لماذا تخشى روسيا حكم الإسلاميّين في سوريا؟
الإثنين 28 كانون الثاني 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة

مصالح روسيا في سوريا كبيرة، وهي تشمل كما هو معروف القاعدة العسكرية الوحيدة لها على البحر الأبيض المتوسط والتي تقع في ميناء طرطوس على الساحل السوري، وصفقات الأسلحة الضخمة مع النظام السوري، وإتفاقات التعاون الإقتصادي في مجالات التنقيب عن الغاز والنفط، والقدرة على التأثير في قضايا الشرق الأوسط الشائكة، إلخ. وبموازاة كل هذه المصالح، وغيرها الكثير ممّا لا مجال لذكره في مقال واحد، من الطبيعي أن تدعم روسيا بقوّة النظام السوري الحالي، ليس حبّاً بهذا النظام بالتحديد، كما ظهر في أكثر من موقف روسي، وآخره موقف رئيس الوزراء الروسي ديمري ميدفيديف، بل خوفاً من البديل. فلماذا تخشى روسيا بشكل خاص وصول الإسلاميّين إلى الحكم في سوريا؟ الجواب له خلفيّة دينيّة وديمغرافيّة تمتدّ على كامل مساحة القارة الآسيويّة. وهذه أبرز عناوينه:
أولاً: بات عدد المسلمين في روسيا الإتحادية (تضم 83 كياناً إتحادياً) يتراوح ما بين 15 إلى 20 مليون شخص (حسب المرجع)، من أصل إجمالي عدد السكان الذي يبلغ حالياً نحو 143 مليون نسمة. ويتواصل مسلمو روسيا دينياً وثقافياً مع نحو 22 مليون مسلم موزّعين على الجمهوريات الإسلامية المحيطة بروسيا، وهم يميلون أكثر فأكثر إلى الإنعزال والتقوقع عن باقي المجموعات الإتنية والمذهبيّة، لا سيّما المسيحيّة منها. والمشاكل بين الجانبين في تزايد.
ثانياً: إذا كان صحيحاً أنّ عدد غير المتديّنين في روسيا هو مرتفع كثيراً، ويتجاوز ثلث الشعب، إلا أنّ الأصح أنّ الباقين هم من المسيحيّين الأرثوذكس الممارسين. والرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين عزّز علاقات الدولة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة، وهو يعمل على إعادة القيم المسيحيّة التي كانت إضمحلت في كثير من المناطق، بفعل القمع والإضطهاد أيّام حكم الأنظمة الشيوعية قبل سقوطها. ورفع هذا الأمر مستوى التوتّر مع التيّارات الإسلامية المتنامية، والتي تحوّلت بأغلبيّتها إلى المعارضة، في محاولة للوقوف أمام هذه السياسة.
ثالثاُ: تخشى الإدارة الروسية أن يعزّز تنامي حضور القوى الإسلامية المتشدّدة في الشرق الأوسط، والذي تمّ بالقوّة عبر الثورات إن السلميّة أو المسلّحة، النزعة الإنفصاليّة للجماعات الإسلاميّة في دول الإتحاد السوفياتي السابق، مثل أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان في القوقاز، خصوصا أنّ تجربة الشيشان الدمويّة ما زالت راسخة في الأذهان. وهنا لا بدّ من التذكير أنّ الرئيس بوتين، والذي هو رجل إستخبارات سابق، قمع الحركة الإستقلالية في الشيشان بالقوّة، علماً أنّ الإسلاميّين الشيشانيّين كانوا قد خاضوا حرب عصابات وإستنزاف مع القوات الروسية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وقاموا أيضاً بتنفيذ عمليّات أمنيّة وإرهابيّة داخل موسكو وغيرها من المدن الروسية. وعلى الرغم من فرض الجيش الروسي اليوم قبضته الحديديّة بشكل أكبر من السابق، فإنّ أعمال العنف المتقطّعة لا تزال تحدث في مختلف أنحاء شمال القوقاز.

رابعاً: إكتشفت أجهزة الإستخبارات الروسية في الماضي القريب العديد من الخلايا التي تعمل على تشجيع الإنفصال عن روسيا، تحت عباءة الإستقلال الديني. وتدير هذه الخلايا جماعات من الإسلاميّين المتشدّدين، الكثير منها هاجر حديثاً إلى المناطق ذات الأغلبيّة الإسلامية في دول الإتحاد السوفياتي السابق. وهي تحظى بإمكانات مادية قويّة، بفعل الدعم الذي تلقاه من متموّلين إسلاميّين من بعض الدول العربية المتمكّنة مالياً بشكل خاص. وتستخدم هذه الجماعات الإسلامية الإنفصاليّة النزعة، الأموال والمساعدات التي تتلقّاها، لبناء الجوامع والمدارس الدينيّة ومراكز المساعدات الإجتماعية التي تعمل بإيديولوجيا إسلامية واضحة. حتى أنّ بعض هذه الخلايا يؤمّن الدعم العسكري والمالي لإنفصاليّين إسلاميّين، خاصة في شمال القوقاز.
وبناء على ما سبق، فإنّ لا مصلحة لروسيا الإتحادية بإستبدال النظام السوري الحالي، بنظام مماثل للأنظمة التي إنبثقت أخيراً في كل من ليبيا وتونس ومصر. والمسألة تتعدّى "الحرب الباردة" مع أميركا، و"النفوذ الإقليمي" بوجه تركيا وغيرها، و"المصالح العسكرية والإقتصادية" مع سوريا - الأسد، لتطال القوميّة الدينيّة في روسيا. فالمعادلة بسيطة: كلما زادت التيّارات الإسلامية المتشدّدة قوّة وقدرة في أي مكان في العالم، تشجّعت الجماعات الإسلامية في دول الإتحاد السوفياتي السابق أكثر فأكثر على الإنفصال. وموسكو لن تساهم بهذا السيناريو بالتأكيد، بل ستقف بوجهه. وهذا ما تفعله في سوريا حالياً، علماً أنّ موضوع تغيير النظام السوري قابل للنقاش بالنسبة إلى روسيا، لكن بشرط معرفة البديل مسبقاً.
0 comments: