Monday, May 13, 2013


إصابة مباشرة


بقلم: عمير ربابورات
بدأ الجيش الإسرائيلي مع اقتراب نهاية الأسبوع في العودة إلى روتينه المعتاد على الجبهة المتوترة مقابل سوريا، والاستعداد للهدف التالي: المعركة الهائلة على ميزانية الدفاع، التي ستقع في الحكومة يوم الأحد المقبل.
ولنبدأ بالشمال: في تحليل إلى الوراء لما نشر حول الهجوم حتى الآن يمكن استعادة الأيام المتوترة التي مرت على الجبهة. وقد ابتدأ التوتر قبل أسبوعين بإرسال الطائرة غير المأهولة التي اعترضت في البحر على بعد عشرة كيلومترات من شاطئ حيفا. وبات الجيش الإسرائيلي يعرف من وقف خلف إرسال الطائرة (ليس بالضرورة حزب الله)، ولكن لا صلة بين هذا الحدث وبين ما حدث ابتداء من منتصف الأسبوع الفائت.
واليوم بالوسع التقرير أنه خلال الأسبوع الفائت شقت طريقها من إيران إلى دمشق شحنة من بضع مئات من صواريخ فاتح 110 كانت معدة لحزب الله في لبنان. وتحمل هذه الصواريخ رؤوسا حربية بوزن نصف طن تقريبا، ولديها آلية توجيه تسمح لها بإصابة أي هدف في وسط البلاد بدقة أمتار. وإذا لم يكن ذلك كافيا، فإن هذه الصواريخ تسير بوقود صلب، وتحمل على ظهر منصة متحركة. ومعنى ذلك أنه بالوسع إطلاقها خلال وقت قصير، وسيكون متعذرا جدا على سلاح الجو منع إطلاقها.
وعلاوة على ذلك: بوسع هذه الصواريخ أن تشكل تحديا قاسيا جدا لمنظومة «القبة الحديدية»، ومع ذلك ليس واضحا متى سيمتلك سلاح الجو منظومة «عصا الساحر»، المفترض أن تعترض صواريخ من هذا النوع. وكان يفترض أن ينجز هذا التطور في العام 2014 ولكن في هذه المرحلة لا توجد دلائل على استيعاب منظومة السلاح الجديدة في منظومة الدفاع الجوي في العام المقبل.
وبالإجمال، إن منع نقل صواريخ فاتح 110 من إيران لحزب الله كان جزءا من الخط الأحمر الذي وضعته إسرائيل للبنان، إيران وسوريا (حاول وزير الدفاع موشي يعلون رسم الخطوط الحمراء خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي، تشاك هايغل، في الشهر الماضي، لكن الرسالة لم تصل). إذاً، حينما غدت الصواريخ على أرض سوريا، واجهت إسرائيل معضلة ما إذا كانت ستجسد تهديدها وتمنع بكل السبل نقل سلاح هام استراتيجيا للبنان أم لا.
وبحسب المنشورات الأجنبية، هاجمت طائرات سلاح الجو للمرة الأولى في الثالثة من فجر الجمعة الماضي. وبشكل مفاجئ خرجت الأنباء عن الهجوم يوم السبت من جهات رسمية أميركية. يمكن الافتراض أن جهات إسرائيلية لم تفاجأ أبدا من نسبة الهجوم لإسرائيل، رغم أنه بشكل رسمي كانت مصلحة إسرائيل في الحفاظ على الغموض: إعلان رسمي بالهجوم كان سيشجع على رد فعل من الطرف الثاني.
أما الهجوم الثاني، فجر يوم الأحد فلم يكن مخططا وإنما أقرب إلى استغلال نجاح: فالسوريون كانوا لا يزالون مصدومين من الغارة الأولى، حينما سقطت صلية قذائف على الجبال شمالي دمشق، حيث نقلت الصواريخ التي نجت من الهجوم الأول.
وبدا الأمر كهجوم حربي فعلا. ويمكن الافتراض أنه من أجل تحديد شحنة الصواريخ استخدمت إسرائيل كل أنواع جمع المعلومات المعروفة، (ابتداء من العملاء والصور الفضائية، التنصت لشبكات الاتصال وطلعات تصوير ووفق شهادات سكان شمال البلاد ولبنان، فإن وتيرة طلعات سلاح الجو، على ما يبدو لأغراض التصوير، لم يسبق لها مثيل في الشهور الأخيرة. سلاح الجو يصور دون توقف).
قذائف ذكية
وكما يبدو، فإن العديد من رباعيات الطائرات خرجت للهجوم الثاني. ومن أجل ضرب أهداف في محيط دمشق لا حاجة أبدا لطائرات سلاح الجو باختراق المجال الجوي لسوريا ولا حتى لأجواء لبنان. فبوسعها التحليق فوق البحر، مقابل لبنان، ومن هناك تطلق عدة أنواع من الذخائر وبينها صواريخSPICE من انتاج «رفائيل»، والتي تشخص الهدف عن طريق مقارنة صورته مع صور وضعت أصلا في «دماغ» الصاروخ. وصواريخ «دليلة» من انتاج «تاعس»، القادرة على التحليق فوق الهدف إلى حين مهاجمته، ومنظومات JDAM الأميركية، التي تغلف قذائف «غبية» بوزن طن وتوجهها نحو الهدف بنظام جي بي إس. وإذا أطلقت الطائرات القذائف من ارتفاعات عالية جدا، فإنها تحلق طويلا حتى إصابة الهدف بدقة.
وأيا كانت الذخائر، فنتائج الغارة المنسوبة لإسرائيل ظاهرة جيدا في أرجاء دمشق: سحب دخانية هائلة انطلقت من مواقع الصواريخ المهاجمة، وانفجارات لاحقة سمعت بعد ذلك.
ولم يكن بوسع الحكومة السورية، التي تجاهلت الهجوم الأول، أن تتجاهل أيضا الهجوم الثاني واختارت التهديد والزعم أن الهجوم يثبت تعاون المتمردين مع إسرائيل. ولم تأخذ المؤسسة الأمنية بجدية لا التهديد ولا الزعم، ومع ذلك نشرت بطاريات «القبة الحديدية» في الشمال، وقلصت مناورات في إطار تدريب كبير لقيادة الشمال يدعى «زهور الربيع»، يجري هذا الأسبوع وفق خطة مسبقة. لم تلغ المناورة تماما، ولكن بقيت أساسا على شاشات الكومبيوتر داخل غرف العمليات، حتى لا يسهم تحريك القوات في تصعيد الوضع المتوتر أصلا.
لقد حاول رجال الأسد الادعاء أيضا أن الهجوم أعد لإنقاذ المتمردين إثر نجاحات الجيش. وهذا أيضا غير دقيق: جيش الأسد، بمساعدة مكثفة من إيران وحزب الله، سجل فعلا عدة إنجازات تكتيكية في مناطق قتال مختلفة في سوريا في الآونة الأخيرة، ولكنه بالعموم يتراجع بشكل دائم منذ عامين تقريبا.
وماذا عن حزب الله؟ (السيد) حسن نصر الله ظل بعيدا بعض الشيء هذا الأسبوع، لكنه ادعى أن السلاح المهاجم في سوريا لم يكن أبدا لمنظمته.
معركة الميزانية
والحصيلة الموقتة للهجوم المنسوب لإسرائيل: الردع تحسن، تقديرات الاستخبارات ثبتت صحتها، ولو أنه يجوز عاجلا أم آجلا قد تحين جولة أخرى تضطر فيها إسرائيل للعمل لإعادة رسم خطوطها الحمر.
وفي هذه الأثناء تتفرغ قيادة الجيش الإسرائيلي لمعركتها الكبرى التالية، ضد وزارة المالية. وسيكون ميدان المعركة غرفة الحكومة في ديوان رئاسة الحكومة في القدس. والموعد: قبل ظهر يوم الأحد. وسيكون اللاعبون الرئيسيون في جمهرة المشاركين رجال وزارة المالية، المعنيين بتقليص أربعة مليارات شيكل على الأقل من ميزانية الدفاع، وقيادة الجيش التي ستقف بقوام كامل تقريبا لعرض خطة «عوز» للتسلح واحتياجاتها الميزانية.
وعمليا لم يسبق لخطة «عوز» أن نالت مصادقة رسمية، والجيش الإسرائيلي يعمل من دون خطة منذ العام 2010، حينما انتهت خطة «تيفن». في صيف 2011 كان يفترض سريان خطة تسلح باسم «حلميش»، لكنها جمدت على خلفية التظاهرات الاجتماعية في البلاد.
في 2012 تبلورت خطة «عوز» لكنها لم تقر رسميا بسبب تبكير الانتخابات. ورغم ذلك، فإن نائب رئيس الأركان السابق الجنرال يائير نافيه أبرم صفقات هائلة مع الصناعات الأمنية التي دشنت سلسلة مشاريع. عمليا أقرضت الصناعات الأمنية الجيش الإسرائيلي أموالا، ووافقت على نشر أقساط مشاريع مركزية على النصف الثاني من هذا العقد.
وماذا الآن؟ لا يعتبر الوزير يعلون في الجيش المحارب المثالي من أجل ميزانية الدفاع ضد المالية. في عهده، كرئيس أركان مطلع العقد الماضي، تلقى تقريبا بخنوع تقليصا هائلا في الميزانية، قاد إلى وقف تدريبات وتقليص مخزون الذخائر، وهي خطوة بدت آثارها بعد سنوات في حرب لبنان الثانية.
ثمن التقليصات
سيصل يعلون للنقاش المصيري على ميزانية الدفاع الأسبوع المقبل، بعد أن قال سابقا ان بالوسع تقليص ميزانية الدفاع للعامين 2013 و2014 في ضوء متطلبات الاقتصاد. وهذا ليس موقفا ابتدائيا مثاليا من وجهة نظر الجيش، ومع ذلك فإن الفجوات بين وزارة المالية ووزارة الدفاع لا تزال هائلة. ويعلون يقبل تقليصا لميزانية العام 2013-2014 شرط إعادة مبلغ التقليص للخطة متعددة السنوات لاحقا. بالمقابل تتحدث وزارة المالية عن تقليص عميق في ميزانية الدفاع من دون أي تعويض.
ويعلون أقل تلاعبا من وزير الدفاع السابق إيهود باراك، الذي كان يعرف كيف يجعل من كل تقليص لميزانية الدفاع في مطلع العام زيادة في الميزانية في نهايته بفضل الأموال التي تضخ لوزارته في الشهور التالية.
يوم الأحد سيعرض رئيس شعبة التخطيط في الجيش، المستشار المالي لرئيس الأركان، نائب رئيس الأركان ورئيس الأركان نفسه مخاطر التقليص. وسيحاولون الزعم أن تقليص الميزانية سيضر بشكل مباشر بمخازن الطوارئ وبجهوزية القوات النظامية والاحتياطية، فعلا كما قبل عقد (تجنيد قوات احتياطي أقل للتدريب). وسيعرض الجيش عددا لامتناهيا من وسائل الإيضاح التي ستظهر المخاطر المختلفة، وفق عدة درجات تقليص يمكن أن تدرج على جدول الأعمال.
وفي الجيش الإسرائيلي يسلمون بتقليص كبير في الميزانية (يقلص تقريبا بشكل مؤكد مشتريات مدرعات ميركافا، والنمور مثلا). كم سيكون التقليص عميقا؟ الحكومة ستقرر ذلك، في المداولات على ميزانية الدولة المقررة يوم الاثنين. في كل حال سيكون هناك أساس لسجالات تتواصل في ضوء الأحداث الأمنية والهجمات التي ستقع لاحقا.


المصدر:
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: