هآرتس"، 3/11/2017
عاموس هرئيل - مراسل عسكري
•بينما تنشغل وسائل الإعلام بتقارير بشأن مبادرات لسن تشريعات مريبة، وبالخلاف حول كيفية الاحتفال بالذكرى السنوية لاغتيال رابين، تغرق إسرائيل في مرحلة طوارئ أمنية لا يشعر بها الجمهور تقريباً. يوم الاثنين فجّر الجيش الإسرائيلي نفقاً تابعاً للجهاد الإسلامي محفوراً تحت السياج الحدودي في قطاع غزة، وقبل يومين وبحسب تقارير من الشمال، هاجم سلاح الجو مخزناً للسلاح تابعاً لحزب الله في وسط سورية، وأطلقت بطاريات سورية مضادة للطائرات صواريخها ضد الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحلق في أجواء لبنان.
•كل هذا في الحقيقة غير طبيعي، حتى لو بدا أننا تعودنا عليه. إن سلسلة الهجمات على سورية، التي يمكن التقدير أن كل واحدة منها هي بحد ذاتها مبررة وتكتيكية، هي بمثابة اختبار لحدود صبر نظام الأسد. والحاكم السوري، الذي أعادت نجاحاته الدموية في الحرب الأهلية إليه ثقته بنفسه، بدأ عملياً بتغيير سياسته: فالطلعات الجوية الإسرائيلية في أجواء لبنان جرى الرد عليها مؤخراً بإطلاق صواريخ أرض - جو. وعلى الرغم من أن سلاح الجو مدرب جيداً على التملص من النيران الموجهة إليه، يبدو أن إسرائيل تشد الحبل حتى ما يقترب من نهايته. وفي وقت ما في المستقبل قد يتعقد شيء ما خلال الهجوم نفسه أو خلال إطلاق النار رداً عليه. ومن هنا فإن الحذر والدقة متوجّبان في عملية السيطرة على عجلة القيادة في الجبهتين الشمالية والجنوبية.
•التصعيد الأخير في غزة لم يصبح وراءنا تماماً. لقد فوجئوا في إسرائيل إلى حد ما بالصمت المدوي للفلسطينيين بعد تفجير النفق الذي قُتل فيه 14مخرباً على الأقل من الجهاد الإسلامي ومن "حماس" من بينهم قادة كبار. ومن المحتمل أن الجهاد الإسلامي يحضر هجوماً استعراضياً يتطلب إعداداً أطول، أو أنهم في الطرف الثاني ينتظرون مناسبة لاستغلال نقطة ضعف في المنظومة الدفاعية للجيش الإسرائيلي في الحدود مع القطاع. ويمكن أن تحدث محاولة هجوم انتقامي في الضفة الغربية أيضاً.
•في هذه الأثناء قرر الجيش الإسرائيلي مواصلة حالة التأهب القصوى مع أن ذلك لا يشعر به سكان غلاف غزة (باستثناء منع المزارعين موقتاً من الاقتراب من منطقة السياج).
•مع ذلك، من الواضح أن لدى حركة "حماس" سلم أولويات آخر. على رأس هذه الأولويات هناك تطبيق اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، والاستفادة من الميزات المعطاة لها فيه مثل التخفيف من الحصار المصري المفروض على معبر رفح، وزيادة التمويل المتوقع من رام الله. ويبدو أن "حماس" أكثر حماسة للاتفاق من السلطة التي تتقدم بحذر. في هذه الأثناء أدت المصالحة إلى ترميم التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل. لقد أمر محمود عباس بتخفيض مستوى العلاقات [مع إسرائيل] بعد أزمة الحرم القدسي في تموز/يوليو، لكن السلطة الآن بحاجة إلى إسرائيل من أجل التنسيق اليومي لعبور وزراء ووفود من رام الله إلى غزة. وحصلت إسرائيل في المقابل على ثمن هو بشكل اتفاق صامت على إنهاء الأزمة واستئناف العلاقات على مستوى كبار المسؤولين. في المقابل، فإن الأزمة مع الأردن التي بدأت نتيجة المواجهات التي وقعت في الحرم القدسي الشريف، واستمرت بعد الحادثة التي قتل فيها حارس في السفارة الإسرائيلية في عمان مواطنين أردنيين بعد تعرضه للهجوم، ما تزال تتعقد. فما تزال عمان مستاءة وغاضبة ولا ترغب في عودة السفيرة الإسرائيلية التي شاركت رغماً عنها في الاستقبال الذي أقامه نتنياهو للحارس لدى عودته إلى إسرائيل.
•إن الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في غزة وفي سورية متشابهة: سلسلة نجاحات عملانية واستخباراتية لا يمكن أن تشكل بديلاً عن سياسة بعيدة المدى. هذا الأسبوع امتنع نتنياهو، بحكمة، عن التصريحات المتبجحة بشأن الأحداث التي شهدتها غزة. بالنسبة إلى سورية، خفف نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان قليلاً من ضبط النفس وأطلقا تصريحات تهدد إيران، التي تقوم بتعزيز وجودها العسكري هناك وترسل ميليشيات شيعية إلى جنوب البلاد. من الصعب دائماً تقدير كيف سيفسر الطرف الثاني مثل هذه التصريحات، هل سيعتبرها دليلاً على إصرار إسرائيلي، أم هو يرى فيها تبجحاً فارغاً يجدر اختبار صدقيته. لكن الخطر في الشمال لا يُختصر بعدد مقاتلي الميليشيات الشيعية وكم تبعد بدقة عن الحدود مع إسرائيل. الخطر يكمن في نشوء جبهة واحدة قابلة للاشتعال ومخيفة، تمتد من رأس الناقورة إلى جنوب الجولان، ويوجد وراءها ممر لوجستي إيراني، يمتد من طهران ويمر بدمشق ويصل إلى بيروت. إذا نشبت حرب هنا، كيف سيكون هامش المناورة الإسرائيلي، ومن سيتوسط لوقف إطلاق النار؟
•سبق الخطوات الإسرائيلية في الجبهة السورية خلاف مهني مثير للاهتمام في القيادتين السياسية والأمنية. ففي بعض المرات كان هناك من حث على القيام بعملية حاسمة وأكثر سرعة. وعلى الأغلب كان رئيس الأركان هو العنصر الكابح. عندما يقتنع بأن العملية ضرورية، تُنفذ. والفارق بين أيزنكوت والذين يشجعون على القيام بعملية هو أن الجيش هو الذي سيطلب منه مواجهة النتائج في حال تعرقلت الخطة وتدهورت إسرائيل نحو مواجهة عسكرية. وينطبق هذا الانطباع على جميع الجبهات التي تتدخل فيها إسرائيل.
•وقع الهجوم الأخير المنسوب إلى إسرائيل في ختام الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران. وكالعادة، طرح السؤال: ما قيمة التنسيق مع روسيا إذا كان الإيرانيون هم الشركاء الذين اختارتهم موسكو لنفسها. يقول اللواء في الاحتياط يعقوب عميدرور، في السابق مستشار الأمن القومي لنتنياهو، "في يوم ما ستفتح الأرشيفات، سيكون بالإمكان رؤية ما فعله رئيس الحكومة من أجل إقامة شبكة علاقات تسمح لنا بالعمل مع الروس في الشمال. إنه عمل متروّ ومتّزن. لا أتوهم أننا سنقنع الروس بتغيير نظرتهم إلى العالم، لكن في واقع صعب للغاية نجحنا في التأسيس لوضع يستطيع فيه الروس فهم مصالحنا وحاجتنا للتحرك في الشمال عندما تكون هذه المصالح مهددة."
•يقول عميدرور إن إسرائيل اتخذت قراراً واعياً بعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية في سورية. لكن الآن بعد أن استعاد نظام الأسد استقراره تبلور واقع جديد: "يتعين علينا حالياً أن نحدد بدقة ما هي خطوطنا الحمراء، وأن نكون مستعدين لاستخدام قوة مباشرة ضد من يتجاوزها، أيضاً من خلال تحمل مخاطر واعية". وعندما سئل هل استخدام مثل هذه القوة يمكن أن يؤدي إلى تدهور نحو مواجهة عسكرية، يرد عميدرور بالإيجاب ويقول: "لكن البديل هو السماح للإيرانيين ببناء قدرة هجومية سيستخدمونها ضدنا من سورية عندما يشاؤون"
0 comments: