عدم الاستقرار في سوريا يصل إلى لبنان
متاح أيضاً في English
20 كانون الأول/ديسمبر 2012
القتال الأخير في لبنان بين القوات المؤيدة للأسد والمعارضة له يثير شبح انتقال عدوى الحرب من سوريا وغمرها البلد المجاور. وبينما تركز واشنطن على أزمتي سوريا ومصر فإن لبنان التي توشك أن تقع على حافة الهاوية تأتي الآن في المرتبة الثانية في الأولويات لكنها لن تظل كذلك إذا كانت للمتشددين المسلحين الإسلاميين اليد العليا سياسياً أو إذا حدث ما هو أسوأ وهو حصولهم على الأسلحة الكيميائية السورية.
مبادئ بعبدا لم تعد معياراً
في حزيران/يونيو عقد الرئيس اللبناني ميشال سليمان اجتماعاً شمل مختلف القيادات الطائفية والسياسية في البلاد. فخلال ما سُمي بـ "الحوار الوطني" - أول تجمع من نوعه منذ ما يقرب من عامين - توصل سليمان ببعض الضغط إلى قيام توافق في الآراء بين كتلة المعارضة «تحالف 14 آذار» الموالية للغرب و «قوى 8 آذار» التابعة للميليشيا الشيعية «حزب الله» التي تسيطر على الحكومة الحالية. وأكدت الاتفاقية المعروفة باسم "إعلان بعبدا" الحاجة إلى الهدوء. كما دعت إلى تعزيز الدعم لـ "القوات المسلحة اللبنانية" و - الأكثر أهمية، ونظراً للطبيعة الانقسامية للحرب السورية - الالتزام بالابتعاد "عن المحاور الإقليمية والنزاعات الدولية، فضلاً عن التوترات الدائمة والأزمات الإقليمية." وعلى الرغم من الحرب في الجوار - التي يدعم فيها «حزب الله» نظام الأسد، فيما تؤيد "حركة المستقبل" التابعة لـ «تحالف 14 آذار» المتمردين - إلا أن الاتفاقية قد عززت الهدوء المتوتر حتى تشرين الأول/أكتوبر عندما أسفر تفجير سيارة مفخخة في بيروت عن مصرع رئيس فرع المعلومات في "قوى الأمن الداخلي" وسام الحسن.
وأثار مصرع الحسن الموالي لـ «تحالف 14 آذار» إلى جانب وقوع هجومين فاشلين على القادة المسيحيين البارزين في الكتلة، إلى العودة إلى الفترة 2004-2007 عندما قُتل ما يقرب من اثني عشر من كبار شخصيات المعارضة، على الأرجح من قبل سوريا و/أو «حزب الله». وبدافع القلق من الموقف الأمني المتدهور أعلن «تحالف 14 آذار» أنه سيقاطع حكومة «قوى 8 آذار» و "الحوار الوطني" إلى أن يستقيل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي. كما أن «التحالف» اتهم «حزب الله» بانتهاك "إعلان بعبدا" من خلال نشر قوات في سوريا للدفاع عن نظام الأسد الشيعي- العلوي اسمياً، وإرسال طائرة استطلاع جوي إيرانية بدون طيار فوق إسرائيل -- وهما خطوتان افتخر زعيم الميليشيا حسن نصر الله بتبنيهما في خطابه في 11 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي الوقت نفسه كان «حزب الله» ينتقد «تحالف 14 آذار» لخرقه مبادئ بعبدا بتقديمه الأسلحة للمتمردين السوريين. وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت صحيفة "الأخبار" اليومية الموالية لـ «حزب الله» نصوص تسجيلات ضمنت تنصت لمكالمات البرلماني عُقاب صقر من «تحالف 14 آذار» وهو يتحدث إلى قادة "الجيش السوري الحر" في تركيا عن نقل الأسلحة والذخيرة. وقد أقر صقر بقيامه بهذا النشاط؛ وكان أول ما نُشر عن دوره كقناة [لإرسال] الأسلحة السعودية ما ذكرته مجلة "التايم" في أيلول/سبتمبر. ورغم أن مسؤولي المعارضة يدَّعون أنه كان يعمل من تلقاء نفسه إلا أن نصوص تسجيلات صحيفة "الأخبار" - التي يستشهد فيها صقر بزعيم «تحالف 14 آذار» سعد الحريري - تؤكد عكس ذلك. ويطالب «حزب الله» وشريك ائتلافه - المسيحي ميشيل عون من "التيار الوطني الحر" - بنزع الحصانة البرلمانية عن صقر، كما بدأت المحاكم اللبنانية بالتحقيق على إثر ذلك.
«حزب الله» في سوريا
على الرغم من أن المصير القانوني لصقر غير واضح إلا أنه من شبه المؤكد أن «حزب الله» سوف لن يواجه أية عواقب بسبب أنشطته في سوريا. فقد اعترف نصر الله في البداية بانتشار الميليشيا في تشرين الأول/أكتوبر، مشيراً إلى أن عملياتها كانت فقط لحماية الشيعة اللبنانيين عبر الحدود. إلا أن تزايد الإصابات في صفوف «حزب الله» - ومن بينها مقتل أحد كبار القادة العسكريين وهو علي حسين نصيف واختطاف مسؤول الاستخبارات (وابن شقيقة نصر الله) علي صفا- يروي تصوراً مختلفاً، كما هو الحال مع التقارير الآتية من مصادر "الجيش السوري الحر" ومسؤولي نظام الأسد السابقين.
ويقيناً ينبغي أخذ المعلومات عن هذه المصادر بنوع من التشكك. غير أن المنشقين عن "مديرية الاستخبارات الجوية" في نظام الأسد قد أفادوا عن تمركز 1500 من قوات «حزب الله» في سوريا. ويدعي "الجيش السوري الحر" أن الميليشيا قد شاركت في معارك حول حمص وحماة ودمشق. والروايات المتناقلة هي أن شيعة لبنانيين أفادوا أن حالات الدفن السرية لأعضاء «حزب الله» كانت مستمرة في جنوب لبنان لمدة عام تقريباً. والأكثر إثارة للقلق أن العديد من المصادر - من بينها صحيفة «نيويورك تايمز» التي تستشهد بـ "مسؤول أمريكي كبير"- تشير إلى أن وحدات «حزب الله» تقوم بالحراسة أو التمركز قرب مستودعات الأسلحة الكيميائية السورية.
التحريض اللبناني و "القوات المسلحة اللبنانية"
العدوى من سوريا لها تأثير سياسي واقتصادي واجتماعي على لبنان. فهناك أكثر من 130,000 سوري قد سُجلوا بالفعل لدى "المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان". ولم يتم إقامة معسكرات رسمية لإيوائهم رغم أن الكثيرين معوزين ويواجهون ظروفاً بائسة على نحو متزايد مع حلول فصل الشتاء. وقد طلب رئيس الوزراء ميقاتي مبلغ 180 مليون دولار كمساعدة دولية لتغطية النفقات المتوقعة لرعاية هؤلاء اللاجئين على مدى العام المقبل. (للمزيد عن الوضع الاقتصادي والسياسي في لبنان، انظر المرصد السياسي 2007.)
وفي الوقت نفسه، فإن خطوط الصدع السياسية من جانب سوريا قد تولدت بصورة قيام أعمال عنف في عدة مناطق لبنانية ملتهبة حيث تسكن مجموعات متصارعة في جوار بعضها البعض. وكانت مدينة طرابلس ذات الأغلبية السنية قد شهدت لعدة أشهر قتالاً متقطعاً بين العلويين والسنة. ومع ذلك، فبعد مقتل سبعة عشر من المقاتلين اللبنانيين السنة في سوريا في أوائل هذا الشهر ارتفعت حدة الاشتباكات، بحيث شملت المناوشات استخدام أسلحة آلية وقذائف صاروخية وقذائف الهاون، وأسفرت عن مقتل أكثر من اثني عشر شخصاً قبل تدخل "القوات المسلحة اللبنانية".
كما أن مدينة صيدا الجنوبية - منشأ الحريري - قد شهدت صدامات في الأسابيع الأخيرة من بينها حادثة وقعت في الشهر الماضي أطلق خلالها أعضاء من «حزب الله» الرصاص على حارسين شخصيين يعملان لدى رجل الدين السني السلفي المنافس أحمد الأسير. ومنذ ذلك الحين يترأس الأسير سلسلة من المظاهرات الحاشدة المناهضة لكل من الأسد و«حزب الله» في هذه المدينة ذات الأغلبية السنية. إلا أن العنف في ثاني وثالث أكبر المدن اللبنانية لم يمتد بعد إلى بيروت، رغم أن التوترات السياسية في العاصمة قد تنحدر إلى وقوع أعمال قتالية - في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للانتخابات البرلمانية في 2013.
وربما كان يمكن أن يكون الموقف أكثر سوءاً لولا انتشار "القوات المسلحة اللبنانية" باستمرار في المناطق الملتهبة طائفياً على مدى العامين الماضيين. وقد ثبت أن المهمة صعبة، كما أن العديد من الخطوات الخاطئة قد أفضت إلى قيام انتقادات داخلية مفادها أن "القوات المسلحة اللبنانية" متحيزة لصالح «حزب الله» ونظام الأسد. فعلى سبيل المثال، في وقت مبكر اعتقل أفراد من "القوات المسلحة اللبنانية" لاجئين سوريين فارين من المذابح ولم يتخذوا حتى أية تدابير رمزية لحمايتهم من هجمات النظام عبر الحدود. ثم إنه في أيار/مايو 2011 قُتل شيخ سني - معاد للأسد - مع زميله في نقطة تفتيش تابعة لـ "القوات المسلحة اللبنانية" في عكار. ومؤخراً تم اعتقال العديد من مسلحي «حزب الله» بينما كانوا في مهمة استطلاعية في منطقة الشوف وقيل إنهم كانوا يحملون بطاقات هوية صادرة عن الاستخبارات العسكرية.
على الرغم من أوجه القصور التي تشوب "القوات المسلحة اللبنانية" إلا أن واشنطن استمرت في تزويدها بخمسة وسبعين مليون دولار سنوياً كمساعدة في نطاق "التمويل العسكري الخارجي"، وهو ما يمثل حصة الأسد من مخصصات المشتريات العسكرية التي تحصل عليها لبنان. وعلى الرغم من أن "القوات المسلحة اللبنانية" لم تكن دائماً فعالة إلا أنها ربما تكون المؤسسة العسكرية الوحيدة الموثوقة في البلاد -- فـ "قوى الأمن الداخلي" يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها سنية، بينما يُنظر إلى "مديرية الأمن العام" على أنها شيعية.
أولويات الولايات المتحدة في لبنان
إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه، فيبدو أن الإسلاميين اللبنانيين سيكونون في وضع أفضل من أصدقاء واشنطن المعتدلين من حيث الاستفادة من الإطاحة بالأسد وبروز حكومة تحت قيادة سنية في سوريا. ولإحباط تلك المكاسب السلفية/الإسلامية يجب على إدارة أوباما التودد إلى «تحالف 14 آذار» لكي يعمل الآن على ترتيب صفوفه ويتسنى له تحقيق أفضل المكاسب للفوز بعقول وقلوب السنة في الوقت الذي تتحلحل فيه سوريا ويقترب موعد الانتخابات اللبنانية. وقد أدى غياب سعد الحريري، الذي كان خارج لبنان ما يقرب من ثمانية عشر شهراً، إلى حدوث فراغ سني داخل الائتلاف.
يجب على واشنطن أن تدعم أيضاً تصريحاتها القوية حول تأمين مخازن الأسلحة الكيميائية في سوريا. وتمثل هذه القضية، من بين أشياء أخرى، أهمية للأمن اللبناني لأنه بإمكان تسريب هذه الأسلحة إلى «حزب الله»؛ بل بإمكان وقوعها أيضاً في أيدي متشددين سنة في سوريا، وإن كان هذا مستبعداً، لكن الخطورة هي في قيام هؤلاء المسلحين بنقلها حينئذ إلى المسافرين في لبنان الذين يشاركون الأيديولوجيا نفسها. ويمكن لأي من هذين السيناريوهين أن يُشعل مخاطر الفوضى في لبنان ويفضي إلى حريق آخر مع إسرائيل.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
0 comments: