ماذا حصل في قطر.. هل يتربع ميقاتي العرش الخليجي مكان الحريري؟!
12:08:15 2012-10-18لبنان
كان لزيارة نجيب ميقاتي لقطر بعدان لا ثالث لهما. الأول، تأكيد موقع قطر في تنفيذ توجهات دولية بخصوص قضايا المنطقة. والثاني، يتعلق بترتيب البيت السني السياسي اللبناني، انطلاقاً من طموح قطر في إثبات حضورها في لبنان، من دون أن يؤدي ذلك الى استفزاز الرياض.
في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، لوحظ وجود توجه دولي للاهتمام بالاقتصاد اللبناني كمصدر لاستقرار البلد. هذا ما كان قد سمعه ميقاتي من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال لقائهما في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. بالإضافة الى ذلك، فإن زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لباريس، نهاية الشهر الجاري، ستكون مخصصة لهذا الهدف. وتشير آخر التقارير الدبلوماسية الواردة إلى وجود قرار دولي بمساعدة حكومة ميقاتي على معالجة الوضع الاقتصادي، كي لا يكون مصدراً لزعزعة الاستقرار الذي وصفه مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية إيمانيول بون، بـ«الحيوي»، إلى درجة أنه «يكاد يكون جزءاً من الأمن القومي الفرنسي».
ما الذي استجد حالياً؟ أمران أساسيان: الأول، وجود تقدير داخل المفوضية السامية لإغاثة اللاجئين بأن لبنان سيكون حتى نهاية هذا العام الدولة الأولى في استقبال النازحين السوريين، ومن المتوقع أن يصل عددهم الى400 ألف. كما يتوقع دخول النزوح الفلسطيني أيضاً عاملاً على الساحة اللبنانية، إذ يوجد حالياً 1000 عائلة مسجلة، فيما هناك ربع مليون فلسطيني لا يزالون في سوريا.
وتؤكد التقديرات الدولية أنه في حال عدم تأمين الكلفة الاقتصادية لحركة النزوح، فإن هذا سيخلق توتراً سيعرّض استقرار لبنان لهزّات شبه أكيدة.
اليونيفيل... نموذج للتعميم
أما الأمر الثاني، فهو يتمثل بالحفاظ على وجود اليونيفيل، لأسباب أبعد من دورها في تطبيق القرار ١٧٠١. ووصل هذا الأمر إلى الرئيس ميشال سليمان، بعدما التقى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبل نحو عامين، حيث أبلغه الأخير أن «نموذج اليونيفيل في جنوب لبنان استراتيجي، وأنه سيكون نموذجاً مرشحاً لتعميمه مستقبلاً على نقاط الفصل بين مناطق التسويات النهائية في المنطقة».
ولهذه الأسباب، ممنوع ترك لبنان ينزلق في فوضى لا يمكن السيطرة عليها، بسبب أوضاع اقتصادية قد تشعل فتيل استقراره السياسي. وقدم الرئيس نبيه بري وصفاً للموقف الدولي المستجد، عبر قوله إن «مصالح الغرب المتأتية عن استمرار استقرار لبنان تجعله أجبن من أن يهزّه».
وتوافق شخصية دبلوماسية عربية بري رأيه، وتلفت الى أن التوقيت الذي اختاره حزب الله لإطلاق طائرة أيوب هو «ثلاثة أرباع نجاح هذه العملية». فالحزب كما طهران يعلمان أن تحليق «أيوب» فوق مفاعل ديمونا النووي، والقاعدة الأميركية، في جبل كلير، الخاصة بنظام مراقبة حماية الدرع الصاروخية في تركيا، لن يجلب في أثره أي رد فعل عسكري إسرائيلي أو أميركي، ضد لبنان.
قطر... الدور اللبناني الجديد
هكذا، وضمن هذا التوجه الدولي، تبرعت قطر، لتأدية وظيفة الالتزام بدفع كلفة الفاتورة الاقتصادية للاستقرار في لبنان. وتلاحظ مصادر في الخارجية الفرنسية أن الدوحة تقصّدت تبكير زيارة ميقاتي لها، لتسرق من باريس وهج البدء بهذه المهمة، ولا سيما أن علاقات قطر مع الإدارة الاشتراكية الجديدة في فرنسا يشوبها نوع من «شدّ الحبال»، بسبب تحفظ إدارة هولاند على نوعية بعض الاستثمارات القطرية المتصاعدة في فرنسا.
وفي مقابل ما يعنيه فتح قطر ذراعيها لميقاتي، فإن حساباتها داخل معادلة زعامة السنة في لبنان تبقى حاضرة، وخصوصاً أن لديها قدرة على التحرك، بالرغم من حساسية الرئيس سعد الحريري ضد أي انفتاح خليجي على ميقاتي.
وبرأي مصدر خليجي، ثمة تسرع في اعتبار الخطوة القطرية بمثابة دليل يشير إلى إمكان تربع ميقاتي فوق العرش الخليجي مكان الحريري. ولكن يمكن القول إن فتح باب الدوحة أمام ميقاتي هو مؤشر على تطور كان غائباً، يتمثل بانفتاح الخليج على تقبله كخيار سني، في ظل غياب الحريري، أو كخيار إضافي الى جانب الحريري.
يضيف المصدر إن قطر درجت على عدم تجاوز الاعتبار السعودي داخل الساحة السنية اللبنانية، في حين أن الرياض لا تعتبر أن قطر تتجاوز خطوطها الحمر، عندما تقوم بشبك علاقات مع طوائف لبنانية أخرى. يقولون في الرياض، إن قطر «دولة وظيفة دولية» في المنطقة، ولذلك يحق لها خارج الإطار السني في لبنان ما لا يحق لغيرها.
وثمة أمثلة حية تؤكد تطبيق هذه المعادلة. بعد انفكاك العلاقة بين حزب الله وقطر بعد إسقاط آخر حكومة للحريري، حاول الأخير التقرب من الدوحة انطلاقاً من رغبته في تعويض وقف المال السياسي السعودي بمال قطري. فردّ القطريّون، آنذاك، بأنه لا يمكنهم فعل ذلك، بأن يمدّوا يدهم على حصة السعودية السنية في لبنان، ولو من باب تشاركهم معهم فيه.
وخلال شهر رمضان الماضي، استُقبل الحريري في قطر بحفاوة بالغة. وبعد أيام من ذلك، اصطحب وزير خارجية قطر الحريري معه، الى مائدة إفطار الملك عبد الله. وسيكون بالإمكان توقع أن الحريري سينتهز صلاة عيد الأضحى التي يشارك فيها الملك السعودي ليظهر في نفس إطار الصورة الرسمية الى جانبه. ويستكمل بذلك جهده في «حرب كسب رمزية الشكل» في السباق اللبناني على الزعامة السنية، والتي بلغت ذروتها عندما زار ميقاتي قبل أسابيع السعودية، حيث تعمّد الحريري تسريب صورته على مائدة الإفطار مع الملك عبد الله، وأن «ميقاتي لم يلتق، رغم وجوده في الرياض، بصفته رئيساً لحكومة لبنان، أي مسؤول بارز سعودي».
«حفاوة» الدوحة بميقاتي ليست معزولة عن سياق نقاش خليجي داخلي حول مستقبل الزعامة السنية في لبنان، والذي كان قد بدأ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتعاظم بعد أحداث 7 أيار. وقد طرحت فكرة أساسية، ترى أنه لا بد من العودة الى أسلوب توزيع الزعامة السنية في لبنان، بين بيوتات سياسية عديدة، بدل حصرها في بيت وبشخص واحد، لأنه في حالة المضيّ بالخيار الأخير، فإن الرياض تكون كمن يضع رقبته تحت سكين ابتزازه وتعريض نفسه لاحتمال إهانته في أي لحظة. تماماً كما حصل عندما وجدت الرياض نفسها أنها تتلقى إهانة اغتيال حليفها اللبناني رفيق الحريري، من دون أن يكون لديها إمكانية عملية لرد الكف. ويبدو أن الرياض لن تسمح، بعد الآن، بإنتاج ظرف سني يسمح بتكرار ما جرى بالطريقة عينها. والواقع أن ميقاتي في خصوصيته السياسية يلبي رغبة السعودية.
وكان الحريري قد استشعر ذلك عندما قدمت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى استقالتها. آنذاك، رأى الحريري أن دور السنيورة انتهى، لمصلحة عودة الأصيل. لكنه فوجئ عندما أبلغته الرياض أن وقت عودته لم يحن بعد، وأنها تفضل أن يرأس السنيورة الحكومة الجديدة. وسبب ذلك أن الإتيان بالحريري سيعطي القوى المناوئة للرياض مادة لابتزازها سياسياً. وقد حصل ذلك لاحقاً مع إقصاء سعد الحريري في انقلاب ديموقراطي أبيض، حيث شعر السعوديون بأن حزب الله، ومن ورائه إيران، نجحا في ضربة واحدة بطرد كل نفوذهم السياسي.
ولا شك، بحسب مصدر خليجي، أن لزيارة ميقاتي لقطر تداعيات سنية في لبنان، إذ إنه نقل قيادة الدعم الاقتصادي الخليجي للبنان من عربة الحريرية السياسية الى عربة ميقاتي، ما يجعلها مرشحة لتصبح «ميقاتية سياسية»، تجرّ عربة الاقتصاد الخليجي السياسي في لبنان
0 comments: