نير بومس - باحث في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا
•في أيار/مايو الفائت جاءت بشرى إنشاء إدارة "علاقات حسن جوار"، وحدة اتصال عسكرية جديدة مهمتها المحافظة على علاقة مع سكان الجولان السوري، وتنسيق نقل مساعدة إنسانية واستيعاب جرحى. بالإضافة إلى الجهاز اللوجستي، أفاد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بأن الوحدة ستضم خبراء تخصصوا في استخدام منظومات طبية وإنسانية وإدارة علاقات مع جهات مدنية. إن هذه الإدارة التي أقامتها الهيئة العسكرية المسؤولة عن السكان المدنيين في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] (منسق الأنشطة في يهودا والسامرة) هي بمثابة تطور مهم في بلورة السياسة الإسرائيلية حيال الأزمة في سورية، التي مرت بثلاث مراحل حتى الآن. المرحلة الأولى (2011- 2012) تميزت بالوقوف على الحياد؛ الثانية (2013 وما بعد) امتازت برسم الخطوط الحمراء؛ الثالثة (2014- 2016) بلورة سياسة حسن جوار في الجنوب ووضع إطار لها.
•لدى نشوب الحرب الأهلية، فضلت إسرائيل التعاطي مع الأحداث في سورية بوصفها مواجهة داخلية لا تتعلق بها ومن الأفضل أن تراقبها من بعيد وألاّ تأخذ موقفاً منها. وتطلعت سياسة "الوقوف على الحياد" إلى عدم توريط إسرائيل في النزاع بصورة مباشرة انطلاقاً من نظرة مفادها أن الأحداث في شمال سورية وفي وسطها لن تؤثر بصورة كبيرة على شبكة المصالح الإسرائيلية. لكن استمرار القتال "وتمدّده" إلى جنوب سورية وإلى مناطق مجاورة، أجبرا إسرائيل على إعادة النظر في درس توجّهها. وعلى سبيل المثال أعلن وزير الدفاع في أيلول/سبتمبر 2013 أنه "في نظرتنا إلى الحرب الأهلية في سورية، أعلنا وعملنا منذ البداية كما لو أننا لا نتدخل ولن نتدخل إلاّ إذا جرى المساس بمصالحنا. لذلك وضعنا خطوطاً حمراء - نقل سلاح كيميائي إلى حزب الله أو المس بسيادتنا". وقد حددت إسرائيل ثلاثة خطوط حمراء واضحة تستوجب رداً: الأول؛ نقل سلاح، وخاصة سلاح متطور إلى يد تنظيم حزب الله في لبنان؛ الثاني؛ انزلاق الصراع نحو إسرائيل، والثالث؛ تمركز أطراف راديكالية في منطقة الحدود. وكانت إسرائيل أمام خيارين أساسيين: الأول: تفضيل "الشيطان الذي تعرفه"، أي نظام الأسد، على الفوضى والسيطرة الجهادية المحتملة؛ والثاني: القيام بعملية ضد "المحور الموالي لإيران" الذي يضم نظام الأسد والتنظيمات المدعومة من إيران وعلى رأسها حزب الله، بهدف إضعاف نفوذه في سورية ولبنان ومنع تمركزه في جنوب سورية. وفي ضوء غياب الحسم بين الخيارين، ركزت إسرائيل في الأساس على المحافظة على الأمن الجاري وصدّ التهديدات التي وضعتها الحرب السورية في مواجهتها، وقللت من بحثها عن الفرص الكامنة في الانضمام إلى لاعبين معتدلين نسبياً في المنطقة.
البعد المدني - الإنساني
•في مقابل سياسة حكومة إسرائيل "الوقوف على الحياد"، قاد المجتمع المدني الإسرائيلي من خلال عدد من المنظمات مثل "يد بيد من أجل سورية"، "Israel Flying Aid"، "الجوينت" ولجنة توزيع المساعدات الأميركية - اليهودية المشتركة، جهداً إنسانياً في عدد من الساحات، بما في ذلك في الأردن وتركيا وأوروبا وفي سورية نفسها. وخاض عدد من منظمات المجتمع الأهلي حملات علنية من أجل التأثير في حكومة إسرائيل لاتخاذ موقف واضح من النظام [السوري] وإنشاء قناة إنسانية فاعلة. وتدريجياً أخذت جهود المساعدة المدنية تبذل بصورة أكثر تنسيقاً مع جهود المساعدة الرسمية، وأدّت إلى بلورة سياسة أكثر تماسكاً ولا سيما رداً على الأحداث في خط الحدود الشمالية.
•بدأ الجهد الإنساني الإسرائيلي في 2011 بقيادة نشطاء ومنظمات مساعدة إسرائيلية وتركز في البداية على مساعدة اللاجئين الذين تدفقوا إلى الأردن وتركيا. وبموازاة ذلك تواصلت الاتصالات مع مجموعات من المعارضة السورية المنتمية إلى الكتلة المعتدلة في الائتلاف السوري ومجموعات من الجيش السوري الحر من أجل فحص قنوات عمل أخرى يتعدّى المساعدة الإنسانية. وقد شملت المساعدة شحنات من الغذاء الجاف وتوزيعه، وتقديم مواد طبية، وإقامة مستشفيات ومستوصفات (سواء في سورية أو في أوروبا أو الأردن من أجل اللاجئين)، وإنشاء أطر يومية للأولاد كبديل عن المدارس، وتوزيع عدة واقية من الغازات السامة، وماكينات طباعة ثلاثية الأبعاد، وأدوات للحماية من السلاح الكيميائي للطواقم الطبية؛ تأهيل وحدتين لإطفاء الحرائق والإنقاذ وإزالة الأنقاض والعثور على عالقين بين الأنقاض، وحتى نقل الجرحى عن طريق مطار بن - غوريون من أجل الخضوع لعمليات تنقذ حياتهم في وسط البلد بموافقة الوزارات المعنية. ويدل حجم أعمال المساعدة بحد ذاته على عمق شبكة العلاقات التي نشأت من خلال هذه القنوات. وبصفتي أحد الذين شاركوا في إقامة بعض هذه الشراكات أستطيع أن أشهد على أهميتها في عملية تغيير تدريجي للوعي الذي نشأ حيال صورة إسرائيل ودورها المحتمل كلاعب إيجابي في المنطقة. لقد ساهمت سياسة "الدبلوماسية الإنسانية" في تمهيد الطرق إلى جيران ما وراء الحدود.
بلورة السياسة في الجنوب وإنشاء إطار حسن الجوار
•بالإضافة إلى القنوات المدنية بدأ بالعمل أيضاً جهاز المساعدة الإنسانية الرسمي التابع لدولة إسرائيل. وهذا الجهاز بدأ سنة 2013 بمبادرة محلية من ضابط في الجيش أنقذ جريحاً سورياً على الحدود، وتواصل من خلال إقامة مستشفى ميداني في هضبة الجولان. ومع مرور الوقت تمأسست هذه المبادرة، وحتى الآن حصل أكثر من 3000 جريح سوري، بينهم مقاتلون ومدنيون وأولاد على العلاج الطبي في مستشفيات إسرائيل، وجرى نقل شحنات أغذية بينها غذاء للأطفال وأدوية وأغطية إلى القرى في الجولان السوري. وبلور الجيش وحدة مكرسة للعمل في منطقة الحدود السورية تعاونت مع المنظمات الإسرائيلية الأهلية. وتضافر هنا البعد الإنساني مع البعد العسكري، كما ساعد تسارع الأحداث في القطاع الجنوبي وانزلاقها نحو الحدود مع إسرائيل في توثيق الترابط بينهما.
•منذ سنة 2013 بدأ القتال يتقدم جنوباً، وفي نهاية تلك السنة انسحبت أغلبية قوات النظام من منطقة الحدود مع إسرائيل وتركت وراءها فراغاً ملأته بسرعة قوات مختلفة بينها ميليشيات ومجموعات جهادية مثل جبهة النصرة وشهداء اليرموك. واستمر هذا التوجه في سنة 2014، ووقعت أحداث استثنائية أخرى مثل مهاجمة قوة المراقبين الدوليين، واحتلال قوات النصرة معبر القنيطرة واعتراض طائرة سورية تخطت الحدود الجوية [الإسرائيلية]. وفي المقابل ازداد التدخل الإيراني، وفي كانون الثاني/يناير 2015 هاجمت إسرائيل قافلة الجنرال الهادي، وهو قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني. ومع بداية 2016 وجد الجيش الإسرائيلي نفسه يواصل المواجهة ويرد على "انزلاق" قذائف تقع في هضبة الجولان، مع استمرار المعارك بين الأطراف المتقاتلة التي واصلت تقدمها - هذه المرة بحماية الروس - نحو الحدود مع إسرائيل. لكن هذه المرة لم يفاجأ الجيش الإسرائيلي كثيراً في ضوء علاقات التعارف التي بناها مع جزء من اللاعبين في الطرف الثاني من الحدود.
•بدأت الاتصالات مع الجانب السوري من أجل تأسيس قناة تواصل وتعارف وثيقة مع لاعبين معتدلين ينشطون في هضبة الجولان، وبخاصة مع المجموعات التي تنتمي إلى دائرة الجيش السوري الحر ومجموعات مستقلة أخرى، وذلك على أساس قاعدة من المصلحة المشتركة التي تقضي بإضعاف قوات الإسلام الراديكالي، ومقاتلي حزب الله وفيلق القدس الإيراني في المنطقة. وبموازاة ذلك تطور الوعي بأهمية شبكة العلاقات التي بدأت تنشأ مع السكان المدنيين السوريين ومع قوات المتمردين التي تقاتل في المنطقة الجنوبية. ظاهرياً بدت إسرائيل في الأساس وكأنها "الطرف الذي يعطي" والذي يعمل على المساعدة الإنسانية والطبية، لكن نتيجة هذا النشاط حظيت إسرائيل بمنطقة حدود هادئة نسبياً، وبذلك حققت هدفها المركزي في إبعاد الحرب السورية عن حدودها الشمالية.
"وحدة الاتصال بسورية"، "يديعوت أحرونوت" ، 29/5/2016 http://www.yediot.co.il/articles/0,7340,L4808991,00.html
للمزيد من المعلومات أنظر: "הגדר הטובה 2.0 פעולה ישראלית לנוכח המשבר בסוריה"
في آب/أغسطس 2012 نجح متمردون سوريون في طرد قوات الجيش السوري من "جبهة الخشب" في منطقة هضبة الجولان، وأعلنوا استقلال المنطقة. وفي شباط/فبراير 2013 أنشئ المجلس العسكري الأول في منطقة الجولان، وخلال تلك السنة رد الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى على الجيش السوري بعد تساقط قذائف من جهته على الجنود الإسرائيليين في هضبة الجولان.
أحيكام موشيه ديفيد، "يعلون: حتى عدم التدخل في سورية له تأثير علينا"، موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، 8/9/2013.
انظر التقرير المفصل في "سورية خريطة جديدة ولاعبون جدد: تحديات وفرص بالنسبة لإسرائيل"، نير بومس وأودي ديكل وأوفير وينتر، مذكرة 161، معهد دراسات الأمن القومي، آب/أغسطس 2016، تل أبيب.
0 comments: