دراسات إعلامية - الوهم الذي
نحبه.. كيف تغير الأخبار المفبركة نظرتنا للعالم؟
إندبندنت – التقرير
“دعم كل من دينزيل واشنطن
وروبيرت دي نيرو دونالد ترامب”.. “ولد زعيم العالم الحر الجديد في باكستان، ووصف
الناخبين الجمهوريين بأغبى جماعة في أمريكا”.. “عينت هيلاري كلينتون شخصية
شبيهة بها، للظهور في حملاتها الانتخابية عوضًا عنها، وساهمت في تسليح داعش،
واتهمت بالخيانة”..
كل هذه الأخبار
مفبركة كاذبة، لكن تم تداول كل واحد منهم في نطاق واسع عبر وسائل التواصل
الاجتماعية، عن طريق أشخاص آمنوا بحقيقة مثل هذه الأخبار.
كشف موقع
“بازفييد” عن تحليلات تأكد أن الأخبار المفبركة، عادة ما يتناقلها موقع التواصل
الاجتماعي “فيسبوك”، أكثر من نقله للأخبار الصحيحة، خلال الأشهر الثلاث السابقة
للانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث أشارت هذه التحليلات الى أنه تم مشاركة أشهر
20 خبرًا مفبركًا 8.71 مليون مرة.
من المحتمل أن
هذه الأخبار المفبركة لم تهز الانتخابات الأمريكية، لكنها ساعدت في إقناع العديد
من الناخبين باختياراتهم في مساندة مرشحيهم، ما لا يساعد على إيجاد بيئة ديمقراطية
سليمة، التي لا بد أن تعتمد على أن اختيارات الناخبين، القائمة على حقائق ومعلومات
دقيقة وصحيحة.
بعد الصحافة
المستقلة، عن تدخل الحكومة وسيطرتها على نوعية الأخبار المنشورة، هي أحد أهم
الأسباب التي تجعلنا نعطي قيمة عالية للصحافة المستقلة، عن وسائل الإعلام التابعة
للحكومة، لكن طالما يدقق الصحفي في صحتها ويحقق فيها، فنادرًا ما تظل مثل هذه
الأخبار الكاذبة حية، دون أن يكشف زيفها، حتى وقتنا هذا.
لكن في هذا
العصر، تغيّر أسلوب نقل واستهلاك الأخبار لدرجة مخيفة، حيث يتم فبركة وخلق مثل هذه
الأخبار الكاذبة، من قبل مؤيدي الأحزاب السياسية، أو الباحثين عن الأموال بطرق
سريعة وسهلة، فتنقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيهم “فيسبوك” و “تويتر”
كمصدر أولي للأخبار.
جميعنا نقرأ أخبارًا وحقائق ومقتبسات ومعلومات
يشاركها أصدقاؤنا أو أصدقاء لأصدقائنا على وسائل التواصل الاجتماعي، المؤيدين لنفس
وجهات نظرنا للعالم.. فعندما نلقي نظرة على ما ينشر عبر صفحاتنا، عادة ما نرى
أحكامنا المسبقة وافتراضاتنا وآرائنا أمام أعيننا، لتؤكد على ما نريد تصديقه. فمن
الممكن أن يتحول “تويتر” إلى غرفة صدى صوت، بينما يستطيع “فيسبوك” أن يرسم صورة
للعالم الذي نريد أن نراها، عوضًا عن الواقع الموجود. فقد يئول بنا الأمر إلى أن
تنحصر دائرتنا حول أخبار منحازة لجانب معين وغير حقيقي، يصعب الطعن فيه.
من المغري أن
تشارك صورة لتعبر عما لن تخبرك به وسائل الإعلام، لكن فلتضع في حسبانك أنه ربما
قامت وسائل الإعلام بالتأكد من هذا الخبر، واكتشفت أنه غير سليم.. لذلك نحن في
حاجة إلى صحافة جيدة.
أحترم جدًا موقف كل من “جوجل” و”فيسبوك” من وقف
مواقع الأخبار المفبركة، من استخدام شبكة إعلاناتهم، فهي خطوة في الطريق الصحيح.
ولربما يمكن في المستقبل وضع علامة على المواقع ذات الأخبار المفبركة، لتصنيفها
كمناطق للأخبار غير الدقيقة، تمامًا مثلما يحدث الآن مع الرسائل البريدية، التي
تحتوي على بريد غير مرغوب فيه، فيصحبها تحذير يوضح ذلك.
التحقيق سيفتح مجال تساؤل، إن كان من الممكن أن
تتخذ ساحات التواصل الاجتماعي خطوات للتأكد من تعرض المستخدمين لآراء متباينة، وإن
كان لديهم مسؤولية منع نشر الأخبار المفبركة على نطاق واسع، لكن قد يواجه مثل هذه
التدخل اتهامات بالانحياز السياسي، إذا ما قرر اتخاذ قرارات تحريرية. تعد كل هذه
الأسئلة معقدة، لكننا في حاجة إلى أن نسألها.
لا أريد أن أبدو
متشائمًا من مجال الأخبار عمومًا، ومستقبل السياسة في بريطانيا وأي مكان آخر، لكن
من الممكن أن تساعد ساحات وسائل التواصل الاجتماعي في وضع قواعد أخلاقية محددة،
تُحِد من تناقل الأخبار المفبركة، فيتنامى داخلنا طبيعة داخلية تجعلنا نتحقق من
صحة الأخبار قبل تناقلها. وربما يساعدنا ذلك على الدفع، مقابل الحصول على
المعلومات والأخبار عبر المواقع ذات السمعة الجدية.
لم أتخوف أبدًا
من مهاجمة وسائل الإعلام، عندما تسيء استخدام قوتها وسلطاتها بطريقة غير أخلاقية
أو غير شرعية، عن طريق التلصص على الهواتف، أو رشوة موظفي الحكومة. ومن المؤكد أن
اتهامات العديد لانحياز وسائل الإعلام لجهات معينه، أمر صحيح تمامًا، لكن لا يكمن
الحل هنا في خلق وسيلة أخرى للصحافة المفبركة للأخبار، لتتحول لتكون أكثر انحيازًا
بطريقة أو بأخرى، وأقل صرامة في التزامها بالقواعد المتعارف عليها، التي تقوم
غالبًا على الأكاذيب الواضحة وضوح الشمس.
كل ما نحتاجه هو
صحافة قوية، ذات أساس جيد، حتى إن اختلفت مع العديد من الصحف في كثيرًا. قد تجد أن
الأخبار المزيفة تثير العديد من التساؤلات المعقدة، لكن من أجل سلامة ديمقراطيتنا،
لا بد أن نشرع في التفكير في إيجاباتهم.
http://www.independent.co.uk/voices/fake-news-facebook-twitter-social-media-sharing-changing-way-see-world-face-up-to-it-labour-tom-a7431466.html
0 comments: