Monday, October 8, 2012



 
الإستراتيجيّة الأميركيّة في مواجهة الأزمة السوريّة
Monday, October 08, 2012 -  
نزار عبد القادر






في خضم ما تشهده الحدود التركية - السورية من توتر عسكري يهدد بحصول تصعيد يؤدي الى مواجهة واسعة بين الجيشين التركي والسوري عبّرت الولايات المتحدة الاميركية بلسان عدد من كبار المسؤولين في الخارجية والدفاع عن خشيتها من تمدد الصراع الى الدول المجاورة. وكان وزير الدفاع ليون بانيتا قد اعرب يوم السبت 6 تشرين اول 2012 عن قلق الولايات المتحدة من احتمال توسع نطاق العمليات العسكرية في سوريا، وقال «ننتظر لنرى هل سيبدأ الصراع في التمدد الى دول مجاورة مثل تركيا. لكن من الواضح حصول تراشق بالنيران الآن بين هذين البلدين بما يثير مخاوف اضافية من ان هذا الصراع قد يتسع نطاقه»، في المقابل رأت وزارة الخارجية الاميركية بأن «الرد التركي جاء مناسباً، وضمن الحدود اللازمة». واعتبرت فيكتوريا نولاند بأن الرد التركي يهدف الى تقوية عامل الردع من اجل منع تكرار مثل هذه الخروقات من الجانب السوري. 
عبر حلف شمالي الاطلسي عن تضامنه مع تركيا، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، ولكن ذلك لن يتعدى الدعم المعنوي، حيث لا تتوافر القابلية لديهما للقيام بأية تحركات فعلية لمؤازرة تركيا والنزول عند رغباتها. وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قد وعدت وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو بدعم الموقف التركي في حلف شمالي الاطلسي وفي مجلس الأمن الدولي، لم تلق تركيا الدعم القوي الذي سعت اليه، وقد يدفعها ذلك للشعور بالعزلة وخيبة الأمل من حلفائها. 
في الوقت الذي تسير فيه الامور داخل سوريا من سيئ الى اسوأ، وذلك بعد اعتماد نظام بشار الأسد سياسة الارض المحروقة، والتي تهدف الى تدمير مدينة حلب ومعظم المدن الاخرى من خلال استعمال فائض قدراته النارية الجوية والبرية، ما زالت الولايات المتحدة تقف موقف المراقب والمتابع لهذه التطورات الدراماتيكية دون اعطاء اي مؤشر على امكانية تدخلها لقيادة عمل يوقف هذه المذبحة الجماعية التي ينفذها النظام السوري بحق شعبه. 
في الواقع لا تقتصر مخاطر الوضع على عمليات التدمير والقتل الجارية بل تتعداها الى مخاطر الانزلاق الى حالة الفوضى، واندلاع حرب مذهبية بين السنة والعلويين، وايضاً الى تحويل سوريا الى قاعدة جديدة لمختلف المنظمات الارهابية، على غرار ما كان عليه العراق خلال عقد كامل، تثير سياسة النظام السوري وطبيعة الصراع الدائر المخاوف من امكانية تمدد الحرب الى الدول المجاورة، خصوصاً اذا ما اتخذت طابع الحرب المذهبية، حيث تساند تركيا المعارضة ذات الاكثرية السنية المطلقة، وايضاً الدول العربية، في الوقت الذي تساند فيه ايران وحزب الله في لبنان العلوييين، بما يؤسس لتحويل الحرب الى مواجهة سنية - شيعية، وبالتالي فتح المجال لتمددها نحو حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وخصوصاً باتجاه تركيا ولبنان والاردن، ولن يسلم العراق بتناقضاته المذهبية من تداعياتها. وسيؤثر حدوث ذلك بشكل مباشر على استقرار هؤلاء الحلفاء، وعلى أمن واستقرار المنطقة. يوجه بعض الخبراء الاميركيين انتقادات لاذعة للسياسة الاميركية الراهنة وعلى اساس انها ستؤدي الى اضاعة كل الاستثمارات المالية والعسكرية بما فيها دماء آلاف القتلى من العسكريين الاميركيين. ويدعو هؤلاء، وعلى رأسهم المستشار الامني السابق في عهد جورج بوش ستيفان هاولي الى ضرورة ان تسارع الولايات المتحدة الى مواجهة هذا التدهور الحاصل في المنطقة من خلال اعتماد سياسة تضعها في موقع القيادة الفاعلة بدل دور المراقب للاحداث. 
يتطلب الامر طرح جملة اسئلة: هل يمكن ان تستمر الولايات المتحدة في وضع المراقب للاحداث؟ وهل لدى الولايات المتحدة سياسة محددة تجاه ما يجري في سوريا؟ وما هي استعداداتها لتغيير هذا المسار الخطر للاحداث، وتداعياته على حلفائها وعلى المنطقة؟ 
في مراجعة لمختلف القرارات والتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الاميركيين وفي اعقاب التصريح الذي ادلى به الرئيس اوباما في 18 آب 2011 والذي دعا فيه الرئيس الأسد الى التنحي عن السلطة يبدو بأنه ليس هناك اي تغيير جوهري في الموقف الاميركي، والذي يقوم على تحاشي اي تدخل عسكري في الازمة السورية. ويستمر اوباما في مقاومة كل الدعوات للتدخل في سوريا من اجل وقف عمليات القتل والقمع التي يشنها النظام ضد شعبه. وعزا اوباما تلكؤه في التدخل في سوريا على غرار ما فعله في ليبيا بسبب فشل المجتمع الدولي في ايجاد أرضية مشتركة وصلبة مثل الارضية التي أتاحت التدخل ضد معمر القذافي. 
وصف السفير جيفري فيلتمان في شهادة ادلى بها امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي السياسة الاميركية تجاه سوريا بأنها تقدم على ممارسة الضغوط على الرئيس الاسد، من خلال تطبيق نظام مشدد للعقوبات التي تستهدف النظام المالي السوري، والمسؤولين الرسميين الكبار الضالعين في حملات القمع والقتل، يضاف الى ذلك منع استيراد اي مشتقات نفطية من سوريا، وشملت العقوبات ايضاً بعض رجال الاعمال المعروفين بقربهم وبدعمهم للنظام. واكّد فيلتمان بأن الولايات المتحدة تتعاون مع حلفائها من العرب والاوروبيين من اجل تفعيل العقوبات وتشديدها من اجل اسقاط النظام. وتحدث فيلتمان ايضاً عن دعوة مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة مرتين للنظر في الخروقات التي يرتكبها النظام السوري في مجال حقوق الانسان. وفي مجال الرد على استعمال روسيا لحق النقض رأى فيلتمان بأنه مع أهمية الاستمرار في العمل داخل مجلس الأمن، الا ان هناك اقنية اخرى غير المجلس يمكن العمل من خلالها. على صعيد آخر تقدّم الولايات المتحدة بعض المساعدات اللوجستية الى المعارضة السورية، ولكنها ترفض توريد الاسلحة الى فصائل المعارضة. وتورد واشنطن حظرها لتوريد السلاح الى قرارها بعدم الدفع نحو مزيد من العسكرة، «لأن سوريا ليست ليبيا»، كما انها لا تشبه تونس او مصر او اليمن، وبأن الجهد الاميركي يتركز على العمل مع الحلفاء والاصدقاء من اجل اضعاف النظام تمهيداً لاسقاطه من خلال تشديد كل انواع العقوبات والضغوط الديبلوماسية والمالية. يبدو بوضوح بأن الهدف الاساسي للسياسة الاميركية يتركز على تجفيف الاحتياط المالي الذي يملكه النظام، وسيدفع هذا الامر الرئيس الاسد الى البحث عن مخرج سريع ينقذه من المأزق. 
كان الرئيس اوباما قد وقع توجيهات سرية يجيز فيها لوكالة المخابرات المركزية مساندة الثوار الذين يحاربون ضد قوات النظام السوري. ووعدت الادارة الاميركية بزيادة المساعدات للمعارضة السورية بعد فشل مجلس الامن في اصدار قرار يقضي بتشديد العقوبات على سوريا، وجاء هذا الوعد مرفقاً على تأكيد عدم توريد السلاح الى الثوار، على ان تتضمن المساعدات معدات اتصال ودعم لوجستي واستخباري. في هذا الوقت كانت وزارة الخزانة الاميركية قد وافقت على الترخيص لجماعات داعمة للمعارضة بجمع الاموال وتحويلها الى الجيش السوري الحر. وتسوّق واشنطن السياسة الحذرة التي تتبعها على انها نابعة من عدم امتلاكها ما يكفي من المعلومات عن الثوار وتشكيلاتهم العسكرية. 
هناك انقسام في الكونغرس حول سياسة الادارة تجاه الازمة السورية، حيث يطالب عدد من اعضاء مجلس الشيوخ بضرورة التدخل عسكرياً، وعلى رأسهم جون ماكّين وليندزي غراهام وجو ليبرمان، ترى اكثرية الاعضاء بأنه ما زال من السابق لأوانه الحديث عن تدخل عسكري في الازمة السورية. 
في آخر شهادة ادلى بها وزير الدفاع ليون بانيتا والجنرال مارتن ديمبسي اخبر هذا الاخير لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ بأن الرئيس اوباما قد طلب من البنتاغون مراجعة لكل الخيارات الممكنة في سوريا، بما فيها خيار فرض حظر جوي، وتنفيذ عمليات اخلاء انسانية، واكّد ديمبسي بأن العسكريين سيكونون جاهزين اذا ما طلب منهم القائد الاعلى ذلك. ويؤشر التصريح الى وجود خطط واستعدادات عسكرية اميركية للتدخل في سوريا عندما تنضج الظروف، ويتخذ الرئيس القرار بالتنفيذ. 
ورأى بانيتا انه قبل ارسال قوات اميركية الى سوريا لا بدّ من معرفة طبيعة المهمة بدقة «وان علي التأكد باننا قادرون على تنفيذ المهمة. ما هو الثمن؟ وعن ما اذا كانت ستؤدي الى تحسين الوضع». 
في الاستنتاج العام، تقوم استراتيجية اوباما تجاه سوريا على فرض سلسلة من العقوبات «المؤلمة» وعلى فرض عزلة ديبلوماسية دولية على الأسد كوسيلة للضغط عليه لإجباره على التخلي عن السلطة. 
بات من الواضح بأنه لا أمل في اجراء اية تعديلات على هذه الاستراتيجية في الوقت الراهن، فالامور تنتظر قرار الادارة الجديدة، والذي يرجح ان يتأخر حتى عام 2013، لكن يمكن ان يؤدي اي انفجار عسكري كبير على الحدود التركية - السورية الى تغيير موقفي حلف شمالي الاطلسي والولايات المتحدة الراهن، ودفعهما للتدخل عسكرياً لمؤازرة تركيا في المواجهة مع سوريا. 
نزار عبد القادر 
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: