Sunday, December 16, 2012


بلديّة بيروت: الأميركيّون يعودون إلى «الداتا»

السبت 15 كانون الأول 2012،    أحمد محسن - "الاخبار"
لعقد من الزمن، سيطرت شركة «ألباني» على جميع المعلومات المتعلقة بمدينة بيروت. ألباني نيويورك. نيويورك الجميلة، مدينة العالم. ولكن بيروت، هل لا تزال جميلة؟ قطعاً، إنها ليست مدينة العالم. إنها مدينة مكتظة بالتجاذبات، وكل حديث عن إرث فيها تذيبه طفرة المذاهب التي نخرتها السياسة حتى العظم. وما همّ «ألباني ـــ نيويورك» في ذلك. قدمت «هبة» إلى الدولة اللبنانيّة، قضت بإدارتها لكل المعلومات و«الداتا» المتعلقة بمواطني بيروت وسكانها. منذ نهاية التسعينيات وحتى نهاية العقد الأخير، سيطرت «ألباني» على حياة مواطني بيروت جميعهم. الداخل إلى المدينة والخارج منها. أي مواطن يجري معاملة صغيرة، تتعلق بمنزل أو متجر أو شقة. أي تفصيل صغير. برامج الواردات. إصدار الرسوم. كل شيء. كل مواطن في المدينة، أشغاله، أعماله، أملاكه، أين يقطن، أين يتاجر، وعلى هذا المنوال.
«ألباني» الأميركيّة تبرعت بطيبة خاطر لحفظ كل شيء، وبلا مقابل، حتى بدت المؤسسة الأميركيّة بالنسبة إلى الإدارة المحليّة اللبنانيّة أشبه بـ«كاريتاس». ثم جاء المحامي زياد بارود إلى وزارة الداخليّة. وفي نهاية 2010، فُسِخ العقد مع الشركة، رغم أن «البلديّة طلبت تمديده لعام واحد»، كما يؤكد رئيس البلديّة الحالي، بلال حمد. القصة بدأت قبل حمد، لكنه طلب تمديد العقد «لأن الشركة هي الوحيدة العارفة والقادرة على ضبط هذه الأمور». غير أن مصادر متابعة للملف، تؤكد أن الوزير بارود لم يلغ العقد «بل طلب إجراء بعض التعديلات عليه للسماح للوزارة بحيزٍ أكبر من المراقبة والشفافيّة». على ذمة العارفين، أراد بارود أن تتحمل وزارة الداخليّة والبلديّات مسؤولياتها، وتكون على مسافة قريبة من أعمال «ألباني» في بيروت. رفض طلب بارود، وفسخ العقد، من طرف «ألباني»، التي كان يرأس مجلس إدارتها في بيروت، السيد محمود بتلوني. احفظوا هذا الاسم جيداً.
مذّاك، تولى بعض الموظفين الكفوئين «دائرة المكننة» في البلديّة. وهم جزء من مجموعة دخلت إلى البلديّة، بعد «مناوشات» طويلة، كان تدخل بارود نفسه حاسماً فيها. لقد سرت بلبلة طويلة قبل تعيين الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنيّة بالبلديّة، بعد «مماطلات» كادت أن تصير عقيمة، تحت ذريعة «المناصفة»، وغياب التوازن الطائفي. وفي 2011، ثبت الموظفون الجدد في ملاك الدولة، ومنهم الموظفون في دائرة المكننة، الذين تولوا إدارة الدائرة بنشاط لافت، رغم أن «ألباني» رفضت تدريبهم. حزمت الشركة حقائبها على عجل. وخلال السنتين الماضيتين، لم يحظ الموظفون بأي إطراء، أو اتهام. كان سلوكهم مستقيماً حتى تم تثبيتهم، ما يعني عدم وجود أي «تقصير» منهم في عملهم. فجأة، وفي أول الشهر الفائت، «اكتشفت» البلديّة نقصاً في «عمل أنظمة المعلوماتيّة» العائدة لها. في البدء، ساد جو إيجابي في البلدية. الشائعة أعطت انطباعاً عاماً بولادة نيّة إصلاحيّة، ودعم هذا القطاع في البلديّة. يعمل الموظفون على إدخال بيانات آلاف السكان من بيروت، بواسطة أنظمة غير متقدمة أبداً. حواسيب «بنتيوم فور»، مجهزة بنظام «XP»، الذي يكاد أن يكون أثريّاً ولا تجد له أثراً إلا هناك. كما أن الموظفين ظلوا لفترة طويلة بلا مكاتب، وتقاسموا مكاتب تركتها لهم «ألباني». وبعد الاطلاع على القرار 883، الصادر عن بلديّة بيروت، بتاريخ 1 تشرين الثاني 2012، تبيّن وجود مخطط مختلف. فعلاً، تنوي البلديّة تطوير أنظمة المعلوماتيّة، وتدريب جميع الموظفين عليها، إضافة إلى تطوير الموقع الإلكتروني للبلديّة. ولكن، لا بديل من هذا الرجل: محمود بتلوني. رجل «ألباني». وبناءً على كتاب عضو المجلس البلدي، عماد بيضون، رقم 2010/م/2012 بتاريخ 16 تموز 2012، والذي عرض فيه ما أنجز من أعمال «مكننة» بلديّة بيروت، وماهيّة الأعمال التي تحتاج إليها، تمت الموافقة على الطلب من الإدارة تحضير مشروع «عقد اتفاق بالتراضي مع شركة Innovative institutional ideas sarl»، وطبعاً، بإدارة السيد محمود بتلوني، وذلك لتحقيق الغايات المذكورة آنفاً. وفي اتصال مع «الأخبار»، لفت حمد إلى أن البلديّة «اختارت بتلوني لأنه من أكثر العارفين بسير هذه الأمور في البلديّة من أيام ألباني». من محاسن الصدف أن بتلوني أسس شركة. إنها شركة الصدفة. أما المناقصات التي تجرى عادةً في حالات كهذه، فلا داعي لها. بتلوني أكثر العارفين ولا حاجة للبحث. أما قيمة العقد السنويّة، فستكون 300 ألف دولار أميركي. للأمانة، نفى الرئيس حمد هذا الرقم، مع أن مقربين منه أكدوه. بيد أنه لم ينف «قصة العقد» نفياً تاماً، فالموضوع «ما زال قيد الإجراء ولا نعرف قيمة العقد بعد». ولكن حمد لم يستغرب الرقم، ولم يعتبره «كبيراً». 300 ألف دولار أميركي سنويّاً لتطوير الموقع الإلكتروني وإدخال البيانات، علماً بأن «اكتشاف» الخلل في هذا الإطار ظهر بعد عامين. كيف كانت تدخل بيانات الناس وتخرج إذاً؟ العلم عند الله وعند محافظ بيروت، ناصيف قالوش، الذي ثبّت الموظفين، ولم يعترض عليهم، علماً بأن المقربين من حمد يؤكدون أن قالوش «لا ينوي عرقلة عودة بتلوني إلى البلديّة». في السيد بتلوني سرّ لا يعرفه أحد، حتى يكون الشخص الوحيد الذي تختاره البلدية، منذ إدارته لفروع «ألباني» الأميركيّة، كاريتاس البلديّة. لكن، لماذا السؤال أصلاً عن مناقصة أو ما يشبهها؟ البلد مكشوف، يقول أحد المتابعين معقباً: «شو وقفت عالبتلوني وشركته؟».
لا لم تقف عنده. وفي أروقة البلديّة حديث كثير عن فوضى. بعدما حزم بتلوني حقائبه على أيام زياد بارود، سادت فوضى طفيفة، متعلقة ببرامج المحاسبة، والواردات (المتعلقة بالمسح العقاري، والإحصاءات السكانيّة وغيرها)، غير أن الوافدين الجدد «أداروا الأزمة على نحو جيد». ورئيس البلديّة نفسه يقول إن المشكلة ليست فيهم. ولكن، من داخل البلديّة، تقفز أصابع كثيرة، تشير بالاتهام إلى «نافذين» في القصر البلدي، «ضيّقوا على جماعة المكننة» تمهيداً لعودة بتلوني. وأبرز هؤلاء هو علي عثمان، الذي يتولى منصبين على نحو يخالف القانون. فهو مدير مصلحة الماليّة بالتكليف، مذ كان الوزير حسن السبع وزيراً للداخليّة (الذي استقال بعدما طاردته الأشباح)، وهو في الأساس رئيس إدارة الخزينة. وهما، وظيفتان متعارضتان. يعني أن السيد عثمان يراقب نفسه. في القانون، كمحتسب، لا يجوز له أن يكون مديراً لمصلحة المالية، ولكنه كذلك. ويقول المتابعون إنه نافذ لأنه «قريب جداً من تيار المستقبل»، ما يعني أنه قريب من الرئيس حمد. والواقع أن الرجل قريب فعلاً من تيار المستقبل، أما الرئيس حمد، القريب من المستقبل أيضاً، فقد جاء إلى البلديّة ووجد عثمان فيها. ووفقاً للعارفين، لطالما كان مدير مصلحة الماليّة بالتكليف، من المشجعين «على إيجاد شركة من الخارج تتولى شؤون الداتا». ويا لها من صدفة، عادت «ألباني» الأميركيّة، بوجه لبناني، يقوده المبتسم دائماً، محمود بتلوني!

«ألباني»، بتلوني، والبلديّة: علاقة متينة
ثقة بلديّة بيروت بألباني كبيرة، وربما لذلك لم تجد «بديلاً» من السيد بتلوني. وفقاً للبلديّة، فإن فريق عمل جامعة ولاية نيويورك ـــــ ألباني استعمل أدوات عمل لا تخرج عن أدوات عمل خبراء الإصلاح الإداري من استمارات «تملأ لجمع المعلومات عن المسؤوليات والواجبات التي يقوم بها الموظفون لتحديد المهمات التي على أساسها تعتمد الهيكليات الإدارية». وفي هذه الظروف، ودائماً وفقاً للبلديّة، نجحت «ألباني» في إعادة تنظيم واردات البلدية، حيث ازدادت المبالغ المحصّلة من رسوم القيمة التأجيرية من أقل من 30 مليار ليرة لبنانية قبل المساعدة إلى ما يزيد على 65 مليار ليرة لبنانية عام 2008، وتنظيم ملفات الموظفين ومكننتها، وربط الموظفين إلكترونياً بمجلس الخدمة المدنية، وتوطين رواتبهم ومستحقاتهم في المصارف، إضافة إلى تنظيم العمل ومكننة المساعدات المرضية وعمليات الاستشفاء، ما «وفّر مبالغ قيّمة من الفاتورة الصحية التي توقعها البلدية». وتجدر الإشارة إلى أن بلدية بيروت، بنتيجة المساعدة المقدمة من جامعة ولاية نيويورك ـــــ ألباني، فازت «بالجائزة الثانية بين أفضل المدن العربية لاستخدام أنظمة المعلوماتية».

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: