فايز رشيد
كشفت
صحيفة ألمانية “دير شبيغل”، وصحيفة “إسرائيلية” “يديعوت أحرونوت”، أن “إسرائيل”
تسلمت رسمياً في الرابع من مايو/ أيار الماضي، غواصة حربية رابعة من أصل ست غواصات
من الأكثر تطوراً في العالم، والقادرة على حمل رؤوس نووية، الغواصة الخامسة
ستتسلمها دولة الكيان الصهيوني خلال العام 2013، والسادسة في العام 2016 .
الغواصات جميعها من طراز دولفين، وعملية التسليم تجري في سرية تامة وتحت حراسة
شديدة، يوفرها جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، وعناصر من الاستخبارات “الإسرائيلية” .
وفي
خبر متصل، نقلت “دير شبيغل” عن مسؤولين في شركة الصناعات الحربية “الإسرائيلية”
(رافائيل) قولهم: إن الشركة طوّرت صواريخ نووية من طراز “بوباي طوربو إس إل إم”،
وهي صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية بوزن 200 كغم، وأن هذه الرؤوس تم تطويرها في
مفاعل ديمونة النووي “الإسرائيلي” .
ألمانيا
تدرك تماماً أن “إسرائيل” هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة، ووفقاً للتقديرات
تمتلك ما يزيد على 200 رأس نووي، وتدرك أيضاً أن “إسرائيل” تحتل أراضيَ فلسطينية
وعربية، وتمارس استيطاناً بشعاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتنكر للحقوق
الفلسطينية، وهي الدولة المعتدية وليس المعتدى عليها، ورغم ذلك تقوم بتسليحها
بغواصات حربية تعدّ الأكثر تطوراً في العالم .
ألمانيا
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد دحر النازية تعيش عقدة “اضطهاد اليهود”،
لذلك ومنذ العام 1948 وحتى هذه اللحظة، تقوم بدفع تعويضات مالية وتسليحية سنوية ل
“إسرائيل”، هذا عدا دورها الكبير في تهجير اليهود من أوروبا ومن مختلف أنحاء
العالم إلى فلسطين، ودورها في إقامة الدولة “الإسرائيلية” .
ألمانيا
التي عانى شعبها ويلات النازية مثل الشعوب الأوروبية والعالمية الأخرى، حري بها
ألا تقوم بدعم كيانٍ عنوانه الأساسي “النازية الجديدة” . هذا الكيان وقبل إنشائه
من خلال الإرهاب الذي قامت به العصابات الصهيونية، وعند وما بعد الإنشاء وحتى
اللحظة، يمارس المذابح والمجازر ضد الفلسطينيين والعرب، و”إسرائيل” هي التي قامت
بحملات التطهير العرقي للفلسطينيين منذ العام 1948 وحتى اللحظة وضد العرب، ورغم
ذلك تقوم ألمانيا بمدها بالمساعدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتقنية، إلى
الحد الذي باتت تتساوى فيه مع جزءٍ كبير مما تقدمه الولايات المتحدة لدولة
الاحتلال .
من
ناحية أخرى، تدرك ألمانيا أن “إسرائيل” لا تعترف علناً بوجود أسلحة نووية لديها،
وترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي التي تهدد بشن الحروب
على الدول العربية ودول المنطقة .
برلين
الرسمية وعبر المتحدثين الرسميين باسمها، تنفي باستمرار أن يكون بإمكان هذه
الغواصات التي تقدمها لـ“إسرائيل” أن تشكل جزءاً من الترسانة النووية
“الإسرائيلية”، لكن، وفقاً لما نشرته “دير شبيغل” و”يديعوت أحرونوت”، فإن مسؤولين
عسكريين ألماناً و”إسرائيليين”، أكدوا أن ألمانيا تدرك أن “إسرائيل” تجهز الغواصات
الهجومية من طراز دولفين بذخائر نووية .
المستشارة
الألمانية ميركل تدّعي الحرص على أن تقوم “إسرائيل” بتقديم (تنازلات) في موضوع
الاستيطان “الإسرائيلي” على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإثباتاً لحسن نوايا
ألمانيا تجاه الفلسطينيين، قامت ببناء محطة لمعالجة المياه الآسنة في قطاع غزة،
وافتتح الرئيس الألماني وزوجته مدرسة للبنات، قامت ببنائها ألمانيا بالقرب من رام
الله (هذه الخطوة كانت في الخامس من يونيو/ حزيران الحالي، ذكرى النكبة)، ولكن
نقول للمستشارة الألمانية، إن من يحرص على حقوق الفلسطينيين لا يقدم مساعدات ل
“إسرائيل”، وبخاصة مساعدات تصب في تعزيز قدرتها النووية .
ونتيجة
لهذا الظلم الفادح الذي تمارسه ألمانيا بحق الفلسطينيين والعرب، والقيام بتسليح
“إسرائيل”، طلبت المعارضة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية إيضاحات من حكومة
أنجيلا ميركل عمّا يتعلق بتسليح “إسرائيل” ودعم ترسانتها النووية، ورفعت اتهامات
للحكومة بأنها لن تحقق أية مكاسب مقابل مساعداتها ل “إسرائيل” .
الرد
الحكومي الألماني جاء من خلال تصريح لستيفين شيبرت، المتحدث باسم حكومة ميركل، قال
فيه: “إنه لا يشارك في “التكهنات المتعلقة بالترسانة النووية “الإسرائيلية”” .
هذا
الرد الحكومي هو “أقبح من ذنب”، وجاء على طريقة “النعامة التي تدفن رأسها في الرمل
حتى لا ترى” .
رغم كل
المساعدات الألمانية ل “إسرائيل”، قامت قيامة الأخيرة ضد الكاتب الألماني الحائز
جائزة نوبل للآداب غونتر غراس، عندما نشر قصيدة فقط ينتقد فيها السياسات
“الإسرائيلية” . “إسرائيل” اتهمته “بالخدمة في الجيش النازي” و”بالعداء للسامية”،
ودعت الصحف الصهيونية إلى مقاطعته ومحاربة انتشاره . للأسف لم تنتصر ألمانيا
لواحدٍ من أبرز كتّابها . ألمانيا تمارس النفاق السياسي عندما تتذرع بالحرص على
حقوق الفلسطينيين والعرب وتقوم بتسليح “إسرائيل” .
الخليج، الشارقة، 11/6/2012
نواف الزرو
بينما نتابع الحراكات
المدنية التضامنية الاوروبية مع فلسطين وضد الاستيطان والعنصرية الصهيونية، ونتابع
الحرب الاكاديمية البريطانية ضد الاكاديمية الصهيونية المتحالفة مع السياسات
الرسمية الصهيونية، يتساءل الكثيرون عن الراي العام الاميركي والحراكات المدنية
التضامنية الاميركية ان وجدت ضد السياسات الصهيونية، والسؤال الكبير الذي يجول في
بال الكثيرين دائما: اين هي يا ترى الاكاديمية الاميركية...؟، واين هم المثقفون
الاميركان...؟، واين مبادىء الحرية والعدالة لدى الراي العام الاميركي..؟، وجملة
من الاسئلة الاخرى على الاجندة الاميركية.
الذي لا شك فيه في
المشهد الاميركي ان اللوبيات الصهيونية تسيطر على البيت الابيض وسياساته، كما
تسيطر على الكونغرس الاميركي وترسم قراراته، بينما تهيمن هيمنة شبه كاملة على
الماكينة الاعلامية الاميركية الجبارة، ولكن رغم ذلك، ظهرت هناك في المشهد حراكات
مدنية وثقافية مناهضة لسياسات البيت الابيض وللسياسات الاستيطانية والعنصرية
الصهيونية، بل وتطالب بمقاطعة "اسرائيل" ومحاسبنتها على جرائمها.
ففي الوقت الذي ينتزع
بعض العرب انفسهم من فلسطين او ينزعونها منهم، نتابع هؤلاء المناضلين الكبار على
امتداد اميركا وهم يتصدون للسياسات الاميركية –الصهيونية في فلسطين، وقد بدأ اول
حراك واضح لهم في منتصف حزيران 2006 حيث تظاهر العشرات من الاشخاص الذين ينتمون
الى منظمة سلمية اميركية في شيكاغو امام مقر مجموعة"كاتر بيلار" للمعدات
الثقيلة للمطالبة بوقف شحن الجرافات العملاقة الى اسرائيل" وقاد التظاهرة
والدا "راشيل كوري" الناشطة الاميركية للسلام ابنة ال23 عاما التي سحقتها
جرافة عسكرية اسرائيلية في آذار 2003 بينما كانت تحاول الاعتراض على هدم منازل في
رفح"، واشارت الوكالات في هذا الصدد الى"ان مؤسسات عدة من بينها الكنيسة
الانجليكانية قامت بحملات لمنع الاستثمار في المجموعة لدفعها الى وقف بيع هذه
المعدات الثقيلة الى اسرائيل مؤكدة ان الدولة العبرية هدمت 12 الف منزل فلسطيني
على الاقل بواسطة هذه الجرافات العملاقة"، وفي السياق ايضا نذكر بما جاء في
تقرير من واشنطن: "ان الجمعية العمومية للكنيسة البريسباتينية الاميركية عقدت
مؤتمرها ال217 في مدينة برينغهام وحضره نحو 500 مندوب من جميع الكنائس
البريسباتينية في الولايات المتحدة وناقشت فيه مسالة سحب استثمارات مجمع الكنائس
من الشركات العاملة في اسرائيل والاراضي المحتلة التي تساعد بشكل او بآخر على
ترسيخ الاحتلال الاسرائيلي او توفير ادوات العنف والتدمير له"، واشار التقرير
حينئذ الى"قلق اسرائيلي ويهودي من فتح النقاش حول سحب الاستثمارات، وان
السفارة الاسرائيلية استقبلت مجموعة من الشخصيات البارزة من القيادات المسيحية
بالولايات المتحدة ..كما ادان المجلس اليهودي الاميركي هذا النشاط المعادي
لاسرائيل".
وكانت كنيسة المسيح
المتحدة قد"صادقت على سحب الاستثمارات من الشركات التي تساعد في بناء
جدارالفصل او الاستيطان او تدعم الاحتلال"، كما شجع مجلس الكنائس العالمي وهو
اكبر هيئة عالمية تجمع المسيحيين غير الكاثوليك، اعضاءه على"تصفية
استثماراتهم في الشركات التي تتربح من احتلال اسرائيل للمناطق الفلسطينية، لان
هناك شركات متعددة الجنسيات متورطة في هدم المنازل الفلسطينية وفي بناء المستوطنات
والبنية التحتية للاستيطان في الارض المحتلة.. وفي بناء سور عازل داخل الارض
المحتلة، وفي انتهاكات اخرى للقانون الدولي.."
وتقدمت نحو 180 منظمة
منتشرة في أكثر من 32 ولاية أميركية بخطاب إلى الكونغرس الأميركي تطالب فيه بتجميد
المساعدات العسكرية لإسرائيل أو تعليقها حتى قبول إسرائيل بما وصفته هذه المنظمات
بشروط تخدم مصالح السياسة الأميركية، وذكرت المعلومات الواردة من أميركا أن هذه
المنظمات تنضوي تحت لواء ما يسمى "الحملة الأميركية لإنهاء الاحتلال
الإسرائيلي".
وصدم الإسرائيليون من
نشاط مجموعة كبيرة من الأكاديميين الذين يحملون درجة بروفيسور في الولايات
المتحدة، يدعون إلى مقاطعة إسرائيل بسبب ارتكابها جرائم حرب في العدوان على قطاع
غزة، وقد بادر إلى هذه الحملة 15 بروفيسورا أميركيا من جامعات كاليفورنيا، ولكن
بعد أيام من إطلاقها انضم إليهم 80 بروفيسورا آخر من جميع أنحاء الولايات المتحدة،
وقال الأكاديميون الأميركيون، إن حملتهم تدعو إلى فرض مقاطعة أكاديمية وثقافية على
إسرائيل، بسبب ممارساتها الوحشية في الحرب العدوانية التي شنتها على قطاع غزة
واعتبرت تلك الحملة أول تحرك أميركي من نوعه ضد السياسة الإسرائيلية، ولذلك جوبه
بذهول إسرائيلي. وشن عدد من الأكاديميين الأميركيين هجوما لاذعا على اللوبي
اليهودي والصهيوني بسبب ما سموه "المحرك الأساسي لسياسة الكيل بمكيالين التي
تنتهجها الولايات المتحدة"، وهاجم الدكتور جون اسبيسيتو الأستاذ بجامعة جورج
تاون الأميركية، في مؤتمر صحافي اللوبي اليهودي، قائلا إنه سبب توتر العلاقة بين
الغرب والمسلمين، واعترف بحق الفلسطينيين في مقاومة الاعتداءات الصهيونية عليهم
وبضرورة المقاومة المسلحة لكل ما هو إسرائيلي بشرط ألا يؤدي ذلك لسقوط ضحايا من
المدنيين، مؤكدا أن ما ترتكبه إسرائيل من مذابح وممارسات تهويدية، أمور غير
أخلاقية وترفضها كافة الشرائع والقوانين.
وتقول
صحيفة"هآرتس في مقال للصحافية تسفيا غرينفيلد انه بالنسبة الى هؤلاء المثقفين
الاميركيين، فان نضال الفلسطينيين ضد اسرائيل يمثل انتفاضة بطولية للمضطهدين والمحرومين
ضد المحتلين الذين حرموهم من انسانيتهم ونزعوا الشرعية عن تراثهم المحلي".
نحترم ونقدر هذه
الحراكات الاكاديمية والمدنية الاميركية المناهضة للسياسات الاستيطانية والعنصرية
الصهيونية، وندعو المثقفين العرب هناك على امتداد مساحة الولايات المتحدة الى ضم
جهودهم الى هذه الحملة الاميركية ضد الاحتلال الصهيوني، فلن يضع حدا لسيطرة
اللوبيات الصهيونية على السياسات والقرارات الاميركية في نهاية الامر سوى الحراكات
الشعبية والاكاديمية الاميركية الداخلية.
المستقبل العربي،
12/6/2012
ماجد كيالي
من بين الحروب
الإسرائيلية - العربية العديدة، ثمة اثنتان تحتلان مكانة تأسيسية في تاريخ هذه
المنطقة، الأولى حرب 1948، وقد نجم عنها قيام إسرائيل كدولة وكمشكلة، ونشوء قضية
فلسطين، والثانية حرب 1967، التي نتج عنها احتلال باقي أرض فلسطين، مع الجولان
السورية وسيناء المصرية، وتدشين إسرائيل كقوّة إقليمية عظمى، وهذا يفيد أن باقي
الحروب إنما هي هوامش لهاتين الحربين، لأن أياً منها لم تغيّر من واقع وجود
إسرائيل، ولا من مكانتها في هذه المنطقة حتى الآن.
لنلاحظْ أن ثمة صعوبة
في الحديث عن تلك الحروب، إذ ليس ثمة رواية رسمية عنها، ولا وثائق تعرِض أحداثَها،
ولا إحصائيات تشرح موازين القوى والخسائر الناجمة عنها، وكيف حصل ما حصل (؟!!)،
ولنلاحظْ أيضاً أن مصطلح «الحروب العربية-الإسرائيلية» إنما هو تعبير مجازي،
وينطوي على تلاعب وتورية، لأن معظم هذه الحروب كانت تشنّها إسرائيل من طرف واحد
(باستثناء حرب 1973).
على الأرجح أنه قد تم
صكّ هذا المصطلح للاستهلاك والتوظيف من قبل إسرائيل والأطراف العربية، إذ من خلاله
روّجت إسرائيل لنفسها أمام العالم باعتبارها ضحيّة في وسط غابة من الذئاب، لجلب
التعاطف والدعم، سياسياً وعسكرياً ومالياً، ولإظهار منعتها وقوّتها على الصعيد
الداخلي. أما النظام العربي، فقد وظّف هذا المصطلح لإثبات براءته، وتكريس شرعيته
من جهة، ولتبرير هيمنته الشمولية على البلاد والعباد من جهة أخرى، بما في ذلك
مصادرة الحريات، وتأخير عمليات التنمية.
والحاصل أن أي تفحّص
لمجريات تلك «الحروب» سيبعث على الدهشة بشأن حقيقة ما جرى، وسيثير الشكّ في شأن
أهلية النظم المعنيّة وصدقيّة ادعاءاتها الوطنية، ففي الحرب الأولى (1948) مثلاً،
جرى الترويج لهجوم سبعة جيوش على إسرائيل، في حين كانت الدول العربية بالكاد حصلت
على استقلالها، ولا تمتلك جيوشاً حقيقية، وخصوصاً أن ماحشدته تلك الجيوش المزعومة
لم يزد عن 25 -30 ألفاً، في حين تراوَحَ عديدُ القوات الصهيونية في مراحل القتال
المختلفة، بين 60-100 ألف مقاتل. وفي كل الأحوال، فقد تُرك الفلسطينيون لمصيرهم،
من دون تسليح، بدعوى أن تلك «الجيوش» ستقوم عنهم بتلك المهمة في غضون أيام!
وبالنتيجة، ربحت إسرائيل تلك الحرب ومعها 77 بالمئة من أرض فلسطين، التي تم تشريد
معظم شعبها.
وما يجب الانتباه إليه
أن إسرائيل هذه، التي كانت قامت للتو، استطاعت في تلك الحرب احتلال 5 آلاف كلم
مربع من حصّة الفلسطينيين في قرار التقسيم (1947)، ما زاد حصّتها -بموجب القرار
المذكور- من 55 إلى 77 بالمئة من ارض فلسطين، والخمسة آلاف كلم مربع هذه توازي
مساحة الضفة والقطاع، التي عادت إسرائيل واحتلتها عام 1967، وتسعى القيادة
الفلسطينية منذ عقود لإقامة الدولة المستقلة فيها.
أما الحرب التأسيسيّة
الأخرى (1967)، فقد شنّتها إسرائيل على ثلاثة دول (مصر وسورية والأردن)، اثنتان
منها لها مكانة مركزية في العالم العربي، وكان في كل منهما قيادة ذات نزعة قومية
(مصر وسورية). وقد نجم عن هذه الحرب تدمير البنية العسكرية لجيوش هذه الدول، مع
خسارة بشرية تقدّر بحوالى 15-20 ألف عسكري، في مقابل 800 فرد من الجيش الإسرائيلي.
وفي تلك الحرب، ازدادت مساحة إسرائيل إلى خمسة أضعاف، مع احتلال باقي الضفة وغزة
والجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
ما تنبغي ملاحظته هنا
أيضاً، أن الحربين الرئيستين اشتغلت إحداهما عكس الأخرى بالنسبة للأطراف المعنيين،
فقد نجم عن الأولى صعود القومية العربية (الناصرية والبعثية)، التي تُوّجت بلا
منازع على عرش مصر وسورية والعراق، في حين تمّ لجم الوطنية الفلسطينية، بتقويض
«حكومة عموم فلسطين» (1948) وبحرمان الفلسطينيين إقامةَ دولة لهم في الضفة وغزة،
إذ ضُمت الأولى إلى الأردن، وأُتبعت غزة إلى الإدارة المصرية. أما الحرب الأخرى
(1967)، فقد قَوّضت الفكرة القومية ونزعت قداستها، في حين أنها أطلقت الوطنية
الفلسطينية، المعطوفة على فكرة المقاومة المسلحة. واللافت أن الحرب الأولى التي
مزّقت وحدة العالم العربي، والتي زلزلت أحوال الفلسطينيين، لم تؤثّر على الوضع
العربي بالقدر ذاته الذي شكّلته الحرب الأخرى.
أما بالنسبة إلى
إسرائيل، التي تأسّست في الحرب الأولى، فقد كان للحرب الثانية تأثيرات متناقضة
عليها أيضاً، إذ نتج عنها تحقيق التطابق بين «أرض إسرائيل» و «شعب إسرائيل» (بحسب
التعبيرات الإسرائيلية)، باحتلال الضفة الغربية (مع غزة). لكن نتج عن هذا أيضاً
المطابقة بين الصهيونية العلمانية والصهيونية الدينية، ما أدى إلى صعود التيارات
اليمينية والدينية والشرقية في إسرائيل، وانحسار مكانة التيارات العلمانية
واليسارية والأشكنازية، الأمر الذي أوصل حزب ليكود إلى الحكم لاحقاً.
وهكذا، فرغم عوائد
الاحتلال الاقتصادية، لم يكن كله ايجابياً بالنسبة إلى إسرائيل، إذ أنه وصمها
بطابع الدولة الاستعمارية العنصرية، وأدى إلى كسر احتكارها لمكانة الضحية، وأثار
الشكوك حول معنى الديموقراطية فيها، لاسيما مع الانتفاضة الأولى التي حدثت بعد
عقدين من الاحتلال. وبالمقابل، فإن هذا الاحتلال، الذي وحّد «أرض إسرائيل»، وحّد
أيضاً الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، وعزّز هويتهم الوطنية.
ومع أن هذه الحرب نقلت
العرب من الصراع على وجود إسرائيل إلى الصراع على شكل هذا الوجود، أي من ملف 48
إلى ملف 67، إلا انه وضع إسرائيل في مأزق من نوع جديد، فهي باتت في مواجهة ما
تسميه الخطر الديموغرافي (الفلسطيني)، الذي يهدد طابعها كدولة يهودية، ويطرح
التساؤلات حول حقيقتها كدولة ديموقراطية من جهة، ومن جهة أخرى وجدت إسرائيل نفسها
في مواجهة دائمة مع الوطنية الفلسطينية التي تسعى إلى تجسيد ذاتها في دولة في
الضفة والقطاع، واستعادة حقوق الفلسطينيين التي أقرها المجتمع الدولي، وضمنها حق
العودة للاجئين. وفي تلك الغضون، وجدت إسرائيل نفسها في تناقض فريد في نوعه، فهي
لا تستطيع ضمَّ الأرض المحتلة، التي تعتبرها «أرض الميعاد» خاصّتها، ولا هي راغبة
بالتخلّي عنها، في ما بات يشكّل واحداً من أهم التشقّقات في المجتمع الإسرائيلي
ونخبه السياسية والثقافية.
على ذلك، فكل ما
يتعلّق بهذه الحروب يثير الدهشة ويبعث على التساؤل، وقائعها وإحصائياتها والأساطير
التي نسجت حولها، وكل ذلك يؤكد بأن إسرائيل إنما تفوّقت وتغلّبت -رغم امتلاكها
جيشاً صغيراً- بفضل تميّزها في مجالي القيادة والإدارة والإرادة السياسية وطريقة
صنع القرار فيها ومستوى تأهيلها لمواردها البشرية، وليس فقط بفضل مستوى تسلّحها.
ولعل الأشد إدهاشاً
وإيلاماً ودلالةً، تلك الفجوة الهائلة بين حجم الخسائر البشرية التي تكبدتها
إسرائيل، في كل الحروب التي خاضتها ومع كل المقاومات التي واجهتها، وهي لا تزيد عن
21 ألفاً في 64 عاماً، والخسائر البشرية الباهظة التي تكبدها الفلسطينيون
واللبنانيون والسوريون والمصريون... وغيرهم في الحروب مع إسرائيل، وفي الحروب
الأهلية التي قامت بسببها، ناهيك عن الاحتلالات والأكلاف السياسية والاقتصادية لكل
ذلك.
هذا يعني أن أموراً
وسمت إدارة الأنظمة المعنية لأحوال مجتمعاتها، كالنقص في الكفاءة وضعف روح
المسؤولية وهدر الطاقات والموارد... تنطبق أيضاً على شكل إدارتها صراعَها مع
إسرائيل وحروبها معها. وبالطبع، فإن هذا ليس له صلة بالتضحيات التي بذلها جنود
وضباط في خنادق الحرب، وسطروا خلالها صفحات من المجد والبطولة.
قصارى القول أن الحروب
العربية-الإسرائيلية هي أقرب إلى أسطورة جرى تصنيعها في الإذاعات والشعارات، مثل
أساطير أخرى، فهذه الأنظمة لم تحارب حقاً ولم تهيئ ذاتها للحرب قطّ. وفي الغضون،
فإن هذه «الحروب» استمرت أياماً معدودات في حين أن الحروب الحقيقيّة كانت تجري في
مكان آخر، ولمواضيع أخرى، وقد نتج عنها تهميش المجتمعات العربية، وتبديد طاقاتها،
وإخراجها من السياسة ومن التاريخ.آن الأوان، مع ثورات الربيع العربي، لإخضاع كل
شيء للفحص والنقد والكشف والمساءلة، وضمن ذلك أسطورة «الحروب» مع إسرائيل،
وتوظيفاتها السلطوية.?
الحياة، لندن، 12/6/2012
يعقوب تسلال - خبير اقتصادي
"هآرتس"، 11/6/2012
[على إسرائيل عدم الاعتماد المفرط على الغاز لإنتاج
الكهرباء
في ظل عدم
استقرار الوضع الجيو - سياسي]
- يعدّ اكتشاف مخزون
الغاز في البحر الأبيض المتوسط في الأعوام الأخيرة إنجازاً بالنسبة إلى المستثمرين،
لكنه اليوم يلحق أضراراً واضحة بالاقتصاد الإسرائيلي، ويتسبب بفوضى في تطوير
مصادر الطاقة وإنتاج الكهرباء تشبه الفوضى التي تتسبب بها التهديدات بالهجوم
على إيران، مع فارق أن التهديدات ضد إيران قد ينجم عنها ربح معين، في حين أن
الفوضى في مجال الطاقة سيدفع ثمنها مستهلكو الكهرباء.
- إن الاعتماد على
الغاز المصري، والتوقعات باستخدام الغاز الإسرائيلي، دفعا بالبيروقراطية
الإسرائيلية إلى منع تطوير محطات الكهرباء العاملة على الفحم. وبهذه الطريقة
تحولت إسرائيل إلى رهينة التقلبات السياسية في العالم العربي، وجشع وطمع رجال
الأعمال الإسرائيليين والأجانب، الذين هم على صلة بصفقات الطاقة.
- لقد جاء في ورقة عمل
قُدمت إلى مؤتمر هرتسليا الأخير بعنوان "استقلالية إسرائيل في مجال
الطاقة في ظل الاكتشافات الأخيرة للغاز"، أن شبكة الكهرباء التي يجري
العمل على إنجازها حتى نهاية هذا العقد ستولد نحو 60٪ من الكهرباء بواسطة
الغاز، الأمر الذي ينطوي على مخاطر عالية. وذكرت الورقة أن بريطانيا
وسنغافورة، اللتين تعتبران سباقتين في إنتاج الكهرباء من خلال الغاز، تعتمدان
على ثلاثة مصادر للتزود بالغاز. وهذا الأمر تجاهله المشاركون في المؤتمر، إذ
قال مدير عام شركة كهرباء إسرائيل يفتاح رون طال، إن إسرائيل ستنتج 100٪ من
كهربائها بواسطة الغاز، وذلك اعتماداً على مصدر واحد للتزود بالغاز، الذي هو
موضع تهديد ومن دون وجود احتياطي للطوارىء.
- حتى الآن، فإن مخزون
الغاز الذي اكتُشف في البحر الأبيض المتوسط، والذي قد يتسبب بأزمات سياسية
وعسكرية بين إسرائيل وتركيا، هو مخزون ضئيل نسبياً ويغطي الاستهلاك المحلي
فقط. صحيح أن هناك توقعات باكتشافات كبيرة، إلاّ إنها لم تتحقق حتى الآن.
- إن الاكتشافات
الحالية للغاز لا تبرر تطوير بنية تحتية لتصديره، وعلينا ألاّ ننسى أن أسعار
الغاز تتغير مثلما تتغير أسعار سائر منتوجات الطاقة. من هنا، فإن الاستثمارات
التي قد تقوم بها إسرائيل نفسها، أو من خلال الالتزام بشراء الغاز من شركات
في القطاع الخاص لعشرات الأعوام، قد تكون استثمارات خاسرة في حال حدوث انخفاض
في أسعار الطاقة في العالم، أو في حال تطوير أنواع جديدة من الطاقة.
- بناء على ذلك، يتعين
على إسرائيل، في ظل عدم استقرار الوضع الجيو - سياسي، عدم الاعتماد المفرط
على الغاز من أجل إنتاج الكهرباء، كذلك عليها أن تفرض قيوداً على استخراج
الغاز من المخزون في البحر الأبيض المتوسط. بيد أن هذا الأمر من شأنه تقليص
أرباح شركات الطاقة، الأمر الذي لن يروق لها. ولذا، فإن الحل يكمن في تأميم
حقول الغاز، وهو حل منطقي نظراً إلى أن منتوجات الطاقة تعدّ مرفقاً استراتيجياً
ضرورياً في عمل الدولة.
- ونظراً إلى كون
إسرائيل تملك حقولاً للغاز فإن في إمكانها تطوير هذه الحقول، أو الامتناع من
ذلك، وفقاً لما يتلاءم مع شروط السوق، مع الأخذ في الاعتبار العوامل
الاستراتيجية والاقتصادية على المدى البعيد. فالمستثمرون في القطاع الخاص، المعفيون
أيضاً من دفع ملايين الشيكلات التي تصرف على الحماية العسكرية لهذه الحقول،
لا يأخذون هذه العوامل بعين الاعتبار.
- إن تأميم الغاز أمر منطقي،
لكن السياسيين والبيروقراطيين، الذين يحاولون في نهاية الأمر أن يجدوا
لأنفسهم وظيفة لدى شركات الغاز، ينشغلون بأمور تافهة ويتخوفون من الدخول في
مواجهة مع هذه الشركات التي استأجرت دفاعاً عن مصالحها مجموعات ضغط تتألف من
ضباط كبار كانوا حتى وقت قريب مسؤولين عن أمن الدولة، وباتوا اليوم شركاء في
الأذى اللاحق بأمن الطاقة في إسرائيل.
إسحاق ليئور - محلل
سياسي
"هآرتس"، 12/6/2012
تفكك سورية سيؤثر في إسرائيل
من
هنا التلكؤ الأميركي في التدخل
- إن الحرب
الدموية الدائرة على أرض سورية هي أيضاً حرب بين إيران وبين السعودية وقطر.
وفي حال خسرت السعودية وقطر، وواصلت وسائل الإعلام عرض صور المذابح، فمن
المحتمل أن يتدخل الغرب. لكن يبدو واضحاً حتى الآن أن الغرب لا يرغب في ذلك، فسورية،
على عكس العراق وليبيا، لا تملك كميات كبيرة من النفط، ولا تُعدّ، مثل العراق،
هدفاً استراتيجياً يمكنه أن يشكل إسفيناً بين السعودية وإيران، كما أن
المهاجرين الأفارقة لا يتدفقون من شواطئها إلى أوروبا كما هو الحال في ليبيا.
لذا فإن النزيف الدموي في سورية أقل ضرراً على الغرب من تفككها.
- من المعقول
الافتراض أن تفكك سورية - مثلما جرى في العراق - لن يؤدي إلى تدمير الفسيفساء
القديمة للأديان والطوائف والثقافات ولن يتسبب بحرق المتاحف فحسب، بل سيجلب
معه أيضاً العصابات الهمجية تماماً مثلما جرى في العراق. والسؤال الذي يطرح
نفسه هو: على مَن سترد إسرائيل انتقاماً على إطلاق صواريخ عليها من سورية؟ هل
سترد على مَن يضعوا العبوات المتفجرة في شوارع دمشق؟ أم أنها ستقوم بتوسيع
حدودها من أجل إبعاد أوكار المتطرفين؟
- في حال
تفككت سورية، فإن حياتنا ستتغير على المدى القصير. لذا لا تسارع الولايات
المتحدة إلى التدخل، فما يهمها هو الخوف على مصير إسرائيل، وليس المستقبل
السوري أو النفاق الأوروبي القديم. إن المطلوب هو "ديكتاتورية فعّالة "
لا "ديمقراطية على الطريقة العراقية"، وفي هذه الأثناء لا مانع من
استمرار سفك الدماء.
تسفي ماغن - باحث في
معهد دراسات الأمن القومي
"مباط عال"، العدد 343، 11/6/2012
قبيل زيارة الرئيس بوتين لإسرائيل:
روسيا تعيد تموضعها في الشرق الأوسط
- تأتي
الزيارة المنتظرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإسرائيل في ظل التغيرات
السياسية التي بدأت تبرز في شبكة العلاقات الخارجية لروسيا، والتي تعكس إلى
حد كبير التبدلات التي طرأت في الآونة الأخيرة على الساحة الدولية. ويعطي
النشاط الروسي المكثف على الساحة الدولية، الذي بدأ يظهر منذ تولي الرئيس
بوتين منصب الرئاسة الروسية، الانطباع بأن موسكو بصدد إعادة صوغ سياستها من
جديد، وأن للشرق الأوسط عامة وإسرائيل خاصة دوراً محدداً في هذا السياق. ومن
المنتظر أن تتوضح جميع هذه الموضوعات خلال الزيارة المنتظرة.
- لكن لا يبدو
أن المسعى السياسي الأساسي لروسيا اليوم موجه نحو إسرائيل والشرق الأوسط
عامة، وإنما نحو الغرب، وذلك في وقت تحولت فيه العلاقات الروسية - الأميركية
إلى ساحة أساسية للمواجهة.
- لقد بدأت
الأزمة الحالية بين البلدين بسبب مشكلة الخطة الدفاعية ضد صواريخ حلف الأطلسي
الباليستية (BMD)، وفي إثر
اللقاء الفاشل بين حلف الأطلسي وروسيا في موسكو. ويبدو أن هذا اللقاء، الذي عُقد
يوم تسلم بوتين منصبه الرئاسي، لم يؤد إلى التوصل إلى تفاهم بين الطرفين، وقد
استغل الروس هذا الفشل لافتعال أزمة. ويأتي في هذا الإطار إلغاء بوتين
مشاركته في قمة الدول الثماني G-8 التي عقدت في
الولايات المتحدة، بما في ذلك لقاءه بالرئيس أوباما. في المقابل عقد الروس
اجتماعات مكثفة مع حلفائهم الإقليميين (بيلاروسيا، وكازاخستان، والصين)، الأمر
الذي يؤشر إلى العمل على تشكيل تحالف أوروبي - آسيوي، سبق أن تحدث عنه بوتين
قبل انتخابه للرئاسة.
- ولكن في
المقابل أرسلت روسيا إشارات تعبر فيها عن رغبتها في الانضمام، بطريقة أو
بأخرى، إلى حلف الأطلسي (ويمكن أن نربط هذا الأمر بقرار زيارة بوتين لألمانيا
وفرنسا). فضلاً عن ذلك، شاركت روسيا بصورة فعالة في مفاوضات الدول الست
الكبرى (خمسة زائد واحد) بشأن المشروع النووي الإيراني، وليس مستبعداً أن
تقوم بطرح مبادرة تجبر إيران على تقديم تنازلات وعلى الاستجابة لمطالب
المجتمع الدولي. وما يعزز هذا الانطباع قرار عقد الاجتماع المقبل للدول الست
مع إيران في موسكو في 18 حزيران/يونيو الجاري.
- إن
الخلاصة التي يمكن التوصل إليها هي أن روسيا بصدد الدفع نحو تسوية مع
الولايات المتحدة وحلف الأطلسي. وفي هذا الإطار يمكن الافتراض أن الثمن الذي
سيُدفع في مقابل تنازلات معيّنة في موضوع صواريخ حلف الأطلسي الباليستية،
وربما أيضاً في مقابل التفاهمات التي يمكن التوصل إليها مع حلف الأطلسي وفي مقابل
التعاون معه، سيكون من خلال تقديم تنازلات في الشرق الأوسط، أي في الموضوعين
الإيراني والسوري (ويمكننا منذ الآن ملاحظة تبدل اللهجة الروسية تجاه سورية).
- وهكذا
بدأ يبرز التداخل بين علاقة روسيا بالشرق الأوسط وبين علاقاتها الدولية. ففي
إثر تزعزع مكانتها في المنطقة بسبب أحداث "الربيع العربي"، إذ خسرت
كثيراً من نقاط قوتها التي عكفت على بنائها أعواماً طويلة، تجد روسيا نفسها
اليوم في مواجهة تحدي صعود قوة الإسلام، وقد باتت معزولة في العالم العربي.
عملياً، وجدت روسيا نفسها تدافع عن المعسكر الشيعي في مواجهة تزايد ضغط
المعسكر السني، الذي تعتبره مدعوماً من الغرب. فضلاً عن ذلك، فإن خطر حلف
الأطلسي لا يزال بالنسبة إلى روسيا يتمدد شرقاً، الأمر الذي يهدد وضعها
الاستراتيجي في منطقة حدودها الجنوبية حيث تواجه تحدي المحور المعادي لروسيا
وإيران، والذي يشمل دول المنطقة مثل جورجيا وأذربيجان، وذلك بدعم أميركي
وتركي. كذلك تعمل تركيا ضد المصالح الروسية في جنوب القوقاز، وفي الشرق
الأوسط، وأيضاً في منطقة البحر المتوسط، في مواجهة اليونان وقبرص، حيث تبذل
روسيا جهوداً استراتيجية جديـــدة. ولا يمكـن تغييـب الموضـوع الاقتصادي، وذلــك
فـي ظــل الخـلاف الروسي - التركي بشأن استخراج الغاز من البحر المتوسط، وسبل
نقل مصادر الطاقة إلى أوروبا.
- في ظل
هذا الواقع الجديد، يبدو أن في مصلحة روسيا تغيير سياستها في الشرق الأوسط،
وقد سُمعت أصداء عن هذا الموضوع في النقاشات الداخلية الروسية. ومن بين
المسائل المطروحة للنقاس، ضرورة البحث عن بديل من المحور الراديكالي في الشرق
الأوسط المدعوم من روسيا، والذي بدأ يتفكك أمام أعينها، وضرورة إيجاد وسائل
جديدة للتأثير في هذه المنطقة الحيوية بدلاً من تلك التي خسرتها روسيا.
- والسؤال
الذي يطرح نفسه هو: أين موقع الموضوع الإسرائيلي في هذه التطورات؟ يبدو أن
روسيا تجد نفسها في ظل هذا الواقع في مركب واحد مع إسرائيل، الأمر الذي يجعلها
ترى فيها شريكاً مرغوباً فيه في المنطقة. ويمكن أن تشكل المصالح المشتركة
التي تجمع بين البلدين في مجالات حيوية مثل المجال الاقتصادي (تحديداً في
مجال استخراج الغاز)، والمجالين التكنولوجي والأمني قاعدة لهذه الشراكة،
فضلاً عن الالتقاء في المصالح السياسية، ومن شأن ذلك كله المساهمة في تعميق
التعاون السياسي.
- يستخلص
من ذلك، أن في مصلحة روسيا تشجيع التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل وتشكيل محور
سياسي إقليمي جديد بمشاركة دول أخرى مثل اليونان وقبرص وربما بعض دول
البلقان. وفي حال قيام مثل هذا المحور، فإنه سيسمح لروسيا بامتلاك أساليب
تأثير جديدة قادرة على تحسين موقعها في الشرق الأوسط وفي الحوض الشرقي للبحر
الأبيض المتوسط، وأن تشكل تحدياً لتركيا، وذلك من خلال إيجاد مجموعة مصالح
بما فيها مصالح اقتصادية تتعلق بمصادر الطاقة. علاوة على ذلك، فإن هذا المحور
لا يلغي التعاون الروسي القائم مع إيران وسورية، فمما لا شك فيه أن اعتماد
روسيا على هذين المحورين سيعزز مكانتها في المنطقة، وسيخدم تطلعها نحو الوصول إلى موقع متساو مع
الولايات المتحدة.
- ثمة
اعتقاد في روسيا أن هناك برودة في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة،
وأن في مصلحة إسرائيل تطوير تعاونها المستقل مع لاعبين جدد، الأمر الذي يسمح
لها بالتأثير في موازين القوى في المنطقة لمصلحتها.
0 comments: