قراءات في استراتيجيات حزب الله: الحرب النفسية تحرم إسرائيل المعلومات

خلال عدوان تموز العام 2006 خاضت إسرائيل، الى جانب معاركها الجوية والبرية ضد “حزب الله”، حربا نفسية شرسة ومعقدة، مستهدفة خصوصا أمينه العام السيد حسن نصرالله. استندت حملة الحرب النفسية الإسرائيلية هذه الى الفرضية القائلة بأن الحرب النفسية يمكن أن تساعد الجيش الإسرائيلي على إلحاق الهزيمة بـ”حزب الله”.
في المقابل، برع “حزب الله” في استخدام تكتيكات الحرب النفسية، وأجاد توظيفها وتثميرها وتفعيلها وحسن إدارتها. لم يقف الحزب قبالة الإسرائيلي موقفا تنافسيا أو نديا فحسب. إذ ان استراتيجيات الحزب وتكتيكاته، ذات الصلة، قد نجحت وأربكت اسرائيل وأضرت بوعي قادتها، وحملت الاسرائيلي على إعادة النظر في أوضاعه ومستقبل وجوده، بعدما أحيت من جديد هواجس البقاء لديه.
الجانب الخفي من هذه الحرب أضاء عليه الباحث د. يوسف نصر الله في كتابه: “الحرب النفسية” ـ قراءات في استراتيجيات “حزب الله”، الصادر عن “دار الفارابي”.
عمل نصر الله على إيجاد تعريف جامع يوضح بطاقة هوية الحرب النفسية. وبيّن أهمية هذه الحروب والخطر المتأتي منها. وتوقف مليا عند الأدوات والوسائل والأشكال والأنواع والاتجاهات التي تتوسلها. إضافة الى الأساليب الملتوية التي تستخدم خلالها مثل الدعاية والشائعة والضغوط الاقتصادية والمناورة السياسة والاغتيالات والتسميم السياسي وتشجيع التمرد وغسل الدماغ واستخدام الأقليات والمنظمات والاعمال العسكرية الرادعة وحروب المصطلحات وما الى ذلك.. وعدد السبل الكفيلة بدرء خطرها وكيفية مواجهتها والتصدي لها.
واستعرض مرتكزات الحرب النفسية الإسرائيلية في مواجهة العرب. فضلا عن مرتكزات الحرب النفسية لـ”حزب الله” في مواجهة إسرائيل. والأهداف النفسية للعدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006. وتطرق أيضا الى بعض فصول المواجهة النفسية التي جلبت لـ”حزب الله” نصرا كبيرا.
وقدم الكاتب قراءة افتراضية لمنظومة المركبات والاستراتيجيات التي نشأت من صلبها عقيدة “حزب الله” في إطار حربه النفسية المفتوحة مع إسرائيل، لا سيما استخدامه عدداً من الاستراتيجيات أبرزها: الغموض البناء، مفاجآت الردع واستراتيجية تثوير الوعي واستنهاضه.. وشرح ما لهذه الاستراتيجيات المتبعة من فعالية وسطوة، مشيرا الى بعض المعطيات والحيثيات التي تكوّن في مجموعها العام تصورا عن ماهية الضوابط والقواعد الحاكمة لإيقاعات سلوك “حزب الله”، بوصفه “حزبا حديديا” يعمل كما يقال “بالنظام المرصوص”، إذ لا فوضى ولا تضارب في المواقف ولا إطلالات إعلامية عابثة ولا معرفة إلا على قدر الحاجة الملحة، لا سيما في الدوائر المغلقة ذات الحساسية العالية. إذ ليس بمقدور أحد، إلا ندرة قليلة من أصحاب القرار والشأن، أن يدرك عموم مكونات المشهد.
يتابع الكاتب “لقد عكف الحزب منذ توليه إدارة الصراع مع إسرائيل على العناية بالمجال الاستخباراتي، وتنشيط أجهزته الأمنية وتمكينها، وتأمين مستلزمات الحروب الباردة كما الساخنة، بما يؤدي الى إحباط الأنشطة الاستخباراتية الإسرائيلية وإفشال جهودها للاستحواذ على المعلومات من خلال تفكيك شبكات العملاء والجواسيس، وعرقلة أجهزة الاتصال والمراقبة والرصد”.
ويؤكد ان حرب تموز كشفت كيف انكب الحزب على تثمير وتوظيف طاقاته وقدراته لغرض السيطرة على فضاء الاستخبارات. ويشدد على أن استراتيجية المفاجآت كانت محل عناية “حزب الله” ورعايته ومتابعته، مستشهدا بكلام للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله حين قال “نحن لا نخوض صراعنا مع هذا العدو على قاعدة العنتريات أو المزايدات بل على قاعدة المفاجآت”.
ويعدد د. نصر الله المفاجآت بالآتي:
أولا: ضرب البارجة الإسرائيلية (“ساعر 5″) الأمر الذي دفع بقائد سلاح البحرية الإسرائيلية ديفيد بن بعشاط الى الاعتراف قائلا “لقد كنا أسرى الفهم الخاطئ”.
ثانيا: مفاجأة الصواريخ المنحنية المسار، وقوامها صواريخ ارض ـ ارض ذات المديات المتعددة مثل “رعد” و”فجر” و”زلزال” و”خيبر”. والتي وضعت للمرة الأولى في تاريخ الصراع العمق الاسرائيلي بمجمله في دائرة الاستهداف والتصويب، وبات جزءا رئيسيا من ساحة المعركة.
ثالثا: مفاجأة الصواريخ المضادة للدروع، والتي تتحدر من عائلات مختلفة وسلالات متعددة مثل: “كورنيت” و”ميلان” و”فاغوت” و”سبايغوت” و”ميتيس” و”سبندرال” و”ساغر” و”دارغون” و”تاو” و”آر بي جي29″.
رابعا: مفاجأة القدرة والسيطرة التي عكست مأسسة هذا الحزب ونظاميته وجاهزيته. وكان المثال الابزر على ذلك انه برهن أثناء هدنة (قانا الثانية) قدرته العالية على ممارسة الضبط والسيطرة على قواعده ووحداته الميدانية العاملة، الأمر الذي أنتج التزاما كاملا وتاما بوقف إطلاق النار من دون أية خروق من جانبه.
خامسا: مفاجأة الحرب البرية، اذ أظهر مقاتلو الحزب قدرات ومهارات عالية واعتمدوا تكتيكات مرنة وغير مسبوقة، وأفادوا من تراكم التجارب والخبرات. كانوا على قدر كبير من الحرفية والتمرس والكفاءة والاقتدار، وأقبلوا على حرب انتظروها كثيرا واستعدوا لها جيدا. وشرّعوا لخيار قتالي غير مسبوق مزج بين المواجهات الكلاسكية والاحتفاظ بالجغرافيا والثبات بالأرض، وبين أساليب حرب العصابات، على نحو أصبحت معه تكتيكات الحزب وفقا للجنرال الأميركي روبرت مود “تمثل ثورة جديدة في المعارك”.
Tags:
0 comments: