Monday, December 31, 2012


سوريا ما بعد الأسد: هل تتجه نحو سقوط مروع؟

 
  كانون الأول/ديسمبر 2012

تزيد النجاحات العسكرية الأخيرة للمعارضة قرب دمشق وحلب ودير الزور من احتمالية السقوط النهائي لنظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أنه لا يمكن للمرء أن يستبعد نهاية حاسمة للحرب الأهلية - والتي تؤدي إلى قيام سوريا "ديمقراطية موحدة وتعددية"، كما توختها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون - إلا أن رحيل النظام من المرجح أن يبشر بقيام مرحلة أكثر فوضوية وخطيرة للصراع.

سيناريوهات ما بعد الأسد
سوف تتأثر طبيعة الفترة الانتقالية إلى حد معين بالكيفية التي يتوارى بها نظام الأسد عن المشهد. فإذا أبقت القوات الحكومية على تماسكها في الوقت الذي تنسحب فيه من قرية ومنطقة سكنية واحدة تلو الأخرى، فسوف يتاح للمعارضة قسطاً أكبر من الوقت لإرساء دعائم مؤسسات حوكمة بدائية في المناطق المحررة، فضلاً عن أن قيام مرحلة انتقال مع قدر قليل من الاختلال قد يكون ممكناً. وبالفعل، لقد سقطت مساحات واسعة من أراضي البلاد من قبضة الحكومة ويتم إدارتها حالياً من قبل لجان محلية مؤقتة. كما سيعتمد الكثير أيضاً عما إذا كان النظام سيقاتل في دمشق - مما يدمر العاصمة خلال تلك العملية - أم ينسحب إلى معاقل في قلب المنطقة العلوية التقليدية التابعة له - وهي المنطقة الساحلية الجبلية في الشمال الغربي من البلاد؛ - ويمكن أن يعيق السيناريو الأول نشأة حكومة مركزية جديدة لأعوام قادمة. إن انهياراً مفاجئاً لقوات النظام من شأنه أن ينذر بمرحلة انتقال أكثر فوضوية في الوقت الذي تندفع فيه قوات المعارضة المنافسة لملء الفراغ.

وبمجرد سقوط الأسد سوف تظهر مسائل جمة، بما في ذلك إذا ستتحرك المعارضة لتطهير موظفي النظام، وإذا سيتم تدمير المكاتب الحكومية ونهبها (كما حدث في العراق)، وإذا كانت ستندلع صراعات عنيفة على السلطة بين الثوار. ويمكن لأي من هذه المسائل أن تعرض عملية الانتقال الواعدة والمأمولة إلى الخطر.

ونظراً لأن معظم جماعات الثوار متمركزة في الداخل ومجزأة للغاية وأن الاتصال بالمعارضة في المنفى هو محدود - إن لم يكن معدوماً - ، فلن تظهر على ما يبدو دولة موحدة ذات حكومة مركزية قوية في أعقاب الحرب الأهلية. إذ يحتمل أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبرى لبسط سيطرتها على القادة المحليين الذين حاربوا النظام وقدموا خدمات بدائية إلى المناطق التي حرروها. فبدلاً من تسليم ما أنجزوه بشق الأنفس إلى حكومة مركزية، فقد يفضلون إقامة تحالفات مع زعماء محليين آخرين (بما في ذلك أعضاء من الجماعات العرقية الطائفية المختلفة) و / أو قوى خارجية، كما حدث أثناء الحرب الأهلية في لبنان وبعدها.

دولة علوية ؟
سوف تخضع إقامة دولة علوية رديفة شمال غرب سوريا إلى كثير من هذه الديناميات نفسها. حيث قد تأتي في صورة كيان وحدوي يحكمه الأسد، أو خلفه، أو مجلس عسكري؛ أو قد تكون اتحاداً فيدرالياً مفككاً يضم قادة حرب (ربما عسكريين سابقين وقادة أجهزة أمنية) متسلطين على إقطاعيات تُنظَم وفقاً لخطوط قبلية أو إقليمية أو سياسية. وإذا كان بالإمكان إبقاء التوترات الداخلية تحت السيطرة فيما بين العلويين والمدن الساحلية المختلطة السكان، فإن هذا المخرج المتمثل في إقامة دويلة قد يكون مناسباً. فقد تتحكم تلك الدويلة فيما تبقى من الجيش السوري، وربما في المطار الدولي في اللاذقية ومينائي طرطوس واللاذقية، مما يمكنها من جمع الرسوم الجمركية على الواردات المتجهة إلى المناطق النائية في سوريا والعراق والأردن.

لكن سقوط النظام وإنشاء دويلة علوية سوف تصحبه موجة جديدة من المذابح والتطهير العرقي (لكل من السنة والعلويين) ؛ فالدويلة ستكون أيضاً عرضة لمضايقات مستمرة من قبل الجماعات السنية المتطرفة.  إلا إنه لو ساد حكم قادة الحرب في بقية أراضي سوريا فسوف يصعب تخيل توحد فصائل المعارضة السنية المجزأة وخروجها في مغامرة عسكرية بأرض تبعد عن حِماها، كشن هجوم على المنطقة العلوية الجبلية.

مدخل لإيران
أما الارتداد إلى حكم قادة الحرب فسوف يخلق فرصاً جديدة للجهات الفاعلة الخارجية، وخاصة إيران و «حزب الله»، حيث سيسعى كلاهما إلى تكوين حلفاء من بين النخبة الأمنية العلوية للنظام السابق. وسوف يتابعون السعي كذلك لتكوين تحالفات انتهازية مع الأكراد والدروز، وقادة الحرب من العرب السنة، بما يتوافق مع سياسة طهران في العراق وغزة المتمثلة في الرهان على كل حصان يجري في السباق. بل يحتمل أن يدعموا حتى جماعات سلفية جهادية بهدف فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل في مرتفعات الجولان، تماماً كما سهّلوا نشاطات تنظيم «القاعدة» في العراق والخليج.

ويعني تعمق انخراط إيران في هذا الصراع أنها سوف تبقى لاعباً أساسياً في منطقة المشرق العربي حتى بعد الإطاحة بالأسد.  وسوف تسعى بشكل خاص إلى توطيد روابطها مع الجماعات المسلحة في سوريا ما بعد الأسد كوسيلة للضغط على تركيا وإسرائيل والأردن، والحفاظ على خطوط الاتصالات براً مع «حزب الله» في لبنان، ومنع ظهور قاعدة دعم للعرب السنة في العراق يكون مقرها في سوريا. وعلى نطاق أوسع، من المرجح أن يؤدي استمرار العنف وتزايد التدخل الأجنبي في سوريا إلى تفاقم التوترات الطائفية في لبنان وتركيا والعراق، فضلاً عن التوترات العربية الإيرانية في الخليج.

حتى الهبوط برفق ينطوي على مخاطر
حتى الانتقال الأولي الهادئ نسبياً قد يزرع البذور لمشاكل تنمو فيما بعد، على غرار الانهيار السريع لنظام طالبان في عام 2001 ونظام صدام حسين في عام 2003 اللذان نبآ بأعمال العنف في أفغانستان والعراق. فحكومة سنية ثورية في سوريا (سواء قومية أو إسلامية في توجهاتها) سوف تكون على الأرجح معادية لإيران ومتحالفة بصورة وثيقة مع تركيا أو مصر أو السعودية. وقد ترد إيران و «حزب الله» على ذلك بتقديم الدعم العسكري لعناصر النظام السابق بهدف القيام بتمرد على الحكومة الجديدة، وإبقائها ضعيفة ومتركزة على تعزيز حكمها، ومنعها من مساعدة العرب السنة في العراق - وفي الواقع؛ فإن جهود إيران المستمرة لخلق ميليشيا مؤيدة للنظام في سوريا تعيد للأذهان قوات التعبئة الشعبية "الباسيج" الخاصة بها بما قد يمهد الطريق أمام تلك الجهود في وقت لاحق. ومن المرجح أن تدعم الحكومة العراقية، تحت رئاسة نوري المالكي، مثل هذه الجهود الإيرانية لأسباب خاصة بها.

مضاعفات أخرى
هناك مجموعة من العوامل الأخرى التي قد تؤثر على مسار أي انتقال بعد الأسد، فضلاً عن مصالح هامة للولايات المتحدة:

·         قد يُصعب الاستيلاء على المعدات العسكرية والمنشآت التي تعرضت للنهب والتدمير على نطاق واسع، الأمر الذي يجعل من الصعب جداً على حكومة خلفية تحقيق الأمن بل قد يؤكد ظهور نظام حكم أمراء الحرب. إن عجز الثوار عن حماية القواعد المحررة بسبب نقص القوة البشرية والخوف من هجمات النظام الجوية يجعل مثل هذه السرقة أكثر احتمالاً.

·         مع اقتراب النهاية، قد يلجأ نظام الأسد إلى استخدام الأسلحة الكيميائية (لمعرفة المزيد عن هذا الاحتمال، إقراً المرصد السياسي 2002  و المرصد السياسي 1964). وقد ينجم عن هذه الخطوة قيام كارثة إنسانية بحيث أن أي حكومة قادمة ستضطر إلى التعامل معها. كما أن عناصر النظام السابق قد يحوّلوا أيضاً مخزونات المواد الكيميائية من أجل توفير رادع لدويلتهم العلوية. أو بدلاً من ذلك، إن التحول إلى مجموعات متمردة إرهابية مثل "جبهة النُصرة" قد يزيد من احتمالية وقوع جولات قتالية مستقبلاً في سوريا - أو هجمات من سوريا ضد جيرانها - قد تُستخدم فيها الأسلحة الكيميائية.

·         قد يصعب على أي حكومة سورية جديدة احتواء المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. حيث يرجح أن تكون المناطق الحدودية والأجزاء المختلطة ديموغرافياً التي تحتوي على معاقل كردية شبه مستقلة قائمة بمثابة بؤر توتر عدائية (كما كانت في العراق)،  بينما يحتمل أن تكون لدى الجماعات المسيطرة على هذه المناطق (وخاصة "حزب الاتحاد الديمقراطي")، علاقة مشحونة مع تركيا - وخاصة إذا حافظ "حزب العمال الكردستاني" على وجود هناك.

·         قد تسعى الجماعات الجهادية إلى استخدام سوريا كقاعدة عمليات للقيام بهجمات ضد جيرانها (وخاصة إسرائيل والأردن والعراق)، مما يزيد من تعقيد عملية الانتقال.

·          يمكن للزيادة في تدفق اللاجئين إلى تركيا ولبنان والأردن أن تفوق قدرة هذه الدول على تقديم الإغاثة، وبدون تقديم المزيد من المساعدات الدولية، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى قيام أزمة إنسانية.

·         يمكن لانتصار المعارضة السنية في سوريا أن يرفع سقف طوح الإسلاميين في الأردن والضفة الغربية وكذلك السنة العرب في العراق المعارضين للمالكي، بحيث يكون لذلك أيضاً عواقب بعيدة المدى لموازين القوى السياسية في هذه المجتمعات.

التوصيات
تشكل العديد من هذه السيناريوهات تحديات كبيرة للاستقرار الإقليمي وسياسة الولايات المتحدة. ونظراً لإحجام واشنطن وحلفائها الواضح عن التدخل عسكرياً في سوريا، فما الذي يجب عمله؟ على أقل تقدير، يجب على واشنطن الاستمرار في تحضيراتها لاحتواء تداعيات الصراع، من خلال بنائها على الجهود المبذولة حالياً لتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان، وربما توسيع هذه المساعدات إلى مناطق آمنة داخل سوريا. وينبغي على الولايات المتحدة أن تحافظ أيضاً على دعم إسرائيل وتركيا في مجال مكافحة الإرهاب، فضلاً عن الجهود التعاونية لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية أو تحويلها (أو إدارة العواقب اذا فشل الردع).

والأهم من ذلك، يتعين على الولايات المتحدة جمع معلومات أكثر عن "ماهية الموجودين" في المعارضة المسلحة؛ إذ أن هؤلاء الذين يحملون البنادق اليوم هم من سيستلمون زمام الأمور بعد الأسد. وبالرغم من أن الكثير من الثوار سوف يحملون ضغينة ضد واشنطن لضعف استجابتها النسبي لهم في محنتهم، فسوف يحتاجون أيضاً إلى ذلك النوع من المساعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي يمكن فقط للولايات المتحدة أن تقدمها. ومع ذلك، فللقيام بذلك على نحو فعال، سوف يلزم واشنطن معرفة أكبر قدر من المعلومات عن اللاعبين الأساسيين الذين سوف يخرج الكثير منهم من رحم المعارضة المسلحة - وهو الأمر إذا قامت دويلة علوية من جيش وأجهزة الأمن من النظام السابق.

مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: