقاد السائد في أوساط العراقيين – وكذلك لدى سكّان المنطقة – بأن الولايات المتحدة تدعم التنظيمات الإرهابية على غرار الدولة الإسلامية. غير أن هذه المعتقدات المستندة إلى نظريات المؤامرة تجعل من الصعب توقُّع ردود الفعل على نتائج الانتخابات.
-
شكوك في أوساط الحلفاء في المغرب العربي
إدريس جباري
شفافية المحاورين هي التحدّي الأساسي الذي تواجهه منطقة شمال أفريقيا التي تُعتبَر منطقة ثانوية بالنسبة إلى السياسة الخارجية الأميركية. سوف يُمضي القادة في الجزائر والرباط وتونس الأسابيع المقبلة في التفكير في ماإذا كان يجدر بهم توجيه جهودهم نحو إدارة ترامب والتأقلم مع مبادئها القائمة على الانسحاب، وإسناد المهام لجهات خارجية، وترشيد الإنفاق، أو الاستمرار في التفاعل مع المؤسسات التقليدية مثل وزارة الخارجية ولجان مجلس الشيوخ، على الرغم من خضوعها لسيطرة الجمهوريين.
يُقدِّم المغرب نفسه في صورة الحليف الأساسي للولايات المتحدة على صعيدَي الأمن والتحالفات الإقليمية، مايتيح له الحصول على دعم قيّم في مسألة الصحراء الغربية. يستضيف المغرب على أراضيه أعداداً كبيرة من المتطوعين في فيلق السلام سنوياً، ويتعاون في المسائل الاستخباراتية، ويشهد تدريبات عسكرية متقدمة على أراضيه، حتى إنه يجري النظر في نقل مقر القيادة العسكرية الأميركية الخاصة بأفريقيا (أفريكوم) إلى المغرب بدلاً من ألمانيا. بيد أن إدارة ترامب قد تخفّض هذا الوجود الأميركي وتتحوّل نحو الجزائر، المنافِسة الأساسية للمغرب في المنطقة، وتتخذ منها شريكةً لها تعتبرها أقرب إلى تفضيلاتها الأيديولوجية. لقد شعر الجزائريون بالريبة من هيلاري كلينتون، مؤكّدين أنهم يتعاونون في شكل أفضل مع الإدارات الجمهورية ومشدّدين على الخبرة القيّمة التي يتمتع بها جيشهم وأجهزتهم الأمنية في مواجهة الإرهاب الجهادي منذ التسعينيات. قد يكون بإمكان الجزائريين تأدية دور جيواستراتيجي أساسي للحفاظ على الأمن في الساحل وليبيا، لكن أحداث مالي في العام 2012 كشفت أنها مهمة صعبة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أزمة الرهائن في عين أميناس في العام 2013، بسبب شكوكهم حول المخططات الأميركية والخط المؤيّد للسيادة.
على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة ضعيفة، قد تشهد بلدان شمال أفريقيا، بدءاً من تونس، تغييراً في مجالَي المساعدات والدعم. لقد كان القادة التونسيون موضع إشادة من مجلس الشيوخ الأميركي الذي أثنى على الانتقال السياسي في البلاد، وقد تمكّنت تونس من الإفادة من مبادرات في مجال المساعدات على غرار صندوق المبادرة التونسية-الأميركية، فضلاً عن جهود اللوبي التي تبذلها الجمعية التونسية للمهنيين الشباب. قد تعمد إدارة ترامب إلى إعادة النظر في هذه المبادرات وفي الالتزامات الأميركية الأوسع في مجال المساعدات، وإلى ترشيدها، على الرغم من الأوضاعالاقتصادية والأمنية الملتبسة في تونس. في غضون ذلك، قد تكون إدارة ترامب أقل تدقيقاً من إدارة أوباما في سجلالمغرب والجزائر في مجال حقوق الإنسان، وذلك لمصلحة التعاون في درء التهديدات الإرهابية حول البحر المتوسط.
-
تطبيع سلوكيات التعصب حيال اللاجئين
إذا أردنا تقويم المنحى الذي قد تسلكه السياسة الخارجية في عهد ترامب، لاسيما في الشرق الأوسط، يبرز العديد من المسائل العالقة. لكن يمكن التكهّن بأنه سيكون لانتخابات 2016 في الولايات المتحدة تأثير مهم على أزمة النزوح القسري العالمية في شكل عام، وأزمة اللاجئين السوريين في شكل خاص. أولاً، ارتكزت حملة الرئيس المنتخَب على برنامج مناهض للهجرة حافل بالإشارات التي تنم عن تعصّب ضد الآخر ورهاب الإسلام. لابد من أن نتذكّر أن مشاعر ترامب حيال إعادة توطين اللاجئين في مرحلة معينة من الحملة شُبِّهت بأفاعٍ سامّة. لذلك من المشروع أن نتوقّع مزيداً من التصلّب في السياسات في مسألة اللاجئين – وهي خطوة من شأنها أن تشجّع على تبنّي برامج مشابهة مناهضة للاجئين والهجرة في أماكن أخرى من العالم، لاسيما داخل الاتحاد الأوروبي.
أبعد من سياسات الرئيس الجديد وتركيزه على "إغلاق الحدود"، قد تساهم هذه الانتخابات إلى درجة كبيرة في تعميم وسلوكيات التعصب في المجتمع في شكل عام وتحويلها إلى الاتجاه السائد؛ ومن شأن هذه النزعة أن تؤثر حتماً بطريقة سلبية في مسائل مثل إعادة توطين اللاجئين، من جملة أمور أخرى. علاوةً على ذلك، من المنطقي التساؤل، استناداً إلى خطاب ترامب وتوجّهه الجديد الانعزالي على مايبدو، إذا كانت الولايات المتحدة سوف تعمد إلى تقليص دورها الدولي، وتحديداً خفض مساعداتها الإنمائية في الخارج وموازنتها المخصصة للمساعدات الإنسانية – الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي بدوره إلى تفاقم التحديات العالمية المرتبطة بالنزوح القسري.
-
جرعة زخم للواء حفتر في ليبيا
طارق المجريسي
أثار فوز دونالد ترامب الزلزالي ردود فعل في ليبيا كشفت عن انقسام عميق كما في الولايات المتحدة. اللافت هو أن ردود الفعل هذه تشي بتوجهات الفصائل الليبية، وتؤشّر إلى المسار الذي يعتبر كل واحد من هذه الفصائل أن من شأنه أن يقود إلى الانتصار في الحرب الأهلية الليبية التي هي معركة لا غالب ومغلوب. لقد ساهمت نتائج الانتخابات في تعويم اللواء خليفة حفتر ومعاونيه وأنصاره. بعدما بذل حفتر قصارى جهده للتمثّل بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال العامَين الماضيين، يعتبر الآن أنه من شأن نتائج الانتخابات الأميركية أن تعزّز مكانته وطموحاته لحكم ليبيا. على الرغم من أن حملة ترامب لم تتعمّق في الخوض في المسائل السياسية، أكّد هذا الأخير مراراً وتكراراً انسجامه مع فلاديمير بوتين، واقترح الانفتاح على التعاون مع رؤيته الشرق أوسطية. تركّز هذه الرؤية الروسية على تمكين القادة العسكريين الأقوياء لفرض سيطرة الدولة بهمجية، مع مكافحة أي ظهور للإسلام تحت ستار سياسي-اجتماعي، وخير دليل على ذلك تحالف بوتين مع بشار الأسد، وروابطه مع السيسي التي تزداد تقارباً.
نتيجةً لذلك، تتعزّز ذهنية الحصار لدى الإسلاميين السياسيين في ليبيا والكوادر الأكثر صخباً ونفوذاً الموالين لمفتي البلاد المتطرف صادق الغرياني. يدرك هؤلاء أن الرئيس ترامب لن يتعامل معهم بترحاب، لذلك يأملون بأن يتّجه نحو الانعزالية وينفّذ تلميحاته بالانسحاب من المنطقة. فمن شأن ذلك أن يتيح للجهات الراعية لهم، على غرار تركيا وقطر، أن تستمر في دعمهم بحرية. الديمقراطيون في ليبيا هم الأكثر تحسّراً على فوز ترامب. فهم منقسمون ومحاصَرون ويزدادون تهميشاً، وكانوا يعوّلون على انتصار كلينتون. بما أن ترامب سطحي في فهمه للمسائل المختلفة ويفضّل الحسم على الحلول الطويلة الأمد، غالب الظن أنهم لن يحصلوا على الحماية والدعم اللذين هم بأمس الحاجة إليهما. علاوةً على ذلك، تشير محورية ليبيا في انتقادات ترامب لكلينتون إلى أنه لن يجازف على الأرجح بالتورط عميقاً في ذلك البلد، ويفضّل "نصراً سريعاً" يستطيع التباهي به بغض النظر عن مدى سطحية ذلك "النصر".
-
تحالف ترامب-السيسي
قد يؤدّي فوز ترامب بالرئاسة إلى حدوث تحوّل مهم في العلاقات الأميركية-المصرية التي شهدت فتوراً منذ انقلاب 2013. فعلى سبيل المثال، عمدت الولايات المتحدة في العام 2013 إلى تعليق المساعدات العسكرية بصورة جزئية، لتقوم باستئنافها لاحقاً في آذار/مارس 2015، معلّلةً ذلك بالحاجة إلى محاربة الدولة الإسلامية. لكن على الرغم من أن الولايات المتحدة استأنفت المساعدات، لم تتم دعوة عبد الفتاح السيسي حتى تاريخه إلى البيت الأبيض، مايمكن اعتباره ازدراء في العلن لحليف مقرّب من واشنطن. أما ترامب فيبدو أنه ينوي اعتماد سياسة أخرى في التعامل مع مصر. فقد أثنى، خلال اجتماع بينه وبين السيسي في نيويورك في أيلول/سبتمبر 2016، على الجهود التي يبذلها هذا الأخير في حربه على الإرهاب، وصرّح أنه في حال انتخابه، ستكون الولايات المتحدة صديقة لمصر وليس مجرد حليفة لها. وبعد ذلك،قطع ترامب وعداً بدعوة السيسي إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية. وقد سارع الرئيس المصري إلى ردّ الإشادة بالمثل، معلناً أن ترامب سيكون رئيساً قوياً، وهو من الشعارات الأساسية التي استخدمها المرشح الجمهوري في برنامجه الانتخابي.
وفيما يخص بالسياسة، قد يكون لتحسّن العلاقات عدد من التداعيات. أولاً، غالب الظن أن شعبوية ترامب اليمينية سوف تساهم في تعزيز مكانة السيسي، دولياً ومحلياً، لأنها ستولّد على الأرجح دعماً لحملته المستمرة لقمع الإخوان المسلمين والمعارضة العلمانية تحت شعار الحرب على الإرهاب. لقد سبق أن أشاد العديد من القادة في الحزب الجمهوري، بينهم جيب بوش وتيد كروز، بالرئيس المصري، مايؤشّر إلى الود الذي يجمع بين النظام المصري والحزب الجمهوري في وقت كان القمع مستشرياً في مصر. علاوةً على ذلك، يُستبعَد أن تُمارس واشنطن في عهد ترامب ضغوطاً على النظام المصري للحد من مستويات القمع والسماح للمجتمع الأهلي بالعمل والتحرك، مع العلم بأن كلينتون كانت أكثر استعداداًلممارسة مثل هذه الضغوط. أخيراً، من شأن المقاربة الانعزالية التي يُرجَّح أن يتّبعها ترامب في الشرق الأوسط، فضلاً عن استعداده الواضح للتعاون مع روسيا، أن تساهم في تعزيز التعاون بين مصر وروسيا – وهي عملية قائمة أصلاً – بطريقة تؤدّي إلى زيادة التأثير الروسي على مصر.
-
التعاطف التركي مع ترامب
لطالما كانت إحدى المسلّمات بالنسبة إلى تركيا أن جغرافيتها تضمن لها أن حلفاءها الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، لايستطيعون أن يديروا ظهرهم للشراكة الاستراتيجية معها. لقد استشعرت تركيا – وليس من دون سبب – أن تحالفها مع الولايات المتحدة لايمكن أن يتداعى، بغض النظر عن سجلها في مجال حقوق الإنسان، والتآكل البطيء للضوابط والتوازنات، والحدود المفروضة على التمثيل السياسي العادل. إذا كانت إدارة ترامب تحبّذ الانعزالية، فلن يكون مصير الديمقراطيات المتعثرة بعيداً من شواطئها مهماً بالنسبة إليها، وقد يتبيّن أن أنقرة على صواب من جديد.
لقد أظهرت وسائل الإعلام والمعلقون السياسيون الموالون للنظام التركي تعاطفاً علنياً مع ترامب. من شأن تركيا أن ترحب بتراجع التدخل الأميركي ونأي الولايات المتحدة بنفسها عن الفناء التركي في الشرق الأوسط. قد يعني ذلك إطلاق العنان أكثر للطموحات التركية غير الواضحة المعالم في المنطقة، حتى إنه قد يجعل مسؤوليات أنقرة كعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر انسيابية وتساهلاً. يسود التباس شديد في الوقت الراهن حول المنحى الذي قد تسلكه السياسة الخارجية لإدارة ترامب في الشرق الأوسط، لكن الواضح هو أن تركيا ستسعى على الأرجح إلى إقامة مجموعة هجينة من العلاقات التي قد تتناقض أحياناً مع العلاقات الأميركية. التحدّي هو إذا كانت هذه التناقضات ستصبح المعيار السائد الجديد، ومتى سيحدث ذلك.
ليست الحكومة التركية بغريبة عن الشعبوية اليمينية الصاخبة التي سمحت لترامب بالفوز بالرئاسة. ويدرك أعضاؤها جيداً أن من يجرؤ على الانشقاق يواجه الدمار والعزلة. ليست مرونة السياسة الشعبوية في تركيا، والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المعروف بـ"بريكسيت"، والآن فوز ترامب، بأحداث معزولة. إنها تؤشّر إلى تفكك المنظومة العالمية لجملة أسباب منها الشعور المتنامي بعدم المساواة بين المقتدرين والمعوزين، في حين أن التيارات المعارضة التقدّمية تعوّل على كليشيهات عفا عليها الزمن ولم تعد تمارس أي وقع على مايبدو.
-
خطوة روحاني المقبلة
في إيران أبدت النخبة المحافظة المتشددة التي تميل قليلاً لصالح ترامب، ترحيباً حذراً بنتائج الانتخابات الأميركية. غنيٌّ عن القول أن نتائج الانتخابات قد تؤثّر في تطبيق "خطة العمل المشتركة الشاملة" التي وصفها ترامببـ"الكارثة". لكن إبان صدور النتائج، أعلن علي مطهري، النائب الثاني لرئيس مجلس الشورى الإيراني، في مجلس خاص أن معارضة ترامب لخطة العمل المشتركة الشاملة تعود بالفائدة على إيران، لكنهم [أي الأميركيين] لايستطيعون فعل شيء عملياً.
ربما يشكّل الهبوط في تعاملات بورصة طهران مقياساً جيداً لرد الفعل الأولي للمستثمرين الإيرانيين على فوز ترامب. في مرحلة مابعد العقوبات، تواجه إيران بعض العقبات أمام استقطاب الاستثمارات الخارجية، نظراً إلى أن عدداً كبيراً من المصارف حول العالم لايزال يخشى التعامل معها. على الرغم من أن ترامب انتقد سابقاً، وهذه مفارقة، العقوبات المستمرة التي تحول دون تمكُّن الشركات الأميركية من العمل في إيران، إلا أن هذه التطورات الدراماتيكية تُوجِّه مؤشرات متباينة إلى المستثمرين العالميين الذين قد يمضون فترة ترقّب أطول قبل أن يبادروا إلى الإبحار في المياه الجديدة. لكن مع تأكيدشركة "توتال" الفرنسية أن فوز ترامب لن يؤثّر على اتفاق الغاز الذي أبرمته في طهران، يمكن أن تساعد المؤشرات الإيجابية إيران على استقطاب مستثمرين أجانب آخرين.
على الرغم من أنه من المستبعد حدوث انعطافة كاملة في العلاقات الأميركية-الإيرانية بعد الانتخابات، إلا أن التحول الدراماتيكي ليس أمراً مستحيلاً. السؤال المطروح هو الآتي: كيف سيدير حسن روحاني مثل هذا السيناريو؟ كيف ستؤثر خياراته السياسية في حظوظه في الانتخابات المقبلة؟ مع أن المسؤولين الأعلى رتبةً في هرمية النظام الإيراني يوافقون على مايبدو على بقاء روحاني في الرئاسة لولاية ثانية، إلا أن فوزه قد لايكون مضموناً بسرعة وسهولة إذا كانت تلوح في الأفق انتكاسة في السياسة الخارجية. لكن غالب الظن أن إدارة روحاني ستتمكّن من رفع التحديات الجديدة في حال اعتماد سياسة خارجية حكيمة بالاتفاق مع الدوائر الداخلية للمرشد الأعلى.
0 comments: