Friday, November 23, 2012

خطط المقاومة في حرب غزة.. إستراتيجيات محلية
كلَّ يوم تتكشَّف أسرارٌ جديدةٌ لحرب غزة التي وضعت المقاومة الفلسطينية في منزلةٍ كبيرةٍ أمام آلة الحرب الصهيونية؛ حيث أبدع المقاومون الفلسطينيون في حربٍ استمرَّت 22 يومًا ضد أكثر جيوش المنطقة تطورًا وعتادًا.

وقد اعتمدت المقاومة على تكتيكات قتالية عالية المستوى في الحرب الصهيونية على قطاع غزة؛ فمنذ اللحظات الأولى للحرب أيقن المجاهدون في كافة الفصائل الفلسطينية- وعلى رأسهم مقاتلو كتائب القسام- أن عدَّتهم وعتادهم لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تجابه الترسانة الصهيونية الضخمة التي تصاحبها التكنولوجيا المتطوِّرة، لكنهم وضعوا نصب أعينهم هدفًا وصوَّبوا عليه جيدًا، فكانت الخطط والتكتيكات سيدة المرحلة للانقضاض على جنود الاحتلال في غزة وإيقاع أكبر عدد منهم؛ بين قتيل وأسير وجريح.

"حرب كاملة من الفخاخ والخداع والكمائن والأشباح والقنص في غزة"، ربما كان هذا أدق وصف أطلقته الصحافة الصهيونية على الآليات والتكتيكات التي تبنَّتها واتبعتها المقاومة الفلسطينية، لا سيما مقاتلو حماس؛ لضرب طوابير الغزو البري الصهيوني في محاور تقدمها المختلفة، وخصوصًا شمال وشرق القطاع.

أساليب وتكتيكات جديدة لم تظهر من قبل فاجأت بها المقاومة الفلسطينية قيادة الجيش والكيان الصهيوني التي أصيبت بالصدمة والذهول؛ مما لم تتوقَّع خلال الحرب على قطاع غزة، وخرجت منه خاسرةً ومدحورةً بعد مقتل أكثر من 80 جنديًّا وإصابة المئات، علاوةً على تدمير العشرات من الآليات والدبابات واستمرار هطول الصواريخ على المغتصبات والمدن الصهيونية لأبعد مدى.

التكتيكات الجديدة التي أبدعت أجنحة المقاومة في استخدامها اضطرت حكومة الكيان إلى الفرار من قطاع غزة، والاعتراف بأنه بات صعبًا ومعقَّدًا، وأن دخوله والبقاء فيه يعني مغامرةً كبيرةً.

وعلى الرغم من ذلك فإن فصائل المقاومة الفلسطينية- التي أصبح لها باع طويل في التخطيط الحربي من خلال مقارعة الاحتلال- اتبعت إستراتيجيةً جديدةً خلال الحرب؛ بعدم إظهار جميع ما لديها من قدرات عسكرية وخطط وعتاد؛ ولذلك فإنها تقوم بإرسال إشارات من خلال بعض العمليات النوعية هنا وهناك، والتي تستخدم فيها أسلحةً لم تكن تُستخدَم من قبل.

واستطاعت المقاومة من خلال تكتيكاتها الجديدة أن تُربك حسابات العدو وقيادة الجيش بقدرتها على الصعيد الميداني وقدرتها على إطلاق الصواريخ بكثافة في كل يومٍ، ولم تستخدم للحظة إلا جزءًا يسيرًا من مقاتليها في المعركة، واتبعت تكتيكات جديدة في القتال بدت ثمارها واقعةً على الأرض؛ بسقوط عددٍ كبيرٍ من القتلى الصهاينة، وهو ما أكده الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة حيث أشار إلى أن الكتائب استخدمت أقل من 5% من عتادها ومقاتليها في المواجهة البرية، وأنه كان لديها العديد من المفاجآت التي ستُربك حسابات العدو.

ومن بين التكتيكات التي أبدعها المقاومون الفلسطينيون قيامهم بوضع تماثيل وهياكل عليها اللباس العسكري المميِّز لعناصر القسام، في مواقع سهلة الرصد في مداخل بعض الأبنية التي هجرها أهلها بفعل القصف العشوائي، ويقوم الجنود الصهاينة إما بإطلاق النار على هذه الهياكل التي تشبه "خيال المآتة"، أو محاولة الاشتباك معها عن قرب، وبالتالي يسهل قنصهم من جانب المقاومة.

في مرات أخرى- كما يروي أبو حمزة أحد القادة الميدانيين للكتائب شرق غزة- كان يقوم المقاومون بترك أكوام صغيرة من أسلحتهم في أعلى تلة شمال غزة وتلغيمها؛ بحيث إذا ما حاول جنود الاحتلال رفعَها للاستيلاء عليها أو فحصها فإنهم يتعرَّضون لانفجار العبوة الناسفة التي زرعها مقاتلو المقاومة.

كما اتبعت المقاومة حزمةً أخرى من التكتيكات؛ مثل نشر الكمائن وزرع العبوات الناسفة في النقاط التي يُتوَقَّع أن تتوغَّل فيها القوات الصهيونية الخاصة، وعلى تخوم الأحياء السكنية، وخصوصًا حول مدينة غزة، وهو ما أدَّى إلى حصر تقدم الآليات والمدرَّعات في بعض المناطق إلى بضع مئات من الأمتار؛ حسب التقارير الميدانية.

ويشير أبو حمزة أحد قادة كتائب القسام إلى أحد الكمائن التي نجح مقاتلو الكتائب من خلالها في الإيقاع بعددٍ كبيرٍ من الجنود داخل إحدى المصايد- كما يشير- والتلذُّذ بقتلهم.

وأوضح أبو حمزة أن إحدى وحدات الهندسة التابعة للكتائب تمكَّنت من تلغيم أحد البيوت الحدودية بالعبوات الناسفة والألغام، وفق معايير دقيقة ومحدَّدة، ووضعه تحت المراقبة حتى دخلت إحدى الدوريات الصهيونية الخاصة بداخله وتم تفجيره عن بُعد؛ مما أوقعهم بين قتيلٍ وجريحٍ.

(تلغيم البيوت) من الإستراتيجيات الأساسية التي اتبعتها المقاومة الفلسطينية والجناح العسكري لحماس على وجه الخصوص لتغيير قواعد اللعبة؛ حيث تم زرع العبوات الناسفة داخل البيوت التي يتم اختيارها وفق معايير محددة ودقيقة، وفي أماكن محددة من البيت المُستهدَف.

ويضيف أبو مصعب قيادي في وحدة الهندسة أن عملية التفجير تتم عن بُعد أو بآليةٍ يتم اختيارها حسب الكيفية التي تحدِّدها المجموعة المسئولة، والتي تقوم بعملية استدراج ومراقبة للقوات الصهيونية الراجلة حتى تقع في الكمين المحكم.

ومن المميزات التي تتميَّز بها عمليات تفخيخ البيوت صعوبة اكتشاف الألغام، بالإضافة إلى صعوبة إنقاذ الجرحى؛ نتيجة انهيار المنزل فوق رءوس المعتدين.

وحسب أبو مصعب فإن أغلب المناطق المفتوحة تم زرعها بعبوات وألغام تنفجر بمجرد الضغط عليها، وعن فاعلية هذا التكتيك أضاف: "البيوت المُفخَّخة أحد الأساليب الناجعة، والتي آتت أكلها في المعركة وأوقعت قتلى وإصابات في صفوف العدو".

ومن بين هذه التكتيكات الأداء المتميِّز لوحدة القنص التابعة لكتائب القسام؛ حيث كانت البلاغات العسكرية من قِبل قنَّاصة القسام طيلة فترة الحرب تبلِّغ عن عمليات القنص بشكلٍ متواصلٍ؛ كان آخرها قيام المرافقين للقناصة بتسجيل عمليات القنص على أشرطة فيديو مُصوَّرة وبثها عبر وسائل الإعلام.

أبو بلال أحد القادة الميدانيين للكتائب شرق غزة أكد أن وحدة القنص تلقَّت تدريباتٍ عاليةً على عمليات القنص، مشيرًا إلى أن عناصر هذه الوحدة مرُّوا ببرامج ودورات رفعت من كفاءتهم بصورة باتت واضحةً في الميدان.

وأشار إلى أن الأسلحة الحاليَّة التي تملكها وحدة القنص التابعة لكتائب القسام حاليًّا ذات كفاءة عالية جدًّا لم تكن في السابق متوفرةً لدى الوحدة.

وأوضح أن وحدة القناصة تتبع تكتيكاتٍ ممتازةً من خلال التمركز في مناطق قريبة جدًّا وجيدة لعملية القنص؛ ناهيك عن اتباعها أساليب تمويهية تعمي طائرات الاستطلاع والطائرات العمودية التي تحلِّق بشكل مستمر في سماء غزة بشكل عام وفي سماء المناطق التي توجد فيها القوات الصهيونية الراجلة بشكل خاص.

وأكد أن رجال القناصة اصطادوا جنود الاحتلال واحدًا تلو الآخر، وأن عمليات التصوير التي تم بثها كشفت عن حقيقة ما تكتَّم عليه العدو، وكانت الكتائب أعلنت أنها تمكَّنت من قنص 53 جنديًّا صهيونيًّا في أماكن متفرقة من قطاع غزة.

(الأشباح الاستشهاديون).. تكتيك جديد أيضًا فاجأت به كتائب القسام جيشَ الاحتلال الصهيوني؛ حيث عمل هؤلاء الأشباح على تأخير تقدُّم دبابات الاحتلال في عمق غزة.

ومجموعات الأشباح- كما يشير أبو عبيدة الناطق الإعلامي للكتائب- عبارةٌ عن استشهاديين في كتائب القسام تدرَّبوا تدريبات خاصة؛ كانت ترابط لعددٍ من الأيام مختبئةً في الأماكن المفتوحة التي كان من المُتوَقَّع التوغل البري للاحتلال فيها؛ لتباغت الصفوف الخلفية للعدو وتُربك صفوفه.

وكان الشهيد محمود الريفي أحد أفراد هذه المجوعات؛ حيث كان مرابطًا في جبل الريس شرق مدينة غزة لعدة أيام، معتمدًا في طعامه على الماء والتمر؛ ليباغت القوات الخاصة الصهيونية التي توغَّلت في المنطقة، واستطاع تفجير عددٍ من العبوات المضادة للأفراد، وحمل جنديًّا صهيونيًّا مصابًا لأَسْره قبل أن تقصفه طائرة أباتشي صهيونية هو والجندي الصهيوني.

(الكمائن المحكمة).. أسلوب حرب عصابات استخدمته الوحدات الخاصة في كتائب القسام، وفق القائد الميداني في الكتائب أبو جعفر؛ بحيث تقوم خلاله مجموعة من الاستشهاديين المُدرَّبين تدريبًا خاصًّا بالانفراد بمجموعةٍ من القوات البرية الصهيونية عبر إشغال المجموعات الأخرى بقصفٍ مكثفٍ بقذائف الهاون، وإشغال الطائرات بإطلاق المضادات الأرضية من قِبل سلاح المدفعية والدفاع الجوي.

وأضاف أبو جعفر: "وتحت تغطية كثافة النيران تتمكَّن المجموعة الاستشهادية من مهاجمة القوة المحاصرة وزرع العبوات المختلفة بين أرتال الدبابات والمُدرَّعات والانسحاب بسلام في معظم الأوقات".

ولفت إلى أن هذه الكمائن نُفِّذت عشرات المرات شرق وشمال قطاع غزة؛ كان من بينها تمكُّن استشهادي من تسلُّق دبابة وتفجير نفسه داخلها.

زرع الصواريخ بشكل خفي والتحكم بها عن بُعد كان من الأساليب الناجعة التي ابتدعتها المقاومة الفلسطينية؛ حيث فوجئت قيادة الجيش الصهيوني بخروج المئات من صواريخ (القسام) و(جراد) من بين أرتال الدبابات برغم كثافة تحليق الطيران الصهيوني في سماء قطاع غزة، كما فوجئ سكان القطاع بانطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية دون أن يشاهدوا كيفية نصب منصاتها أو مكان المنصَّات.

وأطلقت كتائب القسام ما يقرب من 600 صاروخ من طراز "قسام" و"جراد" على المدن والبلدات الصهيونية خلال العدوان الصهيوني، ووصلت الصواريخ إلى مدن إستراتيجية داخل الكيان، مثل مدينتي أشدود وبئر السبع اللتين تبعدان أكثر من 60 كيلو مترًا عن قطاع غزة.

كما نجحت المقاومة الفلسطينية من جهةٍ أخرى في إخفاء وتمويه سلاح الدوشكا وعناصرها المقاومين بعيدًا عن أنظار الطائرات الصهيونية التي لم تعمل بأريحية كاملة طيلة أيام الحرب؛ بسبب كثافة النيران التي وُجِّهت إليها؛ ما أحدث هبوطًا اضطراريًّا لعددٍ من طائرات الاحتلال من نوع أباتشي و(إف 16)، والتمكُّن من إسقاط عدد من طائرات الاستطلاع والاستيلاء عليها جنوب قطاع غزة.

يُشار إلى أن كتائب القسام كشفت عن استخدامها سلاحين جديدين لأول مرة متخصصين في التصدي للدبابات والمدرعات؛ هما: قذيفة (P 29) ذات الرأسين المتفجرتين، وصاروخ (Tandem) المضاد للدروع.

ويرى الخبير العسكري محمد أبو ربيع أن الجغرافيا في غزة فرضت على المقاومة نوعًا صعبًا من التكتيك العسكري، وسجَّل أبو ربيع تفوُّق الأسلوب العسكري الذي استخدمته المقاومة في مواجهة الغارات الجوية والقصف الصهيوني.

وقال إن المقاومة لجأت إلى توزيع عناصرها على مجموعاتٍ صغيرةٍ جدًّا؛ تضم الواحدة منها مقاومَين أو ثلاثة؛ ما أربك العدو بدرجة كبيرة جدًّا.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: