Tuesday, November 13, 2012

نـان ساحة صراع سوري ـ سعودي
29-5-2012
قال مركز ” ستراتفور” الاستخباري الأميركي في أحدث تقرير له عن الشأن السوري وما يتصل به إن الشمال اللبناني تحول إلى ساحة صراع استخباري بين النظام السوري من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين ،لاسيما السعودية، من جهة أخرى. وكشف المركز في تقريره عن تورط “تيار المستقبل” الحريري في دعم السلفيين السوريين. وقال التقرير هناك منطقة ترزح تحت وطأة صراع مستشرس بين سوريا من جهة والسعودية وأميركا من جهة أخرى. أما الهدف من الصراع فهو “السيطرة على طرق الإمداد العسكري من الشمال اللبناني إلى الأراضي السورية، والتي باتت تعتبر شرايين حيوية بالنسبة للمسلحين السوريين” .ويشير التقرير الى أن النظام السوري يحاول، من ناحية، زعزعة الاستقرار في طرابلس لتخريب خطوط الإمداد وتحييدها عن دائرة الصراع على حدوده، وفي المقابل، تحاول كل من الرياض وواشنطن استغلال هذه الطرق من أجل ضخّ المال والسلاح لدعم المعارضين السوريين. وفي هذا السياق، يتشكّل مناخ ملائم لاحتضان التشدّد السلفي وتغذيته.
يستطرد المركز الأميركي، المعروف بنشاطه الاستخباري، في تفنيد ما يريده كل طرف من الشمال. يعتبر “ستراتفور” أن طرابلس وعكار تشكلان مناطق حساسة بالنسبة لقنوات الدعم. فطرابلس هي ثانية أكبر مدن لبنان وهي قناة دعم مهمة إلى جانب كونها قاعدة تنظيمية أساسية للمقاتلين السوريين. أما عكار، فتعدّ منصة للمقاتلين السوريين يستطيعون منها نصب كمائن وإطلاق النار على الجيش السوري على طول الحدود، بهدف إلهاء قوات النظام عن المسلحين والمهربين.
من ناحية ثانية، وفي سياق تفنيد استفادة النظام السوري من أحداث الشمال، وما تجرّه من تهديد بإشعال الحرب الأهلية، يرى التقرير أن سوريا قد تتمكن نتيجة ما يجري من تشتيت أنظار المجتمع الدولي عن مشروع إطاحة النظام.
أما في ما يخصّ الأهداف السعودية – الأميركية، فيشرح “ستراتفور” أن “الطرفين، إلى جانب حلفائهما مثل قطر وتركيا، يحاولان الاستفادة مما يحصل في سوريا لإسقاط بشار الأسد والأهم إضعاف إيران وكبح نفوذها”.
وفيما يؤكد “ستراتفور” أن “أعداء إيران غير راغبين بخوض المعركة عبر التدخل العسكري التقليدي، لذلك هم يأملون أن يؤدي دعم المعارضين بالسلاح إلى إسقاط النظام من الداخل”، يستنتج أن “طرق الدعم في شمال لبنان تعدّ حكماً قنوات حيوية من أجل هذه الجهود”. وفي هذا المخطط، تعتبر طرابلس مكاناً ينبغي التوقف عنده كثيراً.
يعود المعهد إلى نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط السلطنة العثمانية، حيث أدى قيام المركز المالي في بيروت الى تهميش طرابلس. وهكذا ساهمت معدلات الفقر المرتفعة ونسبة السكان العالية واختلافهم في جعل المدينة مرتعاً خصباً للسلفيين. مع العلم أن الظاهرة السلفية تنمو في طرابلس بدعم سعودي كبير تؤكده المؤشرات المرافقة لصعود هذه الظاهرة في المنطقة.
وفي سياق آخر، يتحدث تقرير “ستراتفور” عن “مؤشرات وصلته تؤكد دعم “تيار المستقبل”، بإدارة سعودية، للمقاتلين السلفيين، فضلاً عن التنسيق معهم على أعلى المستويات”، لافتاً الانتباه إلى “مبالغ سعودية ضخمة وصلت إلى التيار خلال السنوات السابقة بهدف مواجهة “حزب الله” وحلفائه”. كما يشير إلى أن “السعودية كانت تحاول أن تجعل من “تيار المستقبل” قوة مسلحة متمرسة تكون على مستوى مواجهة “حزب الله”.. مع العلم أن المقاتلين السلفيين الذين انتقلوا إلى طرابلس مؤخراً كانوا على مستوى عال من الخبرة في القتال وفي تهريب الأسلحة عبر التضاريس الوعرة”.
إلى ذلك، يلفت التقرير الانتباه إلى أن أميركا لا ترغب في التعامل مع المقاتلين السلفيين لإسقاط النظام السوري، ولكنّ للسعودية في ساحة المعركة الحالية ثقلاً كبيراً اكتسبته بخبرتها وثرواتها المالية.
في النهاية، يتابع “ستراتفور”، يبقى أن نرى ما إذا كان تدفق السلفيين الى طرابلس سيصبّ لمصلحة تعزيز قدرات المقاتلين السوريين (المعارضين). ويتوقع أن تتخذ المعركة السورية وجهاً جهادياً، مستشهداً بتوسع دائرة عمل “جبهة النصرة” التي تبنت المسؤولية عن العديد من التفجيرات الإرهابية التي شهدتها سوريا.
ويختم التقرير “فيما ستحاول سوريا تعزيز قبضتها الأمنية لمواجهة المتطرفين، سيكون الصراع في المرحلة المقبلة محتدماً بينها وبين السعودية وأميركا على الشمال اللبناني”.
التحـليل الاستراتيجي
منذ دخول بوش الى البيت الابيض اختفى عامل الانثروبولوجيا من حسابات اصحاب القرار الامريكي لصالح إثارة الغرائز الاساسية ومنها الاغراءات المالية السعودية والخليجية وإثارة الازمات (الاحقاد التاريخية محركها). لكن هذا الالغاء أثبت كارثيته في التحولات الحاصلة في مسار حروب بوش ونتائجها. ولعل اولى الملاحظات على هذا التقرير هي استمراره باهمال الانثروبولوجيا.
أولى وابسط تطبيقات الانثروبولوجيا تقول بان الاسلام في بلاد الشام لا يمكنه ان يكون سلفياً ،ولا وهابياً على وجه الخصوص، كونه يحمل في تراثه آثار الاسلام الطوراني العثماني بعد اربعة قرون من السيطرة العثمانية الكاملة على بلاد الشام. أضف الى ذلك التعددية الدينية والاتنية والتاريخية في هذه المنطقة وهي خلفت نموذجاً تعايشياً متسامحاً بين مختلف الطوائف ومنها الاسلام. وهو ما يثبته فشل السعودية في نشر الوهابية في بلاد الشام رغم تدفق اموالها عبر ستة عقود على المنطقة.
في طرابلس تحديداً ،موضوع تقرير سترافور, نجد ان جهود وتمويل الوهابية في المدينة لم يستطع اكسابها الحد الادنى من التأثير الشعبي والسياسي. اما من الناحية العددية فان انصار واتباع الوهابية في طرابلس لم يتجاوزوا المئات لغاية اندلاع الازمة السورية حين بدأ ضخ الاموال الهستيري في مجتمعات طرابلس والشمال فقيرة.
صحيح ان رقعة النفوذ الوهابي اتسعت بعد هذا الضخ المالي المتهور لكنه اتساع مصطنع تتدخل في اصطناعيته قائمة من العوامل المؤقتة التأثير ومنها الضخ الغزير للاموال وحضور مقاتلين سوريين وعرب من الجماعات السلفية واللعب على غرائز التعصب السني والشحن في مواجهة المذاهب الاسلامية الاخرى من شيعة وعلويين ودروز وذلك بثمن دخول العرق الكردي حليفاً للسلفيين. وهنا نقع مجدداً في حضن الانثروبولوجيا حيث الوهابية الاصيلة مقتصرة على سكان منطقة نجد السعودية ومن خارجها يكون الوهابيون غير اصلاء فما بالنا بالاسلام الكردي وباقي الاسلامات غير العربية اصلاً؟!.
كما ان المتابعات الميدانية والاحصائية تشير الى ان السد المنيع في وجه نشر الوهابية وتمكين نفوذها يكمن في جماعة الاخوان المسلمين المتفوقة على الوهابية بمجموعة نقاط قاضية اولها ان الاخوان لا يتحملون مسؤولية فرض عقائدهم على دولة بكامل سكانها حتى لو وصلوا لحكم هذه الدولة ما يجعلهم اقدر على التعايش مع الآخر لغاية التحالف معه ولو بصور مرحلية وهو ما تفتقده الوهابية. وهذا يبرر فوز الاخوان في الانتخابات العربية الاخيرة مقابل تقدم محدود ومدفوع بسخاء للسلفية.
بالعودة الى طرابلس موضوع التقرير نجد ان التحليلات والتقارير العسكرية الميدانية تقدر عدد المقاتلين السلفيين في المدينة بما يتراوح بين 200 و300 مقاتل (بمن فيهم المستوردون من خارج لبنان). وهذه القوة تبقى مجرد مجموعة في بلد ينتشر فيه السلاح بكثافة ويحتفظ بميليشياته المسلحة تحت ستار الاحزاب والتيارات السياسية. دون اهمال قدرات حزب الله العسكرية الجاهزة لتحضير مجموعة مقابلة لا تقل خبرة ومراساً عن المجموعة السلفية.
بالانتقال الى المستوى السياسي فان تحالفات المملكة مع واشنطن والغرب مضافاً اليها الدعم الاقتصادي السعودي الحيوي بالنسبة لبلدان عربية واسلامية عديدة يعطيان المملكة تأثيراً ودوراً اقليميين يدعم نفوذها في المنطقة وفي لبنان وشماله خصوصاً. وهو التأثير الذي تفتقده سوريا خاصة بعد دخولها نفق الازمة المتفاقمة بدفع سعودي.
هنا ايضاً تبرز علائم هشاشة الدور السعودي المنذرة بالأسوأ لمستقبل الحكم السعودي نفسه عداك عن نفوذه الاقليمي. حيث يبرز مرض الملك وولي عهده لغاية العجز عن القيام بمهامهما بما يذكي الصراع على خلافتهما. خاصة وان التحليل الطبي يرجح احتمال وفاة ولي العهد قبل الملك. ثم يأتي العامل الايراني المهدد والمستند الى مؤسسة دينية متماسكة في مقابل عائلة متصارعة متناحرة في المملكة.
وفي الوقائع الاقليمية يبرز شبح مخيف لغاية الرعب بالنسبة للنفوذ السعودي وهو شبح الناصرية التي أثبتت استمراريتها والحنين المصري والعربي الى زمانها عبر المرشح الناصري حمدين صباحي الذي نافس خبرات وتنظيمات وتمويل الاخوان كما نافس حصة السلطة في الانتخابات مدعومة بتدخلات خارجية ،امريكية خصوصاً، لإبقاء مصر في حدود سياسات مبارك العريضة. ورغم ان جولة الاعادة ستجري بدون صباحي فان شبح الناصرية سيبقى مخيماً على مصر وعلى كافة الدول العربية بانتظار خروج المارد من القمقم الاستخباري العربي الامريكي. وعندها سيفقد مشروع الشرق الاوسط الجديد كل مكاسبه وسيتحول الربيع العربي للاستجابة الى طموحات الجماهير العربية بدل اللعب على غرائزها الاساسية واستغلال حاجاتها ومطالبها المعيشية لخطط تخريب المنطقة والعبث
بمستقبلها..
http://www.mostakbaliat.com/?p=20317
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: