مواجهة التوسع الإيراني في سوريا
Countering Iranian Expansion in Syria
المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي الأمريكي (JINSA)
ملخص تنفيذي
أكّد ترامب في كلمته الشهر الفائت أن خطة العمل الشاملة المشتركة ((JCPOA باتت غير مقبولة، وأن استراتيجية شاملة يجب أن تتبع للحد من عدوان إيران المتنامي إقليمياً، وبعيداً عن الخوض في الاتفاق النووي، هل يتم إلغاؤه أم لا؟ فإنّ الساسة الأمريكيين يركزون أولاً على إعادة بناء مرتكزات قوة لهم، وذلك بمواجهتهم للنفوذ الإيراني الصاعد في الشرق الأوسط.
والأكثر إلحاحاً الآن، وهو ما يتوافق مع النية الأمريكية المعتمدة بالتصدي لسلوك إيران الخبيث في المنطقة، فإنّ على الولايات المتحدة أن تضع العراقيل الحقيقية في وجه المساعي الإيرانية لتحقيق النصر التام في سوريا عبر نظام الأسد، الوقت هو جوهر المسألة؛ فباستعادة القوات المدعومة إيرانيا لما يقارب غالبية البلاد، ومع استئثارها بكثير من المناطق التي تم تحريرها من الدولة الإسلامية (داعش) من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن هذه المكاسب الإستراتيجية وسواها تهدد بإحكام القبضة الإيرانية على سوريا ما بعد الحرب، وتمهد الطريق للسيطرة على الجسر البري الذي يربط إيران بلبنان وحزب الله مباشرة.
تحتاج الولايات المتحدة استراتيجية متماسكة وحضورا قويا للنظر فيما وراء السقوط الوشيك لـ “داعش”، لردع الأهداف الإيرانية الرامية لزعزعة الاستقرار في سوريا، ولإعادة التأثير الأمريكي ضد إيران، وإن إيران، على رغم النجاحات الأخيرة التي أحرزتها مؤخرا، إلا أنها أنهكت نفسها في سوريا؛ فمن خلال إعادة الاستحواذ بالقوة على البلاد كاملة لصالح الأسد، باتت القوات الإيرانية والميليشيات المدعومة إيرانيا مستنزفة ومعتمدة على الدعم الجوي الروسي لتحقيق حتى أهدافها التكتيكية ضد بقية القوى الثورية، بالإضافة إلى أن الدعم الإيراني للأسد تقاطع مع غياب أمريكا عن حلفائها في المنطقة خلال السنوات السابقة، وبهذه الحالة فقد كرست إيران نفسها لبقاء الأسد بالسلطة واسترجاع البلاد كاملة لصالحه.
إنّ تكاليف التراخي باهظة، فالقوات المدعومة أمريكيا تكمل عملها الصعب باسترداد آخر معاقل “داعش” السورية بالقوة، تاركة المجال لإيران ووكلائها باستراق التقدم والاندفاع عبر دير الزور والفرات باتجاه الحدود العراقية، هذا الهجوم للميليشيات الإيرانية سيقتطع أرضاً ثمينة في حساب الصراع ما بعد الحرب، هذه المقاطعة تصل الفجوة بين هذه القوات وتلك التي تقاتل ضد داعش والأكراد شمال العراق في مسعى منها للوصول إلى الحدود السورية، وقد صرح مسؤولون إيرانيون مع بداية هذا الشهر أن الرقة وباقي المناطق التي تم انتزاعها من قبل القوات المدعومة أمريكيا سيتم تحريرها أيضا.
إن انتصار الأسد التام الذي سهلته روسيا وإيران سوف يقوض مصداقية الولايات المتحدة وتعهداتها في المنطقة، ويوطد المكانة الإيرانية لتكون القوة الأولى المسيطرة على الطرق الحيوية الدولية في الشرق الأوسط، وبشكل متزايد، تتجلى نتائج النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، بدءا بلبنان الذي صرح فيه رئيس الوزراء أن سبب استقالته هو النفوذ الإيراني في البلد، وانتهاء باليمن حيث شنت القوات الحوثية المدعومة من إيران أوقح هجماتها الصاروخية على المملكة العربية السعودية، ومع ذلك فإنّ الساسة الأمريكيين ليس لديهم هدف معلن في سوريا غير تدمير داعش، مع بعض التعهدات الضئيلة منهم بلعب دور دائم في البلد.
لتجنب هذه النتيجة التي ستقلب الموازين الجيوسياسية الإقليمية، على الولايات المتحدة اتخاذ استراتيجية تمنع روسيا وإيران أن تصبحا حاكما لا يُضاهى لمستقبل سوريا السياسي، وأن تؤسسا لتواجد عسكري دائم على طول الطريق من طهران إلى المتوسط -التهديد الغير مقبول بتاتا لحلفاء أمريكا الأساسيين وخصوصا إسرائيل والأردن.
وهذا سيتطلب من الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة ما يلي:
1-تبني سياسة واضحة معلنة في سوريا:
أ يجب على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف أن يحافظوا على تواجد عسكري مستمر على الأرض وفي الأجواء السورية من أجل تحقيق الأمن لإعادة الإعمار، ولأجل منع كلاً من ظهور داعش مجددا وعودة السيطرة الكاملة للأسد على البلاد.
ب على الولايات المتحدة وحلفائها ووكلائها أن يدافعوا عن أنفسهم بشكل حاسم إذا تمت مهاجمتهم.
2-الاستمرار بدعم المجموعات المناوئة للنظام وتطوير قدراتها ومساعدتها في الحفاظ على البقاع الاستراتيجية التي تم تحريرها من داعش. وهذا يتطلب تدريبا أميركيا واسعا مستمرا وتقديم المشورة والمعدات والمعونة وبذل الدعم الناري في سوريا.
3-العمل مع الحلفاء الإقليميين ضد تزايد التسليح الإيراني في سوريا.
خلفية استراتيجية
أي استراتيجية صلبة لسوريا ما بعد داعش يجب أن تضع في حسبانها وينعكس عنها ثلاثة ميزات بارزة، والمحددة للطبيعة الحالية لصراع الأعوام الستة.
1-ازدياد التصادم الأمريكي الإيراني
يبدو أن خدمة نهر الفرات كشريط فاصل بين القوات المدعومة أمريكيا عن تلك المدعومة إيرانيا باتت تفقد مفعولها بتسارع؛ فالنهر يقسم بين القضاء الشمالي الشرقي الذي يشكل ثلث سوريا بخليط سكاني متناثر من عرب وكرد عن القضاء الأساسي الغربي المكتظ سكانيا، ويشمل الأخير الأرض المنشأ للنظام العلوي (الساحل) مع الحدود السورية الأردنية فلبنان والجولان ويضم أغلب المدن الكبرى كدمشق وحمص وحماة وإدلب وحلب، وقد اندلع أكثر القتال حدة وأكثره كلفة على النظام والثوار والمدنيين على حد سواء غرب النهر، حيث تشكل هذه المنطقة مراكز الثقل العسكري للتدخل الخارجي من إيران وحزب الله وروسيا وتركيا.
بعد مرور قرابة العام على اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، أعادت أكثر قوات النظام شرق الفرات انتشارها ضد تركيز الثوار الأساسي في قلب الأرض السورية غربا، وعلى الفور بدأ التنافس بين الميليشيات الكردية و”داعش” لملء الثغرة الأمنية الحاصلة، ما نتج من التمدد المتسارع لـ “داعش” جرّ الولايات المتحدة مع أحلافها حالا للحرب، ما شجع ظهور قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا ذات القيادة الكردية عام 2015، لتكمل هذه القوات فيما بعد العبء الأكبر من القتال ضد “داعش” في سوريا.
حتى وقت متأخر جدا، كان هذان الصراعان – قوات سوريا الديمقراطية مع وحدات الدعم الأمريكية ضد داعش في الشرق، واكتساح إيران للمدن غربا – كانا قد حدثا بمعزل عن بعضهما البعض، وهو ما منح الولايات المتحدة هامشا مهما للمناورة ولتطويق داعش على طول الضفة اليسرى للفرات، ولكنه بنفس الوقت أجهض أي محاولة لكبح جماح إيران وحزب الله على الحدود السورية مع إسرائيل والأردن.
حتى اليوم لا يزال الفرات الحدّ الرئيسي الفاصل، ولكن مع هجوم النظام الأخير باتجاه دير الزور فقد أصبح جنوده وحلفاؤه يمشطون الضفة اليمنى للفرات، وفي حال لم تتم إعاقة هذا التقدم الآني لهم، فإنّ طهران ووكلاءها سوف تحدّ أيّ تقدّم لاحق لقوات سوريا الديمقراطية باتجاه محافظة ديرالزور الغنية بالموارد والتي تنشطر حول النهر، وبنفس الضربة تكون طهران قد سيطرت على أكثر الطريق البرية حيوية، من إيران مرورا بالعراق إلى قلب سوريا ومنها إلى لبنان والجولان، والسماح لطهران بتحقيق هذا الهدف يزيد من الاحتمالية المتوقعة مسبقا حول تبادل إطلاق النار بين القوات الأمريكية والإيرانية أو الوكلاء عنهما.
2-تأثير أمريكي غير كاف
العامل الثاني الأبرز الذي يجب أن تضعه استراتيجية الولايات المتحدة في حسبانها هو قلّة مصداقيتها في أعين أصدقائها وخصومها على حدّ سواء، فالانسحاب السريع للولايات المتحدة من العراق عام 2011، والذي تلاه تطهير حكومة بغداد الشيعية للسنة من قيادة البلاد، لا تزال أصداؤه إلى الآن تثير شكوك الحلفاء الحاليين حول انسحاب متهور لأمريكا من سوريا بعد سقوط “داعش” متخلية عن مفاتيح البلاد لإيران وتاركة قوات سوريا الديمقراطية لتواجه مصيرا ليس أفضل حالا من مصير سنة العراق، حيث أسفر انعدام التأثير الأمريكي في البلد نفسه عن هجوم بغداد المدعوم أمريكيا لاسترداد كركوك من الأكراد الذين دافعوا عن هذه المدينة الاستراتيجية لسنوات ضد “داعش”.
فشل الإدارة الأمريكية بالتمسك بخطوطها الحمراء إبّان استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي عام 2013 – بعد أن أخبرت إيران دبلوماسيين أمريكان أنّها ستنسحب من محادثات الاتفاق النووي الحديثة العهد فيما لو فرضت الإدارة الأمريكية عقوبتها – زاد من ضعف الموثوقية الأمريكية بإمساك زمام المنطقة وفرض ضرائب على اعتداءات إيران ووكلائها، هذه المحادثات النووية ونتيجتها التي تمخضت عام 2015 – خطة العمل الشاملة المشتركة – أضعفت أكثر فأكثر المصداقية الأمريكية عندما خففت العقوبات عن إيران بشكل صريح غير مبدية أيّ نوع من المقاومة لسلوك إيران الرامي لزعزعة الاستقرار خارج الشأن النووي.
سارعت كل من إيران وروسيا وتركيا لاستغلال الفراغ الحاصل، فطوّرت الدول الثلاث ووسّعت أذرعها العسكرية في سوريا إبّان خطة العمل المشتركة (JCPOA ) والخط الأحمر الأمريكي عام 2013، والذي بقي عالقا، دسّت إيران المزيد من قواتها الخاصة ووكلائها الشيعة إلى سوريا، وبشكل سريع أمسكت بزمام المجموعات التي تقاتل على الأرض نيابة عن النظام وتحكمت بها، فيما بدأت روسيا عملياتها القتالية عام 2015، والآن لديها عقود بإقامة قواعد عسكرية لها تستمر طويلا لمرحلة ما بعد الصراع الحالي، ومع بداية العام 2016، تدخلت تركيا مباشرة ضدّ قوات سوريا الديمقراطية غير آبهة بنظرة زملائها في حلف الناتو تجاه هذه الخطوة.
ولتأكيد بصمتها الجديدة، قادت هذه الدول الثلاث ذاتها مبادرات تفاوض حول مصير سوريا بعد الحرب بمعزل عن الأمم المتحدة، وبذلك ليتم تهميش الولايات المتحدة ومعارضي النظام بشكل صارخ، الرسالة واضحة: واشنطن غير متوقع لها البقاء في سوريا حاليا، لذلك لن يكون لها كلمة في مستقبل البلد.
3-نقاط الضعف الإيرانية
ربما أسأنا تقدير الاستنزاف الإيراني في الصراع السوري، والذي يرجح أن يكون الميزة الثالثة الأبرز في حسبان أي استراتيجية أمريكية، إذا كان خسران أمريكا لمصداقيتها جعل التدخل العلني لروسيا وحزب الله وإيران ممكنا، فإنّ الاستنزاف الحاد في القوات المسلحة السورية جعلت التدخل ضروريا، فبينما لا يزال النظام يمتلك رأسا علويا ثقيلا، إلا أن قواته في الأراضي السنية الواسعة عانت خسائر عالية وانشقاقات جماعية منذ البداية تباعا، جاعلة النظام على شفى حفرة عام 2015.
ليحافظوا على سوريا تدور في فلكهم، كان على إيران وحزب الله أن يحلّوا محلّ القوات السورية على الأرض لا أن يبقوا مجرد قوات رديفة، روسيا عملت بطريقة مماثلة بما يخص قواته الجوية بتقديم الدعم الجوي لها، حشدت إيران آلاف الرجال من الميليشيات الشيعية جاءت بهم من كلّ دول الشرق الأوسط لتستخدمهم كمرتزقة لتبديل النوبات، ويقودهم على الخطوط الأمامية حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وحيث وجدت نفسها مستنزفة في معاركها الوحشية لاستعادة قلب البلد، ومنهمكة في معركة الدمار الشامل لاستعادة حلب شبرا بعد شبر نهاية العام الماضي، فقد صرحت طهران بخسارة أكثر من 2100 عنصر من هذه القوات بما فيهم مئات من عناصر الحرس الثوري قتلوا في سوريا والعراق، وبضم هذه الخسائر للخسائر الثقيلة في صفوف قوات النظام السوري، فقد جعلت الحصيلة إيران أكثر اعتمادا على الدعم الجوي الروسي لاستمرارها بحملات جديدة، خاصة وأنّ كثافة انتشارها تضمحل مع كلّ ميل مربع تستعيده.
خسر حلفاء الأسد الكثير من الأصدقاء بعملهم هذا، حيث سعى نظام الأقلية العلوية لمحو الأغلبية السنية من مدن سوريا الكبرى وبقية بقاع التمرد، وبالدعم الجوي الروسي تمّ له الأمر باستخدام قوة نارية غير متكافئة لا تميز ولا ترى حدّا فارقا بين المدنيين والثوار.
مع ذلك، تجتهد طهران بتعزيز دورها في سوريا، فهذا قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يقوم بزيارات لافتة لمدن تم تحويلها مؤخرا إلى ركام من قبل القوات الإيرانية، ويترافق ذلك عادة مع موجات من اللاجئين يتدفقون بعكس الاتجاه، والمسؤولون الإيرانيون يبثون الدعاية عن دور دولتهم في حلب والمعارك المشابهة لها بتحويل المكان إلى أرض محروقة ثم يسوقونها على أنّها عملية سلام، ليبقى ما يفعله النظام السوري ورعاته مقتصرا على مفاقمة الأسباب الأساسية للثورة.
إنّ نتائج التدخل الإيراني المكلف على سوريا المستقبلية جليّة، لسنين عدّة كان الحرس الثوري الإيراني يغتنم فرصة الخسائر الهائلة التي تلحق بالنظام ليقوم بردم الهوّة الأمنية والوزارية للبلد مستخدما موظفين تابعين له، منذ سقوط حلب – والذي يرمز لصعود إيران كقوة بارزة على أرض سوريا – بات الحرس الثوري وشركاته الوهمية يمول الاستثمارات الإيرانية الأسدية الهامة، وهذا يتضمن تنازلات كبيرة في جوهرها ضمان السيطرة الإيرانية على إعادة الإعمار في سوريا واحتكارا وشيكا لقطاعات الطاقة المربحة والمالية والبناء والمعادن والاتصالات، وتحاول طهران أيضا استصدار حقوق التمركز الدائم لقواتها البرية والبحرية والجوية.
تواجه الولايات المتحدة مع شركائها السوريين معضلات أقلّ تأثيرا على الأرض، حيث تعمل القوات الأمريكية مع ذراع عسكري صغير متركز في المساحات المأهولة بأعداد أقلّ من الأكراد ومن العرب السنة في محافظتي الرقة ودير الزور، وتعكس البنية النسيجية لقوات سوريا الديمقراطية الذوبان العرقي والمناطقي، وعلى العكس تماما من إيران، فقد صرّح الضباط الأمريكيّون ألّا نيّة لديهم للتغيير الديموغرافي بعد تأمين قوات سوريا الديمقراطية للمناطق التي تحت سيطرة “داعش”.
الولايات المتحدة بحاجة لاستراتيجية سورية
كسابقه، وضع الرئيس ترامب لنفسه أولويّة تدمير “داعش” والخلافة التي زعمتها، حتى الأمس القريب، كان الفاعلون في سوريا راضين بما تفعله أمريكا تاركين لها ولقوات سوريا الديمقراطية تحمّل هذا العبء، ومع استلام الأسد وداعميه زمام المبادرة في الغرب، وعجز “داعش” عن التهديد مزيدا بالهجوم، إلّا أنّ الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية فجأة تواجهتا بالقوات المصطفة مع إيران تتسلل لتسرق ثمرة النصر وتخطف أرضاً كانت أمريكا قديماً انسحبت منها بتهوّر.
من وجهة نظر الساسة والمخططين الأمريكيين، فإنّ هذا يخلّ بالتوازن الاستراتيجي في سوريا، فما كان مجرد تصادمات عرضية فبالصحاري الواسعة الخاوية التي تحتلها “داعش”، يصبح الآن ساحة معركة محتقنة على جانبي الفرات، الأمر الذي يهدّد بالحدّ من حريّة المناورة للقوّات المدعومة أمريكيا.
على المستوى الاستراتيجي، ستكون مناورة الأسد لاستعادة البلاد كاملة غير منطقيّة في حال اعتقد الروس والإيرانيون والنظام السوري أنّ أمريكا لن تنسحب من المحاصصة بعد هزيمة “داعش”، وعلى المستوى العملياتي، سيفكرون مرّتين قبل أن يقحموا أنفسهم في مواجهة مع منطقة تواجد أمريكي في حال تلقوا ردعا حاسما حيال عمل كهذا، وهذا لا خلاف عليه لأنّ النظام ورعاته ابتعدوا عن خطوط الإمداد وأرهقوا قوّاتهم في التوسع من ناحية رئتهم الشرقيّة باتجاه الفرات.
يجب على الولايات المتحدة أنّ تطوّر استراتيجية صلبة في سوريا تنعكس عنها هذه الحقائق، مسترشدة بأولويّة جديدة، وهي منع الهيمنة الإيرانية على البلد، وبينما ورثت إدارة ترامب خططا ناجعة من سابقتها، فقليل ما فعلته لترقى إلى مستوى الحالة الاستراتيجية الراهنة، وللملاحظة، فالضربة الصاروخية من طراز كروز، التي أتت ردّا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في نيسان لم يتم توثيقها بأيّ تصريح سياسي يخص مستقبل سوريا.
لخلق المستندات لمحصلة مقبولة لهذا الصراع الضيق الخيارات، يتوجب على الولايات المتحدة ما يلي:
تبني سياسة واضح معلنة حيال سوريا
ربّما كانت العقبة الأكبر على سياسة الولايات المتحدة هي، ببساطة، الاعتقاد السائد من كلّ الأطراف أنّ الولايات المتحدة ستعاود مجددا فعلها القديم بإزالة نفسها وأيّ تأثير لها من الوسط بعد الإعلان عن هزيمة “داعش”.
الرئيس ترامب قال مؤخرا: “سنعمل مع كلّ حلفائنا لمواجهة زعزعة النظام للاستقرار ودعمه لوكلاء الإرهاب في المنطقة” ولكنه لم يقدم خطة سوى المزيد من العقوبات، ولم يأت على ذكر إيران أو الأسد خلال حديثه عن عمليات ما بعد “داعش” في سوريا، فيما وضع وزير الخارجية تيرلسون في أغسطس معيارين لسوريا مستقبلية مقبولة، زوال الأسد من السلطة وانسحاب جميع المجموعات العسكرية الحليفة لإيران خارج البلد، إلا أنّه لم يفصح عن كيفية النيّة الأمريكية لإنجاز هذه المخرجات.
لضمان هذه الشروط، وربما غيرها، على الساسة الأمريكيين تأكيد أنّ:
1-الولايات المتحدة وحلفاءها سيبقون على التواجد العسكري في أرض وأجواء سوريا لتأمين عملية إعادة الإعمار ومنع كلا من ظهور داعش مجددا واستعادة الأسد للبلاد كاملة.
2-الولايات المتحدة وحلفاءها ووكلاءها السوريين سيدافعون عن أنفسهم بضراوة إذا هوجموا.
مساعدة الوكلاء السوريين في الحفاظ على المناطق الاستراتيجية المحررة من “داعش”
الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية هم من تحمّل المعركة ضدّ “داعش”، ليس إيران ولا الأسد ولا حزب الله ولا روسيا ولا تركيا، إكمال هذه المهمة، وبقدر ما هو حيويّ، إلّا أنّه ليس نهاية بحدّ ذاته، بل يجب أن يضفي تأثيرا حيّا على مصير الولايات المتحدة ووكلائها في مرحلة ما بعد الحرب، وعلى وجه الخصوص قوّات سوريا الديمقراطية التي عارضت مسبقا دخول الميليشيات الإيرانية إلى مناطقهم، وعليها أيضا نصب عراقيل واضحة لمنع الجسر الإيراني البرّيّ.
على خلاف داعمي نظام الأسد، تمتلك الولايات المتحدة مواقع قويّة لدعم حلفائها على الأرض من أجل الاستحواذ على آخر ما تبقى من معاقل “داعش” على طول الفرات والحدود العراقية، هناك توترات قائمة بين العرب والكرد في تشكيل قوات سوريا الديمقراطية، وهذا ما يتوجب على أمريكا وحلفائها أن يدركوه ويتعاملوا معه، لكن على الرغم من ذلك، لم تولّد أمريكا و”قسد” شيئا من الحقد مقابل ما فعلته حملات النظام من التطهير العرقيّ، وخصوصا أنّ العرب والأكراد الذين لا يزالون يرزحون تحت حكم “داعش” – وهم محل طمع النظام ورعاته بسبب حقول النفط والمعابر مع العراق – لا يثقون بالنظام العلوي الحاكم لسوريا، وعليه فإنّ تصريحا من الولايات المتحدة يؤكّد عزمها حماية هذه المنطقة من النظام ومن أيّ ظهور جديد لـ “داعش” سيساعد في تعزيز سلطة “قسد” عليها.
وبالتزامن مع هذا، يتوجب على الولايات المتحدة دعم تواجدها وخطط تدريبها وجهود المساعدة والمشورة والجاهزيّة في سوريا، ستكون هذه الخطوات ضرورية لتجنب تضاؤل قدرات “قسد” بينما يستعيدون الأرض ولدعم سياسة أمريكا المعلنة ضد نظام الأسد وقواته الرديفة.
العمل مع الحلفاء الإقليميين ضد تنامي التسليح الإيراني في سوريا
شحنت إيران مسبقاً أسلحة هامة إلى سوريا ومن خلالها بصيغة تهريب غير شرعية عبر البحر، ولديها النيّة أيضا في إنتاج صواريخ ومعدات عسكرية أخرى في سوريا لدعم قدرات حزب الله الهجومية ولترسيخ موطئ قدم لها.
على الولايات المتحدة التنسيق المباشر مع الحلفاء الإقليميين، إسرائيل والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وعليها التنسيق ضمنيّاً مع دول أخرى لقطع الطريق على شحن سفن الأسلحة من إيران إلى سوريا، سيتطلب هذا مراقبة للنقل البحري والقيام بجهود الحظر والتنسيق بدءا من الخليج الفارسي مرورا بالبحر الأحمر وانتهاء بالبحر المتوسط، بالإضافة إلى جهود لحظر استخدام إيران للطائرات المدنية في شحن معدات وطواقم عسكرية إلى سوريا، بالتزامن مع سياسية حثيثة لقطع الطرق البرّيّة خلال العراق وسوريا، هذه المعايير ستحدّ من قدرة إيران على إبقاء قوّة معتبرة في سوريا وإمداد وكلائها.
وفي نفس الوقت، على الولايات المتحدة السعي مع كل هؤلاء الحلفاء لدمج القوة الدفاعية الصاروخية ضد الاعتداءات المسلحة التي تشنها إيران في المنطقة، والأكثر إثارة للقلق استمرارها في شحن الصواريخ المتطورة لحزب الله ليؤسس لنفسه قدرات إنتاجيّة خاصة في سوريا ولبنان.
كلّ هذه التوصيات للسياسة الأمريكية في سوريا تمّ تصميمها لإعادة التأثير ضد إيران، حيث المحاصصة الاستراتيجية على أشدّها وحيث الضغط المضاد لإيران بات هشّا، ومع ذلك، فالأمريكان بمفردهم سيكونون غير كافين للنهوض الكامل بالدور الأمريكي والقيادة الإقليمية المتردّيَيْن نسبيا مقابل إيران، وكما جاء في كلمة الرئيس ترامب في 13 أكتوبر: أنّ الولايات المتحدة تستطيع فقط تصحيح المسار باستراتيجية شاملة ضدّ التهديدات الإيرانية واسعة الطيف.
0 comments: