ركزت المخاوف، خلال سنوات حكم أوباما، حول الوضع الأمني الإسرائيلي على برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وتغير التركيز اليوم إلى الوجود العسكري الإيراني المتنامي في سوريا، والقوة العسكرية المتنامية لحزب الله، وإمكانية نشوب صراع مدمر بين إسرائيل وحزب الله.
ونشرت مجلة “معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي” مقالًا، تحت عنوان: “الملامح السياسية والعسكرية للصراع المقبل مع حزب الله “، كتبه السياسي الإسرائيلي جدعون ساعر، والاستراتيجي رون تيراهو، حول تكديس حزب الله للأسلحة الدقيقة بما يمثل تهديدًا هائلاً لإسرائيل، وكذلك الوجود الإيراني المتزايد في سوريا.
وقد يشكل هذان معًا “محاولة من جانب إيران وحزب الله لتحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل، أو حتى اكتساب القدرة على شن ضربة تسبب أضرارًا جسيمة للنظم (العسكرية والمدنية) الحيوية في إسرائيل”.
وتبدو إسرائيل – من نواحٍ معينة- غير عادية في تعرضها للأسلحة الدقيقة، فمن ناحية هي دولة غربية ذات بنية تحتية حيوية متقدمة، ومن ناحية أخرى، هي بلد صغير له بنية تحتية حيوية مركزة وقليل من حالات التكرار. وبالتالي فإن التهديد الذي يمثله عدد قليل من الصواريخ الدقيقة التي تخترق التدابير المضادة الإسرائيلية وتضرب النظم الحيوية، مثل توليد الكهرباء، يمكن أن يكون غير مسبوق. وتتشابه الصورة فيما يتعلق بالنظم الحاسمة الأخرى، مثل الإدارة الوطنية للكهرباء؛ البنية التحتية للغاز الطبيعي؛ تحلية مياه البحر (خمس مرافق فقط توفر حوالي نصف مياه الشرب في إسرائيل). والعديد من الأمثلة الأخرى من المجالات المدنية والعسكرية.
ويجب على إسرائيل أن تحدد خطوطا حمراء، بما في ذلك حيازة حزب الله للأسلحة الدقيقة، وخاصة تصنيع الصواريخ الدقيقة على الأراضي اللبنانية، فضلا عن نشر أنظمة أسلحة إيرانية عالية التأثير في سوريا (مثل صواريخ أرض – جو متقدمة، وصواريخ ساحل – بحر – ساحل، والصواريخ الدقيقة أرض – أرض)، وأن تكون مستعدة لخوض عملية تصعيد – بقدر ما هو ضروري – لإحباط هذه التراكمات “.
وبالإضافة إلى تكديس حزب الله للسلاح، فإن وجود القوات الإيرانية في سوريا يعد تطورًا جديدًا لم يكن موجودًا في آخر معارك حزب الله وإسرائيل في عام 2006.
لذلك، يجب على إسرائيل أن تدرس ما إذا كان ينبغي تحديد خط أحمر للحشد العسكري الإيراني في سوريا، وإذا كان الأمر كذلك، يجب أن تكون مستعدة لخوض عملية التصعيد بقدر ما هو ضروري لمنع هذا التراكم. إن تزايد الوجود العسكري الإيراني في سوريا ربما يجبر إسرائيل على النظر إلى الساحة السورية واللبنانية ككل. سيتعين على إسرائيل أن تنظر فيما إذا كانت ستواصل قبول النشاط الإيراني عن طريق وكلاءها وقواتها السرية، وأن تعمل ضد هؤلاء الوكلاء، أو أن تتصرف مباشرة ضد إيران.
ويرى ساعر و تيرا أن خطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاقية النووية التي وقعها أوباما مع إيران ربما تكون السبب:
في الواقع، من الممكن أن يكون التعليق المؤقت والجزئي للبرنامج النووي الإيراني حافزًا لما يبدو وكأنه محاولة للتوصل إلى توازن استراتيجي ضد إسرائيل في مجالات أخرى (إلى حد ما كتعويض عن تعليق البرنامج النووي)، مما يؤدي إلى ديناميكية التصعيد. ويمكن لهذه العمليات أن تضع النظام الإقليمي على مفترق الطرق، وأن تزيد من احتمال اندلاع الحرب.
هناك تطور جديد آخر، ألا وهو: دور روسيا في سوريا، والذي لم يكن موجودا أثناء حرب 2006. وكما يشير المؤلفان، فإن “أي أعمال عدائية على الحدود الشمالية لإسرائيل يمكن أن تشمل أو تمتد إلى سوريا لعدة أسباب”. ذلك أن الوجود الروسي يجعل السياق بأكمله مختلفًا:
تستطيع إسرائيل أن تشكل تهديدا حقيقيا للنظام العلوي، وأن تحيد قواته التي تدافع عنه بشكل كبير. إلا أن امتداد القتال إلى سوريا، وفي بعض الحالات القتال في لبنان الذي ينعكس علي سوريا، يمكن أن تتداخل مع المحاولات الروسية لترسيخ نظامها في سوريا.
لذلك، يمكن أن تحاول روسيا الحد من حرية إسرائيل السياسية والاستراتيجية وحتى حرية العمليات العسكرية. وفي الوقت نفسه، تعتبر روسيا عنصرا جديدا يؤثر على سلوك جميع الأطراف وضبطها للنفس ونشر قواتها، وطبيعة أي تسوية محتملة في سوريا، والآليات المحتملة لإنهاء النزاع. ويمكن للدور الروسي الجديد في الساحة أن يضغط على إسرائيل ويمكنها من تحقيق أهدافها سياسية والاستراتيجية باستخدام تطبيقات القوة القصيرة والمحدودة والمتطورة تدريجيا، إلى جانب الحوار السياسي مع روسيا والولايات المتحدة – ومن الممكن في بعض الظروف أن يكون هذا الإطار هو الفكرة الأساسية لمفهوم إسرائيل للقتال على هذه الساحة.
الحرب المقبلة هي حرب لن تربح فيها إسرائيل أو حزب الله. إن أهداف إسرائيل الواقعية للحرب لن تتناسب مع الأضرار التي ستعاني منها، والأضرار التي ستلحقها بالضرورة. كما كتب ساعر وتيرا:
ليس هناك سوى مجموعة محدودة من الأهداف “الإيجابية” التي يمكن تحقيقها والتي يمكن لإسرائيل أن تأمل في تحقيقها من حزب الله ومن لبنان. وفي حين أن الهدف من أي نزاع مسلح هو دائما سياسي، فإن من الصعب في سياقات كثيرة أن يوجد هدف سياسي ذا مغزى وقابل للتحقيق بتكلفة معقولة، وهذا هو السبب في عدم وجود قيمة أساسية يمكن تحقيقها في الصراع العسكري بين حزب الله وإسرائيل.
وذلك لأن روسيا لا يمكن طردها، وسيظل نصف سكان لبنان تقريبا من الشيعة، وسيبقى حزب الله أيضًا، وكذلك علاقته مع إيران. بعد الحرب، سيكون أفضل تقدير هو أن حزب الله سيعيد بناء نفسه ، كما حدث بعد حرب 2006. ولكن حزب الله لن يحقق شيئا إيجابيا في مثل هذا الصراع، بل سيعاني من أضرار هائلة وسيجلب مزيدًا من الخراب والدمار على لبنان. و “المكسب” الممكن الوحيد هو الضرر الذي يمكن أن يلحقه بإسرائيل. بطريقة ما هذا هو “الخبر السار الوحيد”:
لذلك، فعلى المستوى الأساسي، ليس لدى الطرفين سوى رغبات متواضعة “إيجابية” وحيوية وقابلة للتحقيق من بعضهما البعض (على سبيل المثال، ليس هناك أي قيمة فعلية يريدها الجانبان –مثل موقف إسرائيل ومصر من سيناء وقناة السويس في عام 1973). ولذلك ينبغي أن يكون لدى كلا الجانبين علامات استفهام كبيرة حول نسبة التكلفة والفوائد الناجمة عن نزاع شديد الكثافة. وهذا عامل هام لتحقيق الاستقرار وكبح الجماح.
وإذا حدثت الحرب، ينبغي على إسرائيل أن تحاول إلحاق أكبر قدر من الأضرار المدمرة بحزب الله بأسرع وقت، بينما تحاول ف ينفس الوقت الحد من الأضرار التي تلحق بإسرائيل وبنيتها التحتية. وهذا لمحاولة الحد من طول الحرب، لأن “هناك صلة قوية بين عمق الأضرار التي لحقت بحزب الله والثمن العسكري والمدني الذي تدفعه إسرائيل لإحداث هذا الضرر”. وبعبارة أخرى، يمكن افتراض وجود صلة مباشرة بين مدة النزاع والثمن المدني والعسكري الذي ستدفعه إسرائيل “.
وهذا لا يعني بالضرورة أن على إسرائيل، في يوم واحد من الصراع، أن ترسل الجيش الإسرائيلي كله إلى لبنان (وهو أمر لم تقم به عام 2006، مما أدى إلى انتقاد الاعتماد الكلي على القوات الجوية في الأيام الأولى من الحرب) لأنه”منذ عام 2006، قد تغيرت طبيعة التهديد، والهجوم البري الذي حدث عام 2006 ربما لن يحقق نفس النتيجة اليوم”.
ومن بين النصائح الواضحة التي قدمها تيرا وساعر أنه ينبغي مناقشة جميع هذه القضايا الآن، وليس بمجرد بدء ذلك الصراع المحتمل. ويختتمون مقالهم بأن الجولة المقبلة من القتال لن يفترض أن تنتهي “بلطف”.
إن إسرائيل لن تكون بالضرورة من ستطلق الطلقة الأخيرة، ومن المرجح ألا “يستسلم” حزب الله، بل إنه سيواصل بناء قدراته، ومن المرجح أن يستمر حزب الله في تعزيز سردية “انتصاره”. إنها سردية”متقدمة” وناضجة. ولتحقيق التماسك على الجانب الإسرائيلي، ينبغي تقديم هذا السرد مسبقا إلى الساحات السياسية والعسكرية والعامة الإسرائيلية.
وبعبارة أخرى، لن يكون هناك انتصار هائل مثل انتصار حرب 1967 في مثل هذه الحرب. فلن تكون بعض المكاسب المحتملة مرئية إلا بعد وقت طويل. لقد كتب تيرا وساعر تحليلاً قويًّا وحذرًا ومدروسًا بعناية، ومزعج في كثير من النقاط. ولكن واضح، من هذا الجهد الذي بذلته في تلخيص وجهات نظرهما، أنه تحليل ينبغي أن يُقرَأ قراءة متأنية.
0 comments: