"هآرتس"، 3/4/2017
عاموس هرئيل - مراسل عسكري
•دخول منظومة الدفاع الجوي "مقلاع داود" (التي كانت معروفة حتى اليوم لدى الجمهور الإسرائيلي باسم "العصا السحرية") الاستخدام العملياتي يكمل الطبقة التي كانت ناقصة في منظومة اعتراض الصواريخ والقذائف الإسرائيلية. ومن المفترض أن توفّر منظومة "مقلاع داود" رداً عملياتياً على تهديدات متوسطة المدى، وهي بمثابة استكمال للطبقة العليا التي بواسطتها تعالج منظومة حيتس تهديد الصواريخ البعيدة المدى، وللطبقة الأدنى التي من خلالها تعترض بطاريات القبة الحديدية صواريخ قصيرة المدى نسبياً. وبذلك تستكمل للمرة الأولى منظومة اعتراضية بدأ تطويرها منذ بداية التسعينيات.
•وعلى الرغم من أن بذور الفكرة نبتت في أواسط الثمانينيات (وارتبطت بصورة عامة بمنظومة الاعتراض التي طورتها الولايات المتحدة ضد الصواريخ النووية السوفياتية)، فإن الأحداث التي أعطت دفعاً لتحقيقها كانت أقرب لإسرائيل. لقد شجعت صواريخ السكود العراقية التي سقطت في إسرائيل خلال حرب الخليج الأولى على تطوير صاروخ حيتس؛ وتهديد صواريخ حزب الله الذي تجسد في حرب لبنان الثانية سنة 2006 حسم معارضة المؤسسة الأمنية لتطويرمنظومة اعتراض لصواريخ قصيرة المدى أطلق عليها اسم القبة الحديدية. وجرى تطوير هذه المنظومات الثلاث بفضل القدرة التكنولوجية الفائقة للصناعات الأمنية المحلية، حيث تجد إسرائيل نفسها في جبهة تطوير عالمية. لكن هذا لم يكن ليحدث من دون دعم قوي وتمويل سخي من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
•إن إعلان تحول "مقلاع داود" إلى منظومة عملياتية هو رسالة من إسرائيل إلى دول المنطقة وفي طليعتها إيران، وهي تعلن من خلالها أنها مستعدة لمواجهة جميع أنواع التهديدات من البعيدة المدى حتى القصيرة المدى، وأنها ليست بحاجة إلى استغلال كامل طاقة منظومتي حيتس والقبة الحديدية، من أجل مواجهة التهديدات المتوسطة المدى.
•وبذلك تفرض إسرائيل على معسكر الأعداء - إيران، حزب الله، وإلى حد ما على "حماس" والجهاد الإسلامي اللذين تساعدهما إيران في تطوير الصواريخ في غزة (لكنها اليوم تواجه صعوبة في تهريب منظومات سلاح جاهزة من إنتاجها) - مواصلة السباق التكنولوجي في محاولة للعثور على رد على التقدم الإسرائيلي. وبالاستناد إلى ما يقوله مسؤولون كبار في إسرائيل، علناً وأحياناً تلميحاً، فإن "مقلاع داود" لا يشكل فقط رداً على الصواريخ المنحنية المسار المتوسطة المدى، وإنما أيضاً قدرة على اعتراض صواريخ بحرية، وعلى التصدي لصواريخ مضادة للطائرات وللطائرات من دون طيار. ويأتي إعلان "مقلاع داود" برهاناً إضافياً على قدرة منظومة حيتس التي بواسطتها جرى اعتراض صاروخ مضاد للطائرات تسلل إلى أجواء إسرائيل فوق وادي الأردن - وكانت أول عملية اعتراض تعلن إسرائيل حصولها.
•بيد أن الرد الإسرائيلي على تهديد الصواريخ والقذائف ما يزال بعيداً من أن يكون كاملاً، وثمة شك في حدوث ذلك يوماً ما. بدايةً، هناك مشكلة اقتصادية، فالتكلفة الضخمة لصاروخ اعتراضي (قرابة 100 ألف دولار في القبة الحديدية؛ وثلاثة ملايين دولار لصاروخ حيتس) لا تسمح بإطلاق صواريخ من دون حساب. المعادلة بسيطة - إذا كان حزب الله يحتفظ بقرابة 100 ألف صاروخ و"حماس" تملك بضعة آلاف، فمن الطبيعي وقت الحرب أن يسعى العدو إلى إغراق منظومات الاعتراض الإسرائيلية بهدف عرقلة قيامها بمهاتها بنجاح، وأن يفرض على المؤسسة الأمنية سياسة إدارة مخاطر كي لا تبقى من دون صواريخ اعتراضية.
•في غزة تبدو المشكلة محدودة. ووفقاً لتقديرات الاستخبارات الإسرائيلية التي نشرت طوال سنوات، تملك التنظيمات الفلسطينية عدداً محدوداً من الصواريخ المتوسطة المدى، الجزء الأكبر منها مرتجل ومحلي الصنع نظراً إلى أن تهريب السلاح من إيران إلى القطاع تقلص كثيراً بسبب الجهد المصري المبذول ضد التهريب. وهذه كميات تستطيع القبة الحديدية مواجهتها من دون صعوبة، كما برز ذلك في اعتراض الصواريخ التي أطلقت على غوش دان خلال عملية "الجرف الصامد" في 2014.
•التحدي الأكبر والأكثر تعقيداً هو في الجبهة الشمالية. فهناك يحتفظ حزب الله بترسانة كثيفة من الصواريخ والقذائف المختلفة المدى، بينها صواريخ دقيقة موجهة بواسطة منظومات توجيه مرتبطة بالأقمار الصناعية (GPS).
•إن التقدم التكنولوجي الإسرائيلي يتيح نجاحاً حقيقياً في عملية اعتراض تهديدات من كل أنواع المدى، لكن ثمة علامة استفهام تتعلق بالقدرة على معالجة كتلة كثيفة: كيف نستعد لاعتراض مئات الصواريخ المختلفة المدى التي تطلق في كل يوم من أيام القتال.
•الرد في جزء منه على الأقل هو رد هجومي، ولهذه الغاية أجرى الجيش تدريبات ومناورات مختلفة في السنوات الأخيرة. لكن هذا ليس كافياً. من هنا التشديد الذي يضعه وزراء وضباط كبار على احتمال أن تقوم إسرائيل بضرب بنى استراتيجية في لبنان في حال نشبت حرب.
•إن هذه محاولة إسرائيلية لترسيخ الردع في مواجهة حزب الله قبل الحرب، وكي توضح للتنظيم الشيعي وللحكومة اللبنانية على حد سواء، أن أي ضربة قوية تصيب حيفا وتل أبيب سيُردّ عليها بضربة أقوى بمرات عديدة في بيروت.
0 comments: