وقائع ميدانية تفرض شروط التسوية في سوريا
الخميس 04 تشرين الأول 2012، نسيب حطيط - "الثبات"
بعد ثمانية عشر شهراً من الحرب العالمية الاستعمارية على سورية، ومع كل الدعم غير المشروع من الغرب وعرب الخليج، وفتاوى مشايخ الملوك الذين لا يجيزون التظاهر ضد "إسرائيل" وأميركا وملوكهم، وحتى الاعتراض على الإساءة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، لم تترك أميركا وحلفاؤها شيئاً إلا وفعلته في سورية؛ من الذبح على طريقة "الإسلاميين الجدد"، إلى تدمير التراث السوري، إلى النهب والمجازر والدمار بواسطة المرتزقة والمضللين، وبقيادة عملاء الداخل والخارج..
لقد حدد المعتدون الغزاة مواعيد إسقاط سورية مرات ومرات، وحاولوا إظهار أن المشكلة تنحصر في إسقاط الرئيس الأسد؛ مرة بسبب انتمائه "المذهبي"، وأخرى بحجة "الإصلاح" و"الديمقراطية"، وهم الذين يفتقدونها في بلادهم، لكن المشكلة الأساس أنهم يريدون إسقاط سورية الدولة بقيادتها وجيشها وشعبها العربي المقاوم، ولأن الشعب أدرك أن الأميركي والغزاة قد ركبوا موجة الثورة ضد الفساد، فقد تراجع الناس لحماية دولتهم، وبقي في أرض المعركة شُذاذ الآفاق من التكفيريين، تقودهم أجهزة المخابرات الغربية والعربية، وكما ذكرت الصحف الغربية فإن نسبة السوريين في ما يسمى "الجيش الحر" لا تتجاوز الـ5%.
الأميركيون وحلفاؤهم في المأزق ميدانياً وسياسياً، لقد وقعوا في ورطة رهاناتهم الخاطئة، وفي فخ الصمود السوري، والآن يبحثون عن تسوية سياسية تحفظ ماء وجوههم، وتمنع عنهم تداعيات الزلزال السوري.
فالأتراك يهتزون داخلياً بين ضربات حزب العمال الكردستاني، وتفسّخ النسيج الشعبي التركي (علوي ـ سني)، وبين المعارضة وأردوغان، وبين جيش "العلمانية" و"العلمانية الإسلامية" الذي يمثله حزب العدالة والتنمية، بعد أن حاصرت تركيا نفسها مع دول الجوار ووصلت إلى مرحلة "صفر علاقات"، وصولاً إلى إمكانية حصارها بالنار في حال تورطت أو ورّطها الأميركيون بالتدخل العسكري الأحمق في سورية.
أما السعوديون فهم في لحظة عدم اتزان سياسي، وعدم استقرار ميداني، في ظل الأحداث في المناطق الشرقية مع "الشيعة" السعوديين، وفي الرياض وجدة مع "السُّنة" السعوديين ومظاهراتهم، وفي نجران مع "الإسماعيليين" السعوديين، بالإضافة إلى الصراع على خلافة الملك عبد الله، وترتيب العائلة المالكة.
بينما الأميركيون لا يستطيعون البدء بحرب ثالثة، فبعدما أنهوا بصعوبة حربين فاشلتين في العراق وأفغانستان، و"العربان" لا يملكون إلا التحريض ودفع الأموال، خصوصاً قنينتيْ غاز قطر والسعودية، والكل عاجز إلا عن التخريب، لذا نرى بشائر التسوية التي تفرضها الوقائع الميدانية العسكرية، والتي انقلبت لصالح الجيش السوري، لكن السؤال يتمحور حول ماهية التسوية، وماهي بوادرها؟
- إن الأشهر الأربعة المقبلة هي أشهر جمع النقاط الميدانية لكل طرف، فمن يجمع نقاطاً أكثر في الجغرافيا والأمن، سيكون قادراً على فرض شروطه على طاولة المفاوضات السياسية، أو تحجيم شروط خصمه السياسية والعسكرية، ولا بد من التأكيد على أن الطرف المقابل للنظام في سورية لن يكون المعارضة مباشرة، بل هو الأميركي وحلفاؤه، فالمعارضة ليست إلا "بربارة" وأداة، خصوصاً معارضة الخارج.
- لقد ظهرت بعض مقدمات التسوية السياسية التي ستبدأ بالظهور بعد شهرين أو ثلاثة من الانتخابات الأميركية، لتكون مع الإدارة الحاكمة الجديدة، وفي خطوات تلازمت مع التصعيد الميداني شهدتها الأمور التالية:
أ- تأليف مجموعة اتصال من مصر والسعودية وتركيا وإيران لمعالجة الأزمة السورية، والتي لم تنتج بعد، لكن تشكيلها كان إشارة إيجابية، والتي لا يمكن مشاركة مصر والسعودية وتركيا إلا بموافقة أميركية، تحضيراً للخطة "ب" (التراجع والتسوية مع النظام في سورية).
ب- تصريحات وزير الدفاع الأميركي بأن الأسلحة الكيميائية في سورية بأمان، ما يعني زوال الخديعة الأميركية التي استُعملت في العراق، وبمعنى آخر، إعلان قرارهم بعدم التدخل العسكري، مهما كانت الظروف.
ت- سماح النظام بإقامة مؤتمريْن للمعارضة السورية في دمشق، وبهذا الزخم من حرية الرأي ضد النظام دون أي ردة فعل سلبية من النظام، وذلك كـ"بروفة" أولية عن إمكانية الحرية القادمة إلى سورية، وبرعاية دولية (روسيا والصين وإيران..).
ث- ضياع ما يسمى قائد الجيش الحر رياض الأسعد، فهو غير معروف الإقامة في تركيا أو في سورية أو في "إسرائيل"، خصوصاً بعدما نقل قيادته إلى سورية، إما لتخفيف العبء عن تركيا، أو بدء عملية التراجع التركي الهادئ عن التدخل والتورط في سورية.
ج- بدء انسحاب كتائب "الشيشانيين والقوقازيين" من حلب، بحجة التنافر مع بقية المسلحين، بينما الهدف هو البدء بتخفيف عدد المقاتلين في سورية، خصوصاً في حلب، التي عجزوا عن حسمها لصالحهم، وكذلك نقل هؤلاء السلفيين إلى بلادهم، للبدء بإزعاج روسيا، لمحاولة الضغط عليها أثناء المفاوضات المقبلة.
ح- ازدياد الخلافات بين المجموعات المسلحة، وتشتتها، وتعدد قياداتها وخططها وأهدافها، وفق ارتباطها مع الدول الداعمة، ما يبرر بدء عملية تقنين وتخفيض الدعم العسكري لها، وفق التعليمات الأميركية، بما يتناسب مع التقدم أو تباطؤ الحال السياسي.
خ- استبعاد قطر عن لجنة الاتصال كمرحلة أولى، لأنها شكلت رأس الحربة ضد سورية، مع ترك الباب مفتوحاً أمامها للانضمام إلى لجنة اتصال جديدة، في حال تعهدت بالتراجع عن دعم وتسليح المعارضة.
د- تأكيد الأتراك على أن الحرب الطائفية في سورية ستمتد إلى المنطقة كلها، بما في ذلك تركيا، كإعلان عن بدء التراجع التركي، تحت عنوان الحرص على النسيج الشعبي التركي.
لكن السؤال المطروح: هل الأزمة السورية ستنتهي قريباً؟
الجواب مرهون أولاً بقدرة الدولة السورية على الصمود أمام البرابرة التكفيريين والغرب الداعم لهم، بانتظار اطمئنان الإدارة الأميركية على الأنظمة الجديدة في مصر وتونس وليبيا، أو ما سُمي بنظام "الإخوان" المهجّن أميركياً، فإذا ما تبين للأميركيين أن مصالحهم سيحميها "المسلمون الجدد"، فيكملون مشوار إسقاط النظام في سورية، وتسليح الإخوان المسلمين، ويكملون مشوارهم للأردن لإقامة الوطن البديل بقيادة خالد مشعل، الذي - حسب مصادر مطلعة - أوعز إليه بالاستقالة من حماس، حتى يتفرغ لمنصب المرشد العام للإخوان المسلمين في بلاد الشام، وتحت شعار عدم تقسيم الأمة، يعلن الأردن وطناً جديداً للفلسطينيين، لإراحة "إسرائيل" ومنع اللاجئين من العودة.
الوقائع تدل على أن سورية قادرة على التأقلم مع الحرب الطويلة، وقادرة مع حلفائها لفرض شروط التسوية، وإذا أمعن الأتراك والعربان في تأجيج المعركة، فلن تتأخر حتى تشتعل النار في بلادهم، وسيقعون في الحفرة التي حفروها لسورية، وأميركا لا تحمي حلفاءها، لأنها تعاملهم كأدوات وعبيد وليس كأصدقاء.
المقاومة بأنظمتها وحركاتها ستنتصر، والعملاء المتآمرون إلى الهزيمة، وعلى كل عربي ومسلم حر أن يقاتل جبهة الباطل التي تحاصر سورية، فليس المطلوب رأس سورية فقط، بل كل الوطنيين والمقاومين في بلاد العرب والإسلام.
0 comments: