كيف أصبح حزب الله مهيمنا على حرب المعلومات
جيروزاليم بوست – كولين كلارك (عالم سياسي في مؤسسة "راند" غير الربحية وغير الحزبية وزميل مشارك في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب – لاهاي)
لقد جعل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا الاستخدام المتواصل لوسائط التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع، الأكثر ابتكارا لدى الجماعات الإرهابية الحديثة. ولكن قبل وقت طويل من بدء داعش بالاستثمار بشكل كبير في الدعاية، وضعت جماعة حزب الله الإرهابية الشيعية اللبنانية الأساس للاستخدام الفعال للحرب المعلوماتية، والتي هي القدرة على كسب تفوق على العدو من خلال إدارة المعلومات.
لقد خضعت عمليات حزب الله منذ فترة طويلة لسيطرة شعار "إذا لم تصوّر [العملية] لم تقاتل". وقد استحوذت المجموعة على أهمية توثيق نجاحاتها في وقت مبكر من عام 1994، عندما تسلل مقاتلو حزب الله ومصور إلى موقعٍ للجيش الإسرائيلي في لبنان ورفعوا العلم بداخله، وصوّر حزب الله الحدث - وسجّل انقلابا دعائيا كبيرا.
حزب الله لديه وحدة مخصصة للحرب النفسية المتخصصة في صقل صورة حزب الله العامة. وهو يعتمد الصحف ووسائل الإعلام الاجتماعية والبرامج التلفزيونية لحرب المعلومات. وتستخدم المجموعة قدراتها المتعلقة بالمعلومات للإعلان عن نجاحاتها العديدة، بما في ذلك المخيمات الصيفية للأطفال وبرنامج أنشطة عامة.
بناء على ذلك، يرتبط العديد من أنشطة حزب الله ارتباطا مباشرا بجهوده في مجال التجنيد والسعي إلى الحفاظ على الشرعية السياسية في الوقت الذي يواصل فيه تنفيذ أجندة مسلحة.
إن الدعاية التي يقوم بها حزب الله مصقولة جيداً وموجّهة ومحددة، وتشدد على موضوعات محددة تشمل إيديولوجية المقاومة والاستشهاد وإرساء الشرعية من خلال توفير الخدمات الاجتماعية. في وقت مبكر، فهمت قيادتها أن المجموعة ستحتاج إلى دعم يتجاوز دائرة الشيعة المباشرة. لذلك وجّه حزب الله جهوده الإعلامية لكي يُنظر إليه على أنه منظمة شاملة، في محاولة للحصول على الدعم في جميع أنحاء لبنان بين المسيحيين والسُنّة وكذلك في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي الأوسع.
ولعل تاريخ جهود حزب الله في مجال الحرب الإعلامية هو الأفضل من خلال قصة تطور ذراعه الإعلامية الناشطة، "المنار"، وهي محطة تلفزيونية فضائية تبث من بيروت ويمكن رؤيتها في جميع أنحاء العالم. بعد البث الأول للمنار في عام 1991، بدأ حزب الله ببثها بانتظام بعد ثلاث سنوات، وأدت دورا حاسما كنقطة نشر رئيسية لأخبار حزب الله والدعاية. كما تشمل العملية الإعلامية الواسعة التي يقوم بها حزب الله محطات إذاعية ومطبوعات وشبكة تضم أكثر من 50 موقعا بلغات متعددة.
بدأت "المنار" في محاولة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي من خلال بث لقطات ساحة معركة فعلية تُظهر الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا وتشوهوا. وتستخدم وحدات حزب الله القتالية العنف كأداة نفسية في محاولة لإسقاط معنويات الجيش والشعب الإسرائيليين. وشملت الجهود إنشاء "قسم الرصد العبري" لمراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني الإسرائيلي على مدار الساعة. وقد ساعدت شعبية "المنار" في أن تنمو لتصبح واحدة من المؤسسات الإخبارية الرائدة في العالم العربي.
تبلغ ميزانية "المنار" السنوية حوالي 15 مليون دولار، معظمها من المانحين الأثرياء المغتربين اللبنانيين ومنظمات المجتمع الإيراني المختلفة، ومدخول من بيع برامجها.
ومما يثير الإعجاب أيضا أن إنتاج حزب الله في التلفزيون والفيديو هو استخدامه الواسع لوسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات الجديدة، بما في ذلك وجود كبير على الإنترنت. ولدى زعيم حزب الله [السيد] حسن نصر الله موقعه الشخصي الخاص به، مع أرشيف خطبه ومعرض لصور العمليات العسكرية.
بعد دقائق على إصابة الصواريخ المدمرة الإسرائيلية "حانيت" خلال نزاع سنة 2006، استخدم نصر الله "المنار" لتحقيق رصيد من الضربة، وقدّم لقطات مصاحبة لتوزيعها من قبل وسائل الإعلام الإقليمية و[موقع] "يوتيوب".
ولتعزيز دعايته ورسائله، يستخدم حزب الله مجموعة من التكتيكات التي تشمل البطاقات البريدية والملصقات وأشرطة الفيديو وعلّاقات المفاتيح واللوحات الإعلانية وألعاب الفيديو ومواقع الانترنت المبنية بشكل متقن. تعكس مواقع حزب الله على شبكة الإنترنت أجندة المجموعة المتنوعة، وتهدف إلى أن تكون متعددة الأجيال في نهجها، جذابة للشباب وللكبار، في حين تقدم معلومات عن الخدمات الاجتماعية، وكذلك معلومات شخصية عن الشخصيات العسكرية حزب الله.
في محاولة لتحسين إشراك الجيل الشاب، قام حزب الله بتطوير تطبيق لعبة فيديو على الإنترنت في عام 2010 حيث يشن اللاعبون حربا ضد أعداء حزب الله، وخاصة الإسرائيليين. قبل أن تبدأ اللعبة، يأخذ اللاعب جولات من التمارين في استهداف تشكيلة من السياسيين الإسرائيليين المعروفين. وكانت اللعبة شعبية بين الشباب الشيعة اللبنانيين، وعُزي إليها النجاح في تجنيد أعضاء جدد للقضية.
ومع استمرار إيران في تطوير قدراتها في السايبر، من المتوقع أن يكون حزب الله مستفيدا رئيسيا على نطاق واسع. ويعمل حزب الله باستمرار على تحسين قدراته التقنية، كما يتضح من انتقاله إلى شبكات الألياف البصرية الأسرع التي يمكن أن تعزز قدرة المجموعة على تدفق البيانات وتوفر دفعا أكثر قوة ضد قدرات الحرب الإلكترونية الإسرائيلية. ولم يمنع حزب الله الوحدات الإسرائيلية من التشويش على شبكاته جنوب نهر الليطاني في حرب تموز / يوليو 2006 فحسب، بل أفادت التقارير بأن لديه أجهزة للتشويش على الرادار الإسرائيلي وأنظمة الاتصالات.
ولأسباب أمنية تشغيلية، انتقل حزب الله إلى شبكات هاتفية مغلقة تعمل مستقلة عن شبكات الحكومة اللبنانية. أثناء القتال في بلدة القصير السورية في عام 2013، أظهر حزب الله مرة أخرى ميله لأمن العمليات من خلال وضع نظام معقد يسمح لمقاتليه بالتحدث بحرية عبر الاتصالات اللاسلكية المفتوحة دون أن يكونوا قلقين للغاية بشأن اعتراض المكالمات.
وفي حين أن الدولة الإسلامية قد تستمر في الحصول على حصة الأسد من الاهتمام لاستخدامها لوسائل الإعلام الاجتماعية والدعاية، فإن قدرات حزب الله في مجال الإعلام لا تزال تطغى عليها وربما تعتبر أمرا مفروغاً منه.
لقد كان حزب الله واقعاً حياً منذ أوائل الثمانينات. ونظرا لقدرته المثيرة للانطباع على العمل في بيئة المعلومات، من المرجح أن يظل المجموعة الإرهابية الأكثر هيمنة وقدرة في الشرق الأوسط على مدى عقود قادمة.
0 comments: